بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية يشهد المشهد الدبلوماسي الإفريقي تحركات نوعية تعكس تحوّلًا تدريجيًا في موازين التعاون داخل القارة السمراء، حيث برزت المملكة المغربية كلاعب محوري في صياغة شراكات مبنية على مبدأ التضامن والتنمية المشتركة. وفي هذا السياق، جاء استقبال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، السيد ناصر بوريطة، لنظيرته من مملكة إسواتيني، فوليلي دلاميني شاكانتو، ليؤكد دينامية جديدة ومتنامية في العلاقات الثنائية بين البلدين. * تعزيز التعاون جنوب-جنوب: رؤية مغربية متجددة أكد الوزير بوريطة أن المملكة المغربية ترحب ب"الدينامية الإيجابية" التي تعرفها العلاقات مع مملكة إسواتيني، مشددًا على أن هذا التقارب يندرج ضمن الرؤية الملكية السامية لجلالة الملك محمد السادس، القائمة على تعزيز التعاون جنوب–جنوب، وتوطيد جسور الشراكة مع الدول الإفريقية على أساس الاحترام المتبادل والتكامل الاقتصادي. ويعكس هذا التوجه الرؤية المغربية الثابتة تجاه القارة الإفريقية، حيث باتت الدبلوماسية المغربية تعتمد سياسة خارجية تقوم على المصداقية، والمصالح المشتركة، والتعاون العملي في مجالات التنمية، والتعليم، والبنية التحتية، والتكوين المهني. * إسواتيني.. دولة صغيرة بمواقف كبيرة مملكة إسواتيني، الواقعة في الجنوب الإفريقي، ورغم صغر مساحتها وقلة عدد سكانها، أبانت عن مواقف ثابتة ومبدئية تجاه القضايا الإفريقية، وفي مقدمتها دعم الوحدة الترابية للمملكة المغربية. وقد أشاد الوزير بوريطة بهذا الموقف "البنّاء والثابت"، معتبرًا إياه تجسيدًا لعلاقات أخوة صادقة بين المملكتين. ويُعتبر هذا الدعم تأكيدًا على اتساع دائرة الدول الإفريقية التي تتبنى الموقف المغربي من قضية الصحراء، خاصة بعد تزايد عدد القنصليات التي افتتحتها بلدان إفريقية في مدينتي العيون والداخلة. * اتفاقيات جديدة.. نحو تعاون عملي متوازن شهد اللقاء توقيع حزمة من الاتفاقيات التي تعزز مجالات التعاون بين الرباط ومبابان، شملت قطاعات الشباب، والقضاء، والتأشيرات الدبلوماسية، والتكوين الدبلوماسي، والسياحة. ويهدف هذا التنويع في مجالات الشراكة إلى توسيع رقعة التعاون العملي وجعل العلاقات الثنائية أكثر عمقًا واستدامة، بدل الاكتفاء بالبيانات الرمزية أو المجاملات الدبلوماسية. كما تم الاتفاق على توحيد المواقف داخل الاتحاد الإفريقي، والتأكيد على مبادئ احترام سيادة الدول والاستقرار الإقليمي، وهي نقاط تعكس تطابق الرؤى السياسية بين البلدين في مواجهة التحديات الإقليمية. * اللجنة المشتركة: انطلاقة جديدة انعقاد الدورة الأولى للجنة المشتركة للتعاون بين المغرب وإسواتيني يمثل، حسب تعبير بوريطة، "محطة مفصلية" في مسار العلاقات بين المملكتين. فهذه اللجنة لا تشكل فقط إطارًا مؤسساتيًا للتنسيق، بل تؤسس أيضًا لمرحلة جديدة من العمل الميداني المشترك الذي يمكن أن يشمل قطاعات الزراعة، والتعليم، والطاقة المتجددة، والسياحة المستدامة. * دبلوماسية المغرب نحو عمق إفريقيا يعكس هذا اللقاء نجاح السياسة الخارجية المغربية في اختراق مناطق جديدة في القارة الإفريقية، خصوصًا في الجنوب، الذي كان تقليديًا بعيدًا عن التأثير المغربي المباشر. فمن خلال مقاربة قائمة على التعاون الاقتصادي والتنموي بدل الاصطفاف الأيديولوجي، استطاع المغرب أن يبني شبكة واسعة من الحلفاء داخل الاتحاد الإفريقي، ويعزز صورته ك"فاعل تنموي" لا كمجرد شريك سياسي. أما على مستوى إسواتيني، فتعزيز العلاقات مع المغرب يمنحها نافذة استراتيجية نحو شمال القارة، ويساعدها على الاستفادة من الخبرة المغربية في مجالات البنية التحتية، والزراعة، والطاقة النظيفة. في نهاية المطاف، يمكن القول إن العلاقات المغربية الإسواتينية تجسد نموذجًا جديدًا من الدبلوماسية الإفريقية المتوازنة، التي تقوم على التنمية المشتركة، واحترام السيادة، وتكامل المصالح، وهو مسار مرشح لأن يكون جزءًا من إعادة رسم خريطة التعاون جنوب جنوب في القارة الإفريقية خلال السنوات القادمة. شارك هذا المحتوى فيسبوك X واتساب تلغرام لينكدإن نسخ الرابط