سانشيز: أفكر في إمكانية تقديم الاستقالة بعد الإعلان عن فتح تحقيق ضد زوجتي بتهمة استغلال النفوذ والفساد    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تصدر بلاغا حول قرار معاقبة اتحاد العاصمة الجزائري    "فوتسال المغرب" في المركز 8 عالميا    مكافأة مليون سنتيم لمن يعثر عليه.. هذه معطيات جديدة عن حيوان غريب ظهر في غابة    خلال 4 أشهر.. إصدار 2905 من تراخيص الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي    هادي خبار زينة.. أسماء المدير مخرجة "كذب أبيض" فلجنة تحكيم مهرجان كان العالمي    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    طقس الخميس.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق    الصحراء المغربية، ركيزة أساسية لتعزيز الفضاء الإفريقي الأطلسي والساحلي    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    رئيس وزراء اسبانيا يفكر في الاستقالة بعد فتح تحقيق ضد زوجته في قضية فساد    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بالشمال تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا برسم سنة 2024    تسريب فيديوهات لتصفية حسابات بين بارونات بتطوان    العدو الجزائري يقحم الرياضة من جديد في حربه على المغرب    الجامعة الملكية لكرة القدم تتوصل بقرار ال"كاف" بشأن مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    بطولة فرنسا لكرة القدم.. باريس سان جرمان يفوز على مضيفه لوريان 4-1    القضاء الفرنسي يؤكد إدانة رئيس الوزراء السابق فرانسوا فيون بقضية الوظائف الوهمية    النصب على حالمين بالهجرة يقود سيدتين الى سجن الحسيمة    أخنوش: الحكومة دأبت منذ تنصيبها على إطلاق مسلسل إصلاحي جديد وعميق يحقق نهضة تربوية وثورة تعليمية    الجزائر تتوصل رسميا بقرار خسارة مباراة بركان و"الكاف" يهدد بعقوبات إضافية    الكاف: نهضة بركان ربحو USMA بثلاثية فالألي والروتور ملعوب فوقتو فبركان    توقعات بتأجيل كأس أمم أفريقيا المغرب 2025 إلى يناير 2026    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    وزير النقل… المغرب ملتزم بقوة لفائدة إزالة الكربون من قطاع النقل    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    جهة طنجة تناقش تدابير مواجهة الحرائق خلال فصل الصيف    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    قطب المنتجات المجالية نقطة جذب لزوار الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب 2024    تهديدات بالتصعيد ضد ّبنموسى في حالة إصدار عقوبات "انتقامية" في حقّ الأساتذة الموقوفين    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و262 شهيدا منذ بدء الحرب    مقترح قانون لتقنين استخدم الذكاء الاصطناعي في المغرب    إعلان فوز المنتخب المغربي لكرة اليد بعد انسحاب نظيره الجزائري    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    مبادرة مغربية تراسل سفراء دول غربية للمطالبة بوقف دعم الكيان الصهيوني وفرض وقف فوري للحرب على غزة    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    جلسة قرائية تحتفي ب"ثربانتس" باليوم العالمي للكتاب    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الأمثال العامية بتطوان... (580)    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملامح الأساسية للاقتصاد الأمريكي
نشر في التجديد يوم 19 - 05 - 2002

تشكل الولايات المتحدة الأمريكية اليوم قطبا أساسيا في العلاقات الاقتصادية الدولية وفاعلا مركزيا داخل النظام الرأسمالي الذي قام على أساس المبادرة الفردية والملكية الخاصة واحترام قوانين السوق وكلها مبادئ ساعدت على قيام هذه القوة الاقتصادية العالمية ولقد استفادت في ذلك من جهة من ظروف الحرب العالمية الثانية ومن نتائجها حيث ظلت بمنأى عن هذه الحرب وعن آثارها ومن جهة أخرى من تعدد وتنوع طاقتها البشرية والطبيعية. فالولايات المتحدة الأمريكية يزيد عدد سكانها على 244 مليون نسمة وتستحوذ على أكثر من 5500 مليار دولار كناتج قومي إجمالي مما يشكل %27 من الناتج العالمي. كما أن مستوى دخل الفرد فيها يتعدى حدود 21.000 دولار سنويا.
لكن رغم ذلك فهي تعاني من أزمات هيكلية ودورية، ومن مظاهر متعددة للفساد المالي والأخلاقي ومن اختلالات وفوارق في بنياتها الاجتماعية ومن منافسة تجارية عالمية. كل هذا جعل المراقبين يتحدثون عن بداية نهاية وانهيار هذه الإمبراطورية الاقتصادية العالمية.
في هذا العرض سنحاول إبراز الملامح الأساسية للاقتصاد الأمريكي:
عناصر قوته وأيضا معالم انهياره.
I عناصر القوة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي: وتتلخص فيما يلي:
صناعة السلاح
التجارة الدولية
النفوذ الكبير للشركات متعددة الجنسية
القوة المالية
1 صناعة السلاح
إن شركات صناعة السلاح الأمريكية تستفيد أكثر من أي قطاع آخر من سوق مهمة تتمثل بالدرجة الأول في زبونها الأساسي والدائم، البنتاجون، إضافة إلى أسواق خارجية بدأت تتسع أكثر فأكثر في السنوات الأخيرة نتيجة لوجود أكثر من نقطة نزاع في العالم (الفعلية منها والقابلة للانفجار في أية لحظة).
لقد كانت القوات المتحدة الأمريكية السوق الشبه الوحيدة لصناعة السلاح الأمريكية حيث كانت الصادرات في اتجاه دول العالم ضعيفة جدا لا تتعدى %10 بالنسبة لرقم المعاملات الوطنية. لكن حصل هناك انخفاض في الطلبات الداخلية في السنوات الأخيرة لصالح الأسواق الخارجية فمثلا بالنسبة للطائرات الحربية فقط، فإن قوات البحرية والطيران الأمريكي التي كانت تقتني أزيد من 330 وحدة في السنة لم تصل مشترياتها سنة 1995 سوى 24 وحدة.
هذا الانخفاض الواضح والمتزايد في السوق الداخلية والذي أصبح مشكلا بنيويا يصعب التغلب عليه كان لابد من تعويضه بالأسواق الخارجية وذلك حفاظا على سلامة النظام الرأسمالي الأمريكي (القائم بالدرجة الأولى على المتاجرة في السلاح) ونهج استراتيجية تصديرية متنوعة تمكن من استغلال العوامل الإنتاجية المختلفة الأخرى المتاحة.
ومع ذلك تبقى آلة الحرب في العالم الفرصة الذهبية الأولى بالنسبة للحكومة الأمريكية كما بالنسبة للوبيات المختلفة التي تقف وراءها، لما لها من آثار وأبعاد غير مالية فقط (معدلات ربح خيالية تحققها تجارة السلاح) ولكن أيضا استراتيجية (بسط الهيمنة على مناطق مختلفة من العالم للسيطرة على مصادر الطاقة والتحكم في وثيرة إنتاجها ومستوى أسعارها).
2 التجارة الدولية
كانت الولايات المتحدة الأمريكية ولا تزال من بين الدول الأكثر انفتاحا في العالم، ولذلك فمن الصعب جدا التمييز بين سياساتها الخارجية ومختلف برامجها الداخلية مما جعلها بحق تحتل مركز الصدارة في التجارة الدولية كأول مصدر عالمي نحو مناطق من بين الأكثر دينامية في العالم وبالنسبة لقطاعات ذات مردودية عالية. هذه المكانة في السوق العالمية لم يكن للولايات المتحدة الأمريكية احتلالها دون نهج سياسة صناعية متوازنة منذ وقت مبكر جدا، مساندة بأخرى تجارية هجومية ومدعمة إلى حد بعيد بدبلوماسية اقتصادية متمرسة ومتمكنة تعطي الأولوية لقطاعات المستقبل الاستراتيجية وخاصة ذات الكثافة التكنولوجية العالية. دون أن نغفل بطبيعة الحال قطاعا مهما آخر ذا مردودية عالية يساهم بشكل كبير في تكوين الناتج الداخلي الخام وفي تغطية الميزان التجاري الأمريكي وهو صناعة السينما (من أفلام ومسلسلات وبرامج وأغاني تصويرية..). وللحفاظ على مركز الصدارة في العالم بالنسبة لهذه الصناعة التصديرية بامتياز، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية كعادتها بالنسبة للقطاعات التي تتوفر فيها على مزايا تنافسية إقحامها في المفاوضات الدولية المتعددة
الأطراف في إطار الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة (GATT) لكن تصدت لمحاولتها هذه عدة أطراف أهمها أوربا وخاصة فرنسا حتى تم في الأخير تحقيق مكسب مهم أطلق عليه "الاستثناء الثقافي" وذلك في الاتفاقية النهائية الموقعة في مدينة مراكش في أبريل 1994 المؤسسة للمنظمة العالمية للتجارة.
ويبقى التقسيم الإقليمي للصادرات الأمريكية يتجه %64 منه باتجاه الدول الصناعية و%34 باتجاه الدول النامية، وأكثر دقة %23 نحو كندا و%12 نحو اليابان و%28 باتجاه دول أوربا الغربية. أما الاستيراد فيأتي %63 منه من الدول الصناعية و%36 من الدول النامية. وأكثر تحديدا %18 من كندا و%21 من اليابان و%24 من دول أوربا الغربية.
3 النفوذ الكبير للشركات متعددة الجنسية
حسب إحصائيات منظمة الأمم المتحدة، فإن مجموع الشركات المتعددة الجنسية العالمية تراقب اليوم حوالي ثلث 3/1 ما ينتجه القطاع الخاص في العالم ومجموع المبيعات التي تحققها هذه الشركات داخل دولها الأصلية يفوق 6000 مليار دولار في السنة وهو ما يساوي الناتج الداخلي الخام الأمريكي.
من بين هذه الشركات العملاقة تحتل الأمريكية منها الصفوف الأولى في الترتيب العالمي وخاصة منها:
FORD وGENERAL MOTORS (قطاع السيارات).
TEXACO و MOBIL وEXXON (قطاع البترول)
GENERAL ELECTRIC و LTV و XEROXوIBM (قطاع الإعلاميات الإلكترونية)
COCA COLA وPHILIP MORRIS (قطاع السجائر والصناعات الغذائية).
DUPONT DE NEMOURSوGILETTE (قطاع الصناعات الكيماوية)
ATT (قطاع الالكترونيك).
هذه الشركات تقف وراءها العديد من المجموعات الصناعية العملاقة والتي تعتبر مصدر قوة الاقتصاد الأمريكي.
4 القوة المالية
بالإضافة لكونها قوة اقتصادية عالمية، تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية قوة مالية كذلك مهيمنة على تدفقات الرساميل الدولية من خلال المكانة التي تحتلها السوق المالية الأمريكية في الأسواق المالية العالمية وأيضا من خلال قوة الدولار داخل النظام النقدي العالمي كسبب وأيضا كنتيجة لهذه السيطرة المالية الأمريكية. فالدولار هو أقوى عملة خاصة دولية، فهو أساس المعاملات التجارية الدولية على الأقل في الوقت الراهن ذلك أن غالبية الواردات الأمريكية وما يقارب نصف الواردات اليابانية وما يناهز نصف الواردات الأوروبية وحوالي نصف واردات الدول السائرة في طريق النمو يتم بالدولار. وهكذا تصل حصة الدولار في المعاملات التجارية الدولية إلى حوالي نصف التجارة الدولية.
II عناصر الضعف بالنسبة للاقتصاد الأمريكي
كما أن للاقتصاد الأمريكي مصادر قوة، يعاني في الوقت نفسه من العديد من الاختلالات ومن العيوب التي تهدد استقراره والتي ستشكل بدون شك في المستقبل أسباب انهياره ولعل أهمها جميعا:
العجز الكبير في التجارة الدولية.
تفشي المضاربة المالية وتوسع ظاهرة الفساد المالي.
تفشي البطالة والتضخم ونمو الفوارق والاختلالات.
تفاقم المديونية.
1 العجز الكبير في التجارة الدولية
أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تعاني اليوم من عجز كبير في تجارتها الدولية. هذا العجز التجاري إضافة إلى العجز في الميزانية يشكل أبرز معضلة يعاني منها الاقتصاد الأمريكي في الوقت الراهن. ويرجع هذا العجز أساسا إلى بطء وتيرة التصنيع نتيجة العمليات المتكررة لاعادة التوطين وكذا إلى التراجع الحاصل في بعض الصناعات الوطنية والتي شكلت لوقت طويل الدعامة الأساسية لأمريكا في غزوها للأسواق العالمية وخاصة صناعات النسيج والتعدين والبواخر والطائرات والكيماويات والسيارات والالكترونيك والإعلاميات وكذلك التكنولوجيا الدقيقة التي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحتل فيها الصدارة لسنوات عديدة حيث كانت الفوائض التجارية في منتوجاتها تصل إلى حوالي 4 مليار دولار سنويا، هذا التراجع الخطير يرجع أساسا إلى:
ضعف معدل الادخار الوطني
ركود الاستثمارات المنتجة
انخفاض مجهودات البحث العلمي وخاصة في المجالات الصناعية والمدنية
انخفاض القوة التنافسية حيث تواجه التجارة الخارجية الأمريكية أزمة توسع في الأسواق العالمية إنتاجا واستثمارا وتسويقا وذلك راجع إلى الارتفاع الكبير في تكلفة الإنتاج التي تعتبر الأعلى في العالم التزاما بطبيعة الحال مع المستوى المعيشي العالي لليد العاملة الأمريكية المرفهة والمتخصصة وكذا مع نظام الضرائب التصاعدية المرتفعة. ولذلك نراها تتجه نحو السيطرة على مصادر الطاقة في العالم.
إن الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد اعتمادا كبيرا على استيراد الطاقة من الخارج وذلك بحدود %45 رغم محاولاتها المستمرة للبحث عن بدائل أو عن مصادر تزويد جديدة إما داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها (الالاسكا) مثلا رغم صعوبة استغلال هذه المنطقة وضعف احتياطها) أو خارجها (مثلا كندا والمكسيك رغم أيضا ضعف الاحتياطي الذي لا يفوق العشرين سنة).
2 تفشي المضاربة المالية وتوسع ظاهرة الفساد المالي:
لقد حدثت تغيرات عميقة خلال العقدين الماضيين في أسواق النقد والمال الدولية حيث أصبحت المضاربة الوظيفية الأولى والرئيسية لتلك الأسواق وأصبح تمويل النشاطات والمشروعات الانتاجية على هامش اهتمامات البنوك والمؤسسات المالية، حيث أصبح الاستثمار الانتاجي غير جذاب مقارنة بما توفره المضاربة المالية في أسواق الأسهم والسندات.
وعندما حصل الانفجار التاريخي ببوصة نيويورك سنة 1987 وخسرت حوالي 500 مليار دولار في يوم واحد تحول الاقتصاد الأمريكي برمته إلى المضاربة المالية، حتى الطبقة الوسطى تحولت من الاستثمار العقاري إلى المضاربة المالية بعدما أصبح كسب المليارات أو فقدانها رهين هزة واحدة في إحدى البورصات العالمية.
إضافة إلى كل هذا نلاحظ توسع الفساد المالي حيث أصبحت ظواهر الفساد والرشوة والمحسوبية والكسب غير المشروع من أبرز القضايا التي يتناولها الإعلام اليومي في صفحاته الرئيسية.
3 تفشي البطالة والتضخم ونمو الفوارق والاختلالات
تعاني الولايات المتحدة الأمريكية من أزمات هيكلية ودورية تنعكس في البطالة التي تصل إلى ما بين %8-7 وذلك بسبب استمرار الكساد الاقتصاد الحاد والركود (الناتج عن إشباع حاجات مجتمع ميزته الأساسية كونه استهلاكيا حتى أصبحت تشكل المعضلة الأساسية بالنسبة للحكومة) وما ينتج عنه من فقدان العديد من مناصب الشغل والتي تعد بمئات الآلاف الشيء الذي يقلق بشكل كبير الرأي العام الأمريكي.
بالإضافة إلى ظاهرة البطالة، يعاني الاقتصاد الأمريكي من تضخم مزمن ومن منافسة أجنبية شرسة للسلع الوافدة من الخارج (اليابان جنوب شرق آسيا أوروبا خاصة ألمانيا) هذا بالإضافة إلى المنافسة الحادة في سوق الاستثمارات العالمية المالية والنقدية والانتاجية والتسويقية. وقد ولد تفاقم البطالة شيوع ظاهرة الفقر والبؤس والتسكع والتهميش الاجتماعي ونمو الفوارق والاختلالات حيث بلغ عدد الفقراء رسميا زهاء 15 مليون نسمة فيما تعدى عدد الذين يعانون من التهميش الاجتماعي وسوء التغذية 26 مليون.
كل هذا يؤدي حتما إلى تفشي الجريمة والعنف وتعاطي المخدرات وانتشار الأمراض الجنسية (SIDA) وارتفاع نسبة الانتحارات.
وبطبيعة الحال مجتمع فاسد أخلاقيا لا يمكن أن ينتج سوى قيادات فاسدة تتعامل بازدواجية وتكيل بمكيالين تجاه القضايا الساخنة في العالم (قضية الشرق الأوسط نموذجا).
4 تفاقم المديونية
لقد تراكم الدين الداخلي العام منذ سنوات حتى ارتفعت نسبته إلى الناتج المحلي الائتماني منذ بداية الثمانينات حيث بلغت %4,9 وهو مستوى عال لم يسبق له مثيل ويظل خارجا عن كل مراقبة، ولقد تصاعد هذا الدين بمعدل يفوق معدل توسع الاقتصاد الحقيقي ولاسيما معدل النمو.
أمريكا تنهار! وهم أم حقيقة؟
بطبيعة الحال الجواب عن هذا التساؤل صعب جدا
مع ذلك، يمكن استعراض بعض المظاهر السلبية والتي تقلق المسؤولين والرأي العام الأمريكي والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
عجز كبير في الميزان التجاري، وفي الميزان الجاري
استمرار العجز في الميزانية
عدم استقرار الدولار
فقدان أسواق صناعية وفلاحية مهمة
مديونية داخلية وخارجية متفاقمة تجعل الولايات المتحدة الأمريكية أكبر دولة مدينة في العالم.
إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تعيش السنوات الذهبية لما بعد الحرب حيث كانت تزود العالم بنصف الانتاج العالمي وهي نسبة لم يتم تحقيقها أبدا من طرف أية دولة واحدة حتى الآن.
لكن اليوم الوضع العالمي بدأ يتغير بولادة قوى اقتصادية عالمية منافسة.
بطبيعة الحال سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على المصادر الاقتصادية والسياسية والثقافية والعسكرية والتكنولوجية للعالم ليست وضعية حتمية. فالوضع العالمي وضع متحرك، ومتطور يتميز بالاتجاه نحو ولادة أقطاب اقتصادية جديدة مهيمنة تسيطر على الانتاج والبحث العلمي وتسيطر على الانتاج التكنولوجي وتنافس الولايات المتحدة الأمريكية منافسة شديدة في كل هذه المجالات. هذه الأقطاب هي أساسا:
1 اليابان.
2 أوروبا الغربية واتساعها للاتفاق الاقتصاد للتبادل الحر (AELE) مع وجود فضاء اقتصادي من 370 مليون نسمة في المرحلة الأولى ثم اتساعها لأوروبا الشرقية فيما بعد اجتياز مرحلة الاتفاقيات الأوروبية للتبادل الحر التي تم إبرامها مع هذه الدول كل على حدة ليتم تكوين فضاء اقتصادي أوروبي موحد (أوروبا) في العشرين سنة القادمة.
3 ومن جهة أخرى هناك تجمع اقتصادي جهوي في طور التطور وهو تجمع دول آسيا الجنوبية الشرقية (ASIAN). ويتكون من بروناي أندونيسيا ماليزيا الفلبين سنغافورة والتايلاند. كما انضمت إليه الفيتنام في يوليوز 1995.
4 بالإضافة إلى هذا التجمع هناك الدول الآسيوية المصنعة حديثا والتي يطلق عليها النمور الأربعة هونغ كونغ تايوان كوريا الجنوبية وسنغافورة. وهي تكون أول موجة للتصنيع في جنوب شرق آسيا. هذه الدول بالتحديد، قامت في العشرين سنة الأخيرة بقفزة كبرى في مجال المشاركة في الإنتاج العالمي وفي التطور التكنولوجي والبحث العلمي وسوف تقوم أيضا بدور كبير مواز ومنافس للتكتلات الاقتصادية الراهنة.
5 أضف إلى ذلك وجود بلدين آسيويين يعتبر فضاؤهما الاقتصادي واعدا، ويمكنه أن يمنحهما نوعا من الاستقلالية على المستوى العالمي وهما الهند والصين.
لنأخذ مثال الصين، فالصين بلد نامي، ومتخلف نسبيا بالمقارنة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه استفاد من الإمكانات الجديدة والمتوفرة داخل ربوعه: وجود سوق داخلية واسعة، وإمكانية للتراكم الرأسمالي وللتطور التكنولوجي، كما استفاد من العولمة ومن السوق العالمية، وأصبح يساهم بشكل مهم في تزويد هذه السوق خاصة بالمواد ذات الكثافة التقنية العالية.
فالمتوقع أن يرتفع نصيب الصين من الإنتاج العالمي من 224 مليار دولار في سنة 1995 إلى 789 مليار دولار في سنة 2050. بينما لن ينمو نصيب الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة نفسها إلا بما يقارب 30 أو 40 مليار دولار زيادة على ماهو عليه الآن.
الصين تحقق معدل نمو سنوي يناهز %17 وأحيانا %20 وإذا ما استمر هذا التطور، فإن الباحثين في العالم يتوقعون أن تصبح الصين قوة منافسة للولايات المتحدة الأمريكية وفي إطار العولمة نفسه.
بقلم الدكتور رضوان زهرو
أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية بكلية الحقوق المحمدية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.