الصين تدرس مراجعة قانون مكافحة غسيل الأموال    بطولة انجلترا: أرسنال ينفرد مؤقتا بالصدارة بعد فوز كبير على تشلسي 5-0    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل للمباراة النهائية على حساب لاتسيو    توفيق الجوهري يدخل عالم الأستاذية في مجال تدريب الامن الخاص    الولايات المتحدة.. مصرع شخصين إثر تحطم طائرة شحن في ألاسكا    الصين: أكثر من 1,12 مليار شخص يتوفرون على شهادات إلكترونية للتأمين الصحي    إيلا كذب عليك عرفي راكي خايبة.. دراسة: الدراري مكيكذبوش مللي كي كونو يهضرو مع بنت زوينة        أبو عبيدة: العدو عالق في رمال غزة.. وهجوم إيران أربك حسابات الاحتلال    إقبال كبير من الجالية والنساء.. هذا عدد المغاربة المستفيدين من دعم السكن وتمكنوا من اقتناء سكنهم    محلل رياضي مشهور: أمرابط بمانشستر ليس اللاعب المتألق الذي رأيناه مع المنتخب المغربي في قطر    حزب الله يشن أعمق هجوم في إسرائيل منذ 7 أكتوبر.. والاحتلال يستعد لاجتياح رفح    طقس الأربعاء.. أمطار ورياح مع تناثر غبار بهذه المناطق    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الحوار الاجتماعي.. الحكومة والنقابات داخلين فمفاوضات مكثفة على قبل الحق في الإضراب وحرية العمل    رحيمي والعين قصاو بونو والهلال وتأهلو لفينال شومبيونزليگ    موقف بركان قوي واتحاد العاصمة ضعيف وها الأحكام اللي يقدر يصدرها الكاف فقضية الغاء الماتش بسبب حماق الكابرانات    "الأحرار" يحسم الاقتراع الجزئي بفاس    سيراليون دعمات الوحدة الترابية للمملكة.. هو الحل الوحيد لي عندو مصداقية    تلاميذ متميزون يستكشفون آفاق الدراسة في كلية العلوم والتقنيات بالحسيمة    رد قوي من طرابلس على التكتل مجهول الهوية لي بغات تخلقو الجزائر.. ليبيا شكرات سيدنا على دعمه الثابت لقضيتها وأكدات أهمية تعزيز اتحاد المغرب العربي    لومبارت كوساك : الفلاحة .. العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي "غنية جدا"    المنتخب الجزائري لكرة اليد شبان ينسحب من مواجهة المغرب بسبب خريطة المملكة    إليك أبرز أمراض فصل الربيع وكيفية الوقاية منها    وزير فلسطيني: المغرب الأكثر اهتماما وعناية بشؤون القدس    ميارة يستقبل فيرا كوفاروفا نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    الأمثال العامية بتطوان... (580)    يهم البذور والأغنام والحليب.. المغرب وفرنسا يعززان تعاونهما الفلاحي    الأديب عبد الرفيع جواهري ضيفا على برنامج "مدارات"    وزير الخارجية الإسباني يؤكد افتتاح الجمارك بباب سبتة    تفتيش شابة على متن حافلة ببني ملال يسفر عن مفاجأة    تداولات البورصة تغلق على "أداء سلبي"    عاجل. حكم قاصح بزاف. الاستيناف طلع العقوبة الحبسية للطاوجني ل4 سنين بسباب شكاية دارها بيه وزير العدل    فرنسا معولة على مخابرات المغرب فتأمين أولمبياد باريس وها شنو گال جيرالد دارمانان    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    وزارة إسبانية: "سيام" من أكثر المعارض الفلاحية الواعرة فشمال إفريقيا    آيت طالب: أمراض القلب والسكري والسرطان والجهاز التنفسي مزال كتشكل خطر فالمغرب..85 في المائة من الوفيات بسبابها    ضمن جولة إقليمية.. حموشي يقود وفدا أمنيا مغربيا إلى الدوحة ويتباحث مع مدير "أمن الدولة"    جائزتها 25 مليون.. "ديزي دروس" و"طوطو" يترأسان لجنة تحكيم مسابقة في فن "الراب"    مديرية الضرائب تعلن عن آخر أجل لإيداع الدخول المهنية    الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية في مستشفيات غزة    خارطة طريق فلاحية جديدة بين المغرب وفرنسا    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    وزارة التربية الوطنية تشرع في عقد المجالس التأديبية للأساتذة الموقوفين وسط رفض نقابي لأي عقوبة في حقهم    بنموسى: الأزمة التي عاشتها المنظومة التعليمية شكّلت لنا فرصة للإصلاح    حرائق الغابات تجتاح عددا من مقاطعات كندا    أكادير.. الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ من 25 إلى 28 أبريل الجاري    العلاج بالحميات الغذائية الوسيلة الفعالة للشفاء من القولون العصبي    هذه هي الرياضات المناسبة إذا كنت تعاني من آلام الظهر    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و183 شهيدا منذ بدء الحرب    فرنسي يبصق على مؤثرة مغربية محجبة قرب برج إيفل (فيديو)        سعد لمجرد يكشف تفاصيل لقائه بجورج وسوف    الأمثال العامية بتطوان... (579)    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حصيلة الأغنية المغربية خلال 2016.. حوالي 120دقيقة من العبث الموسيقي و"البريكولاج"
نشر في الأحداث المغربية يوم 03 - 01 - 2017

ماذا أصاب أغنيتنا المغربية لم يعد با ستطاعتها حشد أحاسيسنا وعواطفنا ،أو تلمس دواخلنا،ابتعدت كثيرا عن تماس الإبداع الراقي،وتخلت عن دورها في إحياء مشاعرنا وتقويتها.اختار صانعوها الرداءة التي جفت قلوبنا من كل ماله صلة بالإحساس،واكتفوا بالقشور وتركوا اللب جانبا،فتاهت في "البريكولاج" وقصت أجنحتها فاختل توازنها وصارت ورقة في مهب الريح،تتطاير بين تيارات العبث الموسيقي.
بعد جمع ولم بعض الإصدارات الموسيقية الخاصة بالأغنية المغربية،في شقها العصري،خلال سنة 2016،اكتشفنا أننا لم نلوي على شيء،طارت العصفورة من يدنا،وبقي ريشها.وبعد الإستماع إليها بإمعان،وبنظرة الناقد الموضوعي ،لم نحس بذلك الدفء الذي يدب حرارة الإعجاب فينا،أدركنا حينها أننا نمر من مرحلة الفراغ والتيه،لاتناسق بين الجمل الموسيقية،ولا تناغم مع المقامات والألحان والإيقاعات،ولاشاعرية تذكر في الكلمات.هي مجرد قطع غيار متلاشية،ضمت بعضها البعض،لتعطينا شكلا جديدا ،غريبا عنا،سماه البعض إبداعا جديدا شبابيا،تارة بعلة البحث عن الجديد لتطوير الأغنية المغربية وإدخال إيقاعات حديثة مستنبطة من التراث الخليجي،الهندي والغربي،وتارة أخرى بحجة إعادة الإعتبار للمنتوج الموسيقي المغربي وإخراجه من المحلية الضيقة إلى العالمية.فاختلطت أمور عدة على ما سمي بالملحنين والموزعين وكتاب الكلمات الجدد.
تهنا مع الدهشة ولم نستطع تخطي حدود العوالم الوردية التي تسافر بنا إلى حيث الثمالة.
هي هكذا من أولها،جافة ،جوفاء.رغم محاولة البعض تنميقها بمساحيق ذات ألوان غير متناسقة،تحكمها مقاييس(اللايكات والجيمات والبارطاج)،لاتترك أثارا في الفؤاد،يهتز لها الجسد قبل القلب.
بالمقابل ظل بعض الفنانين الشباب وفيين لأحاسيسهم ومشاعرهم،احترموا أذواق جمهورهم،وخلقوا المتعو من خلال عرض موسيقي محترم.
تحقيقنا هذا تحكمه لغة تقنية أكاديمية موضوعية،مبنية على حس نقدي ينهل من الإحساس،ويتجنب لغة الخشب،يحيط بكل الحدود التي تؤطر أغنيتنا المغربية.
في جلباب سعد لمجرد
استمرت الأغاني المغربية التي أصدرت سنة 2016 في نفس التركيبة الغريبة.لاهي بالمغربية ،تنهل من تراثنا وثقافتنا،ولاهي بالخليجة والشرقية،هي فقط خليط من الأنماط الموسيقية الهجينة،لاهوية لها.
فعلى امتداد سبع سنوات تقريبا،لم تخرج الإنتاجات الموسيقية المغربية عن الأسلوب الذي أسسه الفنان سعد المجرد، من خلال أغانيه الأولى،حيث استطاع أن يؤسس لنمط موسيقي جديد وغريب في أن واحد،مكنه من بلوغ الشهرة العالمية،وفرض أسلوبه على الساحة المغربية والعربية،وتمكن من إدماج اللهجة المغربية وجعلها محور أغانيه التي جابت الوطن العربي.هذه اللهجة التي كانت في وقت من الأوقات صعبة الهضم على المشارقة والخليجيين،واستطاعت الأغنية المغربية بذلك اكتساح الساحة الفنية العربية بامتياز وبسط سيطرتها على القنوات الفضائية.طبعا يرجع الفضل كذلك إلى الفنانة هدى سعد أول الموقعين على فرض اللهجة المغربية في جل أعمالها الموسيقية،فجاء لمجرد ليكمل الطريق يأسلوب جديد ومغاير،بأدوات حديثة،مزجت بين الغربي،الخليجي والغربي وفي بعض الأحيان المغربي.استعمل إطارات أكاديمية،احترافية لتسطير تخطيط"ميخرش المية" كما يقول إخواننا المصريون،قاده إلى النجومية،مستغلا شخصيته الكاريزمية على خشبة المسرح ورشاقته وصوته الجميل.
هذا النجاح الشكلي الذي عرفه أسلوب سعد المجرد تتبع خطاه فنانون شباب آخرون،أغلبهم خريجو برامج المسابقات الغنائية، في محاولة لبلوغ ما وصل إليه لمجرد،لينتشر هذا النمط من الأغاني كالفطر،تحكم فيه لوبي مكون من موزعين،كتاب كلمات،ملحنين،مطربين،إعلاميين،قنوات تلفزية،إذاعية،أكل الجميع من نفس الصحن،حاولوا جميعا استخدام أدوات حديثة من أجل الانتشار والشهرة،مستغلين عالم الفضاء الأزرق،ومسخرين جيشا من الجمهور لايعرف سوى النقر واللايكات والجيمات والبارطاج.فكانت سنة 2016 امتدادا لهذا النمط،واستمر نفس العبث الموسيقي،المبني على كلام أجوف،خال من الشاعرية وتوزيع غريب عن الهوية المغربية،جمل موسيقية وإيقاعات خليجية،الصقت قهرا على أغاني مغربية،لاتخاطب الوجدان الداخلي.
على مر العصور شهدت الساحة الفنية بزوغ أصوات مغربية ذات جودة عالية،أثتت البيت الموسيقي بطاقات رائعة،كان لها الفضل في تطوير الأغنية المغربية.ومع ظهور برامج المسابقات الغنائية،بزغ جيل جديد من المطربين الشباب الذي تخرجوا واستفادوا من تواجد مؤطرين محترفين أكاديميين،احتكوا معهم وطوروا مساحاتهم الصوتية وقدراتهم في الأداء وصاروا قادرين على تطويع المقامات الموسيقية والإنتفالات والإيقاعات والجمل اللحنية.هذه البرامج فرضت على جميع المشاركين أداء أغاني طربية ذات إحساس قوي،فكانت جل اختياراتهم الفنية تنهل من أغاني أم كلثوم،محمد عبد الوهاب،ليلى مراد،صباح فخري،فريد الأطرش،عبد الحليم حافظ،سيد مكاوي،وردة ،ميادة الحناوي ،فايزة أحمد،صباح،ذكرى،شرين،ناظم الغزالي،نجاة الصغيرة،كاظم الساهر وغيرهم من الفنانين العرب والمغاربة،أطربونا وتسيدوا في أدائها،وكان جمهور عريض من الشباب يتابع تألقهم بلهفة وشوق .
لكن بعد التخرج من هذه المسابقات الغنائية يجدون أنفسهم مطوقين بإغراءات صيادي الشهرة،يضعونهم على سكة متناقضة مع ماتعلموه،فيسابقون سرعتي الضوء والصوت من أجل الوصول إلى عالم النجومية.يقبلون منتوجات فنية رخيصة،يبلغون معها شهرة عمرها قصير جدا. هناك بعض الفنانين الشباب الذي ظلوا منسجمين مع أحاسيسهم وأوفياء لما تعلموه داخل برامج المسابقات،شكلوا استثناء من خلال أغاني عصرية جميلة جدا،تحترم الذوق الفني الراقي.
الحمداوي والأخرون
يبدو ان الملحن والموزع والمغني جلال الحمداوي،وبعدما انتشر إسمه كالنار في الهشيم،وبعدما تم اختياره أكثر من مرة كأحسن الموزعين على الصعيد العربي،أصبح من البحوث عنهم من طرف المطربين المغاربة وغيرهم،وصار له نصيب الأسد من الكعكة المالية التي تدرها بعض الأغاني خلال السنوات الأخيرة،وأضحى الشرفة التي يطل منها كل من أراد تلمس سماء النجومية والشهرة.
تمكن جلال الحمداوي من بسط أسلوبه الموسيقي بسرعة فائقة،مستعملا وصفة فريدة،نهلت من روافد اسيوية خليجية هندية وغربية،معتمدا على مقام "الكرد" العصا السحرية التي ضرب بها على بساط الساحة الفنية،وتولدت عنها منتوجات موسيقية،تجاوزت حدود المحلي،لتصل إلى العالمية.
تهافت هؤلاء الفنانين على جلال الحمداوي،له مبرراته،فاسمه أصبح علامة تجارية (كريمة) تلصق على أغاني من أجل التأشير عليها والمرور من مناطق حرة،لاجمارك بها،للوصول إلى خارج المغرب،وتعود لنا في قالب أخر،تكتسح بواسطته الساحة الفنية.
طبعا جلال الحمداوي وحده غي كافي،فهو مؤطر بكتاب كلمات،لهم نفس المواصفات،استحودوا على السوق الموسيقية،وصاروا مثل تجار الجملة،يفرضون أساليبهم وأدواتهم الخاصة لاستمالة زبنائهم.
هذا اللوبي الموسيقي استطاع أن يجد لنفسه مكانا،ويستقطب مطربين شبابا وآخرين لهم تاريخهم الفني اللامع،اشتروا بضاعة رديئة،تجاوزت مدة صلاحيتها،وصارت فاسدة الذوق والإحساس.
استبلاد الجمهور
أن تكون مطربا لك تراكمات فنية محترمة وتقبل بالكلمات والجمل الموسيقية الرخيصة،فهذا استبلاد لجمهورك الذي يتابعك ويعشقك ويتتبع خطواتك.فأنت بذلك لاتخاطب عقله وقلبه،بل تحشره في عالم مظلم،خالي من الأحاسيس والمشاعر الجياشة،وتبحث عن الهزات والإرتدادات الإيقاعية واللحنية التي تتلمس جسده فقط.وبالتالي فأنت تؤسس لجمهور عريض ،مهووس بإطارات "نايضة"،"شاخضة" وغيرهما من العوالم السخيفة،لها مجالاتها على كل حال وجماهيرها الخاصة.
بعد تمحيص لبعض الأغاني المغربية العصرية،التي أنتجت خلال سنة 2016،ووضعها تحث المجهر،تبين لنا وبشكل مفضوح،ومع سبق الإصرار والترصد ،أن هناك مجموعة من الملحنين والموزعين وكتاب الكلمات تحكمت في أغلب الإصدارات الفنية،وضع أعضاؤها خطة مدروسة للسيطرة على الساحة الموسيقية،في ظل غياب مؤسسات فنية قادرة على التصدي لهذا التعويم الفني الذي أصاب أغنيتنا المغربية،وحولها من عالم الإبداع إلى فضاءات الإبتدال و"البريكولاج"،لم تمنعها من الإنتشار داخل وخارج الوطن،فصار لها جمهورها الخاص ،واحتضنتها قنوات فضائية وإذاعية،حولتها إلى شهرة زائفة.
صيادو الجمل الموسيقية والكلمات الرنانة يجدون ضالتهم في الحوارات الإذاعية والتلفزية المؤطرة بلغة الخشب،يجدون فيها فضاءات رحبة لتبرير أعمالهم الفنية،يستخرجون أدوات وأساليب لإضفاء الشرعية على المستوى الموسيقي المختار،معتمدين على إحصائيات وأرقام من صنع الخيال،تصل إلى الملايين وعشرات ومئات الملايين،يختبئون وراءها لإضفاء الضبابية التي تكتنف منتوجاتهم،ويغضون الطرف عن كل نقاش تقني أكاديمي،قد يعرض الأغنية وأصحابها إلى النقد البناء.
الجمهور الذي يعشق مطربه،يحاول جاهدا وضع الغربال بينه وبين الشمس،ويتقمص دور النعامة،حتى يفوت عليه هذه النقاشات الموضوعية،التي تعتمد على اليات أكاديمية ،تبين مكامن الضعف والقوة لكل عمل فني.
ماهي الأغنية التي نريد؟
الحنين إلى زمن الرواد،الزمن الجميل للأغنية المغربية،لايعطينا الحق في رفض كل منتوج فني موسيقي معاصر.لأن الحكم على مستوى أغنية ما،يخضع لمقاييس علمية أكاديمية دقيقة وذوقية ،خاصة بكل واحد منا.لن نكون سلفيين موسيقيا.نحن نريد عرضا موسيقيا يتفاعل مع أحاسيسنا،نستمع إليه بأذن موسيقية صافية،قادرة على تحليله من الناحية اللحنية والشعرية،ثم ربطه بالصوت والأداء .هذا إن كنا نتحدث عن الإستماع فقط.أما على خشبة المسرح،فالحكم يكون مكتمل الشروط وشاملا،يدخل فيه حضور المغني بموازاة مع شخصيته وأدائه المباشر،البعيد عن التوزيع الموسيقي المصطنع،وهو ما نسميه بالأداء الطبيعي (chant bio) الذي ينساب بسلاسة نحو دواخلنا.
لهذا يكون من الخطأ ربط حكمنا على منتوج موسيقي ما بالسياق التاريخي،الزمني،أو بحقبة الرواد،أو بالزمن المعاصر الحالي.فالأغنية تبقى ،شئنا أم أبينا منتوجا إبداعيا على كل حال،له مقوماته وأسسه،فهو فقط كلمة شاعرية موزونه، جمل موسيقية صحيحة، إقاعات مريحة،توزيع جميل وأداء راقي ملتصق بالإحساس والمشاعر الجياشة والمرتبط بوحدة الموضوع.
لسنا ملتصقين بالحنين إلى الماضي لأن الحكم على أغنية ما من مرجعية الزمن الجميل،ليس له معنى،فكم من منتوج موسيقي من الزمن الحالي له طعمه الحلو الخاص ،والعكس صحيح.
الفنان الرائد ليس بتراكماته الزمنية،بل بما يقدم من عرض موسيقي راقي،يسلب القلوب والعقول.
من أجل الوصول إلى الذكاء الموسيقي
أغلب الأغاني المغربية العصرية التي أنتجت سنة 2016،ابتعدت مسافات عن دائرة الإبداع والرقي،التصقت بعضها بالكلام البسيط المباشر والجمل الموسيقية التي لا تحترم معايير الإحساس والمشاعر.لم يستطع صانعوها مخاطبة أرواحنا،بل اجتهدوا في جمع كلمات مشتتة وألحان غارقة في الإبتدال،غير متناسقة،لاتحترم ذكاء المستمعين،فأصبح من السهل إخراج أغنية بمقاسات غير مدققة،سهر على صنعها ملحنون وكتاب كلمات وموزعون لم يجهدوا أنفسهم في البحث والتنقيب على ألحان وأشعار وتوزيعات تخضع لمقاييس فنية أكاديمية،تنهل من هويتنا الثقافية والفكرية والفنية،وجدوا ضالتهم في الإيقاعات الجاهزة التي تحرك الجسد فقط،ولا تلامس دواخل الجمهور.فدخلت الأغنية زمن الهدر الموسيقي والعبث الفني،وصارت معها المنتوجات الموسيقية من دون معنى،تنتهي مع انتهاء الأداء.لأن صناعة هذه الأغاني،ارتبطت أساسا بغرف مغلقة،سميت باستوديوهات التسجيل والتوزيع،لا تتجاوز مساحتها أمتارا، جهزت بوسائل وإمكانات تقنية عالية الجودة،عوضت المشاعر والأحاسيس.هي عبارة عن ترسنة من الأكلات الموسيقية المتنوعة،خزنت في أسطوانات صلبة،تؤدي أدوار أجواق موسيقية،فغاب صوت الكمان الحي والعود،والإيقاعات التي كان "الطر" سيدها،ليدخل العرض الموسيقي في متاهة الإبتدال.
عندما يكبح الفاعل الموسيقي أحاسيسه و مشاعره ويطلق العنان لتيارات وموجات لاتتناغم مع دواته،فإنه بذلك يلغي احتياجات الجمهور الذوقية والإبداعية،ويختار فئة مستهدفة تتبع نزواتها الجسدية،تتعامل مع الأغنية بسذاجة بينة، تفقد على إثرها امتدادها الفني وتصبح في حكم سحب الصيف،تسقط المطرب في شهرة سرابية،مغلفة بأحاسيس مزيفة،تزول بسرعة.
أما الفنان الذكي،فهو الذي يستحضر جمهورا ذواقا، عاشقا للكلمة الشاعرية واللحن الراقي.
الأمر ليس مستحيلا إذن،يكفي استخراج الأحاسيس وتتبعها والعمل على تناغمها وانسجامها مع حاجات الجمهور الذوقية وحقه في عرض موسيقي راقي.
أرقام وإحصائيات
وجدنا صعوبة في إحصاء الأغاني التي أنتجت سنة 2016،وحاولنا وضع يدنا على عددها،لكننا لم نبلغ سبيلنا،نظرا لعدم وجود مرصد مكلف بجرد المنتوجات الموسيقية،ومع انتشار مؤسسات الإنتاج واستوديوهات التسجيل الخاصة،فالأغنية المغربية المعاصرة أصبحت تسلك قنوات متشعبة،يصعب حصرها،وتناسل المواقع الإجتماعية التي وجد بعض الفنانين ضالتهم فيها،بخلاف السنوات الماضية التي كانت فيها لجنتا الكلمات والألحان بمثابة الشباك الوحيد،الذي يفرض على الملحنين وكتاب الكلمات والمطربين زيارته وجوبا للمصادقة على الأغاني الجديدة.
أمام هذا الوضع،حاولنا تتبع خطوات بعض الفنانين لمعرفة منتوجاتهم،فتم لنا مقصدنا،بحيث عثرنا على حوالي 30 أغنية ،أنتجها بعض الفنانين ،وتم بثها على أثير أمواج المحطات الإذاعية،أو على القنوات التلفزية،أو على الأنترنيت،وغيرها من الوسائل الأخرى.وبمعدل 4 دقائق كقياس زمني لكل أغنية،رصدنا حوالي 120 دقيقة،هو العمر الزمني لحصيلة ما سمي ب'الإبداع الموسيقي" خلال سنة 2016.
بعد وضع هذه الحصيلة تحث المجهر،اتضح لنا أن بعض الموزعين استحودوا على حصة الأسد من هذا المنتوج،كلمات رنانة تصيدها بعض كتاب الكلمات الجدد من قاموس الشارع،لامعنى لها ولا حس شاعري بها،هي كلام فقط،جمل موسيقية متشابهة،إيقاعات خليجية،ألحان بسيطة المستوى.
يقول الملحن والموزع الموسيقي عبد الرحيم بهيجة: "أكاديميا لايمكننا تصنيف الأغاني بناء على اللهجة المغناة،التصنيف ينبني على التركيبة الإيقاعية والجمل الموسيقية،وكذلك طبيعة الآلات الموسيقية المستعملة في التوزيع الموسيقي.وحتى لانخوض في تفاصيل تقنية تشتت ذهن القارئ وعددا من هؤلاء الملحنين.ببساطة إذا أردت تصنيف الأغنية،إحذف صوت المغني وتمعن في التركيبة الموسيقية.وعليه فإن معظم الأغاني التي انتجت مؤخرا هي أغاني خليجية أو غربية،تم غناؤها باللهجة المغربية،وليست مغربية.أما بالنسبة لكيفية صياغة الألحان،ففاقد الشيء لا يعطيه،ولاننتظر الكثير من ملحنين يعتمدون في ألحانهم على القيثارة،لان طبيعة هذه الآلة غربية،لن تجعلهم يفكرون خارج مقام الكرد أو العجم ماجور،أو مقام الفرح أفزا مينور.ولهذا أصبح من السهل أن تغنى هذه الأغاني على شكل كوتيل متصل،لأن معظمها في مقام الكرد حصرا".
في الحاجة إلى مدونة الموسيقى
جميع المحاولات لإخراج الأغنية المغربية من نفقها المظلم،باءت بالفشل،لأنها لم تكن مؤطرة بأرضية صلبة،مؤسسة على دراسة أكاديمية،بمقاربة تشاركية،تأخذ بعين الإعتبار جميع المكونات الفنية التي لها علاقة وطيدة بالأغنية المغربية،سواء كانت مؤسسات رسمية ،نقابية،مجموعات موسيقية،أشخاص ذاتيين،مطربين،جمهور،إعلام،فاعلين في الميدان الفني.الكل يبكي لمال الاغنية المغربية،منهم من يريدها بالأبيض والأسود، ومنهم يريدها حسب مقاسه ومتخيله،ومنهم من يتهم جيلا بإدخال الأغنية في نفق غارق في الحلكة،ومنهم من نصب نفسه قاضيا وحكما،وأخرج سوطه يضرب به يمنة ويسرة كدنكشوط في موادهته لطواحين الهواء،ومنهم من اختار لغة الخشب للحديث عن العرض الموسيقي المقدم ،حفاظا على سمعته وتراكماته الفنية.وطبعا هناك المدافعين عن ما نسمعه الأن من أغاني ،لأنهم من المساهمين فيه.وهناك بعض الإعلاميين سامحهم الله، غير مؤهلين للخوض في نقاش فني موسيقي ذي طابع أكاديمي،وضعوا أنفسهم في مرتبة المدافعين عن الشيطان.بعض المؤسسات التي لها علاقة مباشرة مع الموسيقى،اختارت هي الأخرى موقف الحياد ،ولم تعط الوصفة التي بواسطتها يمكن معالجة الداء الذي ألم بأغنيتنا المغربية،بل اختارت العلاج بالصدى من أجل استئصال الورم.وهي محاولة لتضييع الوقت،تصلنا لاقدر الله إلى المراحل الأخيرة الحرجة،قبل الوفاة.
بعض الرواد من جهتهم انبروا ووضعوا أيديهم على قلوبهم،ولعبوا دور المتفرج الذي ينتظر مرور العاصفة بسلام،وظلوا يترقبون مخلفات هذا التسونامي الموسيقي الذي مس أحاسيسنا في مقتل.
المنتوج الموسيقي بالمغرب،شئنا أم أبينا به خلل لايدركه إلا الذواقين السميعين الذين يتحسسون عواطفهم ومشاعرهم،إن شلت ،تفقد الخلايا المرتبطة بالإحساس الموجود فينا،وتجف منابع الإبداع والذوق الرفيع.
الحل قد يأتي عن طريق فهم الظاهرة أولا وتمحيصها ووضعها تحت المجهر،لإبراز مكامن القوة والضعف،وبالتالي مسك كل خيوط الداء بمقاربة تشاركية،ومن تم المرور إلى مرحلة البحث عن الأسباب،قبل بداية العلاج.
طبعا مصدر الخلل انتشر كالسرطان،أصبح مشتتا،انتقل بشكل عشوائي،وهو ما يصعب من مهمة تحديده والسيطرة علية.لهذا وجب الإتفاق عن أرضية مشتركة وضرورية،نطرح من خلالها بعض الأسئلة : ماهو العرض الموسيقي الذي نريده؟ ،ماهي حدود الإبداع الموسيقي في بلادنا؟ مالسبيل إلى توحيد رؤية فنية مشتركة؟.
أسئلة ضرورية،ليس المراد منها مراقبة الإبداع ،أو تخليقه،أو لعب دور الجمركي،لكن الغرض هو العثور على اتفاق مبدئي حول وحدة القياس الخاصة بالإبداع الفني عموما والموسيقي على الخصوص،حتى نكون مؤهلين لتقييمه وتقويمه.
من أجل الوصول إلى كل هذا،لابد من عقد مناظرة وطنية حول الإبداع الموسيقي،ونحدد ملامح العرض الفني الذي نريد ونجد مواصفات الفاعل الموسيقي،من مطرب،ملحن،موزع،كاتب كلمات،عازف،منتج،جمهور،وتحديد المؤسسات والقنوات ومؤسسات الإنتاج التي تؤطر هذا العرض الموسيقي،وسن قانون أو مدونة الموسيقى القادرة على حمايته وتقييمه ودعمه،بواسطة بنود وقوانين تحددها هذه المدونة.بعد ذلك ننتقل إلى مرحلة تفعيلها وتنزيلها على أرض الواقع،عبر خلق لجن الكلمات والألحان والتوزيع،مع الأخذ بعين الإعتبار بقواعد الإنتاج الموسيقي وصناعته والمؤسسات والأشخاص المخول لهم المساهمة فيه. وحماية المنافسة الشريفة بين كل الفاعلين.
كل هذه الترسنة من القوانين،وجب دعمها بأنشطة موازية،كتنظيم مهرجانات موسيقية كمجال للتنافس،كما هو الحال في قطاع السينما،مع خلق مهرجان وطني للأغنية المغربية ووضعه رهن إشارة كل الفنانين،يستمد روحه من قانون مدونة الموسيقى،تيمته المنافسة،تخصص له مبالغ مالية مهمة للفائزين بأحسن الأعمال الموسيقية،في الأداء،اللحن،والتوزيع والكلمات،حتى نضمن اشتغال فني موسيقي على مدار السنة،وتشغيل عدد كبير من الفاعلين في هذا الميدان،يكون هذا المهرجان تتويجا للخلق والإبداع.
هكذا نكون قد وضعنا اللبنة الأولى لرسم المعالم الحقيقية للإبداع الموسيقي المغربي،عبر وضعيات واقعية صحيحة ،قابلة التحقيق،تضمن حقوق المبدعين المغاربة وجمع شتاتهم عبرها،ونضمن بالتالي عرضا موسيقيا محترما.
كما يمكن تشجيع المقاولات ورجال الأعمال للإستثمار في المجال الموسيقي،عبر فتح أوراش الإحتضان والإستشهار،وتبني مطربين ومساهمين بعقود قانونية،تحددها مدونة الموسيقي، تحترم كل الأطراف.وبالتالي نكون قد أدخلنا الإبداع الموسيقي المغربي في إطار من الشفافية والوضوح،بدل الإختباء وراء عبث فني،يتيح لمرتزقي الموسيقى إغراقها في الإبتدال والبريكولاج.
من زاوية أخرى،يجب على الوزارة الوصية في إطار هذه المدونة الرفع من ميزانية دعم هذا القطاع للمساهمة في تطوير الإنتاج والإبداع الموسيقي الجاد،مع خلق سهرات فنية،تقام في مختلف المسارح والمناطق الموجودة على امتداد التراب الوطني،مع إلغاء الدعوات المجانية،لفتح المجال أمام المستشهرين للمساهمة الفعلية في الدعم،مع تقنين طريقة العرض الموسيقي وتشجيع الجمعيات الموسيقية لاستقطاب الشباب الموهوبين،تكريم وتشجيع الفنانين.إيجاد بنود لتقنين مرور المطربين بالمحطات الإذاعية والتلفزية لسد الطريق أمام هذا العبث الموسيقي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.