تعاون أمني مغربي إسباني يطيح بشبكة لتهريب الحشيش    البواري يتفقد الفلاحة ببنسليمان والجديدة    بعد ضغط أوربي... تبون يعفو عن الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال        بنكيران يدعو لدعم إمام مغربي حُكم بالسجن 15 عاما في قضية "صامويل باتي"    المغرب يبحث مع الإنتربول آليات مكافحة الفساد واسترداد الأصول المنهوبة    أشبال الأطلس يرفعون التحدي قبل مواجهة أمريكا في مونديال الناشئين    لفتيت: مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية يهدف إلى تطوير إطارها القانوني وضبط إجراءات تأسيسها    مدرب مالي: حكيمي لاعب مؤثر وغيابه مؤسف للمغرب    توقيع اتفاقية شراكة بالرباط للنهوض بالثقافة الرقمية والألعاب الإلكترونية    عجز في الميزانية يقدر ب55,5 مليار درهم عند متم أكتوبر المنصرم (خزينة المملكة)    الرباط.. إطلاق النسخة الثالثة من برنامج "الكنوز الحرفية المغربية"    فاجعة خريبكة.. بطلة مغربية في رفع الأثقال بنادي أولمبيك خريبكة من بين الضحايا    المناظرة الوطنية للتخييم تبحث سبل تجديد الرؤية الإستراتيجية للبرنامج الوطني إلى 2030    عروشي: طلبة 46 دولة إفريقية يستفيدون من منح "التعاون الدولي" بالمغرب    مجلس النواب يعقد جلسات عمومية يومي الخميس والجمعة للدراسة والتصويت على مشروع قانون المالية لسنة 2026    أمطار رعدية وثلوج ورياح قوية مرتقبة بعدة مناطق بالمملكة غداً الخميس    رياح قوية وزخات رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    رئيس برشلونة يقفل الباب أمام ميسي    الاسبانيّ-الكطلانيّ إدوَاردُو ميندُوثا يحصد جائزة"أميرة أستورياس"    مسارات متقاطعة يوحدها حلم الكتابة    في معرض يعتبر ذاكرة بصرية لتاريخ الجائزة : كتاب مغاربة يؤكدون حضورهم في المشهد الثقافي العربي    على هامش فوزه بجائزة سلطان العويس الثقافية في صنف النقد .. الناقد المغربي حميد لحميداني: الأدب جزء من أحلام اليقظة نعزز به وجودنا    أمينوكس يستعد لإطلاق ألبومه الجديد "AURA "    عمالة المضيق الفنيدق تطلق الرؤية التنموية الجديدة. و اجتماع مرتيل يجسد الإنتقال إلى "المقاربة المندمجة"    مصرع 42 مهاجرا قبالة سواحل ليبيا    أربعة منتخبات إفريقية تتصارع في الرباط على بطاقة المونديال الأخيرة    "الكان" .. "دانون" تطلق الجائزة الذهبية    منظمة حقوقية: مشروع قانون المالية لا يعالج إشكالية البطالة ومعيقات الولوج للخدمات الأساسية مستمرة    ترامب يطلب رسميا من الرئيس الإسرائيلي العفو عن نتنياهو    مؤسسة منتدى أصيلة تفوز بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والاداب في مجال المؤسسات الثقافية الخاصة    لجنة المالية في مجلس النواب تصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026    استبعاد يامال من قائمة المنتخب الإسباني    اختلاس أموال عمومية يورط 17 شخصا من بينهم موظفون عموميون    مباريات الدور ال32 ب"مونديال" الناشئين في قطر    مستشارو جاللة الملك يجتمعون بزعماء األحزاب الوطنية في شأن تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي في األقاليم الجنوبية    "الماط" يستغل تعثر شباب المحمدية أمام اتحاد أبي الجعد ويزاحمه في الصدارة    وكالة الطاقة الدولية تتوقع استقرارا محتملا في الطلب على النفط "بحدود 2030"    السعودية تحدد مواعيد نهائية لتعاقدات الحج ولا تأشيرات بعد شوال وبطاقة "نسك" شرط لدخول الحرم    ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق العالمية    إسرائيل تفتح معبر زيكيم شمال غزة    حجز آلاف الأقراص المهلوسة في سلا    تقرير دولي: تقدم مغربي في مكافحة الجريمة المنظمة وغسل الأموال    الأمم المتحدة: الطلب على التكييف سيتضاعف 3 مرات بحلول 2050    ليلة الذبح العظيم..    المعهد الملكي الإسباني: المغرب يحسم معركة الصحراء سياسياً ودبلوماسيا    تنصيب عبد العزيز زروالي عاملا على إقليم سيدي قاسم في حفل رسمي    "جيروزاليم بوست": الاعتراف الأممي بسيادة المغرب على الصحراء يُضعِف الجزائر ويعزّز مصالح إسرائيل في المنطقة    "رقصة السالسا الجالسة": الحركة المعجزة التي تساعد في تخفيف آلام الظهر    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إدريس الكنبوري: التطرف نتاج مناهج مدارس السلفية والتعليم العتيق التي لا تخضع للمراقبة
نشر في الأحداث المغربية يوم 26 - 02 - 2016

شكلت الدعوة الملكية الأخيرة منفذا جديدا نحو عملية إصلاح الشأن الديني، وذلك إنطلاقا من مراجعة المناهج الدراسية الدينية مما فتح باب التكهنات حول طبيعة هذه الإصلاح وآليته و كذا العقبات التي ستعترضه، خاصة تلك المتعلقة بالعقلية المتشددة الرافضة لكل خطوة نحو التغيير، وقد تمكن التيار المتشدد من تمرير رسائله حول رفض فكرة الإصلاح، من خلال رفع شعارات تتخوف من محاربة الإسلام، أو استهداف مادة التربية الإسلامية معتقدين عن قصد أو غير قصد أن دعوة الإصلاح تختصر في محاصرة التربية الإسلامية داخل نظام التعليم . في الحوار التالي مع الباحث في الجماعات الإسلامية والشأن الديني « إدريس الكنبوري"، نستعرض الإطار العام للدعوة الملكية، بالإضافة إلى نقاط ضعف المناهج الدينية الحالية، مع رفع الإلتباس حول مفهوم الإصلاح.
* ماهي قراءتكم للسياق الزمني للدعوة الملكية التي أعقبت إعلان مراكش لحقوق الأقليات، والذي سلطت جل مداخلاته الضوء على ضرورة إصلاح المناهج الدراسية الدينية؟
– الدعوة الملكية الأخيرة إلى إصلاح المناهج الدراسية الدينية تندرج ضمن مسارين: المسار الأول يرتبط باستراتيجية إصلاح السياسة التعليمية بشكل عام في المغرب، فقد سبق للملك محمد السادس أن وجه انتقادات عدة إلى قطاع التعليم، وضرورة إصلاح المدرسة المغربية، وربط المناهج والمقررات الدراسية مع الاحتياجات الوطنية والتنموية؛ إذ يجب التذكير بأن الخطاب الملكي في غشت 2013 كان قد أكد على أن وضعية التعليم في المغرب قد تراجعت عما كانت عليه قبل عشرين عاما، وفي ضوء الإرادة الملكية لإصلاح القطاع تم إنشاء المجلس الأعلى للتعليم؛ كما أن خطاب غشت 2015 حمل نفس الدعوة إلى الإصلاح الجذري لهذا القطاع. إذن الدعوة الملكية الأخيرة لتعديل وإصلاح مناهج تدريس المقررات الدينية تندرج في هذا السياق، لأن إصلاح هذه المناهج يعد جزء من إصلاح السياسة التعليمية في البلاد بشكل عام. أما المسار الثاني فهو مسار يرتبط بالخطة العامة لإصلاح وإعادة هيكلة المجال الديني في المملكة، التي انطلقت منذ عام 2002 وهمت وضع مؤسسات جديدة وإصلاح وتطوير مؤسسات قائمة وتوسيع المجالس العلمية وإنشاء المجلس العلمي لمغاربة أوروبا ومجلس الجالية المغربية بالخارج، وكان من بين الركائز التي اهتمت بها تلك الخطة إصلاح التعليم العتيق، حيث صدر ظهير شريف بشأنه عام 2002، وتوالت المراسيم والقرارات الوزارية المرتبطة بتنزيل القوانين المنظمة لهذا القطاع.
* هل تعتقدون أن الدعوة لإصلاح مقررات ومناهج تدريس المواد الدينية خطوة متقدمة داخل ورش الإصلاح الديني، أم هي ورش مستقل جاء لتجاوز نظرة إصلاحية محدودة الأفق؟
– أعتقد أن هذه الدعوة هي خطوة تكميلية في ورش الإصلاح الديني العام في المملكة، وهي تأتي كنوع من التتويج لمسار الهيكلة الذي بدأه المغرب قبل أكثر من عشر سنوات، كما سبقت الإشارة. وينبغي أن أشير إلى أن خطة إعادة هيكلة الحقل الديني في المغرب قد ركزت خلال السنوات الماضية على الجانب المؤسساتي بوجه خاص، لكنها أهملت الجوانب المرتبطة بالمضامين والمحتويات والتوجهات الكبرى في المجال الديني، بالرغم من التأكيد المستمر من لدن الجهات المسؤولة في هذا المجال على هذه التوجهات، لكن واقع الحال أظهر أن هناك غيابا لأي استراتيجية لتنزيل هذه التوجهات على مستوى المناهج التربوية وغير التربوية، كالإعلام والثقافة مثلا. فخطاب الإصلاح ظل خطابا سطحيا يؤكد على العموميات والشعارات الكبرى من دون تنزيل فعلي وواقعي للطموحات التي استهدفها مشروع الإصلاح الديني، فلا تزال المؤسسات المكلفة بالشأن الديني تشتغل بطريقة تقليدية ومنغلقة، وما تزال نفس العقليات التي قادت الشأن الديني في الماضي هي السائدة اليوم، بينما يحتاج الخطاب الديني الجديد إلى عقليات جديدة وأطر جديدة مواكبة وقادرة على التجاوب مع المستجدات، كما أن هناك نزاعا خفيا بين المؤسسات المشرفة على الحقل الديني، وهو ما يبرر التخبط والعشوائية التي تطبع أداءها. وأنا أعتقد أن الخطابات الملكية التي انصبت على موضوع الإصلاح الديني سقفها مرتفع إلى درجة أن المؤسسات القائمة قاصرة عن التعاطي مع مضامينها الجوهرية، التي تلح على أن يكون الإصلاح الديني موجها إلى خدمة النموذج الديني الذي يريد المغرب تسويقه على الصعيد الدولي والعربي. كما أن الكثيرين عندما يثيرون موضوع الإصلاح الديني يفكرون في المغاربة الموجودين في بلادهم، بينما هناك أكثر من ثلاثة ملايين مغربي موجودون في الخارج، وهؤلاء لديهم احتياجات محددة، بل إن التحديات التي يواجهها هؤلاء تزيد بكثير على التحديات التي يواجهها المغاربة الذين يعيشون في بلادهم، لأنهم يعيشون داخل سوق من الأفكار الدينية وصراعات المذاهب ومعارك النفوذ السياسي المرتبطة بالنفوذ الديني، وهنا لا يفوتني أن أشير إلى الأدوار التي ينهض بها مجلس الجالية المغربية بالخارج، الذي ينكب اليوم على وضع استراتيجية حول الشأن الديني بالنسبة لمغاربة العالم، وهي استراتيجية نأمل أن تجيب عن جملة الأسئلة المطروحة اليوم على النموذج الديني المغربي، في ظل التحولات العالمية والعربية الكبرى التي من شأنها أن تجعل منه النموذج الأقرب إلى التبني.
* تطرقت التوصيات الملكية لضرورة التركيز على قيم التسامح والاعتدال، فهل تتضمن هذه الدعوة إشارة لفتح نقاش جدي قد يطال بعض المباحث الشائكة كالجهاد والردة التي ترتبط في فهم البعض بنصوص ثابتة لاتقبل النقاش؟
– الإصلاح الديني لا يعني إصلاح أو تعديل النصوص الدينية، بل يعني تجديد آليات ومناهج التعامل مع هذه النصوص بما يعطي للاجتهاد والتفكير العقلاني موقعهما الطبيعي في ثقافتنا الدينية. إن مفاهيم كالجهاد أو الردة أو التكفير مثلا، الواردة في النصوص القرآنية والحديثية، لا تصنع في ذاتها متطرفين أو غلاة دينيين، والدليل أن هذه النصوص ظلت حية طيلة خمسة عشر قرنا من الزمن من دون أن تؤدي بالضرورة إلى إنتاج متطرفين أو خلق جماعات متطرفة، بل المشكلة في المناهج التحليلية والوعي الديني الذي يتعامل مع هذه النصوص، وفي العقليات المنغلقة والمتعصبة التي تحول تلك النصوص عن مضامينها وتمنحها مضامين مختلفة لخدمة أغراضها. إن المشكلة الحقيقية التي نعيشها اليوم في المجال الديني أننا غيبنا الثقافة الدينية الإسلامية العقلانية التي سادت في تاريخنا وأصبحنا نتعامل مع النصوص بشكل مباشر وحرفي، وهذا ما أدى إلى إنتاج نخبة من الفقهاء والمتعالمين الذين يحفظون النصوص لكن حظهم من الثقافة والوعي العلمي ضعيف، فتجد الواحد منهم يعتبر نفسه عالما لمجرد أن معه بعض المتون التي يحفظها عن ظهر قلب، بينما هو يجهل حيثياتها ولا يعرف كيف يستخدم عقله. إن كلمة الفقه مثلا قد خرجت عن مفهومها الإسلامي، فأصبحت تعني كثرة الحفظ أو الاطلاع على متون الفقه، مما ولد لدينا فقهاء يشبهون الصناع الميكانيكيين، بينما الفقه في الإسلام يدل على الوعي والذكاء والقدرة على تنزيل الأحكام وفقا للظروف المحيطة بالأشخاص، وهذا ما أدى اليوم إلى تضخم الجوانب المتعلقة بالتكفير والردة والجهاد، لأن هؤلاء يتعاملون مع ظواهر النصوص التي تخفي وراءها فلسفة معينة. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية يجب القول بأن ثقافتنا الدينية اليوم هي ثقافة متأثرة بالنزعة السلفية منذ حوالي قرن من الزمن، بسبب النفوذ الذي تمتعت به هذه النزعة السلفية والدعم المالي القوي الذي كان يقف وراءها، الأمر الذي جعل بعض الكتب والمؤلفات هي السائدة، ففي مجال التفسير مثلا نجد الكتاب الأكثر رواجا هو تفسير ابن كثير، وفي الفقه نجد كتاب"فقه السنة" مثلا للسيد سابق، أو"منهاج المسلم" أبي بكر الجزائري، وفي العقيدة نجد كتاب"التوحيد" لمحمد بن عبد الوهاب على سبيل المثال، وغير ذلك من الكتب ذات التوجه السلفي التي يروجها السلفيون، فهناك ثقافة دينية في حاجة إلى تطهير وتنقية، وهي ثقافة نتجت عن هيمنة نموذج معين هو النموذج السلفي الوهابي، وهو نفس النموذج الذي تم على أساسه وضع مناهج الدراسات الدينية بالمغرب خلال العقود الماضية.
* مفهوم الإسلام المغربي كان حاضرا ضمن خانة القيم الأصلية المغربية، والهوية الموحدة التي أشارت لها الدعوة الملكية، بنظرك هل من السهل تنزيل هذا المفهوم ضمن المناهج الدينية في ظل وجود تيارات تنظر بارتياب لهذا المفهوم، أو تفضل استيراد نماذج من الخارج؟
]- من الصعب الحديث من الناحية العلمية عن إسلام مغربي، فهذه تسمية إعلامية تم ترويجها في وقت معين نقلا عن الإعلام الفرنسي والأوروبي الذي روج هذا المفهوم ضمن مفاهيم أخرى، كالإسلام السعودي والإسلام الجزائري والإسلام التركي والإسلام الإيراني، وهكذا، بسبب حالة التدافع الموجودة بين هذه البلدان على الصعيد الأوروبي، ولذلك فأنا أفضل الحديث عن المدرسة الدينية المغربية، أو النموذج المغربي، كما يفضل البعض، لأن الإسلام واحد، بينما هناك مدارس متعددة أو نماذج أو تجارب تخضع لشروط موضوعية يتداخل فيها التاريخ والسياسة والاجتماع، فتصنع كلها نموذجا معينا يصبح من السهل التعرف عليه من خلال محددات ومميزات خاصة به. وقد أعطت المدرسة المغربية في الإسلام الكثير من الخبرات التي وصلت إلى إفريقيا وأوروبا عبر الأندلس، وكانت جامعة القرويين هي المنبع الذي تفرعت عنه مجموعة من المدارس الدينية على الصعيد الإفريقي، لأنه كان المركز الذي تلاقحت فيه مجموعة من الثقافات واستفادت منه قبل أن تعود إلى أصولها التي جاءت منها، بعد أن أخذت من النموذج المغربي. لكن هذا من الناحية التاريخية، أما من ناحية الواقع الحالي فمن الصعب الحديث عن نموذج مغربي جاهز ومحدد المعالم، لأنه حصلت قطيعة في النصف الأول من القرن العشرين بسبب الانفتاح على النماذج المشرقية، وأساسا النموذج الوهابي، فحصل تراجع في التعريف بالتراث الديني للمغرب مقابل الزحف القوي للفكر السلفي الوهابي، حتى أصبح هذا التراث يدور في حلقة ضيقة في المجال الأكاديمي مثلا، وحصل هذا كله في ظل تسامح كبير من لدن الدولة والمسؤولين عن تدبير الشأن الديني مع هذا الزحف الوهابي، وأذكر هنا بما كان قد قاله وزير الأوقاف الأسبق عبد الكبير العلوي المدغري في كتابه "الحكومة الملتحية"، فقد قدم شهادة من الداخل، نابعة من تجربة عشرين سنة تقريبا من الإشراف على الملف الديني في البلاد. إذن، يجب أن نكون واضحين مع أنفسنا بعيدا عن الدعاية والديماغوجية، فليس هناك اليوم نموذج ديني جاهز، والعمل الأساسي للسنوات المقبلة بالنسبة للمغرب هو العمل على وضع استراتيجية فعلية لإعادة بعث هذا النموذج وتنزيله وتبسيطه للجيل الجديد، وأعتقد أن هذا الهدف هو الذي تحدثت عنه الخطابات الملكية المتعددة حول النموذج المغربي والقيم المغربية، فهي دعوة مباشرة إلى إيجاد هذا النموذج.أما في ما يتعلق بمن ينظرون بارتياب إلى هذا المفهوم فأعتقد أن هؤلاء يجهلون العطاءات المغربية في المجال الديني، وينقصهم الاعتزاز بالمدرسة المغربية كما تبلورت في التاريخ. يجب القول بأن السلفية الوهابية عندما ظهرت بنت على تراث فقهي قديم عملت على إحيائه، فقد وجدت نفسها تنطلق من فراغ، بينما في ذلك الوقت ، أي القرن الثامن عشر، كانت المدرسة المغربية موجودة ووراءها قرون من التراكمات، فلم تكن هناك قطيعة.
* ماهي الآليات الكفيلة بترجمة هذا الإصلاح دون إغفال العامل البشري الذي لا يلتفت له في الغالب في ظل غياب التكوين المناسب خاصة بين صفوف التعليم العتيق؟
_ إصلاح المقررات الدينية التعليمية ورش كبير ومفتوح على المستقبل، ولا يمكن فتحه وإغلاقه بسهولة، لأن نتائجه لن تظهر إلا بعد جيل كامل أو أكثر، فظاهرة التطرف الديني التي انتشرت في السنوات الماضية هي نتاج مناهج وثقافة دينية تعود بجذورها إلى عقود ماضية، وليست وليدة لحظة ظرفية معينة. كما أنه يجب أن نشير إلى أن التطرف ليس نتاج مناهج التربية الإسلامية، كما يعتقد البعض، بالرغم من كل الانتقادات التي يجب أن نوجهها إلى هذه المناهج، بل هي ناتجة بالأساس عن المقررات الدينية التي انتشرت في أوساط المدارس السلفية ومؤسسات التعليم العتيق، كدور القرآن، لأن تلك المقررات لم تكن تخضع للمراقبة وكانت تستلهم روحها بشكل مباشر من المناهج السلفية الوهابية، مما أدى إلى نشوء ثقافة دينية جانبية على هامش المناهج الدينية الرسمية المقررة من لدن الدولة. أما مادة التربية الإسلامية فليست هي المشكلة الرئيسية، بل أنا أعتقد أنها ليست هي المقصودة بشكل مباشر في مخطط الدولة لإصلاح المناهج الدينية، رغم هذه الحاجة إلى الإصلاح، والأكثر من ذلك فإن تهميش هذه المادة في التعليم المغربي وجعلها مادة تكميلية ولا تحظى بالاهتمام وتخلو من عنصر الإثارة والإغراء بالنسبة للممدرسين، بسبب منهجية التدريس والمضامين الموجودة فيها، هو المشكلة التي ساهمت في نشر التطرف، لأن هذه المادة بالشكل الذي هي عليه لا تستطيع أن تلبي الحاجيات الموجودة لدى التلميذ، ولا تشبع رغبة الراغبين في تحصيل الوعي الديني، مما يدفع هؤلاء في ما بعد إلى إشباع حاجاتهم باللجوء إلى قنوات أخرى لإشباع هذه الحاجة، فيسقطون في التطرف ويكونون هو أول من ينتقد هذه المادة لكونها لا تلبي حاجتهم. لقد خضعت هذه المادة في التعليم لكثير من التحجيم، فهي في بعض التخصصات ضعيفة وفي بعضها الآخر تكميلية وليس لها معامل يشجع التلميذ على الاهتمام بها، وفي الكثير من الأحيان كانت الوزارة تعين لتدريسها مدرسين لا علاقة لهم بالتكوين الديني، فتعطي الانطباع بأنها مادة هامشية لا تهم الوزارة، وأنا شخصيا عندما كنت تلميذا في النصف الثاني من الثمانينات كان لدينا مدرسون لمادة التربية الإسلامية من اليساريين الذين درسوا الفلسفة أو التاريخ في الجامعة لكن الوزارة ارتأت تعيينهم مدرسين للتربية الإسلامية، كنوع من معاقبتهم أو تهميشهم، وبعضهم كان ماركسيا في تلك الفترة، وهذه حقيقة. هذه نقطة، والنقطة الأخرى أن التعليم المغربي يعيش حالة من الفصام في الشخصية، ولا يوجد فيه تكامل بين التخصصات والشعب بحيث ينتج لنا الشخصية المغربية التي نتحدث عنها كما نتحدث عن شيء غير موجود لكننا نحلم به، والسبب أن الدولة حولت التعليم في مرحلة معينة إلى رهان سياسي، فكانت تشجع مثلا شعب الدراسات الإسلامية أو الشريعة لضرب اليسار، وتشجع الفلسفة والعلوم الاجتماعية لضرب الإسلاميين، ولذلك كان معروفا عندنا ونحن تلاميذ أن الفلسفة تنتج ملحدين وتقدميين، بينما الشعب الإسلامية تنتج متدينين ورجعيين، وفي النهاية كان التعليم هو الضحية. ولذلك إذا أريد للإصلاح في التعليم أن يتم، وخاصة في التعليم الديني، لا بد أن يتم خلق توازن بين الشعب على أساس أن تكون المادة الدينية موجودة فيها جميعها، مع تفاوت في الحجم طبعا، وأن يتم التركيز على القيم النبيلة في الدين. والأمر الآخر الذي لا بد من الوقوف عنده هو هذه الازدواجية بين مادة التربية الوطنية ومادة التربية الإسلامية، فلا بد من إيجاد صيغة معينة للدمج بين الإثنين، لأن هذا الفصل يكرس لدى التلاميذ طيلة مسارهم الدراسي الذي تتشكل فيه شخصيتهم ووعيهم أن هناك فرقا بين القيم الوطنية والقيم الدينية، فالتعليم لابد أن تكون لديه فلسفة ومنطق يحكمه، وإلا أصبح حقلا عشوائيا يتم فيه شحن المواد والمقررات والمناهج بدون أي رؤية، ذلك أن التعليم فلسفة ترمي إلى أهداف كبرى، بينما المواد هي وسيلة تخدم تلك الفلسفة، والحال اليوم أننا نتوفر على مواد دراسية، لكن ليس لدينا تعليم بالمعنى الحضاري للكلمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.