"محامو المغرب" يلتمسون من الاتحاد الدولي للمحامين التدخل لمراجعة مشروع القانون 23.66    نسبة الملء 83% بسد وادي المخازن    ملعب طنجة يحتضن "مباراة ثأرية"    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    كيوسك السبت | المغرب الأفضل عربيا وإفريقيا في تصنيف البلدان الأكثر جاذبية    مقتل إسرائيليين في هجوم شمال إسرائيل والجيش يستعد لعملية في الضفة الغربية    تونس تواجه نيجيريا في قمة برنامج السبت بكأس الأمم الإفريقية 2025    من جلد الحيوان إلى قميص الفريق: كرة القدم بوصفها طوطمية ناعمة    الركراكي: تعادلنا مع مالي مٌحبط لكنه سيخدمنا في ما تبقى من المنافسة    لاعبو المغرب: تعادل مالي إنذار مبكر وعلينا تصحيح الأخطاء    تعادل المغرب ومالي يثير موجة انتقادات لأداء "أسود الأطلس" وخيارات الركراكي    سنة 2025: دينامية قوية غير مسبوقة للمغرب في مناصب المسؤولية بالمنظمات الدولية    المغرب يكتفي بنقطة أمام مالي.. تعادل بطعم الهزيمة    وزارة الداخلية: 31 دجنبر 2025 آخر أجل للتسجيل في اللوائح الانتخابية    الطقس يعلق الدراسة بسطات السبت    تعزيز تخليق العمليات الانتخابية أبرز رهانات انتخابات 2026    إدانات باعتراف إسرائيل بأرض الصومال    المضاربة في تذاكر مباريات الكان2025 تقود شخصا للاعتقال بأكادير    تارودانت .. توزيع 11 سيارة إسعاف على عدد من الجماعات    كان 2025 : تعادل أنغولا وزيمبابوي بهدف لمثله    قرار رسمي بحظر جمع وتسويق الصدفيات بسواحل تطوان وشفشاون    "كان المغرب".. التشكيلة الرسمية للمنتخب المغربي لمواجهة مالي    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    إخلاء عشرات المنازل في بلدة هولندية بعد العثور على متفجرات داخل منزل    نشرة إنذارية.. زخات رعدية قوية وتساقطات ثلجية وطقس بارد من الجمعة إلى الأحد بعدد من المناطق    جبهة دعم فلسطين تطالب شركة "ميرسك" بوقف استخدام موانئ المغرب في نقل مواد عسكرية لإسرائيل    المحامون يطالبون بجمع عام استثنائي لمناقشة مشروع قانون المهنة    الأمطار تعزز مخزون السدود ومنشآت صغرى تصل إلى الامتلاء الكامل    ارتفاع حصيلة قتلى المسجد في سوريا    التهمة تعاطي الكوكايين.. إطلاق سراح رئيس فنربخشة    بلمو يحيي أمسية شعرية ببهو مسرح محمد الخامس بالرباط يوم الاثنين    انعقاد مجلس إدارة مؤسسة دار الصانع: قطاع الصناعة التقليدية يواصل ديناميته الإيجابية        قطاع الصحة على صفيح ساخن وتنسيق نقابي يعلن وقفات أسبوعية وإضرابا وطنيا شاملا    لا أخْلِط في الكُرة بين الشَّعْب والعُشْب !    زخات رعدية محليا قوية وتساقطات ثلجية وطقس بارد إلى غاية يوم السبت    تريليون يوان..حصاد الابتكار الصناعي في الصين    التواصل ليس تناقل للمعلومات بل بناء للمعنى    «كتابة المحو» عند محمد بنيس ميتافيزيقيا النص وتجربة المحو: من السؤال إلى الشظيّة    الشاعر «محمد عنيبة الحمري»: ظل وقبس    محكمة صفرو تدين مغني الراب "بوز فلو" بالحبس موقوف التنفيذ وغرامة مالية    روسيا تبدأ أولى التجارب السريرية للقاح واعد ضد السرطان    على هامش كأس إفريقيا.. معرض ثقافي إفريقي وأجواء احتفالية تجذب الجماهير في تغازوت    إلى ساكنة الحوز في هذا الصقيع القاسي .. إلى ذلك الربع المنسي المكلوم من مغربنا    الحق في المعلومة حق في القدسية!    السلطة القضائية تنضم إلى البوابة الوطنية للحق في الحصول على المعلومات    أمريكا تستهدف "داعش" في نيجيريا    أسعار الفضة تتجاوز 75 دولاراً للمرة الأولى    روسيا تنمع استيراد جزء من الطماطم المغربية بعد رصد فيروسين نباتيين    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    طقس ممطر وبارد في توقعات اليوم الجمعة بالمغرب    جمعية تكافل للاطفال مرضى الصرع والإعاقة تقدم البرنامج التحسيسي الخاص بمرض الصرع    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    كيف يمكنني تسلية طفلي في الإجازة بدون أعباء مالية إضافية؟    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حملة «زيرو كريساج».. أو العطب المغربي في تحديد مفهوم الأمن‎‎

في حملة "زيرو كريساج"، هناك عنف يبدأ على اللغة أولا، ف"الكريساج" في اللغة الفرنسية (Graissage)، يعني "التشحيم"، و يستعمل استعمال "الفازلين" في غالب الأحيان، لتسهيل "اشتغال" الآلات بمحرك، أو المحركات، أو الأبواب الحديدية و "الريدوات"، أو سلاسل الدراجات الهوائية و النارية و ماشابه..
الذين أطلقوا الحملة، كانوا يقصدون "غالبا"، (Zéro Agréssion)، لكنهم اختاروا الاعتداء على المعنى، فكان شعار (Zéro Graissage)، وأظن شخصيا، مع التسليم القبلي كون بعض الظن ليس اثما، أن الأمر لم يقترف عمدا، وتفعيلا لمبدأ حسن النية، و عملا بمقولة "الخطأ الشائع"، سأضطر لاستعمال "الشعار"، كما هو من مصدره، في الآتي!!..
"الجريمة" اللغوية أعلاه، كانت من الأخطاء "الهامشية" التي شابت حملة "زيرو كريساج"، الخطأ الرئيسي في نظري، كان هو استهداف جهاز الأمن الوطني، و اعتباره المسؤول الأول عن استفحال ظاهرة "الكريساج"، وأزعم أن هذا الاستهداف انما يعكس، بكل بساطة، العطب المغربي في تحديد مفهوم الأمن، خصوصا ممن يساندون الحكومة و الحملة بالتوازي.
لا يمكنك أن تكون مع الحكومة، و مع حملة "زيرو كريساج" في نفس الوقت، لأن الأمن قبل أن يكون مهمة الشرطة و الدرك و باقي القوات المماثلة، هو اختصاص حكومي بالدرجة الأولى، فالهشاشة التي تقود للاجرام هي نتيجة لعمل حكومي سيئ في الميدان الاقتصادي..
الحكومة التي تكتفي بتحقيق نسبة نمو لا تتجاوز 1 بالمائة عوض 7 بالمائة، كما وعد الحزب الذي يقودها، انما تحكم على مئات الآلاف من المغاربة سنويا بالبطالة، كيفما كان مستواهم التعليمي.. و كثير منهم سيطرق باب الاجرام، عاجلاً أم آجلاً..
الحكومة التي تضرب تقاعد مئات الآلاف من الموظفين و هي سعيدة، لا تعرف أن كثيرا منهم سيعجز عن تلبية مصاريف أسرته، مادام راتبه سينخفض ب30 أو 40 بالمائة، و منهم من تزوج على كبر، أو يتكفل بأبناء أخيه أو أخته، و هذا دفع مبرمج نحو الهشاشة و نحو البؤس و الاجرام، و هذا هو "الكريساج" الحقيقي..
الحكومة التي "ترعى" الهدر المدرسي، و "تسهر" على "تخريج" مئات الآلاف من التلاميذ دون تعليم أولي أو أساسي كل سنة، هي حكومة مسؤولة عن تكاثر "ظاهرة" الفراشة، الذين سيتحول كثير منهم الى الاجرام، في انتظار أن يلتحق بجماعات الارهاب في الداخل أو في الخارج..
الحكومة الذي يقودها حزب "يفتخر" بتسييره لمدن كبيرة و متوسطة و صغيرة، حكومة فاشلة في سياسة المدينة و اعداد التراب الوطني، و لذلك لدينا تجمعات سكنية، و ليست لدينا مدن، و هذه التجمعات السكنية أغلبها على هوامش مركز بناه المستعمر، هوامش بدون انارة، و بدون مدارس، و بدون مؤسسات تربوية وثقافية ورياضية و ترفيهية، و بدون مفوضيات للشرطة..
في مركز من المراكز التي بناها المستعمر ليكون نواة مدينة عصرية، في الحاضرة الاسماعيلية، و هي مدينة يسيرها الحزب الحاكم، كان شارع محمد الخامس، بدون انارة لمدة شهور، تسهيلا من البلدية ربما لعمل المجرمين، فكيف سيكون الحال في أحياء المدينة الفقيرة، و التي "تقطع" فيها الأرجل حتى قبل حلول الظلام؟..
تعبيد الطرق في الأحياء الهامشية، و التي تشكل أغلب "مدننا"، هو مسؤولية البلدية و ليس رجل الأمن، بناء مراكز لشرطة القرب، هو مسؤولية البلدية و ليس رجل الأمن، تكوين المواطن منذ صغر سنه و التكفل بتربيته و تعليمه و ترفيهه، ليس من مسؤولية رجل الأمن، القانون و القضاء و مايجري في السجون، ليسو من مسؤولية رجل الأمن..
نسبة مسؤولية رجل الأمن في تكاثر الجرائم في المغرب لا تتعدى، على أقصى تقدير، 20 بالمائة.
كيف نلوم رجل أمن يخاطر بحياته ليقبض على مجرم "تايكريسي"، وفي الأخير يحكم عليه القاضي بثلاثة أشهر؟ ما هذا الحمق؟ رجل الأمن يوجد في حقيقة الأمر داخل دائرة مفرغة، كمن يصب الماء.. في رمال الصحراء..
عندما كنا ندرس القانون في الجامعة، فهمنا بأن العقوبة هدفها الردع، و بأن العقوبة التي لا تحقق الردع، هي مضيعة للجهد و هدر للطاقات و ضرب لطمأنينة المجتمع.. لكن في القانون الجنائي المغربي، هناك عقوبات، خصوصا عندما يتعلق الأمر بحمل السلاح و التهديد به، تعتبر مهزلة حقيقية، ان لم تكن تشجيعا للجريمة..
في زمن مضى، كان مجرد حملك لمقص أظافر، تهمة، قد تدخلك السجن بسهولة.. اليوم، هناك مجرمون "يتجولون" بالسيوف و السواطير، و لا أحد يزعجهم، هناك خلل في القانون يجب أن يتم تداركه بسرعة، يجب أن يكون مجرد حمل السلاح الأبيض جريمة يعاقب عليها بخمس سنوات سجنا نافذا، دون امكانية العفو أو التخفيف، استعمال السلاح في التهديد و السرقة يضاعف العقوبة، لتصل عشر سنوات على الأقل، استعمال السلاح لتشويه الوجه أو الأطراف الظاهرة، و التي يستحيل اخفاؤها مدى العمر بالنسبة للضحية، وجب أن يكون من ظروف التشديد، حتى تصل العقوبة لعشرين سنة على الأقل، لا يجب على الدولة أن تتنازل عن حق متابعة مقترف العنف بالسلاح، حتى و لو تنازل الطرف المتضرر (أحد الزوجين مثلا)، فمسألة العنف، ليست قضية شخصية، انها ورم يجب استئصاله، و عفو الضحية عن المجرم بارادتها أو تحت التهديد، لا يحل المشكل، و انما يفاقمه، لأنه يبعث اشارات سلبية للمجتمع..
يجب على المشرع أن يفهم لماذا حملة "زيرو كريساج"؟.. لماذا "الكريساج" دون غيره من الجرائم؟..
الجواب الواضح، هو أن بقية الجرائم، في الغالب، مازالت في حدود "المعقول".. الا "الكريساج"، فلم تسلم منه أي أسرة مغربية، و يمكن لأي كان أن يسأل في مقر عمله، و سيفهم أن أرقام الأمن في ما يخص هذه الظاهرة بالخصوص، بعيدة جدا عن الواقع، لأن تسعة من عشرة يتعرضون ل"الكريساج" لا يبلغون..
مرة أخرى، هو واقع ليس نتيجة لتقاعس المديرية العامة للأمن الوطني، و انما هو نتيجة لعقوبات قانونية غير رادعة، و أحكام قضائية مخففة بشكل مريب، و خصوصا، منظومة سجنية تشجع على العود، لأنها أصبحت عنوانا للراحة و الاستجمام.. ففي الاقامة المفروشة، التي تسمى "سجنا" تجاوزا، هناك التلفاز و الهاتف، و الزيارة و القفة، و السجائر و الحشيش، و "الروشارج و كلي يوسبي"، و "الكوزينة"، و "الحديد" باش يربي صاحبنا "الكتاف".. وهو يعرف أنه في الأثناء.. يكتفي "شي بوليس".. ب"تربية الكرش"..
بناء على ثقافتنا الدينية، يشبه "الكريساج"، جريمة "الحرابة"، على أكثر من صعيد، لأنه قطع للطريق من أجل السرقة والنهب، و لأنه يقترف بالسلاح ودون خوف.. عقوبة "الحرابة" في الماضي، كما نعلم، هي قطع الأيدي و الأرجل من خلاف أو النفي من الأرض أو التشريد، لكن عقوبة "الكريساج" عندنا، وفي الحاضر، يمكن أن تكون ستة أشهر مع وقف التنفيذ، أو قضاء العقوبة في السجن الأقرب لمنزل المجرم!!..
يلزمنا "تشحيم" حقيقي للمخ الذي يدفع الناس الى "الحنين" لعقوبات بائدة، مادام لم يفهم بعد، أن ردع الجريمة، هو قضية الحكومة و البلدية و القضاء و السجن، وخصوصا العقوبات القانونية الصارمة، حتى نستعيد "الاحساس بالأمن"، و هو أمر يختلف.. عن "الأمن".. و تلك قصة أخرى..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.