الجزائر لا تزال تنظر بعين الريبة إلى جارتها المغرب. ورغم المساعي التي بذلت لإدابة الجليد في العلاقات بين البلدين، لكن سرعان ما تعود الغيوم للتتلبد في سماء العلاقات الدبلوماسية بينهما. كل منهما يشتكي من التهريب والإرهاب، لكن الجزائر تحاول الظهور دائما بمظهر المتضرر الوحيد من هذا الملف الذي يؤرق حرس الحدود والجمارك على طول 1500 كلم من الشريط الحدودي الممتد من أقصى الصحراء إلى البحر المتوسط. بعد عودة وزير الخارجية والتعاون سعد الدين العثماني من أولى زيارة رسمية له للجارة للجزائر، تنفس الجميع الصعداء، فالزيارة قربت وجهات النظر بين مسؤولي البلدين وفتحت آفاقا جديدة للعمل المشترك وإحياء الإتحاد المغاربي، لكن في المقابل سعت جهات داخل قصر المرادية لوقف التقارب، بطلب انجاز تقرير باشراف الوزير الأول أحمد أويحيى شخصيا لدراسة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والأمنية المتوقعة، من إعادة فتح محتملة للحدود الجزائرية المغربية المغلقة منذ 18 سنة. لم يشر التقرير لخسائر الإقتصاد المغربي جراء تنامي التهريب واغرقه أسواقه بالسجائر والمواد المنتهية الصلاحية وغيرها، بل اكتفى فقط بالتركيز على خسائر بلد النفط والغاز جراء تهريبه للمغرب والتي قدرها بما يفوق 42 مليون دولار، خلال العام الماضي، فقط عبر حدود ولاية تلمسان البالغة نحو 170 كلم. التقرير الرسمي الذي حمل توقيع وزير الطاقة والمناجم يوسف يوسفي ونشرته يومية الشروق، أشار أن الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الجزائري بسبب تهريب الوقود عبر حدود الولاية مع المغرب، تراوحت شهريا ما بين 3.7 و4.2 ملايين دولار نزولا وصعودا، من يناير حتى دجنبر 2011، وأن قيمة المحجوزات لا تتجاوز 3 بالمائة من الحجم الإجمالي المتوقع للوقود المهرب. قبل أن يحل وزير الخارجية والتعاون سعدي الدين العثماني بالجزائر، والرئيس التونسي منصف المرزوقي تحضيرا لاجتماع وزراء الخارجية لدول الإتحاد المغاربي، وضع التقرير على مكتب الوزير الأول أحمد أويحيى. التقرير تضمن أيضا معطيات وبيانات إحصائية حول تجارة المخدرات والممنوعات الأخرى العابرة للحدود، وتم آحصاء أكثر من 500 سيارة ضبطت في عمليات التهريب منها عشرات السيارات الخاصة والشاحنات والجرارات، وقدر كمية الوقود المهرب بنحو 63 ألف متر مكعب، و3 آلاف طن من النحاس، وآلاف الأطنان من المواد الاستهلاكية الأساسية المدعمة على غرار الدقيق والحليب، أما تهريب السجائر فارتفع حسب نفس التقرير معدل الحجوزات الشهرية منها، خلال شهر دجنبر الأخير، عشرات المرات عما كان عليه في الأشهر الأولى للعام الماضي. «السنة الجارية تنذر بأن تكون سنة تهريب المخدرات عبر حدود البلدين بامتياز» يقول التقرير. محجوزات الشهر الماضي لوحده من الكيف المعالج وصلت ثمانية أطنان ونصف الطن، أي أكثر من ثلاثة أضعاف ونصف محجوزات السنة المنصرمة (2.4 طن)، وهي عمليات الحجز التي تمت في الغالب على الحدود مع المغرب الشرقي في عمليات للجيش وحرس الحدود، في حين أن الشريط الممتد على تراب ولاية تلمسان يحتكر الجزء الأكبر من نشاطات التهريب وتجارة الممنوعات، باعتبار النشاط الديموغرافي المكثف وتعدد الممرات السرية التي تخترق جبال ووديان تسمح طبيعة تضاريسها بحجب قوافل التهريب عن أنظار الهيئات المكلفة بحراسة الحدود. رغم أن التهريب أصبح النشاط الأساسي للساكنة المتاخمة لحدود البلدين معا، لكن المسؤولين الجزائريين يتهمون دوما المغرب بالتساهل مع المهربين. رغم أن «التقصير قد يكون أيضا في الجانب الجزائري» تضيف اليومية نقلا عن مسؤولين، لكن التقرير يصر على تحذير الحكومة الجزائرية صراحة من خطر التسرع في فتح الحدود. مخاوف الجزائريين سيتم تبديدها في الرباط بمناسبة احتضانها للنسخة الثانية من المؤتمر الاقليمي حول أمن الحدود بمشاركة وزارء الدفاع والداخلية ورؤساء الاجهزة الامنية بالمنطقة المغاربية والساحل والصحراء. اللقاء سيكون فرصة تحليل المخاطر والتهديدات الأمنية العابرة للحدود التي تواجه البلدان المشاركة والتي، كما قال وكيل وزارة الخارجية الليبية محمد عبد العزيز، «لايمكن بأي حال التصدي لها بجهود ذاتية او مقاربات أحادية، وبات من الضروري معالجتها في إطار رؤية موحدة».