الأمير مولاي الحسن يترأس مأدبة غداء أقامها الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى ال69 لتأسيس القوات المسلحة الملكية    بنسعيد:الإصلاحات التي عرفها المجال الإعلامي ساهمت في توفير مرتكزات متكاملة لتطوير مختلف مكوناته    لقاء تواصلي بطنجة بين الجامعة الوطنية لأرباب المقاهي والمطاعم والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لتعزيز الشراكة وخدمة المهنيين    أكبر طلبية طائرات في تاريخ "بوينغ".. قطر تشتري 160 طائرة ب200 مليار دولار    أخبار الساحة    الناخب الوطني لأقل من 20 سنة: "عازمون على المشاركة في المونديال ونحن أبطال إفريقيا"    نهضة بركان يستأنف تدريباته استعدادا لمواجهة سيمبا    إطلاق حملة توعوية لتفادي الغرق في سدود جهة طنجة-تطوان-الحسيمة    حادثة سيرمميتة بالطريق الرابطة بين الصويرة وأكادير تخلف ثمانية قتلى و20 مصابا    اعتقال أستاذ جامعي يدرّس بأكَادير من أجل التلاعب في التسجيل بسلك الماستر ومنح دبلومات مقابل المال    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    مهرجان «يالطا» بروسيا ينحني لصوت مغربي… والدارجة تسرق الأضواء    عامل العرائش يدشن افتتاح معرض العرائش للكتاب    "ربيع المسرح" في تارودانت يكرّم الفنانين الحسين بنياز وسعاد صابر    معهد صروح للإبداع والثقافة يسلط الضوء غلى المنجز الشعري للشاعر عبد الولي الشميري    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    الملك محمد السادس يوجه هذه الرسالة إلى الحجاج المغاربة    15 % من المغاربة يعانون من متلازمة القولون العصبي والنساء أكثر عرضة للإصابة بها من الرجال    رسميا.. حكيمي يمتلك نادي "سيوداد دي خيتافي" ويشارك في انتداب اللاعبين    جلالة الملك يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة بمناسبة انطلاق موسم الحج    المغرب وتنزانيا يعززان التعاون الطاقي    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة خلال ال 24 ساعة الماضية    المغرب يقترب من فرض رقابة قانونية على منصات التواصل الاجتماعي لحماية المجتمع    صرخة فنانة ريفية.. اعتزال "مازيليا" بسبب الوسخ والاستغلال في كواليس الفن    استنفار الدرك الملكي بعد العثور على 20 كيلو من الكوكايين على شاطئ    مركز يجود صيانة مواقع الفوسفاط    "النباوي" يجري مباحثات مع النائب العام رئيس المجلس الأعلى للنيابة العامة بجمهورية الرأس الأخضر    ترامب: سوريا "أبدت استعداداً" للتطبيع    لجنة العدل والتشريع بالنواب تصادق على مشروع قانون المسطرة الجنائية    الذهب ينخفض مع انحسار المخاوف بشأن الأزمة التجارية    وداعا فخامة الرئيس    وزارة التربية الوطنية تفرض عقودا مكتوبة لتنظيم العلاقة بين التعليم الخصوصي والأسر    مجلس فاس يقر عقدا مؤقتا للنقل الحضري ويستعد لاستلام 261 حافلة جديدة    تقرير رسمي: الفلاحة الصغيرة استفادت من 14 مليار درهم كدعم مقابل 100 مليار درهم للفلاحين الكبار    "ترانسافيا" تطلق 14 خطا جويا جديدا بين المغرب وفرنسا لتوفير 130 ألف مقعد إضافي سنويا    جامعيون وخبراء مغاربة وأجانب يلتقون في المحمدية لاستجلاء الفكر الإصلاحي عند العلامة علال الفاسي وإبراز مختلف أبعاده التنويرية    المخرج روبرت بينتون يفارق الحياة عن 92 عاما    توتر أمني في طرابلس يجمد مباريات الدوري الليبي.. والهلع والارتباك يُخيمان على اللاعبين المغاربة    دياز في قلب مشروع المدرب الجديد لريال مدريد    باناثينايكوس يتردد في صفقة أوناحي    المغرب يستضيف مؤتمر وزراء الشباب والرياضة للدول الفرنكوفونية    ردا على طرد موظفين فرنسين من الجزائر.. باريس تستدعي القائم بالأعمال الجزائري وتتوعد بالرد بالمثل    رُهاب الجزائر من التاريخ    الاتحاد الأوروبي يفرض حزمة عقوبات جديدة على روسيا    الإمارات تُجدد حضورها في موسم طانطان الثقافي بالمغرب: تظاهرة تراثية تجسّد عمق الروابط الأخوية    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    المغرب يحقق المعادلة الصعبة: تكلفة إنتاج السيارات الأقل عالميًا ب106 دولارات فقط للعامل الواحد    المغرب في تصنيف التنمية البشرية لعام 2023: نقطة جيدة وانتظارات قوية    الأمم المتحدة تدعو مجلس الأمن إلى التحرك "لمنع وقوع إبادة" في غزة    كسوة الكعبة المشرفة ترفع 3 أمتار    عندما تتحول القرارات السياسية من حسابات باردة إلى مشاعر مُلتهبة    السكوري: الحكومة تتطلع إلى مواصلة تحسين مؤشرات التشغيل لخفض البطالة إلى مستويات معقولة خلال السنة الجارية    مَأْزِقُ الإِسْلاَمِ السِّيَاسِي    المجلس الوزاري: حول الأسماء والأشياء!    حكم جديد.. 3 ملايين ونصف تعويضاً لسيدة عضها كلب    أزمة دواء اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في المغرب.. يفاقم معاناة الأسر في صمت    دراسة من هارفارد: شرب الماء الكافي يعزز التركيز الذهني ويقلل التعب والإرهاق    الأغذية فائقة المعالجة تهدد بأعراض "باركنسون" المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المخزن ومأزق التطبيع
نشر في العمق المغربي يوم 08 - 11 - 2023

تبدو الدوائر الرسمية المغربية غير متناغمة مع ما يعتمل داخل الواقع المغربي من سخط متعاظم على الجرائم الوحشية التي يرتكبها الصهاينة في قطاع غزة منذ شهر. ورغم أن الهبة التضامنية الشعبية التي انطلقت منذ السابع من شهر أكتوبر عمّت كل مدن المغرب من شماله إلى جنوبه وعرفت حضورا جماهيريا ضخما، إلا أن السلوك السياسي للنظام المغربي وخطابه الرسمي بقي بعيدا عن هذه الفعاليات القوية. بل يلمس المتتبع تناقضا لدى هذا الأخير مع ميول الشعب ومشاعره، فقد سمح لبعض المحسوبين على التيار الصهيوني في المغرب بإعلان التضامن مع الكيان الإرهابي المحتل حيث كتب أحد المقربين للدوائر الرسمية مقالا تحت عنوان " كلنا إسرائيليون"، والذي أثار موجة من الاستنكار والتنديد. يضاف إليه تحريك المخزن لبعض المنابر التابعة لأجهزته منذ البداية لتسفيه التضامن مع غزة وقيادة حملة لتشويه الفاعلين في الحراك الشعبي التضامني. ويدل كل هذا على إصرار غير مفهوم على التشبث باتفاق التطبيع الذي رهن به المخزن المغرب لدى قوة غاشمة مجرمة.
لقد حسم النظام المغربي أمر التطبيع الكامل والصريح مع الكيان الصهيوني منذ سنة 2018، وبرز ذلك في تسارع إجراءات هذه الخطوة وتصاعدها بشكل غير مسبوق بحيث شملت كل المجالات تقريبا، الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها. وقد كان الغرض من إعلان تلك الخطوات وإشهارها، توجيه رسالة للداخل المغربي بجدية هذا القرار وأن صفحة التراجع عنه طويت، ثم إظهار العزم على المضي فيه إلى أبعد الحدود مهما كانت الظروف. كما تضمن رسالة إلى الحكومات الغربية وإسرائيل بأن المخزن يمسك بزمام المبادرة وأنه يمثل فعلا نظاما قويا قادرا على التحكم في الوضع الداخلي مهما بلغت معارضته للتطبيع، وأنهم يجب أن يطمئنوا حول المستقبل، خاصة وأن مسار ترويض المغاربة للرضوخ للأمر الواقع يتفاعل بشكل متسارع ويحقق تقدما. وقد استعان النظام المغربي في تمرير هذا القرار المصيري بمجموعة من الإجراءات، في مقدمتها قمع الأصوات المستنكرة للتطبيع وتهميش فاعليتها وتشويه صورتها من خلال حملات إعلامية متواصلة بدون خطوط حمر. يضاف إليه اعتماد حملة دعائية شاملة تربط التطبيع مع الصهاينة بدعمهم لحل نهائي لقضية الصحراء من خلال الاعتراف بمغربيتها وقطع الطريق على أعداء الوطن وحسم الملف. ولم تخل الحملة الدعائية لهذا القرار من التلويح بالإغراءات الاقتصادية التي ستكون ثمرة لهذا المسار، بحيث ذهبت المنابر المخزنية بعيدا في تخيل البركات الاقتصادية التي سينعم بها المغاربة بعد التطبيع.
لكن بعد انقشاع غبار الدعاية وسطوع شمس الحقيقة ظهر للعيان أن مسار التطبيع لم يكن إلا وهما تم تسويقه للمغاربة، فلم تُتَّخذ أية خطوات جدية وحاسمة في قضية الصحراء عدا تصريحات عامة وهلامية حول تأييد المخطط المغربي للحكم الذاتي، لكن في سياق حلٍّ تشرف عليه الأمم المتحدة وهو ما يمثل رجوعا إلى المربع الأول. كما أن الخيرات الاقتصادية تحولت بفعل فاعل إلى أزمة خانقة ومتصاعدة منذ التوقيع على القرار المشؤوم، فلم يلمس المغاربة بركات التطبيع بل صار وضعهم المعاش أكثر تأزما واختلالا، وهو ما أثار مخاوف جدية من تكرار مصائب التطبيع التي عانت منها وما تزال الدول التي سبقت المغرب إلى الهرولة نحو الصهاينة. وبما أن أي عاقل لا يستطيع إيجاد فائدة حقيقية لهذا القرار المخزني ولهذا التمادي في الإصرار عليه، فمن المشروع التساؤل عن المبررات الحقيقية لهذا الموقف الرسمي، لماذا الحرص على عدم التجاوب مع المطالب التي رفعها ملايين المغاربة خلال فعالياتهم التضامنية مع غزة بالقطع مع التطبيع وإنهاء العلاقة مع الكيان الغاصب الإرهابي؟ هل يمثل التطبيع زواجا كاثوليكيا بين المخزن والصهاينة؟
للجواب على التساؤلات السابقة يجب الوقوف قليلا على تاريخ العلاقة بين النظام المخزني والكيان الصهيوني، وهي علاقة، بلا شك، ليست وليدة اتفاق أبراهام الشهير، ولم تبدأ منذ سنة 2018، وتكفي إطلالة على الكتب التي تحدثت عنها، وهي كثيرة منها كتاب "الحسن الثاني واليهود" لمؤلفته أنييس بنسيمون ( Agnès Ben Simon ; Hassan II et les Juifs. Histoire d'une émigration secrète)، أو قراءة الفصل الرابع المعنون ب"الحسن الثاني واليهود وإسرائيل" من كتاب "الحسن الثاني" لمؤلفه إنياس دال Ignace Dalle ; Hassan II : Entre tradition et absolutisme ; FAYARD 2011)) ، لإدراك جزء من حقيقة هذا الارتباط ومدى تجذره. نستنتج من خلال تقصي أبعاد هذه العلاقة أن التطبيع مع الصهاينة كان واقعا قائما منذ سنين طويلة، ويزحف في هدوء على مفاصل الدولة المغربية ومعاقد قوتها، لأنه يجد جذوره في العلاقة القوية بين النظام المغربي، حاكما ونخبة مقربة، وبين اليهود. وبالتالي فقرار إخراج هذه العلاقة إلى العلن لم يرتبط بتاتا بقضية الصحراء، بل اندرج في المشروع الأمريكي لإعادة صياغة الشرق الأوسط الكبير لإدماج دولة الكيان المحتل في نسيجه وجعلها محورا له، فضلا عن المكاسب المادية والسياسية الكبيرة التي يجنيها الحكام من هذا القرار.
غير أن ما لم يكن في حسبان مهندسي التطبيع الغربيين ومنفذيه المحليين، أن أصحاب الأرض ما يزالون متشبثين بحقهم الكامل في استرجاع أرضهم وإقامة دولتهم، مهما دفعوا في سبيل ذلك من أثمان. وقد عبرت معركة طوفان الأقصى عن هذا الإصرار. فقد صُدم المطبعون، هنا وفي بلاد العرب الأخرى، بهذا الحدث غير المسبوق، وانجرفوا في البداية لإظهار ولائهم للصهاينة، سرا وعلانية، قبل أن يُسقط في أيديهم ويتيهوا في البحث عن حل، هل يتراجعون عن التطبيع أم يتشبثون به رغم أن موجة التنديد بالوحشية الصهيونية متعاظمة وتعم العالم بأسره؟ هل يناورون في انتظار انتهاء المعركة وربما يحسمها الصهاينة لصالحهم؟ لكن السؤال الحقيقي الذي يجب طرحه هو هل يملك هؤلاء الحكام من أمرهم شيئا؟ وهل القرار بتجميد التطبيع أو إلغاءه بأيديهم؟ نترك الأيام تجيب، إذ الأمر يمثل مأزقا حقيقيا وكبيرا، فما كان يفترض أن يكون مكسبا استراتيجيا، تحول إلى كابوس وربما خسارة استراتيجية. لا يستطيع المخزن إنكار تعاطف المغاربة قاطبة مع القضية الفلسطينية وموالاتهم لشعبها، ولا تجاهل الزخم الشعبي المغربي الكبير الذي ما يزال يتفاعل داخل الواقع بفعاليات متنوعة وكثير تكاد تكون يومية وتحضى بمساهمة كبيرة في مختلف المحطات. وقد انحصر تصرف النظام إلى حدود اللحظة في عدم إظهار التضامن الواضح مع مظلومية أهل غزة وعدم إدانة المجازر الصهيونية بشكل يتناسب مع حجمها وخطورتها، يضاف إليه المناورة والمماطلة في التجاوب مع المطلب الشعبي بإغلاق ملف التطبيع بصورة نهائية وكاملة، والانخراط في عملية إقناع للرأي العام بأن الشأن المحلي أكبر أهمية وأسبق في سلم الأولويات على القضايا القومية والدينية، وهو ما تجلى في اعتماد سياسة الإشغال بعدد من القضايا التي تناسلت بشكل متتابع وسط ضجة إعلامية من منابر الأجهزة المخزنية، مع عدم التورط في منع الفعاليات التضامنية مع القضية.
غير أن ما لا يدركه حكامنا هو أن طوفان الأقصى ليس معركة مثل التي سبقتها، بل هي نقطة تحول كبيرة في المنطقة وربما عالميا، وهذا ما يمكن رصده من خلال مؤشرات كثيرة تحدث عنها خبراء واستراتيجيون ولا يزال عدد منها لم ينكشف بعد. كما أن الصهاينة وداعموهم في ورطة حقيقية على كل الأصعدة بدءا من المستوى العسكري والأمني ثم السياسي فالاقتصادي، وخسائرهم الاستراتيجية يصعب عليهم تداركها في القريب. ومن المؤكد أن الشعب الفلسطيني الذي اشتعلت عنده مراجل الغضب على الجرائم الصهيونية لن يتوقف عند هذه المحطة بل ستتلوها محطات من العزة والقوة، إذ ليس لديه ما يخسره في النهاية. بل الخاسر الأكبر هو الصهاينة وداعموهم والمطبعون معهم. فهل يتدارك المخزن نفسه ويصحح أخطائه ويتراجع عن مسار التطبيع أم أن الأمر تجاوز إرادته وقدرته؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.