فيدرالية اليسار الديمقراطي تحذر من حالة الشلّل الذي تعيشه جماعة المحمدية    بالإجماع.. المستشارين يصادق على مشروع قانون إعادة تنظيم مجلس الصحافة    معارض إفريقية متنوعة للصناعة التقليدية بأكادير ضمن فعاليات كأس إفريقيا للأمم 2025    الصين تكتشف حقلا نفطيا جديدا في بحر بوهاي    فوز مثير لبوركينا فاسو وبداية موفقة للجزائر وكوت ديفوار والكاميرون في "كان المغرب"    هزتان أرضيتان تضربان ضواحي مكناس        أجواء ممطرة وباردة في توقعات اليوم الخميس بالمغرب        التوتر الفنزويلي الأمريكي يدفع إيران إلى الانسحاب من "مترو كراكاس"    المعارضة تنسحب والأغلبية الحكومية تمرر "قانون مجلس الصحافة المشؤوم"    "مهزلة تشريعية".. صحافيون يتفضون ضد "القانون المشؤوم"    ريمونتادا مثيرة تقود بوركينا فاسو للفوز على غينيا الاستوائية    "كان المغرب".. المنتخب الجزائري يقسو على السودان    "كان المغرب".. برنامج باقي مباريات اليوم الأربعاء    أبرز حوادث الطيران التي لقيت فيها شخصيات معروفة مصرعها    الجزائر تجرم الاستعمار الفرنسي    نشرة إنذارية: أمطار وثلوج وطقس بارد من الأربعاء إلى السبت    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    مديرية الأرصاد الجوية بالمغرب: استمرار الأجواء غير المستقرة طيلة الأسبوع    بالملايين.. لائحة الأفلام المغربية المستفيدة من الدعم الحكومي    ندوة علمية بكلية الآداب بن مسيك تناقش فقه السيرة النبوية ورهانات الواقع المعاصر    كيف يمكنني تسلية طفلي في الإجازة بدون أعباء مالية إضافية؟    ماذا يحدث للجسم بعد التوقف عن حقن إنقاص الوزن؟    اتحاد طنجة لكرة القدم يتحدى العصبة الوطنية الاحترافية بعقد الجمع العام    ملتقى العيون للصحافة يعالج دور الإعلام في الدفاع عن الصحراء المغربية    الكاميرون ينتصر على الغابون في مباراة صعبة    ارتفاع مخزون سد عبد الكريم الخطابي بإقليم الحسيمة بعد التساقطات المطرية الأخيرة    ‬ال»كان‮«: ‬السياسة والاستيتيقا والمجتمع‮    المنتخب المغربي يركز على الجوانب التقنية قبل لقاء مالي في كأس إفريقيا    أمطار وثلوج تنعش منطقة الريف وتبعث آمال موسم فلاحي واعد بعد سنوات من الجفاف    مخطط التخفيف من آثار موجة البرد يستهدف حوالي 833 ألف نسمة    وهبي: الحكومة امتثلت لملاحظات القضاء الدستوري في "المسطرة المدنية"    "ريدوان": أحمل المغرب في قلبي أينما حللت وارتحلت    توقيف شخص بحوزته أقراص مهلوسة وكوكايين بنقطة المراقبة المرورية بطنجة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر        توفيق الحماني: بين الفن والفلسفة... تحقيق في تجربة مؤثرة    نص: عصافير محتجزة    شخص يزهق روح زوجته خنقا بطنجة‬    وزير الصحة يترأس الدورة الثانية للمجلس الإداري للوكالة المغربية للدم ومشتقاته    رباط النغم بين موسكو والرباط.. أكثر من 5 قارات تعزف على وتر واحد ختام يليق بمدينة تتنفس فنا    أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة الأزهر المصريّة    المغرب في المرتبة الثامنة إفريقيا ضمن فئة "الازدهار المنخفض"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    الحكومة تصادق على مرسوم إعانة الأطفال اليتامى والمهملين    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب تايوان    فرنسا تندد بحظر واشنطن منح تأشيرة دخول لمفوض أوروبي سابق على خلفية قانون الخدمات الرقمية    الذهب يسجل مستوى قياسيا جديدا متجاوزا 4500 دولار للأونصة    "الهيلولة".. موسم حجّ يهود العالم إلى ضريح "دافيد بن باروخ" في ضواحي تارودانت    كأس أمم إفريقيا 2025.. بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية فضية من فئة 250 درهما ويطرح للتداول ورقة بنكية تذكارية من فئة 100 درهم    عاصفة قوية تضرب كاليفورنيا وتتسبب في إجلاء المئات    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها        الولايات المتحدة توافق على أول نسخة أقراص من علاج رائج لإنقاص الوزن    دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    دراسة صينية: تناول الجبن والقشدة يقلل من خطر الإصابة بالخرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوريد: التفكير في الإسلام يقتضي أسلمة الحداثة وتحديث الإسلام
نشر في الأحداث المغربية يوم 15 - 10 - 2011

يوم الجمعة الماضية، ألقى المفكر حسن أوريد، صاحب كتاب “مرآة الغرب المنكسرة”، محاضرة في موضوع “سؤال الحداثة في العالم العربي”، بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية. إذ قدم أوريد، من خلال محاضرته التي ألقاها بدعوة من المركز المغربي للثقافة والفنون العريقة، قراءة تاريخية في موضوع الحداثة العربية، سواء في شقها الفكري، أو في تطورها السياسي، لينتهي إلى خلاصة مفادها أن العالم العربي محتاج اليوم إلى أسلمة الحداثة وتحديث الحادثة. فيما يلي تقرير عن المحاضرة:
كان أول ما استهل به حسن أوريد محاضرته الدعوةَ إلى الانكباب على التفكير في القضايا التي تعتور العالم العربي، باعتبار أن الفكر يظل دوما أسبق عن الفعل، وألا تقدم بدون هذا الفكر. ولعل ما اهتم به المحاضر، منذ البداية، هو استحضار المرجعية التاريخية للعالم العربي، وكذا ما سماه “بعضا من أركيولوجيا هذا العالم”. لكن المحاضر فضل أن يتوقف، في البداية، عند مفهوم الحداثة، حيث يرى أنه لا توجد في الأدبيات الفكرية العربية سوى مصطلحات كالتحديث والعصرنة. إذ يعتبر أن الحداثة ظهر ك”مسمى” عقب سقوط جدار برلين، وهيمنة النموذج الليبرالي الغربي، مشيرا إلى أن هذه المصطلح يفيد أن ثمة حداثة واحدة هي الحداثة الغربية بأشكال متعددة تشمل السياسة والمجتمع والثقافة والاقتصاد.
للمصلطح حمولة، كما يقول أوريد، تفيد أنه يشكل بديلا للاتجاهات التي تمتح من المرجعية الإسلامية. لكن محتواه يعني ضمنيا، كما يرى المحاضر، “ركوب العصر، والقضاء على الفقر والتخلف وكل أشكال الإقصاء”. والمصطلح بهذا المعنى يراه أوريد حاضرا في الفكر العربي منذ قرنين؛ أي منذ حملة نابليون على مصر، ما عدا الكلمات، التي استعملت للإحالة عليه مثل النهضة والتقدم والتحديث والعصرنة والتاريخ، لم تكن هي ذاتها التي تستعمل اليوم. هنا يعود حسن أوريد إلى استعمالات المفهوم في المجال الفكري، حيث يستشهد بالمفكر ميشيل عفلق، باعتبار أن العرب ينبغي أن يكونوا فاعلين، ليدخلوا التاريخ (والتاريخ يحيل هنا، كما يرى أوريد، على التقدم). والمصطلح وارد كذلك عند قسطنطين زريق في كتاب شهير بعنوان “نحن والتاريخ”. ويعتبر أوريد أن عبد الله العروي مفهوم “الوعي التاريخي” كرديف لمفهوم التقدم. كما يرى أن الاشتراكيين لم يجدوا حرجا، خلال سبعينيات القرن الماضي، في استعمال مصطلح “النهضة” للإشارة إلى المعنى ذاته.
وبغض النظر عن هذه الترادفات، فإن حسن أوريد يرى أن السياق التاريخي هو ما يسعف على سبر إشكالات المفهوم. هكذا، فمفهوم النهضة مطروح، حسب تصور المحاضر، منذ حملة نابليون على مصر، لكنه اقترن بمفهوم الوحدة، إن لم تكن هذه الأخيرة شرطا لازمة للتقدم وسابقة عنه. ذلك أن “مصر استطاعت أن تنهل من حياض الغرب.. وأن تصوغ بعض مكونات النهضة”. لكن المخاضات، التي أسفرت عنها تحولات المنطقة، خاصة في علاقتها بالباب العالي وبالغرب الإمبريالي، أدت إلى إجهاض مختلف مشاريع محمد علي باشا وسليمان باشا، كما أدت إلى إخفاقات وتنازلات ترابية في المشرق كله، خاصة في العراق والشام. هكذا، سيشهد مفهوم “الوحدة”، حسب رأي أوريد، زخما مع الحرب العالمية الأولى وما بعدها، حيث لعبت بريطانيا دورا كبيرا في تضخيم الشعور بالانتماء العربي بغية إضعاف الخلافة العثمانية.
غير أن سياق ما بعد العشرينيات كانت بمثابة النكبة بعد هذا الدور، الذي عقد عليه العرب كل آمالهم في تحقيق الوحدة. إذ قسمت المنطقة العربية إلى دويلات، قام وسطها كيان غريب سيجر المنطقة كلها إلى حروب أذلّت العرب وحطت من كرامتهم. يقف أوريد هنا للحديث عن أحد أكبر منظري الوحدة. إنه أنطون سعادة، الذي يحصر محدد الوحدة الأساسي في الجغرافيا، لا في اللغة أو الثقافة أو الدين. غير أن سعادة يحصر، كما يقول المحاضر، في سوريا الكبرى (سوريا الحالية والهلال الخصيب، بالإضافة إلى قبرص، وهو ما يعتبره أوريد أمرا غريبا). هنا، يرى أوريد أن فكر سعادة جاء، ليواجه عملا سياسيا انفصاليا تزعمته كتائب بيير الجميّل.
هذا الحديث عن أنطون سعادة، الذي حوكم وقتل رميا بالرصاص، سيقود أوريد للخوض في حلقة من حلقات التفكير في الوحدة، تتجسد في ساطع الُحصَري، الذي زاوج بين العمق الثقافي والانخراط في العمل السياسي (يشير أوريد في تعريفه الحصري إلى أنه هو أول من صاغ مصطلع “المغرب العربي”). فساطع الحصري يؤكد أن مقومات الوحدة، كما يوردها حسن أوريد عنها، تتحدد في اللغة والثقافة والتاريخ، مع حرصه على عدم إدراج الدين ضمن هذه المقومات، فضلا عن أن الانتماء يتحدد بوطن خاص تحدده الجنسية، ووطن عام ترسمه القومية. وفي نظر أوريد، يشكل فكر الحصري لحظة أساسية، لكن سيتجاوزها ميشيل عفلق.
إن العناصر الثلاثة، التي حددها الحصري كأساس للوحدة، غير كافية عند ميشيل عفلق. ثمة جانب أساسي هو الإرادة، حيث أن تلك العناصر لن تكتسب قوتها إلا إذا اقترنت بهذا الجانب. ففي نظر ميشيل عفلق، لكي يدخل العرب التاريخ، ينبغي القيام ب”انقلاب” يشمل كل أوجه الحياة الثقافية والفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، الخ. وهذا الانقلاب ينبغي أن يسبقه الفكر، الذي يجب أن يكون الحزب جوادَه الأول، كما يقول أوريد. أما أهدافه، فتتجلي في الوحدة والحرية والاشتراكية. لكن المثير في فكر عفلق، كما يقول أوريد، هو موقفه من الدين. فهو ينظر إلى الدين باعتباره نتاجا للعبقرية والحضارة العربية، حيث يمكنه أن يكون أداة تحرير خارقة. غير أنه لا يعتبره محركا، وإنما عنصرا يساعد على التغيير.
وخلافا لهذه الثلة، ظهر لفيف من المفكرين، في مصر بالخصوص، ممن لا يؤمنون بفكرة العالم العربي أمثال لطفي السيد وطه حسين وعلي عبد الرازق. إذ كان الاتجاه القومي ضعيفا، إن لم يكن غائبا، كما يقول أوريد، حيث قدم هؤلاء آليات فكرية لفك كل ارتباط بالأمة الإسلامية أو القومية العربية. ويستشهد أوريد على هذا الأمر بكتابين أثرا أيما تأثير في عقول الناس هما “في الشعر الجاهلي” لطه حسين، و”الإسلام وأصول الحكم” لعلي عبد الرازق.
وعلى المستوى السياسي، أفرز سياق ما بعد الحرب العالمية الثانية وضعا عالميا جديدا ما تزال معالمه سارية حتى الآن، كما يقول المحاضر. إذ يقدم أوريد بعض هذه المعالم، ويحصرها في “حلف كينسي”، الذي لا يزال ساريا إلى الآن، و”نظرية ترومان” التي تقوم على ضمان أمن إسرائيل وسلامتها. هكذا، سيكتشف العرب أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تحذو حذو بريطانيا في المنطقة. في هذا السياق، يتوقف أوريد مطولا عند مختلف الأحداث والتحولات، التي شهدتها المنطقة، مثل قيام إسرائيل وثورة الضباط والعدوان الثلاثي على مصر، كما يتوقف عند النزعة الناصرية، التي يعتبر أوريد أنها لم تكن فلسفة قومية قائمة الذات، بل عبرت عن براغماتية سياسية ترتبط بكاريزما شخص جمال عبد الناصر.
ففي تصور حسن أوريد، لم يخبُ الحلم الوحدوي مع الأحداث التاريخية، التي أثقل بعضها كاهل السلطة مثل هزيمة حرب الأيام الستة وحرب 1973 وانتكاسات معاهدة “كامب ديفيد”، الخ. إذ ظل هذا الحلم يراود حزب البعث في العراق وسوريا. لكن الثورة الإيرانية أدت، كما يقول المحاضر، إلى تحجيم هذا الحلم، باعتبار أن إيران كان لها طموح بلعب دور أساس في المنطقة. كما أدت إلى إعادة النظر في العلاقة في الشيعة والسنة، حيث يستشهد أوريد، في هذا السياق، بمنظر الثورة الإيرانية علي شريعاتي، الذي يؤمن أن التأثير في المجتمع يقوم على استعادة الدين، محاولا التأليف بين خلفية دينية وحقول معرفية معاصرة. ومن هنا جاءت الرغبة التوسعية لدى الثورة الإيرانية.
هذا الرجوع إلي التاريج يساعد، حسب أوريد، على فهم تموجات العالم العربي. ذلك أن الحرب العراقية- الإيرانية خلقت وحدة عربية، الذي أدرك أن الخطر آت من العنصر الفارسي، مما دفع بالعرب إلى مؤازرة العراق في هذه الحرب. هنا، يقول أوريد إن هذه التوترات، التي شهدتها المنطقة بعد هذه الحرب، خاصة ما تعلق بمحاولة العراق في مفاوضاته مع العرب من أجل خفض ديونه، حددت ملامح العالم العربي، الذي ازداد وضعه تفاقما نتيجة إخفاقات ما يسميه المحاضر ب”المسلسلات الثنائية” الخاصة بالقضية الفلسطينية. هذا العالم سيظل كذلك إلى أن ستحل ثورات “الربيع العربي”.
هذا “الربيع” لم ينبثق، كما يقول أوريد، كحادث فجائي، وإنما خرج من رحم معطيات موضوعية. إذ يخلص المحاضر، انطلاقا من قراءة المعطيات التاريخية، إلى أن الشعب أصبح فاعلا وواعيا بما يعتور عالمه، وأن التدبير “لم يعد شأن أقلية، أو هو شأن علاقات شخصية أو مصالح بين غرب قوي وعناصر ونخب ذيلية لهذا الغرب”. كان من الضروري، حسب رأي أوريد، أن تقع هذه الرجة، لكنها لا تحمل مشروعا سياسيا وفكريا واضحا. غير أن المحاضر يرى ضرورة أن يضطلع المثقفون والنخب السياسة بدورهم في إفراز آليات من شأنها أن تحد من الفساد، باعتبار أن الثورات العربية تقع اليوم في سياق دولي مغاير عما كان سائدا طيلة القرن الماضي؛ ذلك أن الغرب لم يعد كما كان، ويبدو، لأول مرة، في حاجة إلى العالم العربي. كما يخلص إلى أنه “لا مندوحة عن التفكير في الإسلام”، لأنه دين فاعل ومؤثر، وهو ما يقتضي “تمرينا مزدوجا هو أسلمة الحداثة وتحديث الإسلام”.
محمد جليد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.