تساقطات ثلجية وزخات مطرية قوية وهبات رياح قوية إلى الأربعاء بعدد من مناطق المملكة    المغرب يعبر الإمارات نحو نهائي كأس العرب قطر 2025    ما قالته السلطات في أسفي بعد الفاجعة    أخنوش: 78 مليار درهم حصيلة استرداد متأخرات "TVA" لفائدة المقاولات    اكتفى بتعزية عابرة… أخنوش يمر سريعا على فاجعة آسفي في البرلمان    سوء أحوال الطقس.. تحذيرات رسمية للسائقين ودعوات لتأجيل التنقل غير الضروري    المؤثرات الأساسية على التخييل في السينما التاريخية    تعاون عربي في إصدار أغنية «روقان» للفنان المغربي محمد الرفاعي    "النهج الديمقراطي" يطالب بإعلان المدينة العتيقة بآسفي منطقة منكوبة    فاس تحتظن الدورة ال13 لأيام التواصل السينمائي    تراجع ب5,7% في نفقات المقاصة    كأس العرب.. السكيتيوي يعلن عن التشكيلة الرسمية لمواجهة الإمارات    دورة ناجحة للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بمكناس    انعقاد مجلس للحكومة الخميس المقبل    مركب نباتي يفتح آفاق علاج "الأكزيما العصبية"    ميناء الناظور .. انخفاض الكميات المفرغة من منتجات الصيد البحري        فيضانات آسفي.. تفعيل مخطط استعجالي بمستشفى محمد الخامس لاستقبال المصابين    البرلمانية الدمناتي تستفسر وزيرة المالية عن غياب الأثر الاقتصادي المباشر للدعم الحكومي على الفئات الفقيرة والهشة    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    جدل واسع عقب اختيار محمد رمضان لإحياء حفل افتتاح كأس إفريقيا 2025    القوات المغربية والموريتانية ترتقي بالشراكة في التكوينات والتداريب العسكرية    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (المغرب 2025).. برنامج مباريات المجموعة الثانية    كأس إفريقيا 2025: المغرب يرسخ معايير جديدة بتخصيص ملاعب تداريب حصرية لكل المنتخبات    الاتحاد العربي للصحافة الرياضية ينتخب مجلس إدارة جديد بقطر        "البيجيدي" ينتقد توزيع الدعم على الفلاحين الصغار بمنطق الولاءات السياسية والانتماء الحزبي    "شبهة داعش" تحيط بهجوم أستراليا    إعلام إسرائيل يكشف تفاصيل عن حاخام قتل في هجوم سيدني وعلاقته بحرب غزة    بروكسل توسع عقوبات السفن الروسية    ضبط مخربين في الرباط والدار البيضاء    التامني: آسفي طالها الإهمال والنسيان والفساد لا يسرق المليارات فقط بل أرواح المواطنين    هولندا تعتقل محتجين على منشد جيش إسرائيل    البابا يحذر أجهزة المخابرات من إساءة استخدام برامج التجسس وتأثيرها على الحريات والديمقراطية    تقرير: ملايين المسلمين في بريطانيا عرضة لخطر سحب الجنسية    عشرات التوقيعات للمطالبة بالحرية ل"بوز فلو" ووقف متابعة الفنانين بسبب تعبيراتهم    أسعار صناعات التحويل تزيد بالمغرب    الدولار يستقر قرب أدنى مستوى له    "لارام" تُوسع شبكتها الجوية ب10 وجهات جديدة ابتداء من 2026    سيول آسفي ترفع حصيلة الضحايا إلى 37 وفاة واستنفار متواصل للسلطات    ترامب يوقع أمراً تنفيذياً جديداً ينظم قواعد الذكاء الاصطناعي    طقس عاصف يوقف الدراسة بالمضيق-الفنيدق    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    عريضة توقيعات تطالب بالإفراج عن الرابور "PAUSE" وتدق ناقوس الخطر حول حرية الإبداع بالمغرب    بنسليمان تحتضن المعرض الجهوي للكتاب من 17 إلى 22 دجنبر احتفاءً بالقراءة في زمن التحول الرقمي    رافينيا يحسم مستقبله مع برشلونة بقرار مثير: "لن أغادر الفريق قبل التتويج بدوري أبطال أوروبا"    محطة القطار "الرباط الرياض" تفتتح تأهبا لاستقبال كان المغرب    من المعبد إلى المدرّج: كرة القدم بوصفها دينا ضمنيا    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    الرباط تحتضن مهرجان "ربادوك" للسينما الوثائقية    قتيلان و8 مصابين في إطلاق نار بجامعة براون الأمريكية    سلالة إنفلونزا جديدة تثير القلق عالميا والمغرب يرفع درجة اليقظة    المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    "الأنفلونزا الخارقة".. سلالة جديدة تنتشر بسرعة في المغرب بأعراض أشد وتحذيرات صحية    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العفاريت والتماسيح.. الخطوة الأولى نحو الهروب من المحاسبة
نشر في الأحداث المغربية يوم 27 - 05 - 2013

خطة «العدالة والتنمية» نحو التغول والاستبداد كشفتها خطاباتهم وخرجاتهم ورسائلهم المتبادلة!
يحكى أن لصا قد شغل الناس في قرية صغيرة، حتى باتوا يضمون دجاجهم إلى أحضانهم خوفا من سرقته وهم عنه غافلون. فنادى حكيم القرية في الناس أن يجتمعوا لديه في الساحة الكبيرة. حضر كل سكان القرية من ضحايا لص الدجاج والخائفين على دجاجهم الذي لم يسرق بعد. اعتلى الحكيم كرسيا جعله يشاهد الجمهور الغفير الذي جاء بحثا عن حل لهذا اللص. قال الحكيم بعد أن جال بنظره في السكان إنه بات يعرف هوية اللص وإنه يرى ريش دجاج على رأسه، بسرعة قام شخص بتحسس رأسه لنفض الريش عنه، فأثار انتباه الناس وانفضح أمره.
هذا هو نوع الخطاب الذي يروجه حزب العدالة والتنمية، والذي دفع معارضيه ومنتقديه إلى تحسس رؤوسهم خوفا من العثور على ريشة دجاجة عالقة. فالحزب اليوم أسس لنظرية جديدة في السياسة وهي: «إما أن تكون معي أو أن تكون من الفاسدين». ‪والقضية هي أكبر من صدفة بل استراتيجية يقودها العدالة والتنمية للإفلات من الحساب إذا ما قدر الله وفشلت حكومته، والدليل على ذلك هو تقسيمه للأدوار بتنسيق مع قسم الإعلام والعلاقات العامة ‬ الذي يترأسه سليمان العمراني نائب ابن بنكيران الذي عرض في آخر لقاء للكتاب المجاليين «خطة» الحزب في تحديد مبررات مسبقة للفشل الحكومي الذي باتوا مقتنعين به، ماداموا لن ينجزوا شيئا أو «القليل» إلى نهاية 2016 حسب قول العمراني. ولعل من أبرز هذه المبررات هي ما سماه ثلاثي «الإجهاض والإرباك والاشغال»، أي قيام التماسيح والعفاريت بمختلف الأدوات ل«إجهاض التجربة وإرباكها وإشغالها»!!!
ثم بعد ذلك يستخرج السلاح الفتاك الذي سيتم به مواجهة هذا الثالوث، وهو سلاح الهجوم عوض الدفاع بجعل كل من ينتقد أو يعارض حزب العدالة والتنمية في صفوف المفسدين، وبذلك لن يعارض أي أحد الحزب عندما يحاكم منتقديه أو يشنقه حتى! وهو ما يصفه العمراني بقوله: «انتهت مرحلة اليمين واليسار أو المعارضة والأغلبية، اليوم توجد حالة فرز جديدة، ليس الفرز بين اليمين واليسار أو الأغلبية والمعارضة... الذي يوجد الآن اصطفافات جديدة وفق جبهتين رئيستين: الإصلاح، والأخرى ضده». وتلك بمعنى آخر رسالة إلى من يهمه الأمر مفادها أن تكون معي أو يجرفك الطوفان.
لقد ارتبط مصطلح الفاسدين لدى عامة الناس بثالوث ابن كيران: «التماسيح والعفاريت والجن»، وهي الكائنات التي يخاف منها المغاربة دون حتى أن يستطيعوا لمسها أو رؤيتها لأنه باستثناء التماسيح المعروفة بقدرتها «الافتراسية» والمحدد مكانها جغرافيا، فإن العفاريت والجن توجد في كل مكان حسب الذهنية المغربية التي تحتفظ لها بحكايات وأساطير تصف قوتها الخارقة وقدرتها غير المحدودة على الشر.
وقد نجح هذا الخطاب بالإضافة إلى تجربة الحكومات السابقة التي لم تستطع محاربة الفساد واستشرى في ظلها في القطاعات الأساسية التي تمس حياة الناس من عدالة وصحة وجماعات، في تلميع صورة الحزب في عيون فئة من المواطنين البسطاء الذين يرون فيه منقذهم من الفقر والتهميش والإقصاء ومحاربة المفسدين، نظرا لأنه يتكلم لغتهم ويشتكي كما يشتكون لكن دون أن يقدم حلولا واقعية، وعندما يسأل عن سبب غياب الحلول يكون الرد هو أن العفاريت لا يريدون الإصلاح!!
دون أن يتقدم في ملفات الفساد التي بدأ التحقيق فيها قبل انتخابه لقيادة الحكومة، ودون أن يضع الأسس القوية لبناء إدارات خالية من الفساد، ودون أن يمر إلى الفعل بعد سنتين من الخطاب حول الإصلاح ومثلهما من الكلام حول تفعيل الدستور، استطاع حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة أن يكسب تعاطف بعض الناس فقط بكلامه السابق حول التماسيح والعفاريت والجن.
الخطاب الذي نفذ إلى عقول فئات من المجتمع ورفضته أخرى، مازال حزب العدالة والتنمية مقتنعا بفعاليته، خاصة أنه استطاع أن يشغل منتقديه عن متابعة التدابير المتخذة من طرف الحكومة لتسيير الشأن العام، ودفعهم إلى تحسس رؤوسهم كما حصل مع اللص الذي وقع في فخ حكيم القرية.
قوة حزب العدالة والتنمية تتجلى اليوم في كونه استفاد من درسين: الأول يخص الحكومات السابقة، والثاني يخص الاتحاد الاشتراكي.
الدرس الأول الذي يحمل عنوان «لغة الخشب»، استفاد الحزب الذي يقود الحكومة اليوم من تآكل هذا الخطاب الذي دفع الناس إلى فقدان الثقة في العمل السياسي، وهو خطاب ظل ينهل من الأسطوانة المشروخة «العام زين»، وكان المسؤولون يأتون إلى التلفزيون ليقولوا لا شيء، ولم يكن المتلقي يخرج من كلامهم بشيء يفيده، ويحس بأن المسؤول صاحب الذي يلقي هذا الكلام بعيد عنه وعن قضاياه. تلقف ‪حزب العدالة والتنمية هذا الأمر فجاء خطابه بلغة دارجة مستوحاة من قاموس المواطن وهو خطاب يلقى دائما بانفعالية تكون مبالغا فيها في بعض الأحيان، ما يعطي الانطباع لدى الناس أنه يتكلم بصدق وبتأثر، ومثل هذا الخطاب يكون نافذا متلاعبا بحماسة المتلقي.‬
الدرس الثاني هو «تبني خطاب المعارضة» (الملاحظ هنا سواء في الدرس الأول أو الثاني أن الحزب يشتغل فقط على مستوى الخطاب). إذ رغم قيادته تحالفا حكوميا مهمته هي تسيير شؤون البلاد ودعم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، لم يتخل عن خطاب المعارضة ووجه ضد كل من ينتقده وبالتالي أصبح يلعب داخل الرقعة السياسية بقناعين، أحدهما يخفي نقط ضعف الآخر.
غير أن قوة الحزب ستتحول إلى «تغول» إذ أن سياسته الحالية هي تغطية على ضعف أعضائه وحكومته وتكريس في نفس الوقت للهروب من المساءلة والمحاسبة، بتعليقه مشجب الفشل على العفاريت والتماسيح.
وبلغة الأرقام فقد حصل حزب العدالة والتنمية في انتخابات 25 نونبر 2011 على 107 مقاعد من أصل 395 مقعدا بمجلس النواب وهو ما يعطيه قوة تنظيمية داخل البرلمان من أجل الدفاع عن توجهات الحزب من داخل الأغلبية الحكومية، وبالرغم من ذلك فالحزب لم يستكن إلى لغة الأغلبية بل ظل فريقه يتبادل الأدوار في الهجوم على منتقدي ومعارضي الحزب وأصبحوا لسان المعارضة الجديد من داخل التحالف الحكومي، ما دعم قاعدتهم مستفيدين من الدرس الثاني المذكور في السابق (درس الاتحاد الاشتراكي).
لكن، منذ 20 فبراير 2011 انضاف إلى رقعة اللعبة السياسية مكونان آخران هما العدل والإحسان والسلفيون. المكون الأول شكل نواة للحركة في الشارع والثاني استطاع بعد سلسلة العفو على شيوخه أن يستقطب عائلات المدانين في قضايا الإرهاب ويشكل قاعدة اجتماعية تتعاطف مع قضيته بعد أن ارتدى لباس الضحية.
كلا المكونين، وإن كانا يختلفان شكليا مع حزب العدالة والتنمية، إلا أنهما جميعا يلتقيان فيما يصطلح عليه بالهدف العام ل«الإسلام السياسي»، وهو القطع في النهاية مع كل القوانين التي تسير بها الحياة والشأن العام في إطار دولة الحق والقانون والدخول في حالة من الفوضى وفقدان الثقة ليبدو الحزب وحلفاؤه في النهاية بمثابة المخلص من الجحيم، وهذا الجانب من الخطة موكول لدعاة «حركة التوحيد والإصلاح» وشيوخ السلفية.
الأزمة التي تمر منها الحكومة حاليا، تعتبر الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها أحد مخارجها الدستورية. حزب العدالة والتنمية كان دائما -بالرغم من قيادته الحكومة- يعبر عن استعداده للنزول إلى الشارع في إشارة إلى توفره على قاعدة مجتمعية واحتياطي مهم من المتعاطفين الذين باستطاعتهم أن يقلبوا كل الموازين إذا ما فشل الحزب سياسيا، ولعل هذه الفكرة قد كبرت في عقول أطر الحزب وتوسعت بتعبير السلفيين مؤخرا عن استعدادهم للعبة السياسية واندماجهم في حزب النهضة والفضيلة وهي نفس الخطوة التي خطاها «مناضلو» العدالة والتنمية في أول مشوارهم السياسي باندماجهم في حزب عبد الكريم الخطيب الذي عبد لهم الطريق نحو صناديق الاقتراع.
هكذا وبعد زوال الاختلاف حول الموقف من السياسة والانتخابات بين البيجيديين والسلفيين، أصبح من الممكن الحديث عن تحالف ممكن في إطار انتخابات سابقة لأوانها، لكن ما هي باقي نقط الالتقاء الأخرى؟
لقد كان سياسيو العدالة والتنمية في كل خرجاتهم يحسبون ألف حساب، لرقابة «حركة التوحيد والإصلاح»، وبدا ذلك في مهاجمة عدد منهم للمهرجانات والحريات الفردية‪،‬ وبالرغم من الالتفاف حول الموضوع بلغة سياسية محتالة إلا أنهم منذ «القرصة» الأولى لصقور الحركة التي لاموا فيها سياسيي الحزب انخراطهم الكامل في العمل السياسي وابتعادهم عن الاشتغال بالدعوة عادوا مجددا إلى اللعب على الحبلين. ومن بين هذه «القرصات» انتفاضة الحركة في وجه الحزب بعد دعوة هذا الأخير للإسرائيلي عوفير برانشتين للجلسة الافتتاحية للمؤتمر السابع للحزب، الذي اعتبرته اختراقا صهيونيا، ودفعت الحزب إلى الاعتذار عن هذا الخطأ.
لقد شكلت مظاهر الحياة التي يحب المغاربة الاحتفال بها وعيشها ببساطتهم المعهودة نقطة تؤرق المتأسلمين والمتطرفين على السواء نظرا لأنها تصرف الناس عن خطابهم المتطرف، لكن بعد أن ولج هؤلاء إلى عالم التكنولوجيا الرقمية وصاروا من أوائل مستخدميها أصبحت مهمة مهاجمة الفنون والجمال والتعليم المختلط وحقوق المرأة وحرية التعبير واللباس والعمل، هينة بعد أن وصلوا إلى شريحة واسعة من الناس وكانت عملية غسل الدماغ هاته مبهرة. التحالف المتأسلم إذا ما نجح في انتخابات سابقة لأوانها سيجعل هذا الهجوم يطال مختلف القطاعات بقوة «القانون»، وسيحول المغرب إلى أفغانستان ثانية.
محمد أبويهدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.