الثقافة في خطر هذا ما يردده كل خبراء الثقافة في العالم من مبدعين ومدراء مسارح ومحافطي مكتبات ومخرجين وكتاب. لقد جرفت نزعة الاستهلاك كل قيم التعاطي الثقافي الراقي حتى أصبحت كل المؤسسات الثقافية تعيش شبه عزلة عن مجتمعاتها... في فرنسا وألمانيا والأمريكيتين أصبح الجميع يستشعر أن الثقافة في خطر من خلال الأرقام التي لم تعد ترضي المنتجين والناشرين وكل المغامرين في مجال الاستثمار والتدبير الثقافيين. ولدق جرس التنبيه ورفع مؤشر الخطورة إلى اللون البرتقالي، اختارت إدارة مهرجان أڤينيون شعار دورتها لسنة 2010 «الثقافة في خطر»، بحيث ركزت ندواتها الرئيسة على محاور تبحث في مسببات هذه الخطورة والسبل للتخلص منها. في المغرب نعيش أزمات ثقافية متتالية غير أن مهرجاناتنا وتظاهراتنا لا تحرك ساكنا ولا تتطرق لمثل هذه المواضيع خوفا من أن تحرمها مؤسسات الدولة من ضخ ميزانياتها الضخمة. ويبقى المتنفس الوحيد: الكتابات والاحتجاجات المتفرقة لكتاب ومثقفين ونقاد يجهرون بآرائهم الفاضحة لمسببات هذه الأزمات، في منابر محدودة المقروئية للأسف. وإذا ما استثنينا المرصد المغربي للثقافة الذي ظهر بعد لقاء 20 فبراير 2010 والذي عرف انطلاق النقاش الوطني لتأطير الفعل الاحتجاجي للمثقفين المغاربة تجاه ما يطبع المشهد الثقافي المغربي من تحولات راكمت أسئلة جديدة فيما يخص الوضع الإعتباري للمثقف وواقع النشر والتحول المتحصل في علاقة الثقافي بالسياسي أو علاقة المثقف بالسلطة من جهة وعلاقته بالتحولات المجتمعية من جهة ثانية. والأدوار التي ينبغي أن يلعبها المثقف باعتباره فاعلا أساسيا في كافة القضايا التي تهم مجتمعه وأمته“، باستثناء هذا التحرك الذي واكبه بيان الاحتجاج الصارخ للشاعر المغربي خالد الريسوني والبيان/الصرخة للشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي، فإن لاشيء ينبىء بتحركات تعزز هذه المحطات الاحتجاجية القوية. كان بود كل المهرجانات والملتقيات الثقافية والفنية أن تركز في شعاراتها وندواتها على خطورة الأزمة التي تعيشها الثقافة في المغرب على جل مستوياتها وبكل مشاربها وأسمائها الرائدة أو الحديثة الظهور، حتى يستشعر المجتمع برمته خطورة الوضع والدفع بالأحزاب وبغرفتي البرلمان والحكومة والمؤسسات الخاصة المعنية بالدعم الثقافي وكل القوى الحية في البلاد بالكارثية التي تتهدد مجتمعنا الذي أصبح يواجه أعتى الهجمات الثقافية وهو أعزل من أي مناعة ثقافية تحميه من الاندثار الأبدي تحت أنقاض القيم الاستهلاكية التي تنخر بنياننا الحضاري من أسسه.