لجنة العدل بمجلس النواب تقبل "خطر الاختفاء القسري" مانعا لتسليم الأجانب    عندما تتحول القرارات السياسية من حسابات باردة إلى مشاعر مُلتهبة    بنعلي: الطاقة المركبة من مصادر متجددة تسجل ارتفاعا فاق 5 في المائة بين 2021 و2025    من الرياض.. ترامب ينهي العقوبات على سوريا ودمشق ترحب بالخطوة    السكوري: الحكومة تتطلع إلى مواصلة تحسين مؤشرات التشغيل لخفض البطالة إلى مستويات معقولة خلال السنة الجارية    أجواء ربيعية غير مستقرة بالمغرب.. زخات رعدية وبَرَد وانخفاض في درجات الحرارة بعدد من المناطق    نزار بركة يستقبل وفد الحزب الشيوعي الصيني ويؤكد تقاطع الرؤى حول السيادة والتنمية والسلام    ترامب: السعودية ستنضم إلى الاتفاقيات الإبراهيمية "في الوقت المناسب"    فضيحة اختطاف معارض في فرنسا تهز النظام الجزائري: خمسة موقوفين وتحقيقات تصل إلى تبون    إسرائيل تواصل هجماتها الدامية على مستشفى خان يونس وتقتل 28 شخصا    الداخلة تستقبل السفير الهنغاري: آفاق جديدة للتعاون والاستثمار بين المغرب وهنغاريا    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون يتعلق بجبايات الجماعات الترابية    حريق مهول قرب مصنع للعجلات المطاطية بمنطقة "طنجة تيك" واستنفار واسع للسلطات    تفكيك شبكة دولية لتهريب المخدرات وغسل الأموال بين المغرب وإسبانيا.. توقيف 15 شخصاً ومصادرة ممتلكات بالملايين    بميناء الناظور.. جهاز السكانير يفضح محاولة تهريب 13.980 قرصاً من أخطر المؤثرات العقلية    إحباط محاولة تهريب حوالي 14 ألف قرص إكستازي بميناء الناظور على متن شاحنة.. وسائقها في قبضة الأمن    صحيفة فرنسية: المغرب يحصد ثمار إرادة سياسية قوية لدعم بيئة الشركات الناشئة    مَأْزِقُ الإِسْلاَمِ السِّيَاسِي    درك باب برد يطيح بمشتبه فيه رئيسي في ترويح مخدرات قوية بالمنطقة    نادية فتاح: حجم الدعم المخصص للمواد الأساسية تجاوز 100 مليار درهم خلال الفترة ما بين 2022 و2025    الشعب المغربي يحتفل بالذكرى ال69 لتأسيس القوات المسلحة الملكية    بورصة البيضاء تنهي التداول بالأخضر    الركراكي: حكيمي قائد حقيقي ومرشح للكرة الذهبية    هشام بلاوي الوكيل العام الجديد للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة    ‮«‬الأسد ‬الإفريقي ‬2025‮»‬: ‬أكبر ‬مناورة ‬عسكرية ‬في ‬القارة ‬تنطلق ‬من ‬المغرب ‬بمشاركة ‬أمريكية ‬ودولية ‬واسعة    المجلس الوزاري: حول الأسماء والأشياء!    محمد وهبي يؤكد أن شبان المغرب قادرون على تحقيق أشياء عظيمة    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية مصحوبة محليا بتساقط للبرد بعدد من مناطق المملكة    الاستقلال يدعو لفتيت إلى تسريع مراجعة القوانين الانتخابية استعدادًا للاستحقاقات المقبلة    وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية: الأوضاع الأمنية في العاصمة الليبية "تحت السيطرة"    حكم جديد.. 3 ملايين ونصف تعويضاً لسيدة عضها كلب    أزمة دواء اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في المغرب.. يفاقم معاناة الأسر في صمت    الصين تعزز شراكتها مع أمريكا اللاتينية بخمس مبادرات تنموية وإنسانية جديدة    صافرة رومانية تضبط نهائي دوري أبطال أوروبا    دراسة من هارفارد: شرب الماء الكافي يعزز التركيز الذهني ويقلل التعب والإرهاق    في برنامج "مدارات" : لقاء مع الباحث الأستاذ أحمد متفكر ، وحديث حول سيرة محمد ابن الموقت المراكشي    أسعار ‬الأسماك ‬في ‬ارتفاع ‬متواصل ‬وسمك ‬الفقراء ‬بات ‬نادرا ‬في ‬الأسواق    اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية.. انتخاب سفيان البقالي رئيسا للجنة الرياضيين    انطلاق أشغال الدورة التكوينية للحصول على رخصة التدريب المستوى الثاني لكرة القدم الشاطئية    مراكش ومدن مغربية أخرى تحتفي بموسيقى موزارت لتوحيد المواهب المتوسطية    غزة تحاصر كان.. 380 فنانًا يتهمون إسرائيل بالإبادة    الرباط تحتضن أول مهرجان لفن الراب "212'FlowFest"    تقرير دولي يكشف: المغرب أرخص دولة في تصنيع السيارات.. والسعر سيُفاجئك    المجنونة المتحرِّشة بالنساء الحوامل    المغرب الفاسي يثق في منتوج النادي    شرطة ألمانيا تفكك "شبكة متطرفة"    لتضيء نضالات الأمس دروب الغد    مشكلة الوعي الزائف وشروط امكان الوعي الحقيقي    الأغذية فائقة المعالجة تهدد بأعراض "باركنسون" المبكرة    الهيئة المغربية لسوق الرساميل تؤشر على المنشور المتعلق ببيع أسهم "رونو"    برشلونة على أعتاب لقب "الليغا" وريال مدريد يودّع أنشيلوتي    حكيمي يعزز استثماراته الرياضية بشراء نادي إسباني    تركيا.. أزيد من 64 مليون مسافر عبروا مطارات البلاد خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2025    ماذا نعرف عن أسباب وأعراض متلازمة مخرج الصدر؟    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المولي, النوري, ياسين, زعزاعي وآخرون صور قاتمة عن الخطأ القضائي بالمحاكم المغربية

تطرح المحاكمات التي تنطلق بضجة مثيرة للجدل، وتنتهي بتوزيع البراءة على الجميع، عدة تساؤلات حول الجدوى من انطلاقها أصلا، ومن المسؤول عن هذا الوضع القضائي غير الطبيعي، هل هم ضباط الشرطة القضائية، الذين ينجزون المحاضر ويبلغون النيابات العامة بخطورة التهم المنسوبة إلى الأفراد أو الجماعات المعنية، قبل التثبت من صحتها، نتيجة عدم الاجتهاد في التحري، أم أن الخلل يكمن في السلطة القضائية، التي تأمر بالوضع رهن الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي من خلال معلومات عبر الهاتف فقط، أم هو فراغ تشريعي.
والواقع أن الوضع في حاجة ماسة إلى تدخل حاسم من المشرع المغربي لتوفير الضمانات اللازمة للمتهمين، وحمايتهم من أي شطط في استعمال السلطة، أو انتهاك لحرياتهم، من خلال تقييد صلاحيات النيابة العامة ومؤسسة قضاء التحقيق في ما يتعلق بالوضع رهن الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي، اللذين يمكن اللجوء إليهما من طرف بعض القضاة لأتفه الأسباب، حتى ولو لم يتوفروا على القرائن والحجج، الوضع الذي يساهم في ارتفاع عدد المدانين من قبل الأمن والنيابات العامة، قبل تبرئتهم من طرف القضاء.
في البلدان العريقة في الديمقراطية، لا يمكن للنيابات العامة أن تحرك مسطرة المتابعة في حق أي كان، إلا بتوفر ما يكفي من قرائن وحجج، أو مع حالة التلبس. لكن في المغرب، شأنه شأن دول أخرى في مرحلة البناء الديمقراطي، تتحرك مسطرة الاعتقال والمتابعة، ويزج بالكثيرين في السجون، فقط لأن أسماءهم وردت في تصريحات متهمين ما، مع أن فقهاء القانون أسهبوا في الحديث عن شهادة متهم على متهم، وبعد جلسات تحقيق عديدة ومحاكمات ماراثونية، يتم الإفراج عنهم ببساطة، بعد أن يحصلوا على أحكام بالبراءة.
وإذا كانت أحكام البراءة تعيد الاعتبار نوعا ما إلى هؤلاء المتهمين، فمن الذي يعيد إليهم اعتبارهم ماديا، ويعوضهم عن نفقات التقاضي والقفة خلال مرحلة الاعتقال الاحتياطي، التي قد تطول وقد تستغرق شهورا عديدة، ثم أجورهم أو مداخيلهم الاعتيادية التي يستعصي عليهم تدبيرها منذ أول يوم يقضونه في السجن.
ولا يوجد نص واحد في المغرب ينص على ضرورة تعويض ضحايا الأخطاء القضائية، مع أن حياة الكثيرين تكون قد دمرت من أساسها، وتعرضت لشرخ لا يمكن معالجته إلى الأبد، خصوصا عندما يتعلق الأمر بشخصيات رأسمالها سمعتها، أو مستقبلها المهني. وفي ملف مخدرات، توبع فيها رجال أمن قبل أن يحصلوا على البراءة..
الخطأ القضائي ليس ككل الأخطاء
كل إنسان معرض للخطأ وخير الخطائين الثوابون،? وبحكم أن البشر ?الذين يمارسون مهام القضاء بشر، وعليه فليس من المستغرب وقوع بعضهم في الخطأ لدى قيامهم بمهامهم. ?لكن هذه الأخطاء ?ليست ككل الأخطاء، نظرا لصدورها عن ممثلي العدالة ولما ?تتركه من أضرار تطال المتقاضين في حياتهم، وحرياتهم، وأموالهم...، وقد يقع إنسان بريء ضحية لخطأ قضائي، فتدمر حياته بكل جوانبها ماديا اجتماعيا وعائليا. وقد يطال الأمر أسرته بأكملها. والقاضي بحكم عمله الحساس، فإنه مطالب بعدم السقوط في كل مراحل عمله في الخطأ القضائي وعدم حدوثه. ومع ذلك فهو لا يصدر عن القاضي لمجرد كونه بشر خطاء بالفطرة، أو لأن تكوينه المهني غير كاف أو في حاجة إلى الكفاءة المهنية وإنما أزمة القضاء التي هي أزمة دول.
الخطأ القضائي مساس بحرمة القضاء
تعرف العديد من الدول ومن بينها المغرب السقوط في فخ الخطأ القضائي ?كأن يغفل القاضي أوراق أو مستندات مهمة للقضية أو أن يتعسف في استعمال القانون أو أن يخطئ في تفسيره أو يمس بشرعية الأدلة الجنائية كالاعتداد بأدلة شبه باطلة ?أو الاعتداد باعتراف كان وليد الإكراه ?أو الاعتداد? بشهادة شهود يشوبها التزوير والتحريف? أو تصفية الحسابات وغيرها من الأمور.
كما أن الأمور التي تدفع القضاة لارتكاب الأخطاء كثيرة منها تصرفات المتهم نفسه أثناء المحاكمة أو تضليل الإعلام وضغط الرأي العام وعلى وجه الخصوص في القضايا ذات الحساسية الكبيرة، أو التوظيف السياسي للقضايا التي تحمل بعداً سياسياً.
وقد يتضرر الأفراد من مسألة الأخطاء القضائية بشكل كبير كأن يحبس شخص لمدة من الزمن ومن ثم تتضح براءته ?كما حدث في ملفي النوري والمولي أو ما يعرف بسفاح الجديدة? أو جريمة قتل حدثت في ضيعة فلاحية بضواحي الجديدة أو جريمة قتل وقعت بفيلا فرنسي في تمارة أو وقد يخسر وظيفته على إثر ذلك ومركزه الاجتماعي، وقد يطال أسرته وأهله ذلك الأمر، بل ومستقبله بشكل عام،
من هنا أثيرت مسألة القول بحدوث ?الأخطاء القضائية، والتي تعتبرها طائفة من الفقهاء اصطداماً بقاعدة تحصين الأحكام بحجية الأمر المقضي به، والتي تعني بأن الحكم القضائي هو عنوان الحقيقة ولا اعتداد بحقيقة مغايرة لها مهما كانت ماسة بحقوق وحريات الأفراد...، ويعتبرون ?الأخطاء القضائية مساساً بحرمة القضاء. وعلى ذلك الأساس لا يعتدون بتعويض المتضررين جراء الأخطاء القضائية، ويقرون الاكتفاء بالانتقال للتدرج الهرمي للمحاكم ودرجاتها أو ما يخوله القانون لبعض المسؤولين السامين في جهاز العدالة؛ وذلك بمنحهم بعض الامتيازات لرفع حالات الاعتقال عن المرتكب في حقهم الأخطاء القضائية.
في حين يرى عمداء القضاء بفرنسا خاصة بعد استحضارهم للعديد من القضايا التي شابتها أخطاء قضائية أن تعريف الخطأ القضائي بمعناه الواسع يخص كل القرارات المشوبة بخطأ والصادرة عن المحاكم عندما تصبح هذه القرارات غير قابلة لأي طعن عادي، وبهذا لا يتعلق الخطأ القضائي بالقرارات التي يكون هناك مجال لإمكانية الاستئناف، فإن المتقاضي ضحية الخطأ يمكنه سلوك الإجراءات العادية، أي أن المحكمة التي تصدر قرارها في الدرجة النهائية هي من تكون خاطئة في الأصل.
الخلفاء الراشدون يعدلون
في الصديق مثل العدو
السعي وراء تحقيق العدالة يجب أن يكون غاية القضاء الأولى خاصة وأن الإسلام هو الآخر عرف إصلاح الخطأ القضائي، وخير ما نستشهد به في هذا الباب ?هو معالجة الإمام علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- لمسألة الخطأ القضائي، ?حيث أقر مبدأ ضمان أخطاء القضاة، وهذا يعني أنه اعتد بالخطأ، بل وألزم بتعويضه، فوضع قانوناً غاية في الأهمية يقضي بأنه على الدولة ضمان أخطاء القضاة، بحيث تدفع ما يستحق للمظلوم أو لأوليائه ?في الدم والقطع والعقوبات الأخرى، فقد قضى الإمام علي بن أبي طالب خطأ القضاة في دم أو قطع فعلي بيت مال المسلمين، وهذا يدل على ضرورة وجود هيئة ترفع الظلم وتقدر الضرر وتحكم به؛ وذلك صيانة لحقوق الإنسان من الضياع، كما رفض الإمام مسألة توظيف المسائل السياسية للقضاة في إصدار القرارات والأحكام، إذ أوصى كل قاض من قضاة الأمة قائلاً: عليك بالعدل في الصديق والعدو.
كما أن في عهد الدولة الأموية قد تم العمل بنظام والي المظالم على يد الخليفة عبدالمالك بن مروان، حيث خصص يوماً للفصل في المظالم، أي في شكاية أحد الناس من أحد الولاة أو القضاة، وأنشأ هيئة مستقلة عن القضاء للفصل في الشكاوى والأخطاء المتعلقة بالقضاة، وبالتالي فقد اعتد بالأخطاء القضائية وألزم بالتعويض عنها.
أما باستقرائنا لواقع الأخطاء القضائية بفرنسا، نجد أن بدايتها كان بعصر التنوير والذي شهد تغيرا بمفهوم الدولة والسلطة والعدالة، وبعدما كانت الأخيرة مشمولة بالقداسة والعصمة، أزيلت عنها، واعتد كنتيجة بالأخطاء القضائية. وتعتبر حملة فولتير لإعادة اعتبار كالاس وعائلته البداية الحقيقية للتصدي للخطأ القضائي والتعويض عنه، حيث إن القصة باختصار تدور حول أب لعائلة بروتستانتية وهو (كالاس) اتهم إثر انتحار ابنه بأنه قتله، وذلك لرغبة الأخير باعتناق الكاثوليكية خلافا لمذهب والده، واتهم على إثرها (كالاس) بجناية قتل عمد نسبت إليه في 10 مارس/ آذار 1762، وبعد تعذيب وحشي اقتيد إلى مشنقة نصبت في ساحة الكابيتول في تولوز، وقد هزت هذه القضية سكان تولوز لتعصب القضاء حينها ضد مذهب البروتستانتية ولتبنيهم لمذهب الكاثوليكية، ونقلت وقائعها لفولتير الذي عمل خلال 3 سنوات بعزم حتى توصل إلى إثبات براءة كالاس وإعادة الاعتبار لذكراه ولعائلته وتعويض عائلته عن الخطأ القضائي، حيث صدر الحكم من مجلس الملك برد اعتبار (لكالاس)، وأكثر من ذلك فقد رأى الملك التعويض لزوجته عما لقيه زوجها وابنها الثاني من تعذيب، وعما لقيته هي من قهر وحرمان، فأمر بمنحها تعويضاً مالياً بقيمة ثلاثين ألفاً من أمواله الخاصة. وكانت تلك القضية هي البداية الحقيقية للثورة الفرنسية التي قضت على التعصب ضد المذهب البروتستانتي.
المولي والنوري الخطأ القضائي الأبرز
في المغرب الذي لم يرد فيه الاعتبار
تعتبر? قضية المولي والنوري إحدى أبرز القضايا الموشومة بالخطأ القضائي بالمغرب؛ ذلك أن المذكورين أعلاه قضيا أكثر من ثماني سنوات خلف القضبان في قضية لا يد لهما فيها بعد أن أصدر المرحوم الحاج الشعيبي رئيس غرفة الجنايات آنذاك حكما أذانهما من أجل جناية القتل العمد وحكم عليهما بثلاثين سنة سجنا نافذا بعد أن متعهما بظروف التخفيف في جريمة ستبين الأيام أن لا يد لهما فيها وكأن كل شيء كان مهيأ لهما سلفا من أجل التخلص من هذا الملف الذي كانت قد ذهبت ضحيته إحدى محترفات القوادة بأحد أحياء الجديدة وكانت هي ثاني ضحية تسقط بهذه الطريقة دون أن يتم الكشف عن الفاعل الحقيقي.
تم اعتقال المولي ذاك الخياط البسيط بدرب لهلالي رفقة صديق عمره المحاسب النوري اللذين اعتادا اللقاء كل مساء من أجل احتساء كؤوس الشاي أو الكؤوس الأخرى.
كانت فاطمة الشلحة الشاهدة الوحيدة التي أقرت عند اكتشاف جثة الهالكة أن آخر مرة رأت فيها الضحية كانت قبل يومين من الحادث وهي متوجهة رفقة النوري والمولي لتنقطع أخبارها، وهي الإشارة التي التقطتها الشرطة القضائية ووضعت الشخصين المذكورين موضع شبهة وقامت باعتقالهما. نفى كل واحد منهما المنسوب إليه إلا أن الضابط المحقق بنى استنتاجه على شهادة الشاهدة التي أكدت، بل أجزمت أن كل من المولي والنوري هما من طرقا باب الضحية ليلة قتلها.
أحيل المشتبه فيهما -حسب رواية الأمن- على المدعي العام ومنها على التحقيق ورغم أن محاميهما ظل طيلة سريان مسطرة التحقيق يؤكد أن شهادة الشاهدة مشكوك فيها وأن المتهمين عندما طرقا باب الضحية أطفأ شخص ما نور البيت.. إلا أن التحقيق أقر بثبوت جناية القتل العمد وأحالهما على غرفة الجنايات التي حضرت أمامه الشاهدة في حالة سكر طافح وطالب الدفاع باستبعادها لأنها في غير كامل قواها العقلية دون جدوى. وأصرت على أنهما من قتلا عائشة? فأدانتهما المحكمة بالسجن ثلاثين سنة قضيا منها ثلاثا في السجن المحلي بالجديدة رفض خلالها طلب النقض فنقلا إلى السجن المحلي بآسفي حيث سيقضيان خمس سنوات أخرى حدثت فيها ثلاثة جرائم قتل ومحاولة قتل واحدة كلهم في مواجهة محترفات دعارة وقوادة وطريقة تنفيذها شبيهة بتلك التي حدثت في مواجهة عائشة.
قتلت فاطمة التي لا يبعد مقر سكناها إلا بأمتار قليلة عن مسكن عائشة? وبعدها قتلت حياة ووالدتها إيجة بذات الطريقة وبين الجريمتين تمت محاولة قتل الكوكاطية التي هي الأخرى وسيطة دعارة وتسترت على مقترف الاعتداء عليها إلى أن قتل بائعة الأرانب التي كانت تستغيث أثناء قتلها، ومحاولة إنقاذها من بين يدي القاتل ستغير مجرى العديد من الأمور حيث سيتم تفكيك العديد من القضايا التي ظلت مقيدة ضد مجهول.
فبعد أن كانت الشرطة القضائية تتخذ الاحتياطات من أجل إعادة تشخيص جريمة قتل بائعة الأرانب أصيب المشتبه فيه بتأنيب الضمير وأنهار ليلا حيث سيعترف بقتل فاطمة وحياة وإيجة وسيعترف بقتل عائشة السليمي التي يقضي كل من النوري والمولي ثلاثين سنة سجنا نافذا في ملفها. وفي الوقت الذي ثارت فيها ساكنة الجديدة احتجاجا على اعتقال بريئين، عمل رئيس الأمن الإقليمي آنذاك على إلغاء إعادة تشخيص الجريمة بعد استشارة المدعي العام خوفا من هيجان الساكنة وتحركت الأقلام الصحافية لتعيد قضية المولي والنوري إلى الواجهة. وقبل انتهاء التحقيق، أمر الراحل عبد المجيد بوزوبع وزير العدل آنذاك بنقل المعتقلين من آسفي إلى الجديدة تمهيدا لرفع حالة الاعتقال عنهما. وهو ما حدث بعد انطلاق التحقيق التفصيلي مع المتهم بالحرش الذي لقبته الصحافة آن ذلك ذاك بسفاح الجديدة.
غرفة الجنايات التي أدانت المتهم بالحرش من أجل جميع التهم المنسوبة إليه، ومن بينها قتل عائشة السلمي التي حوكم من أجلها المولي والنوري، برأت هذين الأخيرين ليسلكا بعد ذلك العديد من المساطير كان أهمها الحصول على حكم يقضي باعتراف الدولة المغربية بخطئها القضائي وتعويضهما عن سنوات قضاها الاثنين في غياهب السجون أصيب على إثرها النوري بشلل في يده بينما غادر المولي السجن وهو يحمل العديد من الأمراض إلى أن غادر إلى دار البقاء دون أن ينعم حتى بذلك التعويض الهزيل، حيث قضت المحكمة بمليون وخمسمائة ألف درهم لكل واحد منهما.. إلا أنهما اصطدما بكون كل أبواب التنفيذ مغلقة وبقي النوري يعيش على الكفاف والعفاف وأحيانا على مساعدة الأصدقاء فيما الأحكام صادرة باسم جلالة الملك وباسم القانون لم تعرف طريقها إلى التنفيذ.. فهل ستظل ذلك إلى أن يغادرنا النوري هو الآخر في يوم من الأيام دون أن تنصفه الدولة المغربية.
العميد الذي تتبع خيوط شبكة إجرامية
فرقي بتهمة الابتزاز
بعد مسار تاريخي مليء بالتنويهات على إثر العمليات النوعية التي كان يقوم بها تمت ترقيته إلى رتبة عميد وأسندت له رئاسة الفرقة الجنائية الولائية للشرطة القضائية بالبيضاء الأمر يتعلق بعبد الكريم زعزاعي، ?الذي كان يزاول مهام خاصة جدا تتمثل في تعقب خيوط الشبكات الإجرامية.
?سنة 2010، ستغير حياته بشكل كبير فمن بطل استطاع تفكيك? عصابة إجرامية ?مكونة من 32 عنصرا، متخصصة في تزوير خاتم الوزير الأول. إضافة إلى أختام وطوابع خاصة بسفارات أجنبية بالمغرب، ومجموعة من الوثائق البنكية المزورة، ومنها أوراق إثبات الهوية وشواهد إدارية وأوراق السيارات وجوازات سفر مغربية وأجنبية وديبلومات خاصة بمعاهد عليا وبطائق خاصة. وفي الوقت الذي كان فيه العميد عبد الكريم منتشيا بفتحه المهني هذا وأعضاء فرقته، كان المدعي العام لاستئنافية البيضاء ينظر في اتهامات خطيرة موجهة إلى المجموعة برمتها من بينها اتهامات بالرشوة والابتزاز واستغلال النفوذ.. الأمر كان يتعلق بتصريحات تلقتها النيابة العامة من طرف أحد المخبرين الذي قدم نفسه على أنه كان وسيطا بين الشبكات الإجرامية والفرقة الجنائية في عمليات الابتزاز والارتشاء ليتم اعتقال العميد وباقي عناصر فرقته الجنائية، وإيداعهم المركب السجني عكاشة، مباشرة بعد إحالتهم على قاضي التحقيق.
لم يتوقف ?العميد عبد الكريم ?حيث ظل ?يدافع ?بشراسة? ليس عن براءته ولكن عن براءة مساعديه ?بالدرجة الأولى وفي جميع مراحل التقاضي، معتبرا أن الشكاية ضدهم هي مجرد وشايات كاذبة واتهامات كيدية في حق أمنيين تخلو سيرهم من أية سوابق مماثلة. قضى عناصر الفرقة الجنائية الخامسة أكثر من سنة وراء القضبان على ذمة التحقيق. مدة نفوا خلالها كل الاتهامات الموجهة إليهم، حيث أكدوا أن الأمر يتعلق بتصفية حسابات.. لتصدر ?الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء حكما قضى ببراءة ?عبد الكريم زعزاعي، ومساعده الأول من التهم الموجهة إليهم بالرشوة والابتزاز واستغلال النفوذ. أحكام زرعت الأمل في قلوب زملائه، ببداية حياة جديدة بعيدا عن متاهة الاتهامات الكيدية وتصفية الحسابات. إلا أن الحاجز الذي اعترضهم مباشرة بعد مغادرتهم السجن هو توقيف رواتبهم حتى قبل أن يقول القضاء كلمته.. مما حتم عليهم سلك مساطير أخرى أعادت لهم كرامتهم وأجرهم.
ما هذه الوقائع سوى جزء يسير من مجموعة من القضايا التي أصابت العديد من الأجهزة الأمنية في قضايا ?راجت أمام المحاكم، وكان المتهم فيها رجال أمن وجمارك، ?حصلت فيها أحكام بالبراءة كحكم البراءة في حق ?ضابط رئيس المحطة البحرية بمدينة الحسيمة، الذي توبع بتهم ?تنظيم وتسهيل خروج مغاربة خارج التراب الوطني بطريقة سرية وبصفة اعتيادية والارتشاء?. إضافة إلى تبرئة ثلاثة متهمين في الملف نفسه، تابعين لمديرية الجمارك والمديرية العامة للأمن الوطني، حيث قضى القرار الاستئنافي بإلغاء الحكم الابتدائي القاضي بحسبهم ثلاث سنوات حبسا نافذا، وهو ما حصل في ملف الجبلية والعاملين في المفوضيات الأمنية للحدود الذين تمت تبرئتهم وترقيتهم مع إسنادهم مسؤوليات بمناطق أخرى. إلا أن المشرع لم يعتبر الاعتقال الاحتياطي? خطأ قضائيا ولم ينص المشرع على وجوب مسؤولية الدولة بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن الاعتقال الاحتياطي، لأن الأمر به عمل قضائي تختص به النيابة العامة وقاضي التحقيق، وليس من الأعمال الإدارية التي يمكن أن تكون موضوع دعوى الإلغاء أو دعوى التعويض.
مسطرة مرجعية ترمي بشاب للسجن
سنتين في ملف لم يعرف عنه شيئا
كانت العقوبة الحبسية الصادرة في حق ياسين ?قد شارفت? على الانتهاء، ?إلا أن مفاجأته كانت أكبر عندما وجد رجال الدرك في انتظاره عند بوابة السجن، من أجل فتح تحقيق معه حول ملف جنائي آخر يتعلق بعملية إضرام النار في فيلا فرنسي عثر عليه مقتولا بشاطئ الهرهورة، فتم نقله إلى ?تمارة، حيث مقر الدرك الملكي الذي كلفته هذه القضية أكثر من خمس سنوات، إذ لم يعتقل المشتبه فيه الذي تحول إلى ضحية إلا في سنة 2007 بعد أن ارتكبت الجريمة في يونيو 2002.
المثير في هذه ?القضية ?أن الشاهد ?الوحيد ?في هذا الملف صرّح أمام المحققين أن الصورة ?الفوتوغرافية التي عثر عليها رجال الدرك ?داخل الفيلا وقامت? بوضعها على جدران مخفر الدرك، لتسهيل الوصول إلى الجاني، بأنها تعود للمتهم ياسين ?الموجود وراء القضبان بسجن? سلا،? فانتظرت عناصر الضابطة القضائية الإفراج عن المتهم للتحقيق معه استنادا إلى تصريحات المسطرة المرجعية. وتأكد، في نهاية المطاف، أن تصريح الشاهد جاء اعتباطيا، وحامت شكوك في توريطه من قبل الشاهد بعد مدة من التحريات، وللوصول إلى الحقائق? ظل المتهم البريء رهن تدابير الحراسة النظرية، وكان يجهل كل الحقائق المرتبطة بعملية إضرام النار في فيلا الفرنسي في شاطئ الهرهورة. ورغم الصورة التي حجزتها العناصر ذاتها وتأكيد من الذي ذكره في المحاضر، أنها تعود للمتهم البريء، حاول هذا الأخير الدفاع عن نفسه من التهم الموجهة له، وكان ينتظر الإفراج عنه من قبل? النيابة العامة بعد استنطاقه، وواجه كل مراحل القضية بالإنكار، فنفى جملة وتفصيلا التهمة المتعلقة بإضرام النار المؤدي إلى الوفاة.. إلا أن قاضي التحقيق أمر بإيداعه السجن المحلي لسلا ووضعه رهن الاعتقال الاحتياطي، فظل ينتظر سنتين داخل السجن، وكلما أحضره قاضي التحقيق أمامه للاستماع إلى تصريحاته، تشبث بأقواله السابقة في النفي، مدعيا أنه لم يسبق له أن وطأ شاطئ الهرهورة في حياته.
أحيل المتهم على غرفة الجنايات في حالة اعتقال? وكله أمل في معانقة الحرية بعدما تم الاعتماد على محاضر الضابطة القضائية وشهادة الشاهد، ما أقلق عائلته، التي طالبت، عن طريق دفاعها، بإحضار الذي ذكر اسمه.
حاول دفاع ياسين، أكثرَ من مرة، أن يطلب السراح مقابل كفالة مالية لإثبات الحضور، وظل يُقدّم عددا من الدلائل التي تثبت عدم تورط المتّهم في المنسوب إليه، لكن المثير في أطوار هذه المحاكمة هو أن الصورة التي عثر عليها المحققون في فيلا الفرنسي في شاطئ الهرهورة اختفت من المحاضر، ?فطالب الدفاع بإحضارها ?وهل تعود إلى موكله متسائلا عن سر اختفائها من المحاضر المنجَزة وربط الوصول إلى الحقيقة في هذا الملف بإحضار الصورة حتى يتسنى لرئيس الهيأة والدفاع الاطّلاع عليها وعرضها على الشهود للتأكد منها.
بدأ بصيص أمل في الحصول على البراءة يلوح في الأفق، وظلت الهيأة القضائية تؤجل الملف لأكثرَ من مرة إلى أن أحضرت المحكمة الصورة إلى قاعة الجلسة.
بعد أن أدلى رئيس الهيأة القضائية بها أمام الشهود والمتّهم والدفاع، تبيَّن أنها لا تعود إلى ياسين، وهو ما أكده الشهود أمام الهيأة القضائية، إذ أنها لا تتطابق مع وجه ياسين الحقيقي، ما أحدث ذهولا وسط القاعة.. وفجأة، عادت علامات الطمأنينة والارتياح ترتسم على وجوه أعضاء عائلة ياسين. وبعد نهاية الجلسة، اصطدمت العائلة ودفاعها، مرة أخرى، بأن الوكيل العام يشكك في الصورة ويعتقد أنها تعود إلى المشتبه فيه، فطالب بإجراء خبرة عليها، بعدما انتابته شكوك في أن تكون قد تمّت عملية تحوير لها ?فاحتج الدفاع من جديد على قرار الخبرة التي طالب بها ممثل النيابة العامة، معتبرا أنه يستحيل إجراء الخبرة لكون المحققين عثروا عليها داخل فيلا الفرنسي، وهي التي عُرِضت على الشهود في مصالح الدرك بتمارة وأمام قضاة الحكم.
استمر الدفاع في مؤازرة المتهم، فاعتبر أن جريمة القتل وإضرام النار لا تمت بصلة إلى موكله، وقال إن ياسين في حالة اعتقال بسبب عقدة الأجنبي، رغم توفره على كل شروط الاستفادة من المراقبة القضائية، لكن الغرفة ?أنهت هذا الملف الطريف بعدما قررت الهيئة تمتيع ياسين بالبراءة من التّهم الموجهة له من قِبَل النيابة العامة.
عانى المتهم أكثر من سنتين ظلما وراء القضبان. ورغم أن دفاعه طالب بتعويضه في هذا الملف، فإنه لم ينل أي شيء منذ ثلاث سنوات سوى مرارة العذاب بعد مغادرته السجن، وكان كبش فداء للضغوطات التي ربما تعرضت لها مصالح التحقيق لأن الضحية فرنسي.
الآن وبعد اعتراف الدولة المغربية بالخطأ القضائي هل سيتم تعويض ضحاياه وإعمال مبدأ الحراسة القضائية في ملفات تشوبها رائحة المساطير المرجعية وشهادة الزور، أم أن الوضع سيبقى على حاله؟.. وتلك قصة أخرى مع أن حياة الكثيرين تكون قد دمرت من أساسها، وتعرضت لشرخ لا يمكن معالجته إلى الأبد، خصوصا عندما يتعلق الأمر بشخصيات رأسمالها سمعتها، أو مستقبلها المهني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.