مما لا شك فيه أن الحركية المجتمعية التي عاشها المغرب بعيد اعتقال ومتابعة فتاتي إنزكان، ساهم في تغيير مجرى القضية وأنقذ الفتاتين من الحبس. ولا بد هنا من التنويه بالنيابة العامة التي اعتبرت محاضر الضابطة القضائية معيبة واستبعدتها مما ترتب عنه الحكم ببراءة المتابعتين. كما أن فتح التحقيق في شكاية الفتاتين اللتين تحولتا إلى ظنينتين قبل تبرئتهما، قد يعطي للقضية بعدا آخر. غير أن ما جرى في إنزكان، في شقه المرتبط بالعدالة بالخصوص، يطرح عدة أسئلة تتطلب إجابة دقيقة. السؤال الأساسي مرتبط بالكيفية التي تعاملت به المصالح الأمنية، وكيف يتحول المشتكي إلى ظنين في الوقت الذي يطلب فيه تدخل الأمن من أجل الحماية الشخصية. هذا الأمر يسائل الضابطة القضائية التي يمكن أن يكون لأي خطإ من طرفها عواقب وخيمة على حقوق الناس. السؤال الثاني يرتبط بمحاضر الضابطة القضائية نفسها، والتي تتحول في غالب الأحيان إلى حجة للمتابعة وتعتبر أساسا لصدور عدة أحكام، قد تضيع معها حقوق الناس وتتسبب في سجن بعض الأبرياء نتيجة ما قد يشوبها من عيوب. هنا لابد من الإشارة إلى أن العديد من المحاضر المذكورة تتحكم فيها عدة عوامل، قد ترتبط أحيانا بكفاءة بعض عناصر الأمن، خصوصا أمام الضغط الذي يواجهونه من أجل تهيئ الملفات. كما أن اعتماد بعض القضاة على هذه المحاضر لسبب أو لآخر، واعتبارها حجة إدانة قد تضيع حقوق بعض المتقاضين، وقد تزج ببعضهم في السجن في قضايا قد يكونوا أبرياء بخصوصها، وهنا تصح مقولة «يا ما في السجن مظاليم»، هذه المقولة التي سمعناها مرارا في المسلسلات المصرية. لقد وضعت قضية فتاتي إنزكان الأصبع على مشكل حقيقي في العدالة المغربية، طالما وجهت لها انتقادات من أهل الإختصاص. يتعلق الأمر بمحاضر الضابطة القضائية وطريقة التعامل معها وما قد يشوبها من عيوب لسبب أو لآخر، مما يؤثر على مسار العدالة ببلادنا. وقد نشرت الصحافة عدة مرات حكايات صادمة لأشخاص يتهمون فيها تلك المحاضر ويعتبرونها أساسا لقضائهم أعوام في السجن بدون وجه حق، بل أحيانا بظلم يقضي على مسار حياة بعض المواطنين. إن المشرع وهو بصدد التهيئ للقانون الجنائي ولقانون المسطرة الجنائية مطالب اليوم بإعادة النظر في طريقة التعامل مع المحاضر التي تنجزها مصالح الأمن والدرك، وذلك بإحاطتها بالضمانات الكفيلة بالمحاكمة العادلة حتى لا تضيع حقوق الناس بعيوب قد تكون ناتجة عن ظروف معينة، كما قد تكون أيضا ناتجة عن عمل مقصود... وإذا ما تم تصحيح مجرى قضية فتاتي إنزكان بالطريقة التي نعرفها جميعا، فالمطلوب اليوم اتخاذها منطلقا لتصحيح مسار قضايا أخرى مشابهة، مع الضبط القانوني لعمل المصالح الأمنية المختصة في هذا الجانب تجنبا للزج بأبرياء في السجون...