واجهة لامعة وواقع مغاير على الورق، تبدو حصيلة مخطط المغرب الأخضر بإقليم تيزنيت لامعة بالأرقام والتصريحات، لكن عند الاقتراب من الميدان، تنكشف صورة أخرى أقل بريقًا، تكشف عن ممارسات تجعل من "قصص النجاح" واجهة لتسويق واقع مختلف تمامًا. الضيعات النموذجية... عرض أمام الكاميرات وفق معطيات ميدانية، تعمل المديرية الإقليمية للفلاحة على تجهيز ثلاث أو أربع ضيعات نموذجية بشكل استثنائي، عبر تزويدها بأحدث المعدات والأسمدة، والسهر اليومي على نجاحها، ليتم عرضها أمام الوزراء والمسؤولين والصحافة كنموذج للمشاريع الناجحة. لكن خلف هذه الواجهة، تنتشر مشاريع متعثرة أو متوقفة، وأخرى لم تتجاوز مرحلة الأوراق، تاركة وراءها أراضٍ مهملة وخسائر مالية. جمعيات سياسية ومشاريع فاشلة تشير المصادر إلى أن جمعيات مقربة من حزب رئيس الحكومة استفادت من تمويلات ضخمة لمشاريع فلاحية، فشلت في تحقيق أهدافها دون محاسبة. بل إن بعض هذه الجمعيات، رغم فشلها في مشروع، حصلت على دعم لمشاريع أخرى فشلت بدورها، وسط ما يوصف ب"تواطؤ" مسؤولين محليين. المشاريع كأداة انتخابية تُوجّه بعض المشاريع إلى مناطق تُعتبر خزانات انتخابية، حيث تُستعمل كأداة للتأثير على التصويت. قرى بأكملها يتم ربط استفادتها من المشاريع بالتزام سكانها بالتصويت لحزب معين، في غياب معايير شفافة للتوزيع العادل للميزانيات. شركات محظوظة وموظفون مستفيدون بعض الشركات، خاصة تلك المرتبطة بموظفين في المديرية الإقليمية، استفادت من مشاريع ممولة. هؤلاء الموظفون أسسوا شركات خاصة، تولوا لاحقًا مراقبة مشاريعهم بأنفسهم، جامعِين بين دور "الخصم والحكم"، في وضع يطرح تساؤلات حول تضارب المصالح وغياب الرقابة الفعلية. أرقام ضخمة ونتائج هزيلة رغم الإعلان عن ميزانية تناهز 150 مليار سنتيم للمشاريع الفلاحية بالإقليم، فإن النتائج على الأرض تكذب التصريحات الرسمية. قلة المياه، واعتماد شركات بلا خبرة، وحفر آبار دون دراسات مسبقة، أدت إلى جفاف المياه في أشهر قليلة وموت المزروعات، ما جعل "النجاح" حبرًا على ورق. الواقع يكذب الأرقام تصريحات المسؤولين وبلاغات الوزارات تُسوق لإنجازات ضخمة، لكن الميدان يكشف أن الكثير من المشاريع لم تتعدَ كونها أرقامًا في التقارير، فيما الميزانيات الضخمة صُرفت على مبادرات لم تحقق الأهداف المعلنة. بين الصورة الرسمية والحقيقة الميدانية، فجوة عميقة تزداد اتساعًا مع مرور الوقت. رؤساء جمعيات في دائرة الخطر بعض رؤساء الجمعيات المستفيدة من المشاريع قد يجدون أنفسهم في مواجهة القضاء، بعدما وقعوا على محاضر شراكة مع المديرية الإقليمية للفلاحة، تلزمهم بتحمل مسؤولية أي فشل للمشاريع، بما في ذلك إرجاع مبالغ الدعم. هذه "التخريجة" القانونية، التي صاغها المسؤولون، تُمكّنهم من التنصل من المسؤولية، وإلقاء عبء الفشل على الجمعيات وحدها. النجاحات الحقيقية... أهداف شخصية حتى نكون منصفين، فإن بعض المشاريع الناجحة في الإقليم تعود بالأساس إلى رجال أعمال وأصحاب رؤوس أموال تربطهم علاقات نافذة بمسؤولين، استفادوا من الدعم العمومي لتطوير ضيعات خاصة بهم، غالبًا لأغراض شخصية مثل تزيين وتشجير إقاماتهم، وحفر الآبار لقضاء العطل والمناسبات، بعيدًا عن أهداف المخطط الموجهة للفلاح الصغير. نداءات بلا صدى ولجان غائبة رغم تعدد الشكايات والمراسلات، يبقى صدى المطالب بالتحقيق في مشاريع مخطط المغرب الأخضر بإقليم تيزنيت ضعيفًا أمام جدار الصمت الرسمي. البرلمانية "النزهة اباكريم" كانت قد وجهت سؤالًا كتابيًا إلى وزير الفلاحة، طالبت فيه بإيفاد لجان افتحاص للوقوف على حقيقة المشاريع، لكن دون أن تتلقى جوابًا أو أن تُوفد لجان ميدانية. وفي الميدان، عبّر ذوو الحقوق المستفيدون من مشروع غرس الخروب بدوار تازريت ابناران بجماعة تاسريرت عن استيائهم من فشل المشروع، مطالبين بدورهم بإيفاد لجنة للتحقيق، محمّلين المسؤولية الكاملة للمديرية الإقليمية للفلاحة. كما يواصل سكان منطقة تمزليت بأكلو مناشدة المسؤولين للتدخل العاجل وفتح تحقيق في مشاريع فلاحية فاشلة، لكن دون استجابة، مما يعزز الاعتقاد بأن لوبيات المصالح وناهبي المال العام يمتلكون نفوذًا يكفي لعرقلة أي مسار للمحاسبة. ويؤكد متابعون أن أي تحقيق جاد سيكشف خبايا وكوارث مالية وتنموية مرتبطة بالمخطط في تيزنيت، وسيجيب عن السؤال الذي ظل يتردد على ألسنة الساكنة: أين ذهبت ميزانية ال150 مليار سنتيم؟ سؤال المال العام بين "النجاحات المعلّبة" التي تُعرض أمام الكاميرات، والمشاريع الفاشلة التي تختفي عن الأنظار، يبقى السؤال قائمًا: أين ذهبت أموال المخطط؟ وما جدوى استمرار هذه الآلية دون تقييم حقيقي ومحاسبة صارم