إلى روح عزيز بنحدوش تواصلنا لِماماً عبر الفايس، وكان كلُّ واحد منَّا يُبدي إعجابه للآخر، كُنَّا نأمل أن نرفع حيفاً عن رواية "جزيرة الذكور" التي كانت قد أثارت غير قليل من جدل، وهي تُعري عن نسيج قبلي مُتكلس، وعن تدخل قضائي في شؤون الأدب وقضاياه…اتفقنا على ترتيبها الشهر القادم، لكن أحكام المَنون قضت بما لا رادَّ لقضائه…غادر عزيز في لحظة ارتجاج، ورقدت روحه في عِز فتوة الإبداع…المبدعون لا يرحلون، بقدر ما يُخلدون… أحببتَ البحر كثيراً، كنت لا ترتاح إلا له، تناجي همومك معه، وتستعيض به أنيساً عن عالمٍ قضى بمحاكمة المبدعين، وغَضَّ الطرف عن الفاسدين والمفسدين…كلما ألمح صورك تعود ذاكرتي إلى شخصية "سانتياغو" بطل رائعة ارنست همنغواي في رواية "الشيخ والبحر"…كُنت دائماً ألحُّ على سؤالك: هل يمكن للأدب أن يريحنا من متاهات الوجود؟ أجد نفسي مَديناً ولو بنذرٍ يسير بأن أكتب عن روايتك الصاخبة، عفواً الماتعة، عن همٍّ يعتورني في لحظة إحساس بغبنِ الرحيل، وغُصَّة في حلق الوداع، عن رواية حاكمت صاحبها قبل أن تبدأ مشرحة النقاد في التشريح؛ عن رواية أثارت مسكوتاً أراده أصحابه دفيناً في أقبية الظلام. كتبت عن المرأة في مجتمع باترياريكي لا يعترف لها بحقها في الحياة، وعن مجتمع قبلي يُقرنها بكلمة "حاشاك"…أثرت نقاشاً كان مفروضاً أن يقبر في دهاليز النسيان، وعن أطفال سميتهم أشباح، فنقرت بتسميتك نعرة الحاقدين، وفجرت تواطؤاً مفضوحاً بين رجالات السلطة ومهاجري منطقة تازناخت بورزازات، وعن تحايل وتزوير عن سبق اصرار وترصد، طمعاً في تعويض مادي من بلدان الإقامة. ألم تسأل سقراط يوماً صديقي عزيز، هل من الممكن لرجل تعليم أن يخرج من قسمه ويعلم الناس قيم المواطنة والتسامح؟ هل يمكن أن يغير من أدواته الديداكتيكية ليعلم رجلاً تجاوز السبعين من عمره وامرأة بلغت الستين؟ إنهم أرادوك أن تبقى سجيناً لقوالب وبراديغماتهم التربوية، أن تلقن الجهل وتقتل الحياة حتى تكون شاهداً على جريمة التدجين بهذا البلد السعيد… تحدَّيت القدر، وطبعت الرواية على نفقتك الخاصة، أردتها شعلة في جنح الظلام، وصوتاً لمن لا صوت له، وأن تجابه الأعيان والأسياد، عبرت بها إلى بر الآمان، ضننت أنك ستنتشي بنشوة الإبداع، وستلقى ترحيباً في صالونات المقاهي، فإذا بك تواجه تُهماً ثقيلة عند القضاء، وتعتبرك من مطلوبي العدالة فوراً. تعلّلت بأنك استوحيت شخصيات روايتك من عمداء الرواية بالمغرب، استوحيت شخصية "ادريس" كما في سيرة أوراق الذهنية لعبد الله العروي، قلت لهم بأنك استلهمت شخصية "موحا" كما في رواية" حرودة" للطاهر بن جلون، عبرت بهم إلى شخصية "علي" كما في رواية "دفنا الماضي" لعبد الكريم غلاب. ونسيت بأنهم لا يقرأون ويكرهون المبدعين…ظللت وأنت قيد حياتك تحاكم الفراغ، تقاضي المجهول، لا أحد كان يواجهكك في قاعات المحاكم، فقط حكم قضائي جائرٍ لقاض ظن نفسه ناقداً حصيفاً، فإذا به من محاكمة البناء الدرامي للرواية، يشهر سيفه من مقصلة قانون الصحافة… إليك أيتها الروح الشامخة أتوجه بمرثيتي لعلي أَربأُ عن فراغ تركته قائما: نم يا رفيقي فأنت في المرايا شهيد وبطل على بشرية ثكلى بالمحن تستغيث بالقلم ينجيها مما فعله القدر بمستقبل الحجر والبشر لوطن نخره الزمن وأضنته ضروب الوهن وليكن في نومك يا رفيقي صرخة يأس وضجر لمن به ذرة بشر لكل من يعبث بالأمل ويغتال الحلم وأشهدِنا يا رفيقي نحن جبناء هذا الوطن عن تقاعس مقتدر في عيش كدر كيوم حشر منتظر فما عاد هناك صبر على وضع يحتضر…