تسجيلات صوتية تثير الهلع وسط أولياء التلاميذ بطنجة.. ومصالح الأمن تؤكد: "مجرد إشاعات لا أساس لها من الصحة"    اختناق جماعي داخل وحدة صناعية.. نقل 145 عاملاً إلى المستشفى    طنجة.. "سناك" يتحول إلى مطعم دون رخصة وروائح الطهي تخنق السكان بسبب غياب نظام التهوية    البكوري: ندعم الفعاليات الجادة بتطوان وجمعية محبي ريال مدريد تُسهم في إشعاع مدينتنا    هكذا يستغل بنكيران القضايا العادلة لتلميع صورته وإعادة بناء شعبية حزبه المتهالكة    لقجع: الطلب العمومي الأخضر محور أساسي في استراتيجية التنمية المستدامة بالمملكة    "الاستقلال" يشكو أوزين إلى العلمي    الأحزاب الوطنية تؤكد انخراطها القوي وراء جلالة الملك في معركة الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة    المديرية العامة لأمن نظم المعلومات تصدر تحذيرا من برمجية خبيثة تستهدف أجهزة أندرويد    المغرب وموريتانيا يدفعان بعجلة التنمية المحلية عبر توطيد التعاون اللامركزي    ارتفاع حالات الإصابة بالحصبة في أوروبا خلال شهر مارس الماضي    "الأشبال" يستعدون لتونس بالإسماعيلية    كوبونات الخصم: مزاياها وكيفية استخدامها عند التسوق اونلاين    احتفالية نزاهة الملحون بمكناس تعرف مشاركة من مدينة العرائش    الغزيون في مواجهة سلاحي الجوع والعطش    الموسم الفلاحي .. توقع تسجيل زيادة بنسبة 41 في المائة من محصول الحبوب الرئيسية    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو ممر الشرف وممر الشهداء    وزارة الداخلية تشدد شروط الحصول على الجنسية الفرنسية    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    احجيرة: 8 آلاف سيارة مغربية بمصر    شركة صينية تُحوّل استثمارها من إسبانيا إلى طنجة    العروي.. الشرطة القضائية توقف "الصيد الثمين" في حملة أمنية ضد مروجي المخدرات    مدارس السياقة ترفض الصيغة الجديدة للامتحان وتطالب برخصة خاصة "بالأوتوماتيك"    المغرب يحصد 43 ميدالية منها ثلاث ميداليات ذهبية في بطولة إفريقيا للمصارعة    جهة الشرق تسجل أعلى معدل بطالة في المغرب    الحسيمة تحتفي بالسينما الفرنسية ضمن فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم    الدريوش توضح حيثيات تصريح الداخلة: دعم مشاريع الأحياء المائية موجه للمبادرات وليس للأفراد وعدد المستفيدين بلغ 592 مستفيدا    مدير المستشفى الجهوي بني ملال يستنفر كل الأطقم لتجفيف كل الظواهر المشينة بالمشفى ومحيطه    الحقيقة والخيال في لوحة التشكيلية المغربية ليلى الشرقاوي    المحمدية تحتفي بالمسرح الاحترافي في دورته الثالثة    مزاعم اختطاف أطفال في طنجة غير صحيحة    "تعزيز الدفاع" يؤخر محاكمة حامي الدين    ألباريس: المغرب ساعدنا في أزمة الكهرباء.. وعلاقتنا تشهد "تقدما كبيرا"    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    عودة ليفاندوفسكي تزين قائمة برشلونة قبل موقعة إنتر ميلان في دوري الأبطال    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كيف تُنقذ حياة شخص من أزمة قلبية؟.. أخصائي يوضّح    أوقفها ثم أعادها.. مصطفى أوراش يتراجع عن التجميد ويُعلن استئناف البطولة    جدل يرافق دعما يفوق مليار سنتيم في قطاع الصيد .. والدريوش: التمويل دولي    تتويج مثير لكلوب بروج بكأس بلجيكا وشمس الدين الطالبي يرفع العلم المغربي احتفالاً    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    أسعار الذهب ترتفع مدعومة بتراجع الدولار    مفاوضات متواصلة تؤجل الكشف عن الأسماء المغربية في موازين    الكوكب يواصل نزيف النقاط واتحاد يعقوب المنصور يعزز موقعه في المركز الثالث    باريس.. الوجه الآخر    أسود الأطلس يواصلون التألق بالدوريات الأوروبية    المغربي "الهيشو" يسقط في قبضة العدالة الإسبانية بعد 15 شهرا من التخفي    رسميًا.. ألكسندر أرنولد يعلن رحيله عن ليفربول    فرنسا والاتحاد الأوروبي يقودان جهودا لجذب العلماء الأميركيين المستائين من سياسات ترامب    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    أكاديمية المملكة تحتفي بآلة القانون    تفاصيل إحباط تفجير حفلة ليدي غاغا    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التربية الأصولية وتفريخ التطرف
نشر في العمق المغربي يوم 10 - 02 - 2020

تحمل التربية في التراث الفكري الاسلامي عدة دلالات ، وتنفتح على عدة أبعاد ، يهمنا منها الحصر لا الفصل ، فهي تجمع بين التأديب والتهذيب ؛ فالتأديب يترادف في غاياته مع التوجيه والانضباط وفق معايير أخلاقية واجتماعية ، تحدد سلوكيات الأفراد الغريزية وتقومها بعيدا عن الأهواء . اذن يعنى التأديب بالسلوكيات والممارسات والأفعال التي يُحتاج فيها الى استعمال أعضاء البدن الآلية ، أما التهذيب فغايته ضبط النفس بإرشادها الى الخير والجمال والإيمان والإحسان ، أي توجيه عوارض النفس )الشهوة ، اللذة ، الغضب ، الفرح …) درءا للمذمة والقبح ، وبلوغا للمحمدة والفضيلة ؛ بإخضاعها للتمييز بالذهن . وهكذا يجمع التهذيب بين الايمان والفضيلة والعلم .
ان غاية التربية -الاسلامية – اذن هي بلوغ سعادة الفرد والمجتمع على السواء ، عن طريق الجمع بين العلم (شأن التهذيب ) والعمل (شأن التأديب ) ، بين ما يُعلَم وما يُعمَل … وعن طريق الوسطية والاعتدال في كل اختيار ، فالتربية هنا شأن الفرد والأسرة والمجتمع ، وليست شأنا خاصا بفئة معينة أو جماعة ما ، من أجل ذلك تجشم كبار مفكري الإسلام عناء وضع مناهج للتربية ، تحديدا وتعلما ، بشكل دقيق وفعال ؛ من أمثال الفارابي والغزالي وابن خلدون وغيرهم .
فالتربية الإسلامية إذن ، وظيفة الأسرة المسلمة ، بل هي من واجباتها الدينية ، وحق للفرد تجاهها ؛ والتربية عموما كيفما كانت ، هي من وظائف الأسرة ، وفي هذا تتجلى الفطرة السليمة . لكن حصل أن اعتبرتها الجماعة الدينية الأصولية من وظائفها الأساسية ، فنازعت الفطرة السليمة ، ونازعت حق الأسرة .
فما دلالات التربية الأصولية ؟
حتى لا نسعى عبثا ، وحتى لا نمزج بين المفاهيم ، يلزمنا التمييز ضرورة بين الأصولية كمنهج فقهي مقترن بعلم الأصول ؛ وهذا ليس باب قصدنا ، وبين النزعة الأصولية السياسية المعاصرة التي تشير الى ذلك التصور المثالي والكلي للحياة وللعالم ، في كل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحياة …، والتي تستمد مشروعيتها من اعتقادات متأصلة ، ومن أفكار ونسق من القناعات الدوغمائية المنغلقة التي لا محيد عنها . بمعنى أن الأصولية تتغيى فرض نموذج معين للحياة وللعالم ، مستمد من تصورات ومن أفكار دينية خاصة بالجماعة الدينية ، والتي ليست تعبر عن الدين بالضرورة . لذلك يلزم ضرورة ، التمييز بين علم الأصول والأصولية السياسية المعاصرة: فعلم الأصول له بصمة عظيمة في الاجتهاد وفي استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها،وكان الأصوليون روادا في علم الأصول ،لكن الأصوليون المعاصرين انما يركنون الى تقليدهم ، في القشور وليس اللب ؛ بنفي الخطأ عنهم، بل وتقديسهم لدرجة اهمال الأصول ذاتها . فأغلبهم يخبط خبط عشواء، ويظن أن الإسلام محصورة شعائره في أشكال ومظاهر وأنماط جامدة في السلوك ، لا حركة فيها ولا روح؛ بل هي قاصرة المعاني . وتبعا لما تقدم ، تسعى الأصولية الى فرض توجهاتها على الأفراد ، ثم على المجتمع ، وهذا لا يتأتى الا بالتربية ، أية تربية ؟
إن التربية بحسب السياق التداولي الأصولي ، شأن خاص بالجماعة الدينية التي تعرف وحدها الحق من الباطل ، وتعرف الخير من الشر ، لذلك من واجبها التدخل في كل الحياة العامة والخاصة ، وأقلمتها وفق قوالب جاهزة تعبر عن مبتغى الجماعة وعن وجودها المطلق . فلابد اذن من بناء حياة ضد التيار السائد ؛ فمادام الواقع هو سيادة الالحاد والانحلال والانحراف والفساد … فلابد من بناء واقع جديد وحياة جديدة ، بإعادة بناء الماضي في الحاضر ، أي إعادة إحياء للعادات الإسلامية التي تجسد السنة و كل الخير ، وإقبار للعادات الأعجمية رديفة الشر والبدعة ؛ فليس بالإمكان الاتيان بأفضل مما كان .
فلا غرابة اذن في هذا الانفصام الذي يعيشه الأصولي بين روحه وفكره المستلب، وبين واقعه المعاش ،ولا غرابة في وصفاته الدينية لعلاج بعض مشاكل عصرنا . انه ببساطه في زمن غير زمانه، فلا يزال يحقد على هذا العصر وعلى أهله .
ولقد لجأت الأصولية من أجل بلوغ ذلك ، إلى استثمار طريقتين :
– طريقة خاصة : تكمن في الأسرة والزيارة والندوة والمصاحبة والرحلة …
– طريقة عامة : تقوم على الموعظة والقدوة والقصص والوعد والوعيد …
وهكذا تحاول الجماعة الأصولية وضع منهج في التربية يقوم على التدرج ، والجمع بين ما يُعمل وما يُعلم ، أي بين ما فكري أخلاقي ، وما هو عملي تطبيقي ؛ حتى تحصل الدُربة اللازمة ويُبلغ الحذق المبتغى . وهنا يمكن أن نحصر خطوات المنهج التربوي للجماعة الدينية الأصولية في عدة محطات :
-1 الاستقطاب :
وهو لحظة التمهيد ، اذ تتأسس هذه المرحلة الأولى على استمالة الأفراد والتأثير فيهم ، باستغلال أوجه القصور والضعف لديهم ؛ وغالبا ما تكون الفئة المستهدفة من المراهقين والمهمشين والمقهورين والأميين ، او من ذوي المعرفة المحدودة ، أو السوابق العدلية… ومعنى هذا أن التربية الأصولية هنا تستغل الدونية والضعف النفسي والأخلاقي والقيمي الذي يحس به الفرد داخل المجتمع ، كما تركب على الطموح الطبيعي لدى لمراهق الذي يروم بناء الذات والبحث عن موقع في المجتمع ؛ فتعوض النقص الحاصل لديه والضياع في الفراغ الذي يؤرقه ، باحتلال واستلاب روحه ، وتزكية تذمره من المجتمع .
فالفرد هنا يتمثل أصلا ويحمل ضغائن وأحقاد ضد المجتمع الذي يعيش فيه ، وضد العالم ، بل وحتى ضد نفسه ؛ باعتباره لا يحسن التكيف لا مع ذاته ولا مع محيطه . وهنا وجه الشبه والتلاقي بين الفرد المقهور والجماعة الدينية ، فكلاهما يشتركان في التذمر من المجتمع ، ويرغبان في تغييره بتدميره ، وبناء مجتمع آخر يوافق أهواء الجماعة الدينية والفرد المقهور . إنه إذن تحالف فعال بأهداف مشتركة .
2 – الشحن :
لما تنجح عملية الاستقطاب والاستمالة ، تحاول الجماعة الدينية ، عن طريق الشحن ، تثبيت الفرد على جملة من القواعد والمبادئ – البسيطة في ظاهرها – حتى تسكن روحه ويحس بالطمأنينة في عالمه الجديد ؛ وتقوم هذه المرحلة على التكوين الأساسي في المفاهيم الدينية ، والتركيز على أنماط معينة من السلوك ، كارتياد المسجد ، وتطويل اللحية ، ولباس النقاب لدى المرأة…
هكذا تمهد الجماعة الدينية لاحتلال جسد الفرد واستلاب روحه بشكل مطلق ؛ بل والتحكم في كل حركاته وسكناته ، وعلاقاته الخاصة والعامة مع ذاته ومع أسرته ومحيطه ؛ حيث يلزم أن يلحق التغيير المفاجئ الأبناء والزوجة والآباء والإخوة والأصدقاء والأقارب ، بل والعالم بأسره . انها إذن ثورة حقيقية كانت الذات تتوق إليها وتبحث عنها ، ولن تهنأ الا بفرضها فرضا .
* أستاذ الفلسفة
جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.