قدم تقرير بعثة التقصي والبحث حول المؤسسات الاستشفائية المكلفة بالوقاية ومعالجة الأمراض العقلية وحماية الأشخاص المصابين بأمراض عقلية والذي تم تقديمه أول أمس بمجلس النواب في إطار ندوة نظمها فريق التقدم الديمقراطي، صورة صادمة عن وضعية مستشفيات الأمراض العقلية بالمغرب وفي هذا الإطار، أكد التقرير المذكور وسائل الأمن من قبيل أدوات إطفاء الحرائق غير كافية إن لم تكن منعدمة، وهي في جميع الأحوال لا تستجيب لمتطلبات هذا النوع من المؤسسات، بل إن بعضا من هذه الأخيرة لا تتوفر حتى على خط هاتفي داخلي يمكن العاملين من التواصل فيما بينهم في الحالات الاستعجالية. وعلى صعيد آخر، أكد ذات التقرير أن وسائل المراقبة تنعدم في أغلب المؤسسات التي تمت زيارتها. فبالإضافة إلى سوء تصميم هذه المؤسسات ورداءة جودة النوافذ الزجاجية والقضبان، فإن غياب التجهيزات الخاصة بالمراقبة يتسبب في وقوع حالات انتحار يمكن تفاديها، كما يتسبب في هروب المرضى بطريقة سهلة وشجارات بين المرضى المقيمين وتهجمهم على الطاقم الطبي. فعلى سبيل المثال، لوحظ في مستشفى إنزكان للأمراض العقلية أن تصميم عنبر المرضى على شكل دهليز نصف دائري مغلق يحول دون ضمان مراقبة فعالة، وبالتالي فهو لا يتلاءم تماما مع هذا النوع من المؤسسات الاستشفائية. كما أكد التقرير المذكور أن أغلب المؤسسات لا تتوفر على سيارة إسعاف لنقل المرضى أو إجلائهم في حالات الطوارئ أو في حالة تعرضهم لأمراض عضوية. وبشكل عام، إذا كان هذا الوضع لا يطرح مشكلا بالنسبة للمؤسسات الموجودة داخل مستشفى متعدد الاختصاصات، فإن الأمر يختلف تماما إذا كان مستشفى الأمراض العقلية مستقلا أو معزولا كما هو الحال بالنسبة لمستشفى الأمراض العقلية في تطوان أو مستشفى تيط مليل الذي يوجد داخل المجال القروي مما يجعل الوصول إليه أمرا في غاية الصعوبة خاصة وأن الطريق التي تؤدي إليه غير معبدة. ومن جهة أخرى يضيف التقرير أن أغلب المؤسسات التي تمت زيارتها، لا سيما خارج محور الرباط - الدارالبيضاء – مراكش، تستعمل أرائك يعلوها الصدء وأفرشة إسفنجية منخورة مرتخية متسخة وأغطية بالية قذرة غالبا ما تكون بها ثقوب. وهذا النقص في العناية بالأفرشة، الذي يمتد أيضا إلى خدمات أساسية أخرى، يعكس في عمقه عدم اهتمام المؤسسة بمرفقي طب الأمراض العقلية. كما أن المجهودات التي تبذل في جل المؤسسات من أجل ضمان النظافة والصيانة لم تنفع أبدا في حل هذا المشكل الذي أصبح بنيويا. وبخصوص وجبات الطعام ومعدات المطبخ يؤكد التقرير أنه لإطعام المرضى المقيمين، تلجأ جل المؤسسات التي تمت زيارتها إلى خدمات متعهدين خارجيين قلما يهتمون بالمستلزمات الغذائية الأساسية. ففي العديد من المؤسسات، تقدم الوجبات في أطباق بلاستيكية رديئة الجودة. ومن جهة أخرى، لوحظ أن الأواني المستعملة في المطابخ في حالة يرثى لها، ففي مستشفى برشيد مثلا تستعمل أفران غازية قديمة وطناجر يطهى فيها الطعام منذ عشرات السنين. وبخصوص حمامات ومراحيض فإن التقرير أكد أنه في معظم المؤسسات التي تمت معاينتها، توجد الحمامات ودورات المياه في حالة جد متدهورة ويرجع ذلك أساسا إلى التجهيزات غير الملائمة وعدم صيانة الصنابير وأنابيب المياه وسوء استعمال هذه المرافق. فالروائح الكريهة التي تنبعث من المراحيض والحمامات (التي غالبا ما تكون مخنوقة بأشياء مختلفة) تمس بالكرامة الإنسانية ويصعب معها تحمل ظروف العيش والعمل داخل هذه المؤسسات، سواء بالنسبة للمرضى أو العاملين بها. كما سجل التقرير نقصا في خدمة غسل الملابس حيث أغلب المؤسسات لا تتوفر على خدمة داخلية لغسل ملابس المرضى. فعلى مدى سنوات عديدة، لم تتوفر بعض هذه المؤسسات على آلات غسيل. ونذكر على سبيل المثال مؤسسة برشيد التي كانت تقوم بغسل ملابس مرضاها باليد ولا تتوفر إلى حد الآن إلا على أربع آلات غسيل. وقد لاحظت البعثة أن ملابس المرضى في أغلب المؤسسات متسخة لعدم توفرهم على ملابس كافية للتغيير وعدم غسل ملابسهم بصفة منتظمة. ولاحظ الفريق الزائر أيضا أن العلاجات المقدمة للمرضى في أغلب المرافق، سواء أثناء الإقامة في المستشفى أو خارجه، بسيطة وكلاسيكية تقريبا، ولا يتم بذل أي جهد لتطوير طرق أكثر حداثة ووسائل علاج مرنة. وباستثناء عدد قليل من المؤسسات، خصوصا تلك التابعة إلى مراكز استشفائية جامعية، تعتبر الوجبات المقدمة للمرضى غير كافية وغير متوازنة. وغالبا ما تلجأ المستشفيات إلى شركات خاصة تزودها بالغذاء، بيد أن هذه الأخيرة لا تأخذ في الاعتبار المعايير الغذائية ولا الاحتياجات الخاصة للمرضى وعلاجهم. كما سجل التقرير : * ندرة مواد التطهير والتنظيف اللازمة لضمان نظافة المرتفقين؛ * قلة استحمام المرضى؛ * سوء حالة الملابس التي يرتديها المرضى؛ * ندرة المواد المنظفة والمعدات اللازمة لنظافة المكان؛ * الحالة المزرية للمراحيض والحمامات؛ * انتشار الأوساخ والروائح النتنة. أكد التقرير أنه غالبا ما يتم إهمال وتجاهل الاضطرابات النفسية والسلوكية التي تحدث خلال مرحلة الطفولة والمراهقة، رغم أنها قد تعيق نمو الفرد، حيث يمكن أن يكون لغياب العناية والرعاية الصحية في هذه السن عواقب مرضية واجتماعية واقتصادية خطيرة. وتبقى المصالح الطبية يضيف التقرير التي تعنى بمعالجة الإدمان غير كافية مقارنة مع تفشي مشكل الإدمان على الكحول والمخدرات. كما تظل هذه المصالح بعيدة المنال عن المدمنين المعوزين، فكثيرون هم المدمنون الذين لا يجدون لا الوسائل ولا المؤسسات التي من شأنها أن تضع حدا لمعاناتهم.