من أكثر الأمور التي تثير غيظي تلك المحاولة اليائسة للفصل بين «ذات الممثل» أمام الكاميرا و"ذات الإنسان" خارج إطارها، وتلك الادعاءات المضحكة بأن الممثل الفلاني يكون منفصلا تماما عن الشخصية التي يؤدّيها حتى إذا حدثت قُبَل وعناق ومشاهد جنس خفيف ساخن، فليست شفتاه اللتان تقبلان، بل شفتا الشخصية التي يلعب دورها.. وقد كان الممثل المصري الشاب أحمد السقا من الأوائل الذين يعترفون بأن قضية الفصل هذه هراء في هراء، حينما فجّر قنبلة من العيار الثقيل في برنامج «هالة شو» قبل بضع سنوات، حين صرّح بأن "البوس في السينما حقيقي»، أي أن طرفي المشهد يستمتعان بالفعل بمقدمات الجماع المقطوعة أمام الكاميرا، وأضاف السقا أن كل من يروج لكلام معاكس فهو "كذّاب في أصل وشّو"... وبالعودة إلى الوراء قليلا نجد عادل إمام يعبر عن هذه الفكرة من خلال أحد الأفلام القديمة رفقة رشدي أباظة، والذي لعب فيه دور «كومبارس» تعب من تأدية «مشاهد الضرب» التي يعوض فيها البطل، ويريد بأي شكل من الأشكال أن يسمح له المخرج بتقبيل الممثلات أيضا على غرار البطل.. وهذه النقطة تفضح كل الادعاءات الكاذبة التي يروج لها بعض الأشخاص المتزوجين من الوسط الفني، والتي يصرون فيها على كونهم لا يحسون بالغيرة إزاء المشاهد الساخنة التي تجمع زوجاتهم (أو أزواجهن) بعناصر أخرى في الفيلم، على اعتبار أن الذي يقبل ليس الزوج أو الزوجة بل الشخصية المقدمة في إطار العمل والسياق الدراميين... ولا أدري على ذقون من بالضبط يضحكون بمثل هذه الأكاذيب.. ولكن، ما الذي نود أن نقوله من وراء كل هذا؟ ببساطة نتمنى أن يلعب الجميع على المكشوف وأن يعترف المنتمون إلى الميدان الفني بكون المشاهد الساخنة حقيقية وليست مجرد تمثيل أدوار درامية، وأن المنخرطين في هذه المشاهد يستمتعون بالقبل والعناق لأنهم بشر من لحم ودم وغريزة حية، وليسوا «مرضى بداء الفصام» و"انشطار الشخصية الإنسانية"... كما على المخرجين أن يعترفوا بأن توظيفهم للطابوهات الثلاثة (الجنس والدين والسياسة)، وخصوصا الجنس، يودون، مهما أنكروا، ولو في قرارة أنفسهم، إعطاء زخم إعلامي وإشهار مجاني لمنتوجاتهم التي يريدون بيعها في نهاية المطاف... كما يتوجب على المشاهدين «الكيران» (أي العابرين) أن يتوقفوا عن مناقضة ذواتهم ولعن «قلة الحيا» في السينما بعد أن يكونوا قد استمتعوا بمشاهدتها سرا أو علانية، والنظر إلى الممثلة الفلانية أو الممثل العلاني بشبقية... كما يلزم الأصوليين التوقف عن الاقتيات على «أخلاق المجتمع» –حصريا- لتحقيق مكاسب سياسية.. نحن شعوب تعاني من «عقدة الذنب» و"عقدة الجنس" كمكبوت فطري، ولا نجد مكانا نفرغ فيه الاستيهامات (وبعدها الاحتجاجات)، لهذا نعاني من أشكال الفصام تجاه الأشياء التي «نهواها» و"نهاجمها" في نفس الوقت.. فلينطق الجميع بالحقيقة، وليضعوا تلك الأقنعة المضادة للآخر جانبا... ولننتبه إلى القضية الأهم في كل هذا.. قضية كوننا متخلفين عن ركب كل شيء بما في ذلك شؤون السينما والفن...