طال زوال أول أمس الأربعاء تجمعهن المعتاد أمام باب مدارسة ابتدائية بأحد أحياء البرنوصي بالدارالبيضاء. وبدا الحوار الدائر بين جوقة من الأمهات، أنه لا يشبه ثرثرتهن اليومية كلما انتظرن مغادرة أطفالهن فصول الدراسة. فقد كان نقاشهن حادا ومشحونا بالقلق والغضب، بعد أن وصلهن «نبأ مخيف» حول احتمال أن تعرف العديد من المؤسسات التعليمية «سنة بيضاء» في الموسم الدراسي الحالي. إحدى الإمهات التي هالها أن تضيع سنة دراسية كاملة عن ابنتها، المتمدرسة بالسنة الثانية ابتدائي، صاحت كمن تريد أن يصل صوتها جهرا إلى العام والخاص «قالوا سنة بيضا.. ما شافوش السنة الكحلة لي كندوزوها مع واليداتنا، غادين جايين بيهم من المدرسة، وتمارة معاهم في الدار باش راجعوا دروسهم..». هذا التخوف مما أصبح يشاع في الأيام الأخيرة بأن تكرار إضرابات شغيلة التعليم سيكون سببا لامحالة في «سنة بيضاء». جعل العديد من آباء وأولاياء التلاميذ يعلنون تذمرهم من لجوء النقابات التعليمية إلى تصعيد غير مسبوف في خوض إضرابات متوالية خلال الموسم الدراسي الجاري، لا ينزل في كل مرة عن سقف يومين أو ثلاثة من التوقف عن العمل. هذه الانعكاسات غير المرغوب فيها على التحصيل الدراسي والمقررات التعليمية في نظر آباء التلاميذ، تؤكدها بعض الإحصائيات الرسمية، التي صرحت بها الوزارة الوصية بأن عدد أيام الإضرابات ووصلت منذ بداية هذا العام لغاية الآن إلى 40 يوما. بينما يرى بعض المتتبعون لهذا الملف أن عدد الأيام الدراسية المهدرة خلال محطات الإضراب تفوق هذا الرقم بكثير، خصوصا إذا تم إضافتها إلى أيام العطل المدرسة التي تصل إلى 44 يوم. فمن خلال أجوبة وزير التربية الوطنية أحمد خشيشن على بعض الأسئلة الشفوية لفرق برلمانية بمجلس النواب خلال جلسة الأربعاء 13 أبريل الماضي، حول «إضرات الشغيلة التعليمية ببعض الأقاليم وانعكاساته على مصير المستوى التربوي للتلاميذ»، يفهم بشكل واضح وصريح أن هناك تحذير من أن تعرف العديد من المؤسسات التعليمية سنة بيضاء هذا العام، بسبب الإضرابات المتكررة، التي تشنها النقابات، مما يعني على حد قول الوزير «أن عدة أقاليم مقبلة على سنة بيضاء إذا لم يتم تدارك الموقف». وتتفق العديد من جمعيات آباء وأولياء التلاميذ عند إبداء رأيها حول انعاكاسات الإضرابات المتكررة لرجال التعليم «أنه يؤدي إلى هدر للزمن المدرسي لا يمكن تعويضه». ولهذا أصبحت مؤخرا تتعالى أصوات العديد من الآباء والأمهات في لقاءاتهم اليومية أمام المؤسسات التعلمية أو من خلال بعض اجتماعات المنخرطين منهم في جمعيات مدرسية على تنظيم وقفات احتجاجية للمطالبة بصيانة حق أبنائهم في التعليم. نفس الموقف عبرت عنه إحدى الأمهات في اتصال هاتفي بالجريدة قائلة بنبرة غاضبة أنه ممن المحتمل إذا استمرت هذه الإضرابات «الدخول في مواجهات «خايبة» مع أسرة التعليم»، التي تتهم المنتمين إليها ب«غياب حس المسؤولية التربوية تجاه أبنائهم الممدرسين». وفي محاولة لرفع اللبس عما يشاع بين آباء وأمهات التلاميذ من احتمال أن تشهد المؤسسات التعليمية «سنة بيضاء»، تم الاتصال على الرقم المحمول لوزير التربية الوطنية دون رد، مما اضطر «جريدة الأحداث المغربية» إلى الاتصال بالمسؤولة عن مكتبه الخاص، التي حاولت بدورها ربط الاتصال بالوزير أحمد خشيشن من أجل أخذ إجابة منه حول تأكيد أو نفي احتمال ضياع الموسم الدراسي الحالي، لكن ذلك تعذر عليها لوجود المعني بالأمر في اجتماع خارج مقر الوزارة. نفس الموقف تكرر مع رئيسة قسم الاتصال بديوان لطيفة العابدة كاتبة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي، التي وعدت بالإتصال بالجريدة حال أخذها رد من الوزيرة على الموضوع، حيث طال الانتظار. وبالنسبة للنقابات فعلال بلعربي الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للغل يعتبر أن الحديث عن سنة بيضاء غير ممكن من الناحية التربوية، لأن ساعات الإضراب لا تؤثر إلى الحد الذي تعتبر فيه السنة بيضاء، وأضاف أن من يتخذ هذا القرار شخص غير مسؤول. وعن أسباب هذه الأوضاع التي قادت إلى الجدل حول سنة بيضاء، اعتبر بلعربي أن وزارة التربية الوطنية تتحمل المسؤولية فيما حصل، لأن الوزير لم يخلق أجواء حوار يتجاوز حالة الإحتقان، على اعتبار أن مطالب شغيلة التعليم، كان من الممكن حلها لو كانت إرادة الحوار متوفرة. وتحاشى المسؤول النقابي الدخول في أجواء الإضرابات التي طبعتها العشوائية، واكتفي بالتركيز على المطالب العادلة لرجال التعليم، واعتبر أن الإضراب حق مشروع ، دون الخوض في تأثير الساعات الطويلة التي خسرها التلاميذ بفعل هذه الإضرابات. وفيما لم نتمكن من أخذ رأي باقي النقابات تفصح البيانات التي أصدرتها النقابات اتجاها واحدا يركز على مطالبها، دون الدخول في تفاصيل النتائج المترتبة عن هذه الإضرابات، وبالرغم من التزامها في حوار مع جمعيات الآباء على تأجيل الإضرابات، في حال دخول الحكومة في حوار صريح حول المطالب إلا أن ذلك لم يتحقق. الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ وجدت نفسها عاجزة في مخاطبة الأطراف المسؤولة عما أسماه بعض الآباء ب «المجزرة» التي يتعرض لها التعليم العمومي بالمغرب، فخلال المجلس الوطني الأخير أكدت الفدرالية تفهمها للمطالب المشروعة و المعقولة منها لنساء و رجال التعليم ، لكن في نفس الوقت رفض اتخاذ التلاميذ رهائن في النزاعات الاجتماعية. الإضرابات العشوائية، والإمتناع الصريح عن العمل بالنسبة لمجموعة من الآباء، هو بمثابة تدمير مقصود للمؤسسة العمومية، واستهداف مباشر لأبناء الشعب، وهي وضعية تحتاج في نظرهم ردا من الدولة حول مسؤوليتها ومسؤولية نساء ورجال التعليم إزاء هذه الأضرار التي مست بالأساس أبناءهم الممدرسين