أولا إن ما يحسب لكم جلالة الملك و ما يجعلني صراحة أقف إحتراما لكم، عن اقتناع و محبة، و ليس من خوف ولا من طمع، هو ذالك الحس في معرفة المرمى والهدف، فسؤالين إثنين كان كافيين ليبدد شكوك من في نفسه شك، أن لا خوف على هدا البلد، و أن قيادته تعرف ما تصنع و ما تفعل، و لا تعوزها الجرأة على المصارحة و ملامسة الداء. أين كنا و أين وصلنا و إلى أين المسير؟ ثم ما المغزى من أي تنمية أو إزدهار إذا لم يلامس الفرد كغاية عليا؟ و إذا لم تكن المحطة الأساسية لهذا الرقي، المواطن و الشعب؟ في إعتقادي الشخصي إذا أحسنا الجواب على هذين السؤالين، بعيدا عن النرجسية و الأنا، و بلغة محكمة النقد و مفعمة بالحكمة و التأني، سنكون قطعنا شوط مهم في درب ما تسعون إليه جلالة الملك من رقي لهذا الشعب، و سنكون شخصنا داءا و عرفنا ماهيته، لكن يبقى الأهم من هذا هو إستنباط الدواء الشافي للعلل و للسلبيات، ثم و هذا أهم الأهم، هو إمتلاك الشجاعة و القوة اللازمين من أجل تغيير الأمور للوجهة و الهدف الذي ترجونه جلالتكم، وهذا فيكم و هو ما يبشر بكل خير. سيدي الملك قد تعتري نظرتي هذه الكثير من النقص، لكنها تبقى وجهة نظر من شاب فاعل ومحب لهذا الوطن و ربما قد يرمي بشيء أحسه أو شعر به، يكون مكمن الداء و بيت السقم، سيدي فيما يخص السؤال الأول فأعتقد أننا كنا في حال و صرنا في أحسن من ذالك الحال الذي كنا فيه، و نريد أن نغدو في أفضل مما نحن عليه الآن بكثير، ويبقى السؤال الثاني مفتاح لكل سؤال وجواب على كل إبهام و شفاء لكل علة بهذا البلد. سيدي الملك، إن ما يكبح جماح رقي هذا الذي دعاه جدكم محمد الخامس رحمه الله بالأسد في وصيته لأبيكم و أبينا الحسن الثاني رحمة الله عليه، و هو المغرب، هي تلك الطبقة الوسطى بين الشعب و بين مصالحه، و هي السد القوي الذي يدعي أنه منتخب و يمثل إرادة الشعب في قبة ما أو جماعة ما، إن هذه الطبقة هي نتاج عملية فاسدة "الانتخابات مزورة، أو المال لشراء الأصوات، أو تدخل السلطة"، و مستقدمة أصلاً من مؤسسات"أحزاب" بها من الخمج و الفساد ما لا يدع لصلحاء القوم بالتقدم و شرفاء النضال بالتدبير. و هنا كل الداء و مكمن الفيروسات التي تمرض هذا الوطن. سيدي الملك لا يمكن أن نحقن أي مصل أو نعطي أي دواء مهما بلغت جودته، لمريض بحقنة مسمومة أو بماء ملوث، فأي إستراتيجية أو خطة قد تتبنونها في علاج هذا الوطن قد لا تنتج المتوخى منها، و نحن نسطرها بأيادي عفنة، فاسدة، وسخة تربت و إقتات و أتت من بيت عفن. إن أي إصلاح لابد أن يتم بتحسين و دمقرطة الأحزاب السياسية، ديمقراطية حقيقية و ليس بديمقراطية الصورة و ديمقراطية الإنزالات و ديمقراطية الولائم و الولاءات المصلحية، ديمقراطية "ولدي و باك صاحبي و بني عمي ، ومول الشكارة" فهي و بكل صراحة و وضوح "أحزاب" مكامن العلة، و هي الخلل في منظومة الرقي الذي نريده، و هو اللاعب الذي لا يعطي المرجو منه على رقعة هذا الوطن. فكيف لنا يا سيدي الملك أن نبدع في خلق البدع، و نتفنن في إيجاد شتى الحلول و الأيدي التي ستسطرها هي أصلا بيت الداء؟ إن مؤسسة الحزب في هذا الوطن مؤسسة ريعية فاسدة، و آليات توليد أو تقديم أطر مواطنة و صالحة شبه منعدمة بها. علينا أن نقولها بكل شجاعة و وضوح، جل الأحزاب هي نوادي المضاربة و المصالح الشخصية، و هي آلية بيد طبقة تمنع بكل تفنن و إتقان من وصول ذاك الرقي ليلامس المواطن البسيط، لأن من يدبرون الشأن العام القادمون من تلك النوادي، هي تلك القلة الغنية التي تستأثر بكل شيء، و لا تدع أي شيء يصل للشعب. لأجل هذا سدي الملك، يجب الإنكباب على إصلاح عميق و جذري للأحزاب، و يجب على الداخلية أن ترفع يدها نهائياً عن صناعة مناضلي الأحزاب، و صناعة هياكله، و التدخل في خياراته، و يجب الإنكباب على نشر قيم المواطنة و الفعل الوطني للشعب، بدفعه للمشاركة و إختيار تمثيليته، وفق ما يصلح، و ليس وفق من يدفع كثيرا أو بالعزوف. فبغير هذا لا أعتقد بأن هناك حل آخر. وفقكم الله جلالة الملك و نصركم، كل الحب و الإحترام و التقدير لكم