يعرف العديد من المتتبعين، "تضارب المصالح" بكونه وضعا يمكّن هيئة أو شخصا ما من تحقيق مصلحة مادية أو معنوية على حساب الواجبات الوظيفية، وتسعى الحكومات والهيئات إلى مكافحته بقوانين وسياسات عملية، حفاظا على الحكامة الرشيدة وسمعة الهيئة ونزاهة الموظفين ومصالح الآخرين. ما جعلني أعود لموضوع "تضارب المصالح"، هو الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام التركية والدولية عن استعداد الاتحاد التركي لكرة القدم لفتح تحقيق شامل بشأن الحكام، بعد أن أعلن رئيس الاتحاد إبراهيم حاجي عثمان أوغلو الاثنين المنصرم أن 152 حكما شاركوا في مراهنات على المباريات.
وراهن 10 من الحكام المتهمين على أكثر من 10 آلاف مباراة، منهم حكم واحد وضع رهانات على 18 ألفا و227 مباراة، في حين راهن 10 حكام على أكثر من 10 آلاف مباراة، ووضع 42 حكما رهانات على أكثر من ألف مباراة.
واختصارا للفضيحة التي أثيرت الأيام الأخيرة في تركيا على المستوى الرياضي هو أن عددا لا بأس به من هؤلاء الحكام متورطون ليس لأنهم شاركوا في الرهان بل لأنهم يقودون تلك المباريات وهذا هو مربط الفرس لدينا، فهم قد يتمكنون من حسم نتائجها أو على الأقل التأثير في مجرياتها مما يحقق آمالهم في الفوز بالمراهنات التي يمتلكون حسابات شخصية بها.
لنكمل قراءة الفقرة التالية من الخبر: "ولفت حجي عثمان أوغلو إلى أن 22 من بين 371 حكما (7 حكام ساحة و15 حكمًا مساعدا) ينشطون على المستوى الوطني ("المستوى الأعلى")، من دون أن يكشف عن هوياتهم أو ما إذا كان بعضهم مشتبها في مراهنتهم على مباريات أداروها." إذا فشبهة تضارب المصالح هنا دفعت المسؤولين الرياضيين إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاحترازية والقضائية في حق المتورطين ضمانا لنزاهة الجامعة الرياضية وضربا بيد من حديد على شبهات الفساد التي بدأت تفوح رائحتها في الأوساط الرياضية داخل وخارج تركيا.
نعود لرئيس حكومتنا الموقر وفريقه السياسي، المفروض أنه أحد رموز الدولة الذين يجب عليه الالتزام بأقصى درجات الحذر من باب المسؤولية وتقديم النموذج حتى يرتدع الفاسدون وضعاف النفوس، بدل أن يصبح هو نفسه ضارب للمصالح، ويستفيد من صفقات عمومية مخلا بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص.
ففي دجنبر 2024 نشرت وسائل إعلام أن شركة تُشكّل جزءاً من مجموعة مملوكة لعزيز أخنوش فازت بصفقة محطة ضخمة لتحلية مياه البحر في جهة الدارالبيضاء، يُقال إنها الأكبر في إفريقيا، وهو ما أثار اتهامات ب "تضارب المصالح".
وفي مايو 2025 تم تداول تصريح لكاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري ب 100 مليون سنتيم دعم لجمعية يرأسها نائب برلماني من حزبه، ما أثار شبهة حول معيارية الدعم ومن استفاد منه، وطرح تساؤلات حول الحوكمة.
عدة تحليلات تشير إلى أن الدولة المغربية حتى اليوم تفتقر إلى "قانون خاص لتضارب المصالح" يُفعل ما ورد في الدستور (مثل الفصل 36) بشكل فعّال، مما يجعل الأمر يخضع كثيرًا للمساءلة السياسية أكثر من المسطرة القانونية الواضحة.
المآخذ الجوهرية المطروحة في القضية
– رئيس الحكومة يمتلك – أو امتلك – مصلحة اقتصادية كبيرة في نشاط خاص، وفي الوقت نفسه هو أو حكومته يُشرفون أو يُنظمون قرارات عامة تؤثر في نفس النشاط أو القطاعات ذات الصلة.
– أن المنافسة في المشاريع أو الصفقات قد لا تكون شفافة أو تكافئ الجميع، إذا كان صاحب المصلحة الخاصة هو من يتنافس.
– الضوابط القانونية، أو استقلال الرقابة أو أجهزة التفتيش، قد لا تكون كافية أو فعالة لمنع هذا النوع من "الخيارات المشبوهة".
– القضية ليست فقط حقوقية أو تقنية، بل مرتبطة بثقة المواطنين في المؤسسات، وفي أن "القرار العمومي" ليس مسيّساً أو مُوظفاً لمصالح خاصة.
– رئيس الحكومة خالف النص الدستوري (الفصل 36 من الدستور المغربي) الذي يفترض فيه الالتزام به والدفاع عنه، عوض دهسه ورفسه.
فأخنوش كرئيس للحكومة، تجاهل كل القوانين والأعراف الاجتماعية والسياسية، وأغمض عينيه ثم استفاد أو أعطى الضوء الأخضر للاستفادة من الصفقة السمينة، وإليكم خلاصة موجزة لهذه الفضيحة:
أظهرت تغطيات إعلامية وبرلمانية أن تكتَّلًا دوليًا يضم شركات تابعة لمجموعة «أكوا» (التي ترتبط بعائلة أخنوش) فاز بصفقة كبيرة لِتحلية مياه بالدارالبيضاء، وأن هذا الفوز أثار اتهامات بتضارب المصالح وفتح نقاشًا في مجلس النواب.
فأنا كمواطن بسيط أعرف أن الذي يترأس اللجنة المكلفة، يستطيع معرفة العروض المالية التي تقدمت بها الشركات لنفس الصفقة داخل الغرف المغلقة؟، وبالتالي، فإنه متورط في شبهة تضارب المصالح، وعلى القضاء القيام بواجباته.
فالحكم الذي يقود مباريات كرة القدم، وفي نفس الوقت يقوم بالمشاركة في المراهنات المرتبطة بها، يتيسر له تحقيق هدفه وهو الفوز بالجائزة السمينة، وقد يتحكم بنتيجة المباراة من أجل ذلك، وهذا ما انتبه له الجهاز المشرف في تركيا وتدخل الصحيحه بوصفه باب من أبواب الفساد.
فقد بات واضحا، أن هذه الحكومة مطبوعة بتضارب المصالح، وأنها إن استمرت في هذا النهج فستقضي على الشركات المغربية.
خصوصا أن رئيس الحكومة جاء خلال الجلسة الشهرية بمجلس النواب ودافع عن شركته وبالتفاصيل، وبذلك فهو متورط بشكل مباشر على الهواء وأمام المواطنين في مخالفة للدستور.
وبينما القوانين التنظيمية للجهات والعمالات والأقاليم والجماعات تتكلم عن تنازع المصالح، وبناء عليه تم عزل عشرات المستشارين بسبب هذا الأمر، استمر أخنوش بوصفه رئيسا للحكومة دون محاسبة أو متابعة.
تضارب المصالح، خطيئة الدولة أم جريمة أخنوش الذي يتحداها؟ّ
لكل هذا، و"بوصفي مواطنًا مغربيًا حرًّا، أرفض تغوّل الحكومة وأعتبر ما حدث تجاوزًا خطيرًا سيبقى غصّة في حلق كل مغربي حريص على كرامة وطنه. إنه سلوك يهدّد الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، ويدفعنا إلى المطالبة بتفعيل آليات المساءلة والشفافية لردع أي تجاوزات تمسّ كرامة المواطن واستقرار الوطن".
أكتفي بهذا التنديد الشديد وأختم به مقالي، وهو يُعبّر بصدق عن وجدان كثير من المغاربة الذين ينتظرون من دولتهم أن تكون القدوة في احترام القانون، لا الاستثناء منه.