كأس الكونفدرالية الإفريقية.. نهضة بركان يتأهل للنهائي بعد انسحاب اتحاد العاصمة الجزائري    البطولة الوطنية الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة ال27).. المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد 0-0    السيام 16 حطم روكور: كثر من مليون زائر    ماذا بعد استيراد أضاحي العيد؟!    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك للقفز على الحواجز    اتحاد العاصمة ما بغاوش يطلعو يديرو التسخينات قبل ماتش بركان.. واش ناويين ما يلعبوش    تعميم المنظومتين الإلكترونييتن الخاصتين بتحديد المواعيد والتمبر الإلكتروني الموجهة لمغاربة العالم    الدرهم يتراجع مقابل الأورو ويستقر أمام الدولار    أشرف حكيمي بطلا للدوري الفرنسي رفقة باريس سان جيرمان    طنجة تتصدر مقاييس التساقطات المطرية المسجلة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الإثنين    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    حماس تنفي خروج بعض قادتها من غزة ضمن "صفقة الهدنة"    الاستقلال يترك برلمانه مفتوحا حتى حسم أعضاء لجنته التنفيذية والفرفار: الرهان حارق (فيديو)    جمباز الجزائر يرفض التنافس في مراكش    احتجاج أبيض.. أطباء مغاربة يطالبون بحماية الأطقم الصحية في غزة    مقايس الامطار المسجلة بالحسيمة والناظور خلال 24 ساعة الماضية    طنجة.. توقيف شخص لتورطه في قضية تتعلق بالسرقة واعتراض السبيل وحيازة أقراص مخدرة    لتخفيف الاكتظاظ.. نقل 100 قاصر مغربي من مركز سبتة    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    بيدرو سانشيز، لا ترحل..    محكمة لاهاي تستعد لإصدار مذكرة اعتقال ضد نتنياهو وفقا لصحيفة اسرائيلية    "البيغ" ينتقد "الإنترنت": "غادي نظمو كأس العالم بهاد النيفو؟"    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    اتفاق جديد بين الحكومة والنقابات لزيادة الأجور: 1000 درهم وتخفيض ضريبي متوقع    اعتقال مئات الطلاب الجامعيين في الولايات المتحدة مع استمرار المظاهرات المنددة بحرب إسرائيل على غزة    بلوكاج اللجنة التنفيذية فمؤتمر الاستقلال.. لائحة مهددة بالرفض غاتحط لأعضاء المجلس الوطني        بيع ساعة جَيب لأغنى ركاب "تايتانيك" ب1,46 مليون دولار    نصف ماراطون جاكرتا للإناث: المغرب يسيطر على منصة التتويج    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    توقيف مرشحة الرئاسة الأمريكية بسبب فلسطين    حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على عزة ترتفع إلى 34454 شهيدا    الدورة 27 من البطولة الاحترافية الأولى :الحسنية تشعل الصراع على اللقب والجيش الملكي يحتج على التحكيم    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    شبح حظر "تيك توك" في أمريكا يطارد صناع المحتوى وملايين الشركات الصغرى    الفكُّوس وبوستحمّي وأزيزا .. تمور المغرب تحظى بالإقبال في معرض الفلاحة    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    نظام المطعمة بالمدارس العمومية، أية آفاق للدعم الاجتماعي بمنظومة التربية؟ -الجزء الأول-    مور انتخابو.. بركة: المسؤولية دبا هي نغيرو أسلوب العمل وحزبنا يتسع للجميع ومخصناش الحسابات الضيقة    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    الحبس النافذ للمعتدين على "فتيات القرآن" بشيشاوة    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    رسميا.. نزار بركة أمينا عاما لحزب الاستقلال لولاية ثانية    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التراث المادي:قصرآسا نمودجا


تقديم
إن لكل أمة تراث،يعتبر عنوان شخصيتها الوطنية ويعبر عن قدرتها العقلية 0ويحدد مدى عبقريتها ويكشف عن قوة إرادتها ويبرز طابعها القومي الأصيل في مجال الحضارة 0والمغرب كغيره من الأقطار يعتبر من أهم الأمم التي حازت تاريخا و تراثا مهما نظرا لتعاقب فترات تاريخية كانت تعرف خلالها تغيرات على عدة مجالات و لعل أبرز المناطق التي شكلت بؤرة رئيسة في هذا التراث ،المناطق الجنوبية التي كانت مركزا حيويا في جميع الفترات التاريخية المتعاقبة نخص بالذكر منطقة أسا التي تمثل نموذج المخزون التراثي للأقاليم الجنوبية وذلك لما تحتويه من معطيات تاريخية عريقة لسكانها مثل قصر أسا 0فماهو موقعه ؟ وماهي مكوناته؟ وماهي مميزات البناء وطرقه ؟
الموقع الجغرافي للقصر
لتحديد موقع القصر لابد من إعطاء تعريف له وهو مجموعة من البيوت المتراصة جنبا إلى جنب يحيط به سور كان يقيها من نهاب الصحراء ويحميها من الرياح الرملية.
وعادة ما تكون القصور مشيدة في أمكان عالية كالتلال المجاورة للمجاري المائية ، يقصد بها أيضا المساكين الحصينة التي بنيت في المناطق القريبة من الصحراء إلى أن الاستعمال الشائع حاليا قد وسع من مفهوم القصور والقصبات وسارت تطلق على غالبية الهندسة المعمارية في جنوب المغرب والتي تندرج تحتها كل البنيات التي يتواجد فيها عنصر من عناصر التحصين كالقرى والمنازل المسورة ومخازن الغلال المتواجدة على شكل قلاع والبنايات الدينية كالمساجد والزوايا وغير ذلك من المرافق ، ولعل أهم عامل يتحكم في تشييد القصور هو عامل المناخ وخصوبة الأرض لضمان الاستقرار ، ينظاف إلى هذا عامل أخر مهم وهو الرغبة في الأمن والطمأنينة ، فالقصر في غالب الأحيان هو كيان واحد لا يمكن تجزيئه على اعتبار أن أهل القصر يعيشون حياة أمنة داخل هذا الحصن المحصن بسور عال والذي هدفه الوحيد تكتل أهل القصر وتوحدهم ضد الأخطار التي تعتري حياتهم
أ. أسوار و أبراج قصر أسا :
يضم قصر أسا مجموعة من الأبراج يبلغ عددها سبعة ، رغم أن بعضها اندثر مع الزمن إلا أنها لازالت راسخة في الذاكرة الجماعية لساكنة قصر أسا ، و لعل أهم قاسم مشترك بين هذه الأبراج هو شكلها الحالي باستثناء برج أحشاش و كون معظمها تتخللها منزلقات من الأحجار الكبيرة المختلفة الأشكال و الملساء مثل برج " ن بزير" ، برج "ن باها" ، برج " ن ايت اوحايك " ، و بصفة عامة فأبراج القصر و الموجودة أساسا في القسم الشمالي و المتميز بكونه مشيد على أعلى تلة يصل ارتفاعها إلى حوالي 200 متر ، و هو ما يفسر طريقة البناء الحجري الذي اكسبه جمالية طبيعية ،و فيما يلي جرد لأهم تلك الأبراج :
- برج اند بزيز
- برج أحشاش
- برج اند عبيد الله
- برج نابت حانت
- برج اند باها
- برج اند بحمان
- برج تنضو حانت
أما الأسوار و كما ذكرنا سالفا لا يتعدى سورا واحدا يحيط بالجهة الشمالية للقصر ( اداومليل) حيث يمتد من برج أحشاش وصولا إلى مسجد " اداومليل " ، و هو بمثابة الحصن الحصين و المنيع الذي يحمي القصر من أي خطر أو تطفل أجنبي عليه ، و يتميز هذا السور بقصر طوله من الداخل و طوله من الجهة الخارجية مما يسهل على أهالي القصر رؤية المنطقة من الداخل ، و قد شيد أساسا لسبب دفاعي ، و كما أشار إليه ابن خلدون في مقدمته إلى أن الإنسان " لما حيل إليه من الفكر من عواقب أحواله ، لا بد أن يفكر فيما يدفع عنه الأذى من الحر و البرد ... كما أن لهذا دور أخر هو رد قوة الرياح التي يتعرض لها القصر بحكم تواجده على قمة الجبل ، و ينحدر طول السور بانحدار الجبل و كذا المنازل المتواجدة به .
السور الذي يحيط بالقصر
ب. أهم الأبواب و الأزقة :
كل الأشياء في الحياة لها ركيزة ومميزات ملازمة لها و العمران من بين تلك الأشياء التي لها مميزات لصيقة به ، و باختلاف أماكن تشيده ، فأي مدينة مهما تقلصت أو اتسعت مساحتها إلا و لها مميزاتها ، كطرق البناء و مكوناته و الأبواب من بين هذه المكونات التي تميز بها البناء المعماري ، و قصر آسا غني بها ، حيث نجد مجموعة من الأبواب الرئيسية و الثانوية ، و يبلغ عدد أبواب الرئيسية ثمانية أبواب أهمها :
 إمي ندرب أكرام : نسبة إلى احد ساكنة القصر الشرفاء.
 إمي ندرب اهراسن : نسبة إلى قبيلة اهراسن التي تسكن بها.
 إمي تندرت اداومليل : مدخل يؤدي إلى خارج أحشاش
 إمي تندرت اداونكيت : مدخل يؤدي إلى السوق تتخلله مجموعة من الدكاكين .
 إمي إمي : مدخل الرئيس المؤدي إلى ساحة البرج.
 إمي نسوق : يوجد بالقسم الشمالي يؤدي أيضا إلى السوق.
 إمي نتمزكيدا : يوجد قرب مسجد اداومليل يحده السور.
هذه الأبواب الرئيسية هي منافذ إلى القصر لها أوقات خاصة تفتح و تغلق بنظام داخلي تنظيمي لا يدخل منها إلا الخواص ، أي من يسكنون به ، و على الضيف اخذ الإذن من مجلس " ايت الأربعين " قبل الدخول يطلق عليه " تنفولت " ، أيضا و كما هو الحال في جل المدن المغربية الأثرية القديمة ، فالقصر يحوي مجموعة من الدروب التي تختلف تسمياتها ومواقعها و تميز أشكالها ، و اختلاف بعضها عن البعض ، هذا الاختلاف الذي يبرز بجلاء في جهتي القصر الشمالية و الجنوبية ، هذه الأخيرة تمتاز دروبها بالشساعة و يتخللها نوع من العتمة ، و يسكنها كل من عائلات القبيلة نفسها و ابرز هذه الدروب : درب " ند باكريم " ، درب " ندهمان" ، درب " اهراسن " ، درب " ند عثمان" درب " افلا " أما دروب الجهة الشمالية فلها مميزات خاصة حيث تتسم هي الأخرى بضيقها وانحدارها ، هذا الانحدار الذي يرجع بالأساس لكون البناء مشيد على تلة و نذكر منها : درب " ن ايت احايك " درب " ن علي ابلا " ، درب " ن باحسي " درب "ن باها" درب " ن سيدي الحسان " درب " ن بريك " . رغم بساطتها فالدروب تمثل جزء مهما من مكونات البناء المعماري .
أزقة القصر هي الأخرى لم تخلو من التعدد و الاختلاف من حيث شكلها و أسمائها ، و التي تحمل كل منها في طياتها دلالات و معان خاصة بالحياة العامة بالقصر ، و ساكنته او تصف حالة ذلك الزقاق ، و منها ما يرتبط اسمه بالمعتقد الديني للساكنة ، و عند ملاحظتنا للأزقة المتواجدة بالقسم الشمالي للقصر نجدها متصفة بالانحدار و ضيق ممراتها و نذكر منها : " تسكوت اوكضي ندحيا " ، " تسكوت اند المختار " ، " تسكوت كروزن " " تسكوت غزيفين " ، " تسكوت ند عبايدالله " ، " تسكوت نتشارافين " ، " تسكوت امزيلن" ، "تسكوت ندوتكما " .
و على عكس تلك المتواجدة على القسم الجنوبي و التي تتميز باتساعها و انبساطها : " تسكوت ندباب السدرة " ، " تسكوت ند بيجان " ، " تسكوت امي نتميميت " " تسكوت ند بنطالب " ، " تسكوت ن سيدي يعقوب " ، " تسكوت نداحن " ، " تسكوت اندموسى او سليمان" ، "تسكوت ندوتكما " ، و يبدو أن هذه الأزقة أنشئت خصيصا للربط بين المؤسسات الدينية ( المساجد – الزاوية – المقبرة ) و ذلك لالتقاء جل الشوارع و الأزقة في ممرات تنتهي بإحدى هذه المؤسسات ، و ذلك عائد إلى كون العامل الديني يتحكم في توجيه سلوكيات ساكنة القصر ، و تجدر الإشارة إلى الهاجس الأمني و تمويه العدو عن القصر ، يتحكم كذلك في هندستها و شكلها الذي يظهر من خلال التنظيم الداخلي للقصر .
ج. فضاءات المعلمة :
 الساحات : تمثل الفضاء و المتنفس الأبرز لساكنة القصر ، فقد كانت تشهد حفلات ليلية أو حفلات الأعراس التي يكون أساسها أحواش ، تضم رجال القصر الذين يحبون و يتقنون الغناء و الغزل المحليين ، و معيار القرب هو المتحكم و كذلك اختيار الساحة ستشهد حفلا معينا كما تستغل للاحتفالات بالأعياد الدينية والوطنية ، كما أن بعضها تخصص بممارسة احتفالات و طقوس معينة بكلتا جهتي القصر .

أنوار اهمو : يتم الاحتفال فيه بالحفلات و الأعياد الوطنية .
• تسكوت غزيفن : ساحة مخصصة للفلكلور الشعبي الخاص بالفتيات في عيدي الفطر و الأضحى ، و كذلك تخصص لممارسة طقوس وعادات (ايماغن اومان )
• تشارفين : يتم الاحتفال فيها بظاهرة " امعشارن " في عاشوراء من كل سنة.
• امي اوزيلال : تشهد الاحتفال بظاهرة " اهياضن " التي يتم الاحتفال بها عند بداية موسم الحرث
• اكلاكال : هي فضاء لم يخصص لغرض معين ، عبارة عن ساحة عمومية.
هذه أهم الساحات المتواجدة بالقسم الشمالي من القصر .
• اناصر : يتم استقبال الضيوف القادمين من مناطق مجاورة خاصة المكونين من فرق أحواش.
• ساحة امي لحاوش نحماد اوعلي : ساحة تخصص لاحتفال الفتيات بالأعياد و كذا احتفالات الأعراس و غيرها.
• امي نزاويت : ينظم فيها موسم زاوية أسا " الموكار ".
• ساحة ادبوهرادة : ساحة تخصص لممارسة طقوس ادبوهرادة.
هذه أهم الساحات المتواجدة بالقسم الجنوبي و الملاحظ أن جل الأنشطة التي تقام في هذه الساحات تكون مرهونة بساكنة كل قسم من القصر.
إلى جانب هذه الساحات ومنذ وصول الإسلام إلى المنطقة ، دأب الأهالي إلى تشييد مجموعة من المرافق الدينية و على رأسها المساجد ، التي تمثل كما هو معروف أهم مكان لممارسة الشعائر الدينية ، فبنيت بعضها بالقسم الشمالي : "تمزكيد أفلا "أو المسجد العلوي الذي يرجع تأسيسه إلى زمن بعيد ، كما يوجد مسجد آخر و هو مسجد اداومليل في حين بنيت أخرى بالقسم الجنوبي و أبرزها مسجد " سيدي عيسى بن صالح " الذي تم ترميمه في أواخر الستينيات ، و مسجد " اداومستري " ، و قد استغلت المساجد ليس فقط لتعليم أصول الدين و تلقينها بل أيضا تعلم القراءة و الكتابة كما مثلت المكان المقدس الذي لا يجرؤ من يدخل إليه على اختراق حرمته ، و تعتبر هذه المساجد ككاتب خاصة لتلقين تعاليم الدين الأساسي والقرآن الكريم .
فهذه المؤسسات التي كان يخضع لها أبناء القصر خلال مرحلة التنشئة الأولى لهم.
 الزوايا : إن العصبية القبلية التي تحدث عنها ابن خلدون و التي ظلت مترسخة في جل المجتمعات كانت حاضرة في الحياة الاجتماعية بالقصر،حيث كانت كل قبيلة تتعصب لنفسها ضد الأخرى،هذه العصبية كانت في الأغلب سبب نشوب مجموعة من النزاعات و المناوشات بين القبائل أو بين العائلات الكبرى بالقصر و التي يفشل الناس في إيجاد حل لها،و منها جاءت الزاوية التي كانت تمثل المنفذ الأبرز لفض النزاعات،حيث تحتضن الزاوية مجموعة من الأشراف المتمتعين بالحصانة الدينية , و بقدر كبير من العلم.
فقد كان حكمهم يسري على الجميع،دون اعتراض و قد كانت زاوية أسا الأبرز في القيام بهذا الدور و تضم مجموعة من شيوخ الزاوية"الشرفاء" الذين يقومون و يترجمون ذلك الدور على أرض الواقع، و كان السكان يطلقون عليهم لقب(سيدي) احتراما لهم و للدور الذي يلعبونه،و كان ينضم موسم ديني و تجاري في نفس الوقت يعرف باسم الزاوية، حيث يتقاطر إليه التجار حاملين معهم مختلف البضائع من مختلف الأقطار و الديانات كاليهود مثلا.
إلى جانب هذه الزاوية توجد زاوية أخرى بالقسم الشمالي لكنها كانت صغيرة و لم يكن لها دور في فض النزاعات،بل كان لها دور علمي دون التدخل في شؤون القصر,
 الأسواق: كانت التجارة حاضرة الحياة الاجتماعية والاقتصادية للقصر رغم محدوديتها،فقد كان القصر يتوفر على مجزرتين الأولى صغيرة بالقسم الشمالي،و الأخرى بالجهة الجنوبية،هذه الأخيرة التي تتسم باتساعها و تضم مجموعة من الدكاكين و الجزارين،و تحوي بئرا كان المصدر الوحيد للمياه إلى جانب المجاري المائية و الأنهار.
هذه الفضاءات المتنوعة و المكونة لقصر أسا و التي يتميز بها،تجعل منه فنا معماريا متعدد الجوانب و المؤشرات،و الذي يفرض نفسه و يوحى بالإعجاب،من خلال الأشكال الهندسية التقليدية و المتميزة لطرق تشييده.
– مميزات البناء و طرقه :
أ. القسم الشمالي للقصر :
يتميز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية الأخرى بالعقل و القدرة على تغير بيئته ، و خلق ظروف أكثر ملائمة لمعيشة عن طريق العمل المنتج الخلاق ، و كذلك عن طريق ابتكاره لمظاهر تساهم في تطوير بيئته و ذاته ، وقدراته الذهنية و الجسمية و الروحية ، و هنا يمكن أن نبرز بجلاء لعبقرية الإنسان التي تساهم في تطوير ذاته و المحيط الذي يعيش فيه ، بخلق فضاءات و معالم تساير حياته الاجتماعية و الدينية و الاقتصادية و السياسية و بذلك يمكن أن يعيش في وسط ملائم تتوفر فيه شروط العيش ولو البسيط منها و قد استخدم في إقامة مبانيه مواد و تقنيات البناء المتنوعة و الملائمة لبيئته و لنمط عيشه ، وتمكن من تطوير هذه المواد و التقنيات لتواكب التغيرات التي عرفها عبر العصور .
تختلف أنواع البناء و تتباين حيث يمكن الحديث في البناء القديم على نوعين منه : البناء الطيني و الحجري ، و قصر أسا من بين المدن الأثرية بالمغرب التي اعتمدت على تقنيات و مواد مختلفة في البناء و التشييد ، هذا البناء الذي يوحي بالبساطة الممزوجة بالصلابة و الدقة ، و السعي دائما نحو الاحتماء .
و قد اعتمد ساكنة القسم الشمالي من القصر في البناء و التشييد على طريقة البناء الحجري ، ذلك نظرا لتوفر الحجارة في هذا الجانب ، و تنوع الصخور المستعملة ما بين الأكثر هشاشة و الأكثر صلابة ، حيث يقوم البناءون بالبحث عن مقالع الحجارة توفر طبقات صخرية سهلة القطع ، تغطي كثل منتظمة و متوسطة السمك ، بعد تهيئها لذلك الغرض ، كما تستخدم الأتربة كمواد ثانوية إلى جانب المادة الرئيسية المتمثلة في الأحجار ، و تستعمل جذور النخيل و سعفه لتغطية السقوف و " الطفال " . كصباغة لتبليط الجدران بدل الصباغة الحالية ، أما الواجهة فمنظرها يتخذ مجموعة من الأشكال الهندسية ذات أبعاد مختلفة من الحجار الداكنة اللون و المرسومة و قد يضم المنزل الواحد مجموعة من الطبقات قد تصل إلى ثلاث طوابق تحوي العدد من الغرف قد تصل إلى (ثلاثون غرفة ) ذات الوظائف المختلفة حيث يختلف شكلها و حجمها بحسب وظيفتها و غرض استعمالها .
ب. القسم الجنوبي من القصر :
في مقابل " اداومليل " الذي اعتمد في بنائه على طرقة البناء الحجري نجد هذا القسم من القصر يعتمد على طريقة البناء الطيني مستعينا في ذلك بتقنيات تخضع بالأساس لطبيعة المادة المستخدمة ، هذا البناء الذي يتطور بتطور العصور ، تطورات من حيث تركيبة المادة أو تقنيات البناء و ذلك بهدف جعله أكثر صلابة و ديمومة .
فقصر أسا وخاصة هذا القسم اعتمد على هذا النوع و ذلك بتوفر الأتربة بالمناطق المجاورة له، إلى جانب هذه المادة نجد بعض المواد الثانوية التي تستعمل في البناء كالأحجار و الخشب، فنجدها مستعملة في تثبيت الجدران و السقوف و الأعمدة و الأبواب و الفتحات...
و يعتمد في البناء الطيني على تقنيتين تختلف كل منهما على الأخرى حيث نجد تقنية اللوح أو التابوت حيث يتم تثبيت التابوت الخشبي و يملأ بالطين الممزوج بالتبن و روث الحيوانات ، و بترك هذا المزيج حتى يختمر ( لضمان تماسك عناصره فيما بينها ) ليصبح بذلك جاهزا للاستعمال حيث يفرغ في اللوح و يدك جيدا ، تزال الألواح الخشبية المكونة للتابوت ، لتثبت مرة أخرى في مكان مجاور و تتكرر العملية نفسها ، حتى نصل إلى الطول و الارتفاع المطلوبين .
أما التقنية الثانية فهي تسمى بتقنية الأجور المجفف حيث يشكل الطوب المنظم و المشكل في قوالب مربعة أو مستطيلة الشكل و يترك حتى يجف قبل استعماله ، و يتم البناء في القصر بتعاون ساكنته فيما بينهم في شكل ما يسمى تيوزي .
فقد شيدت المنازل المشكلة من عدة طوابق هذا علاوة على الغرف المتعددة و ذات الوظائف المختلفة من غرف خاصة للضيوف إلى غرف المئونة ، بالإضافة إلى الدروب والأزقة والمساجد و الساحات و غيرها من المرافق البسيطة التي تدل على تلاحم ساكنة القصر فيما بينهم ، وكذا بالشخص المبدع الذي يتكلف عادة بتخيل المباني و ترجمة الأفكار المجردة عن فراغات و الخيال التي يود العيش فيها غالى تصاميم قابلة للتنفيذ ومبتكرا بذلك أشكال هندسية متنوعة بتنوع الحضارات المتعاقبة عليه ، " فأسا من الأماكن الموصدة حيث تعاقبت عليها الحضارات الواحدة تلو الأخرى واختلطت آثار مسيرتها ، فخلق هذا التعاقب المتواصل مناخا أبديا تقمص تقاليد و عادات تزول بزوال واضعيها أو نسيان المتعاقب لمعناها .
تقنيات البناء
أ - استخراج التربة و طرق تحضيرها :
تتشابه طريقة استخراج التربة بين جميع المناطق في المغرب و شمال إفريقيا عامة ، فهي تتجلى في أخذ الطين من سطح أو من باطن الأرض، باستخدام أدوات بسيطة كالفؤوس ، و عادة ما لايبعد مكان استخراج التربة عن الورش إلا ببضع أمتار " فحسب ما أورده فيتروف عن خصوصية التربة التي تصلح للبناء إذا قال إن : " التربة الجيدة للبناء تكون خالية من الحصى الدقيق و الرمل ، لأن هذه المواد تفقدها التجانس و تجعلها سريعة التفتت و غير مقاومة للعوامل الطبيعة و لهذا يجب اختيار تراب أبيض شبيهة للتبشورة أوا حمر داكن لأنه يتألف من سواد ناعمة و منسجمة و غير ثقيلة" 1 ، من المعلوم أن أشكال البناء بالتراب متعددة ومختلفة من التراب المدكوك« pise » و الأجور المجفف « brique crue » التراب المدعوس« terre ballue » و يعتبر التحضير الأول للتراب القاسم المشترك بين كل أشكال البناء الطيني، و هو يتجلى في ما يلي: بعد استخراج التربة و مزجها لتصبح متجانسة تسقى بالماء و تخلط ببعض الشوائب كالقش و تترك لتتخمر و لتتمازج جميع العناصر فيما بينها ، و بما أن الطين مادة لزجة و قابلة للتفتت و الاندثار بفعل الحرارة و الرطوبة ، و لتصبح أكثر مقاومة تضاف إليه الشوائب النباتية لتكون جسما واحدا مقاوما للتغيرات المناخية .
ب - الأساسات :
قبل الحديث عن تقنيات البناء بهذه المنطقة لابد أولا أن نتحدث عن الأساسات باعتبارها خطوة أولى تأتي قبل الشروع في البناء.
من الطبيعي جدا أن الجدران تحتاج إلى أساسات تضمن ثباتها وديمومتها ويختلف مع عمق الأساسات حسب طبيعة أرضية المبنى (رملية أو حجرية..) وعلوه وثقله وقد اخبرنا فيتروف بخصوص تقنية الأساسات بما يلي :" يجب حفر الأساسات إلى غاية الوصول للأرضية الصلبة (soldium) التي باستطاعتها تحمل البناء، وتتمثل أحسن الأرضيات في الصخر وهذا ما بحث عنه الإغريق ومن بعدهم الرومان ويجب أن يكون عرض الأساس اكبر من عرض الجدار لان المداميك السفلى تتحمل المبنى .وإذا لم نصل إلى الصخر بعد عمق كبير تقوم ببناء قاعدة حجرية"
ومن الطبيعي جدا أيضا أن أبناء أبناء قبيلة ايتوسى بعدما كانوا في ما قبل يتخذون من الخيام منازل لهم، وأمام تغبر الظروف الطبيعية و الاجتماعية و الاقتصادية، لجئوا إلى بناء بيوت طينية ، متخذة كما سبقت الإشارة من المواد المحلية المتوفرة مادة أساسية في تشييد بيوتهم.
ج - التراب المدكوك :
لقد عرف بلينوس الأقدم تقنية التراب المدكوك باسبانيا وأفريقيا كالآتي: "تقوم هذه التقنية على بناء جدران طينية بداخل قالب (forma) محاط بلوحين ولهدا تعرف بالجدران المقولبة ،ويؤكد المؤلف الموسوعي على صلابة هذا النوع من البناء ويشهد له بمقاومته للرياح و النار، وعليه فالتراب المدكوك عبارة عن تقنية تستخدم لبناء جدار طيني وتقوم على نصب لوحين متوازيين ومتباعدين من الخشب ،على أساس لحائط و يربطان بالحبال ويفرغ بداخلهما خليط التراب المبلل ليدك بالمركز، فتتداخل كل العناصر فيما بينها، وتنشف من الماء تم ينزع التابوت الخشبي بعد تماسك التراب، ليتم الحصول على جزء من جدار طيني وتتكرر العملية حتى يكتمل البناء ويعتبر التراب المدكوك من أسرع طرق البناء الطيني ،لأنه يمكن من بناء مبنى صلب ومقاوم للعوامل الطبيعية بتكاليف زهيدة وفي وقت وجيز، ومازال مستعملا لحد اليوم بالبوادي الأخرى.
العناصر المكونة للتابوت) اللوح( : عبارة عن ألواح خشبية يتراوح طولها مابين 2م و2.70م متصل المسافة الفاصلة بينها أي عرض التابوت يعادل عرض الجدار، إلى 0.5 وعلوه إلى 0.80ويرتبط اللوح من الجانبين بالكومي.
الكوامي أو الو قافات: هي عبارة عن أدرع خشبية تربط بالحبال وتحيط باللوح لضمان ثباته .
جبهة التابوت : عبارة عن لوح خشبي يوضع في مقدمة التابوت بهدف إغلاق باب اللوح ،ولضمان تباته خصوصا أثناء عملية الدك.
الوتد أو لزازة: يستعمل الوتد بين اللوح والوقافة لتثبيت التابوت.
الحبال: استعمالها أساسي في ربط الو قافات .
الزيار :هو عبارة عن قطعة خشبية توضع وسط الحبال لتتبيث الكوامي، وجبهة التابوت.
القياس: هو عبارة عن قطعة خشبية يساوي طولها عرض اللوحة و يتجلى دوره في الحفاظ على شكل اللوح.
النقاب: هو عبارة عن ثقبين يكونان بطرفي اللوح، و يتمثل دورهما في جر ونقل التابوت.
المراكز الخشبية:هي التي تقوم بدك التراب لينسجم، ويخرج منه الماء الزائد فيجف بسرعة.
د - الأجور المجفف :
تعتبر تقنية البناء بالأجر المجفف من أسهل تقنيات البناء بالتراب ،حيث يوضع الأجر المجفف داخل مداميك مباشرة بعد جفافه ، ويتم الربط فيما بينها بملاط طيني أو جيري، فهذه التقنية تقوم على وضع خليط طيني بداخل قالب خشبي أو معدني مربع أو مستطيل الشكل ،و بدون قعر و ملئه عن أخره، ويسوى الخليط بداخل القالب الذي ينزع للحصول على أجورة ،تترك هذه الأخيرة لتجف تحت أشعة الشمس ، لتصبح صالحة لبناء الجدران و السقف .
و يتطلب الآجر المجفف الاختيار الجيد للتربة ، وقد وصف فيتروف ذلك كما يلي : " يصنع الأجر المجفف من تربة خالية من الحصى و الرمل لأن هذه المواد تجعله ثقيلا، فيتحطم بسرعة عند هطول الأمطار، و نذكر عموما أن التراب ذي الشوائب الغير المنسجمة لا يصلح لصناعة الأجر، و لذلك يجب اختيار تراب أبيض يشبه الطبشورة أو تراب أحمر داكن ذو لون فاتح، لأن هذا النوع يتكون من مواد ناعمة و منسجمة و غير ثقيلة " .
و حدد فيتروف الوقت الأنسب لصناعة الأجر المجفف في فصلي الربيع و الخريف، لأن الأجر يجف بشكل متساوي، عكس فصل الصيف، حيث تكون الشمس حارقة فيتشقق الأجر دون جفافه جيدا،و يضيف حول جودة الأجر المجفف ما يلي : " لمعرفة الأجر المجفف الجيد نقوم بالتجربة التالية : نضع الأجر بداخل فضاء به هواء و نتركه لمدة سنتين، وهكذا الأجر الصالح للبناء هو الذي سيبقى في حالة جيدة و لا يجب البناء بأجر حديث الصنع لأنه لا يقبل الطلاء ( en duit ( . ولن يتحمل الأمطار، و الرياح فينهار و يتوفر هذا النوع من الأجر على قيمة خاصة لأنه من جهة مادة خفيفة و من جهة ثانية قوي ضد عوامل الطبيعة ,إلى جانب هاتين التقنيتين توجد تقنية البناء بالحجارة،رغم أنها قليلة فهي موجودة حيث كانت تجلب الحجارة من المناطق المجاورة ،و يوضع لها أساس متين تم توضع حسب حجم كل واحدة ، فوق الأخر متخذا ( البناي) المعلم، الطين كمادة لاصقة بينهم وهكذا حتى يصل إلى الطول المطلوب، ويمتاز أيضا البناء الحجري بمقاومته للظروف الطبيعية (الرياح و الحرارة )وأيضا بجاهزية المادة الأولية، وبساطته وهذه التقنية أصبحت تعرف نوعا من الاندثار بسبب التقدم الذي عرفته تقنيات البناء والمواد المستعملة


----------------------------------------
مقال قصراسا "أقدم بناء أثري يعود تاريخه إلى آلاف السنين"جريدة الأصداء المغربية عدد 37 الصادر 16 دجنبر 2000
ربيعة منصور "أثار وثرات منطقة أسا الزاڭ" بحت لنيل الإجازة ٱكادير 2012
الرواية الشفوية:
الاساوي عيدا رئيس جمعية قصر أسا 51 سنة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.