لم تكن جلسة مجلس النواب، مساء الاثنين الماضي، مجرد سجال سياسي عادي بين الأغلبية والمعارضة، بل كانت النقطة التي أفاضت الكأس وكشفت عن تدهور خطير في لغة الخطاب السياسي داخل المؤسسة التشريعية. وما زاد الطين بلة أن الشرارة جاءت من نائبة برلمانية تنتمي إلى أحد أعرق المدارس السياسية المغربية، حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بما يحمله من إرث رواده: عبد الرحيم بوعبيد، محمد اليازغي، عمر بنجلون، والمهدي بن بركة. النائبة عائشة الكرجي، عن الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية، اختارت أن تصف عدم حضور الوزراء عن جلسات المساءلة الدستورية بأنهم "عاجباهم القصاير… وراهم مقصرين فالجهات والأقاليم، وناسيين دورهم الدستوري". مصطلح "القصاير"، الدارج والشعبي، وإن كان قد يكون قاصدا معنى "التنزه" أو "الترفيه غير المسؤول"، إلا أن استعماله داخل قبة البرلمان هو ما يشكل الطعنة الحقيقية في الصميم. إن الاتحاد الاشتراكي، بتاريخه الحافل في المقاومة والنضال من أجل بناء دولة المؤسسات والديمقراطية، كان دائما رائدا في مقارعة الحجة بالحجة، والسجال السياسي الرصين الذي يرقى إلى مستوى الوظيفة الدستورية للمؤسسة التشريعية. لقد كان الاتحاد الاشتراكي، بفطاحله، هو من أسس ل "المقارعة" الفكرية والسياسية في أبهى صورها، مجبرا الحكومات على تحمل مسؤوليتها بلغة دستورية لا تقبل المزايدة أو السطحية. هذا التقليد العريق يبدو أنه يواجه اليوم تحديا حقيقيا مع ظهور جيل من النواب يفضلون "مصطلحات من القاع"، على حد تعبير برلماني من الأغلبية. فبدلا من توجيه اتهام مباشر وواضح للوزراء بالإخلال بالواجب الدستوري أو التهاون في تطبيق القانون، والضغط السياسي الذي لا يترك مجالا للتهرب، لجأت النائبة إلى أسلوب "لايفات التيك توك" الذي قد يثير الشغب والتصفيق، لكنه لا يرقى إطلاقا إلى مستوى الدستور والقوانين التنظيمية. النائبة الكرجي، وهي تحمل على عاتقها إرث حزب "الوردة"، كان من الأجدر بها أن تستعمل لغة تعكس هذا الإرث: كان يمكنها أن تتحدث عن "خرق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة". كان يمكنها أن تستعمل مصطلح "الإخلال بالواجب الدستوري" المنصوص عليه في القانون التنظيمي. كان يمكنها أن تتساءل عن "أولويات العمل الحكومي بين العمل الميداني الحزبي والمساءلة التشريعية". لكن اختيار كلمة "القصاير" حول الجلسة من جلسة مساءلة إلى حلبة لتبادل الاتهامات والملاسنات، ما أدى إلى تشتيت التركيز عن القضية الأساسية، وعندما يضطر رئيس الجلسة إلى سحب الكلمة من المحضر لأنها لا تليق بمقام المؤسسة، فهذا يعني أن النائبة الرفيقة قد أضاعت على حزبها فرصة ثمينة لتسجيل نقطة سياسية ضد الحكومة، وحولتها إلى نقطة ضعف لأسلوب المعارضة. إن البرلمان، في جوهره، هو مؤسسة لخدمة المصالح العليا للوطن، تشرع للمواطنين وتقارع الأفكار والمقترحات. وعندما يختار نواب ينتمون لمدارس سياسية عريقة لغة "القصاير" بدلا من لغة الدستور، فإنهم يخونون الإرث النضالي لحزبهم ويسيئون إلى الصورة الجادة للمؤسسة التشريعية التي من المفترض أن تكون منارة للرصانة والالتزام.