الموقف الأمريكي يعزز المبادرة المغربية كخيار وحيد لتسوية نزاع الصحراء    الاشتراكي الموحد يقترح "هيئة مستقلة" و"رقمنة" شاملة للانتخابات لضمان النزاهة    بورصة البيضاء تبدأ الأسبوع ب"الأخضر"            مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يحذّر من انهيار قواعد الحرب حول العالم    بنما تعلن حجز 39 طردا مشبوها على متن سفينة قادمة من المغرب    الركراكي: نحترم جميع الخصوم والهدف أمام زامبيا هو الفوز    ألكاراز يتوج بلقب أمريكا المفتوحة للتنس للمرة الثانية    المنتخب المغربي يواجه زامبيا وعينه على مواصلة سلسلة انتصاراته        الدريوش.. هزة أرضية خفيفة تثير القلق بسواحل تمسمان    سقوط 8 متهمين في قضية "شرع اليد" بعد مقتل مختل عقلي    ميناء الحسيمة : انخفاض بنسبة 9 في كمية مفرغات الصيد البحري مع متم يوليوز الماضي    مصرع شخصين في حريق بدوار مولاي عزوز الملك بالمنطقة الحضرية النخيل    كيوسك الإثنين | انطلاق الموسم الدراسي على إيقاع الإصلاحات والتحديات    طقس الإثنين: حرارة مرتفعة بالجنوب الشرقي ومنخفضة بباقي أرجاء المملكة        فرنسا.. تصويت حاسم على الثقة في الجمعية الوطنية يهدد بسقوط حكومة بايرو    وسط استقبال "مهيب"... سفن "أسطول الصمود" القادمة من إسبانيا تصل إلى تونس        جرحى بإطلاق نار في القدس الشرقية    سانشيز يعلن 9 إجراءات لوقف "الإبادة"        تيزنيت : وقفة احتجاجية غاضبة من تردي أوضاع المستشفى الإقليمي و المراكز الصحية بالإقليم ( فيديو )    القنوات الناقلة لمباراة المغرب وزامبيا اليوم في تصفيات كأس العالم    زلزال الحوز .. دينامية متواصلة لإعادة الإعمار في جميع الأقاليم المتضررة    الإصابات تربك حسابات الركراكي    كرة القدم .. المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة يتعادل مع نظيره الأمريكي (0-0)    بعثة منتخب الجزائر تصل إلى البيضاء    فيدرالية اليسار بالفقيه بن صالح تتضامن مع أحد أعضاءها وتدين الاستدعاءات المتكررة        برقية تعزية ومواساة من جلالة الملك إلى الرئيس البرتغالي على إثر الحادث المأساوي لخروج القطار المائل السياحي عن مساره    الزفزافي‮:‬ ‬سجين ‬من ‬على ‬سطح‮..‬ ‬الحرية‮!‬    جديد الشاعرة المغربية سعاد الرايس: «لوحات الإبحار» اهتمامات إنسانية وعشق للكتابة بقلق وجودي    أعمال أدبية وفنية مغربية تستفيد من منح الصندوق العربي للثقافة والفنون    أنا وأنا وما بينهما .. رسائل بين عبدالله المتقي ومحمد بوحوش    أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    البيئة ليست قضية اختيارية أو محلية بل هي قضية وجود الإنسان والحياة    الفانوس " يضيء ليالي مهرجان المسرح التجريبي والضنحاني يوقع النسخة العربية والإنجليزية للمسرحية    روسيا تعلن جاهزية أول لقاح ضد السرطان    فيلم مريم التوزاني يمثل المغرب بأوسكار 2026    إطلاق خط بحري جديد بين المغرب وأوروبا الغربية بإشراف دي بي وورلد    "غروب".. مسرحية تفتش في وجع الإنسان وتضيء انكساراته بلوحات شعرية    الأمم المتحدة: هلال يختتم بنجاح المفاوضات بشأن الإعلان السياسي للقمة الاجتماعية الثانية المرتقبة في الدوحة    تواصل أشغال الربط السككي بميناء الناظور غرب المتوسط ب111 مليون درهم    المغرب يسجل واحداً من أعلى معدلات السمنة في إفريقيا.. والنساء الأكثر تضرراً    الجمارك تحجز باخرتين بالأبقار البرازيلية وتطالب بملياري سنتيم ضريبة    هزائم تدفع رئيس وزراء اليابان للتنحي    دراسة: عصير الشمندر يُخفّض ضغط الدم لدى كبار السن    دراسة : السلوك الاجتماعي للمصابين بطيف التوحد يتأثر بالبيئة    أسعار المحروقات تتراجع دوليا وتباع بضعف قيمتها محليا    المهرجان السينمائي الدولي للبندقية.. فيلم "Calle Malaga" لمريم التوزاني يفوز بجائزة الجمهور    مختبر المغرب و البلدان المتوسطية و مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي يوقعان اتفاقية شراكة    نقد مقال الريسوني    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    مبادرة ملكية لتبسيط فقه الزكاة وإطلاق بوابة رقمية للإجابة على تساؤلات المواطنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في أحوال الواقع العربي المعاصر
نشر في طنجة الأدبية يوم 15 - 12 - 2009

لا أغالي إذا قلت،أن العالم العربي ممزق ومستضعف ومهمش ويعاني قضايا شائكة ومختلفة، كالأزمة الاقتصادية الخانقة والفساد المستشري وتفشي البطالة والأمية والتخلف، إضافة إلى ذلك فإن المنطقة تعيش حالة تطبيع الأمركة والتهويد عبر هزيمة أنظمتها العسكرية والسياسية،ولم يبق سوى الجبهة الثقافية لإلحاق الهزيمة النهائية بالأمة، بينما نرى أمة "إقرأ" لا تقرأ ، وقد فقدت معاني النخوة والعزة القومية،فيما تشهد الحياة العربية المعاصرة غياب التضامن العربي وغياب العقلانية والوعي الجماعي وتقهقر القيم وانتفاء اعتمادها في السلوك الخاص والعام .عدا الهزيمة الشاملة التي انحدرت إلى الوطن العربي والإحساس بالعجز ودخول المثقفين والمبدعين نفق اليأس والإحباط بعد أن تمّ احتواء دورهم وتحجيمه من قبل الأنظمة السياسية القائمة ، هذا إلى جانب تراجع الفكر النقدي العلمي أمام الفكر الغيبي السلفي، ونكوص المعركة الفكرية الحضارية العميقة للتعددية السياسية والفكرية، ولفصل الدين عن الدولة وفصل الدين عن السياسة، ناهيك عن ضعف واندثار القوى والأطر والتيارات اليسارية العلمانية الديمقراطية والثورية، في ظل عصر العولمة والحداثة وغياب النظام الاشتراكي العالمي والتحولات الاقتصادية والثقافية والانتكاسة اليسارية العالمية، ونتيجة فشل وإخفاق البدائل والطروحات والمشاريع النهضوية العربية ،كذلك القمع والتهميش الذي طال نخب الثقافة والفكر، يضاف إلى ذلك أن الشعوب العربية تتعرض للاحتلال المباشر، كما هو الحال في فلسطين والعراق، وتتعرض أيضاً للهجمة الإمبريالية الشرسة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية الرامية للهيمنة المطلقة على الشرق الأوسط وعلى ثرواته النفطية والطبيعية. ولا نعرف بالضبط إلى متى ستظل هذه الشعوب مخنثة وصامتة وميتة بلا قبور وتغط في سبات عميق كأهل الكهف لا تتحرك ولا تثور ولا تحتج على ما يجري من انتهاك لحرمتها وعرضها؟!
فأين مصر قلعة العرب وأم الدنيا وحاضنة القومية العربية والعمق القوي للقضية الفلسطينية ، وأين مدارسها الوطنية ، مدارس النهضة والتنوير التي أسسها عرابي وسعد زغلول وعبد الناصر، ووضع تراثها جيل من المثقفين والروّاد من رفاعة الطهطاوي ولطفي السيّد وسلامة موسى وطه حسين وعلي عبد الرازق إلى محمد مندور ونجيب محفوظ وزكي نجيب محمود ولويس عوض ومحمود أمين العالم ونصر حامد أبو زيد وكثيرون غيرهم ممن بذروا بذور الحداثة والتجديد والثقافة؟!!وأين سوريا قلعة التصدي والصمود ؟
فقد كان النصر الذي أحرزته وحققته المقاومة اللبنانية ضد العدوان الاسرائيلي الأمريكي ، وضد ثقافة الهزيمة في الوعي العربي، رافعة بارزة أحيت فينا الإحساس بالذات وتصاعدت فيها موجات الحراك ونبضات من حياة.
في حقيقة الأمر، أن غياب الديمقراطية خلق شرخاً بين الأنظمة الاستبدادية وشعوبها، كما خلق مناخاً مريحاً للبيروقراطية والفساد وللتيارات الأصولية لاستغلال مشاكل الناس والمجتمع للطعن في صيغة الدولة العصرية الحضارية والمجتمع الأهلي المدني، وفي صيغة فصل الدين عن الدولة .كذلك فإن ما تبثه الفضائيات العربية ، التي غزت مجتمعاتنا في العقد الأخير ، وما تصدره من ثقافة استسلامية مهزومة ، ثقافة الخلاعة والتعرّي، وثقافة انحطاط الذوق الفني"شخبط شخابيط" و"بوس الواوا" و"بحبك يا حمار" هذه الثقافة لن تحرك المياه الراكدة في النهر العربي ولن تغيّر شيئاً في الواقع العربي المهترئ.
إن التغيير والتحول الاجتماعي والثقافي لن يتحقق ما دامت الشعوب العربية غارقة حتى أذنيها في براثن الجهل والتخلف والأمية والتبعية، فلا تحرك ساكناً ولا تتصدى لمحاولات تدمير وتشويه الضمير القومي والوجدان الاجتماعي والمخزون النفسي والحضاري للإنسان العربي. وعليه فإن النخب الثقافية والفكرية وما تبقى من قوى يسارية وعلمانية في هذه المجتمعات ،مدعوة إلى الانتفاض ضد ثقافة الهزيمة والاستسلام لسياسة الأمر الواقع على نحو يرفض سحق التاريخ وانتهاك حرقة الحاضر واغتصاب المستقبل، وتعميم ثقافة المواجهة والمقاومة وتطويرها وترشيدها بما يؤسس لمستقبل أمة عربية تنتصر لدم أبنائها وحرمة ترابها وحماية مقدساتها ، وتنتصر لمن يحفرون فينا بصمت، أولئك الشهداء الذين سقطوا وجادوا بدمائهم ولا يستطيعون الكلام .كما ويتطلب من ذوي العقلية المتفتحة في هذه المجتمعات ، المعنية حقاً بالرقي الحضاري الشامل، المشاركة في معركة التغيير والتحديث ،وعليها بالمنطق العلمي الاجتماعي في تقديم الإجابات المتناسبة مع حاجات مجتمعاتنا الملموسة ومع روح الحضارة الإنسانية المعاصرة، سعياً نحو إنجاز نهضة جديدة وإحداث تغيير نهضوي وإنشاء مجتمعات مدنية حداثوية متطورة ومتقدمة تتمتع بالرفاهية والرخاء وتسودها التعددية والتسامح الديني والسياسي والاجتماعي.
وبرأيي المتواضع فإن ذلك لن يتحقق ولن يحدث بدون أن ننفض عن أرواحنا الخوف والخنوع، معلنين أن العروبة تبدأ بالديمقراطية والتعددية وأن المجتمع لم يعد يتحمل سفهاء القمع والعسكرتاريا، وبدون علمنة الفكر وتأكيد خصوصيتنا ومواجهة قوى البطش الغاشم وقوى الترهيب والتكفير الفكري والحضاري والفكر المتشدد، وخلق ثورة في الوعي العربي وتجاه الشعوب العربية المقهورة.
وأخيراّ، ما أحوجنا إلى فكر نظري نقدي تأسيسي في هذه المرحلة المدلهمة والقاتمة من حياتنا، التي يتفاقم فيها التشتت والتفكك والتسطح والاغتراب والتخلف في الواقع والفكر على حد سواء، في حين يتفجر عصرنا بمنجزات معرفية وتكنولوجية باهرة تكاد تشكل نقلة جديدة ونوعية في حضارة الإنسان، ولا خروج مما آل إليه الواقع العربي، من عجزوانهزام متواصل على جميع الصعد إلا بالإبداع، لأنه الرهان والخلاص وجسد التلاقي الحي الخاص والعام وبين قيم التراث القديم ومستجدات الحياة، بين الأصالة والحداثة، وهو وحده يقودنا إلى درب الإنتاج والتجدد المتواصل خروجاً من الجهل والتخلف والسقوط والانهزام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.