سلوى البردعي/ نائبة برلمانية لم تكن جلسة لجنة القطاعات الإنتاجية مجرد محطة عابرة في العمل البرلماني، بل كانت حدثا سياسيا فارقا أعاد الاعتبار لدور المعارضة في حماية المصلحة العامة. ففي الوقت الذي اختارت فيه الحكومة الصمت والمراوغة، قدمت المعارضة في شخص رئيس المجموعة النيابية، مرافعة غير مسبوقة حول فضيحة صفقة الأدوية التي مررت بين وزير الصحة وزميله في الحكومة وزير التعليم، في سابقة تظهر حجم تضارب المصالح والاستهتار بالمبادئ الأساسية للحكامة. المرافعة لم تكن مجرد اتهامات سياسية، بل جاءت مؤسسة على وثائق ومعطيات دقيقة، كشفت للرأي العام مقدار الانحراف عن الدستور، واختراق القواعد الأخلاقية التي يفترض أن تحكم العمل العمومي وهذا ما اخرج الأقلام المأجورة للهجوم على بوانو واتهامه بالشعبوية واستغلال الحصانة البرلمانية، معذورون فهم يدافعون عن اولياء نعمهم. لقد تحولت اللجنة، في تلك اللحظة، إلى محكمة سياسية حقيقية، عرت ممارسات الحكومة وقدمت دليلا صارخا على غياب الشفافية والمسؤولية. إن قيمة ما جرى داخل اللجنة لا تكمن فقط في فضح العملية، بل في إعادة الروح لبرلمان فقدت فيه الحناجر جرأتها، والأقلام شجاعتها، والمسؤولون حسهم بالمساءلة. ولقد كانت المرافعة درسا في السياسة النظيفة، ورسالة بأن صوت الحق لا يزال ممكنا حين تتوفر الإرادة والشجاعة. إن ما حدث يجب أن يبقى مرجعا في تاريخ العمل الرقابي ببلادنا: محطة تذكر الجميع بأن حماية المال العام ليست شعارا، وأن تضارب المصالح خط أحمر، وأن المعارضة حين تقوم بدورها الكامل قادرة على إعادة التوازن للسلطة، وفضح المستور، وفتح الباب أمام مساءلة حقيقية لا تخاف من الحقيقة ولا تساوم عليها، وأن التحدي مفتوح أمام من كانت أدلته واهية، فليتحمل مسؤوليته امام التاريخ وأمام الوطن. فطوبى لكل من حمل حياته على كفه ومضى مدافعا عن مصلحة الوطن، رافعا رأسه نحو أفق مرسوم بالحرية والكرامة.