الفقيه الإمام مولاي سعيد بن الحسن بن السعيدي الروداني دارا وإقبارا، ولد عام 1320ه بقبيلة الرحالة ناحية أولوز شرق إقليمتارودانت، من أبيه مولاي الحسن بن محمد وأمه عائشة بنت الحاج محمد، وفي كنفهما نشأ إلى جانب باقي إخوته نشأة دينية، عين قاضيا مع فجر الاستقلال، حيث حظيت مدينة تارودانت بشرف إعلان مولاي سعيد بن السعيدي بهذا الشرف في عهد الجنرال عبد السلام الصفريوي عامل إقليمأكادير آنذاك، ونظرا للمشاكل التي يتخبط فيها الإقليم في ذلك الوقت بالذات، وانتماء مولاي سعيد بن السعيدي إلى أسرة عريقة جمعت بين شرف النسب والتفقه في الدين، ناهيك عن كونه من سلالة عائلة لها مصاهرة بالسلطان مولاي يوسف في شخص عمه القاضي مولاي أحمد، تم اختياره لهذا المنصب، حيث جمع بين القضاء وإدارة الشؤون الأهلية، فقام بهما على الوجه المطلوب كما يشهد له بذلك. كما كان مثالا للنزاهة والرصانة سواء لما كان قاضيا بالمحكمة الابتدائية بتارودانت أو في المدة التي قضاها في مجلس الاستئناف الجهوي بمراكش، وبقي في سلك القضاء حتى سنة 1969، بعد هذه الفترة الغنية من حياة القاضي مولاي سعيد بن السعيدي، وجد نفسه أمام مرحلة يمكن أن يطلق عليها المرء بمرحلة الفراغ، كرهه لهذه الكلمة وحبه لخدمة المصلحة العامة، دفعت به إلى الدخول في غمار التعليم، وأول عمل قام به هو إعادة إحدى البنايات إلى نشأتها الأولى والتي من أجلها تم تشييدها في عهد محمد الشيخ السعدي، إنها «مدرسة الجشتيمية» نسبة إلى أحد شيوخها، وهو سيدي الحاج أحمد بن عبد الرحمن الجشتيمي. وبهذا العمل الذي أقدم عليه القاضي المخضرم الفقيه العلامة مولاي سعيد بن السعيدي، فقد أحيى البناية وأعاد الروح لها. وبعد إحالته على التقاعد، تم انتدابه لرئاسة المجلس العلمي بتارودانت، وكان حضوره المتواصل من أجل الدفاع عن المصلحة العامة للبلاد. ومن بين هذه الأعمال حضوره في اجتماع جامعة القرويين المنعقد بمراكش سنة 1973، حيث تقدم آنذاك بمقترح لتأسيس فرع لكلية الشريعة بأكادير قصد تقريب الدراسات الجامعية في تخصص الشريعة من أبناء الجنوب بدل التنقل حتى مدينة فاس كما جرت العادة منذ تأسيس الجامع العامر القرويين، حيث كثف اتصالاته بأعضاء جمعية علماء سوس بحثا عن الوعاء العقاري، الذي تيسر بمنطقة المزار بأيت ملول. نال وسام العرش من درجة ضابط تسلمه من المغفور له الحسن الثاني بقصر بلدية أكادير إثر زيارته التفقدية لناحية سوس سنة 1972، وسلمه المغفور له محمد الخامس ظهير نقيب الشرفاء السعديين. وتشير بعض المصادر أنه في الوقت الذي تسلم فيه القاضي مولاي سعيد الظهير الشريف، خاطبه المغفور له محمد الخامس قائلا ” إن هذا الظهير لا يسمن ولا يغني من جوع بل فقط تميزا لكم عن غيركم “. كانت حياة الفقيد مليئة بالأعمال الجليلة التي سجلها التاريخ باسمه، حيث شهد له كونه أبدى كل ما في وسعيه وجهد جاهدا في عملية تأسيس جمعية علماء سوس، وكان من بين من جمع شمل العائلة العلمية ووحد كلمتهم. وكان له الفضل الكبير في بناء معلمة علمية وسط مدينة تارودانت، التي وضع حجرها الأساسي محمد الخامس ولازالت شامخة إلى يومنا هذا، حاملة اسم “معهد محمد الخامس للتعليم الأصيل”. أعماله ومنجزاته كثيرة، فقد كان رحمه الله مناهضا للاحتلال مما أدى إلى اعتقاله وسجنه وتعذيبه بشتى الطرق. كما تم إخضاعه عدة مرات إلى الإقامة الإجبارية منها معتقله بداره بأولوز، وبعدما أحس بالخطر المحدق به من طرف زمرة من الخونة، قرر مغادرة موطنه في اتجاه مراكش. وقد ظل العلامة الفقيد وفيا لروح الوطن، ومتشبثا بمبادئه وحبه للخير وخدمة للمصلحة العامة، حيث ظل هذا القاضي طوال حياته رجلا محنكا ومتحليا بالأخلاق النبيلة. هكذا كانت حياته الفقيد كما شهد ويشهد له بها من طرف ممن عاصروه منذ نعومة أظافره إلى وفاته عام 12 شتنبر 1974، ودفن بمقبرة باب الخميس بجانب قبر سلفه القاضي سيدي موسى بن العربي الرسوكي، واعترافا له بمجهوداته التربوية والوطنية ونزاهته القضائية، أطلق اسمه على مؤسسة تربوية للتعليم الابتدائي العمومي بتارودانت. موسى محراز