الرابطة المغربية للشباب والطلبة تختتم مخيم "الحق في الماء" بمركب ليكسوس بالعرائش    ألمانيا تدعو إلى إجراء مفاوضات عملية وسريعة لحل النزاع التجاري مع الولايات المتحدة    جسم غامض خارجي يقترب من الشمس بسرعة خارقة يثير حيرة العلماء    جهة الشرق تتألق في استدراكية باكالوريا 2025..    توقعات أحوال طقس اليوم الأحد    شفشاون: يوم تواصلي حول تفعيل مضامين الميثاق المعماري والمشهدي لمركز جماعة تنقوب ودوار الزاوية    محكمة جرائم الأموال تؤيد الحكم الابتدائي الصادر في حق مسؤولي بنك اختلسوا أموالا كبيرة    محكوم ب 27 سنة..بلجيكا تطلب تسلم بارون مخدرات مغربي من دبي    فيلدا يثني على أداء المنتخب ورباح تبرز الروح القتالية للبؤات الأطلس    صدور كتاب عن قبيلة "إبقوين" الريفية يفكك الأساطير المؤسسة لقضية "القرصنة" عند الريفيين    تقرير: المغرب ضمن 3 دول أطلقت سياسات جديدة لدعم الزراعة الشمسية خلال 2024    يديعوت أحرونوت: موجة هجرة إسرائيلية غير رسمية نحو المغرب في خضم الحرب    صحافي أمريكي: الملياردير جيفري إبستين صاحب فضيحة شبكة الدعارة بالقاصرات كان يعمل لصالح إسرائيل    الدفاع المدني ينعى قتلى بقطاع غزة    غرق شاب بشاطئ تمرسات بالبركانيين وعملية البحث عن جثته متواصلة    أقدم مكتبة في دولة المجر تكافح "غزو الخنافس"    طنجة.. إغلاق مقهى شيشة بمحيط مالاباطا بعد شكايات من نزلاء فندق فاخر    حادث خطير داخل "الفيريا" بمرتيل يُخلّف إصابات ويثير مخاوف الزوار    فيلدا: فخور بأداء "اللبؤات" أمام السنغال    من ضحية إلى مشتبه به .. قضية طعن والد لامين جمال تتخذ منحى جديدًا        كأس أمم إفريقيا لكرة القدم سيدات.. المنتخب المغربي يتأهل إلى دور الربع نهائي بعد فوزه على نظيره السنغالي (1-0)    الطالبي العلمي: المغرب يجعل من التضامن والتنمية المشتركة ركيزة لتعاونه جنوب-جنوب    أثنار: جاك شيراك طلب مني تسليم سبتة ومليلة إلى المغرب سنة 2002    الملك يهنئ رئيس ساو طومي وبرانسيبي    أسعار الذهب تتجاوز 3350 دولارا للأوقية في ظل التوترات التجارية العالمية    بنسعيد: "البام" آلية لحل الإشكاليات .. والتحدي الحقيقي في التفكير المستقبلي    المفوضية الأوروبية تنتقد رسوم ترامب    خطوة مفاجئة في إسبانيا .. ملقة ترفض استقبال مباريات "مونديال 2030"    لبؤات الأطلس يتأهلن إلى ربع نهائي "كان السيدات" بعد فوز صعب على السنغال    حرب الإبادة الإسرائيلية مستمرة.. مقتل 100 فلسطيني في قصف إسرائيلي على غزة منذ فجر السبت    المغرب يفتح باب الترخيص لإرساء شبكة 5G    تقرير دولي يضع المغرب في مرتبة متأخرة من حيث جودة الحياة    الصندوق المغربي للتقاعد يطلق نسخة جديدة من تطبيقه الهاتفي "CMR" لتقريب الخدمات من المرتفقين    فاس تحتضن لقاء لتعزيز الاستثمار في وحدات ذبح الدواجن العصرية    دراسة: التلقيح في حالات الطوارئ يقلل الوفيات بنسبة 60%    مهرجان "موغا" يعود إلى مدينته الأصلية الصويرة في دورته الخامسة    اجتماعات بالرباط للجنة التقنية ولجنة تسيير مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي    الطبخ المغربي يتألق في واشنطن.. المغرب يحصد جائزة لجنة التحكيم في "تحدي سفراء الطهاة 2025"                أخرباش تحذر من مخاطر التضليل الرقمي على الانتخابات في زمن الذكاء الاصطناعي    أغنية "إنسى" لهند زيادي تحصد نسب مشاهدة قوية في أقل من 24 ساعة    عبد العزيز المودن .. الآسَفِي عاشِق التُّحف والتراث    بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي إيجابي    نحو طب دقيق للتوحد .. اكتشاف أنماط جينية مختلفة يغيّر مسار العلاج    57 ألفا و823 شهيدا حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ بدء الحرب    علماء ينجحون في تطوير دواء يؤخر ظهور السكري من النوع الأول لعدة سنوات    الدوري الماسي.. سفيان البقالي يفوز بسباق 3000م موانع في موناكو    من السامية إلى العُربانية .. جدل التصنيفات اللغوية ومخاطر التبسيط الإعلامي    "وول مارت" تستدعي 850 ألف عبوة مياه بسبب إصابات خطيرة في العين    باحثون بريطانيون يطورون دواء يؤخر الإصابة بداء السكري من النوع الأول    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



“لبنان الكرامة” لا يحتاج إلى أغاني فيروز
نشر في العمق المغربي يوم 25 - 10 - 2019

قبل أحداث “الربيع العربي” في 2011، كنا نعتقد، نحن مجموعة من الزملاء الصحافيين والأساتذة العرب خلال نقاشات مشتركة أن لبنان والمغرب ومصر يأتون في مقدمة الدول العربية من حيث اتساع مجال الحريات وآفاقها، قبل أن تفاجئنا تونس مفاجئة سارة بانتقالها الديمقراطي السلس والمتواصل. واليوم ومع مرور سنوات هذا “الحراك” وتراجع وضع الحريات بالمغرب، وتدهور الأوضاع في مصر التي صارت دولة على حافة انهيار يهدد ثقلها الإستراتيجي وعمقها الثقافي، يبدو أن لبنان مازالت حبلى بآفاق واعدة على مستوى الحريات رغم التحديات.
تقييم الأوضاع والتحولات بالمنطقة ليس تبسيطيا طبعا يقاس فقط بالترتيب والتصنيف (وإن كان الترتيب له أهميته كما تفعل مراكز بحث عالمية مثل فريدوم هاوس أو مراسلون بلاحدود وتقدم تونس مؤكد على هذا المستوى) بل ينبغي تجاوزه وتعميق النظر فيه. في قراءة أولية لما يحدث، يمكن القول بداية إن ما يميز اللبناني في لغة الكلام اليومي، والنقاش السياسي والثقافي العام، وفي لائحة الطابوهات، والموقف من القيادات السياسية، خاصة منذ خروج سوريا من هذا البلد، هو ذلك الهامش الكبير للحرية في التعبير والنقد، وفي التفاعل مع وقائع الحياة اليومية وكيفية تدبيرها تربويا وسياسيا واجتماعيا، وهذا عنصر بنيوي في معالجة التحديات. لقد أبان لبنان في حراكه عن مقومات مدنية متميزة عبر شعاراته ومطالبه بتغيير النظام ومناهضة الطائفية. الضريبة على واتساب كانت هي الشرارة التي أشعلت “الرجة الثورية” كما يسميها عالم السياسة المغربي عبد الحي مودن في وصفه لرجات الاحتجاج العربية. وهذا يبين أهمية الأنترنيت اليوم الذي صار بأهمية الخبز والماء. ولكن واتساب ليس المحرك الوحيد، وإلا لكانت الاحتجاجات توقفت بعد أن قررت الحكومة التخلي عن هذه الضريبة. ويبقى أن تماسك حراك الشارع اللبناني يواجه تحديا هاما هو بلورة قيادة وبرنامج سياسي موحد ومنسجم وإنجاح البرنامج.
ما يمكن ملاحظته عموما أن من أهم عناصر تماسك الحراك هي اللغة العربية الجامعة لهذا البلد الطائفي. وهي لغة حديثة تدين بما صارت إليه من عالمية وانتشار إلى مؤسسيها من المسيحيين اللبنانيون ومن الشعراء والكتاب الكبار في هذا البلد الصغير ديمغرافيا. عنصر اللغة الموحد يظهر بوضوح في الشعارات والموسيقى الحاضرة في المظاهرات وفي نزول فنانين مثل مارسيل خليفة للمشاركة فيها. لكن إلى أي حد يمكن للقوة الناعمة اللبنانية أن تلعب دورا إيجابيا وتتغلب على العوامل والتحديات الأخرى وفي مقدمتها الطائفية؟
يجد قادة الطوائف المسيحية والدرزية والشيعية والمسيحية.. أنفسهم اليوم أمام مطالب جديدة للشارع تنادي بتجاوز التموقعات الطائفية وحساباتها. لقد أصبحت الجماهير نفسها، ربما بفعل العولمة والتحولات الثقافية، تخرج بالملايين لتطالب بمحاربة الفساد وبالكرامة وبتغيير الطبقة السياسية لعقليتها. فهل ستستجيب القيادات والبنيات الحزبية؟ المسألة ليست بالهينة فهي متوقفة على سيرورة تاريخية وسوسيولوجية وعلى تدبير الوحدة والتعدد – وهو تحد تعيشه كثير من بلدان المنطقة. ولعل من بين تجليات استعصاء مشكل الطائفية هو تأثيرها على طريقة تدبير هذه الأزمة من خلال الصراعات الواضحة التي ظهرت بين السلط الدستورية الحاكمة: بين رئسي الجهاز التنفيذي (رئيس الجمهورية المسيحي ورئيس الحكومة السني) وبين رئيس مجلس النواب الشيعي. وهو واقع ناتج عن مخلفات تقسيم السلط حسب اتفاق الطائف، ولكنها صراعات تتخللها أيضا رغبة الزعماء الثلاث في الحفاظ على الوضع القائم ومعارضة التغيير.
إن تدخل البطريرك، زعيم المسيحيين الموارنة، الذي طالب بتعديل الحكومة وتعيين كفاءات فيها (وهو بالمناسبة نقاش ليس غريبا علينا يذكرنا بما تشهده الساحة السياسية في المغرب حاليا)، وتدخل زعيم شيعة حزب الله الذي طالب، في المقابل، ببقاء الحكومة وعدم تغيير الوضع.. كل هذه التدخلات تطرح إشكالية إقامة وبناء مدنية الدولة، وكذا تعقد وضعية حزب الله الذي يشكل ما يشبه دولة داخل الدولة – وهو طبعا جزء من تركيبة المجتمع الدينية – وذلك في ظل رهانات الصراع مع إسرائيل وتهديد هذه الأخيرة لوحدة البلاد ولباقي بلدان المنطقة. كما يطرح أيضا السؤال حول دور الجيش وكيف سيتحرك وسيتفاعل – وهو أقرب إلى المسيحيين – مع المظاهرات مقابل وجود ميليشيا مسلحة تابعة لحزب الله. الوضع الاقتصادي، من جهة أخرى، ليس على ما يرام كذلك بسبب تأثره بالصراعات الإقليمية وتبعية البلاد للدعم المالي المشروط الذي تقدمه دول الخليج وفرنسا، ونتيجة لتراجع عائدات لبنانيي المهجر النشطين عبر العالم والذين يتجاوز عددهم لبنانيي الداخل.
لقد ارتبط لبنان في التاريخ والمخيال العربي المعاصر بالحرب الأهلية ومآسيها، وإن كان هذا البلد يعيش اليوم إحدى أفضل التجارب في المنطقة على مستوى التصالح وقراءة هذا الماضي الدموي بحيث تم، مثلا، فتح أبواب متاحف خاصة لإعادة قراءة تجربة الحرب باستمرار كجزء من التاريخ الراهن وغير الممنوع. وأكاد أجزم بأن شبح عودة الحرب الأهلية بالشكل الذي عرفه البلد سابقا، غير ممكن اليوم، لكن انفجار بعض القلائل والمواجهات يبقى قائما. ولن يحتاج لبنان، برأيي، إلى فيروز لتغني أغنية “لبنان الكرامة” مجددا والأغاني الداعية إلى المصالحة بين المسلمين والمسيحيين.
إن الوضع معقد في هذا الشرق الأوسط العصي على الفهم كما كان يقول الرئيس الفرنسي شارل دوغول ولو أن دعم هذا الأخير لإسرائيل كان أكبر من دعمه للعرب. لكل بلد عربي خصوصياته السوسيولوجية والثقافية والتاريخية، لكن المشترك بين كل هذه الدول كثير ومتشابك وعميق، وهو ما يحتاج إلى أكثر من وقفة للتحليل. ويبقى أهم ما هو مشترك اليوم هو رغبة عارمة في التغيير الديمقراطي من المحيط إلى الخليج لم تتوقف منذ 7 سنوات وهو ما يكشف أن نظريات وأوصاف الجمود والقدرية وعدم إمكانية التغيير التي كان الباحثون الغربيون يطلقونها على العالم العربي صارت نظريات متجاوزة بشكل كبير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.