وفاة "عبد العزيز النويضي" الحقوقي ومستشار الوزير الأول الأسبق أثناء إجراء حوار صحفي    الملك يعزي رئيس الإمارات في وفاة "طحنون بن محمد آل نهيان"    تنفيذ قانون المالية يظهر فائضا في الميزانية بلغ 16,8 مليار درهم    لقجع بعد الاجتماع فالداخلية: مشاريع مونديال 2023 بدات والمغرب غايكون فالموعد وغاينظم أحسن نسخة فالتاريخ كيفما بغاها سيدنا تكون    "طاس" تكشف موعد إصدار حكمها النهائي في قضية نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    اختتام رالي عائشة للغزالات بالصويرة بتتويج المغربيتين جوهرة بناني وسهام أسويبة    تفكيك شبكة ديال الحريك فالحسيمة وتوقيف مرشحين مغاربة    الأمثال العامية بتطوان... (588)    قرار بعدم اختصاص محكمة جرائم الأموال في قضية اليملاحي وإرجاع المسطرة لمحكمة تطوان    بوريطة يتباحث ببانجول مع وزير الشؤون الخارجية الغامبي    مركز دراسات.. لهذا ترغب واشنطن في انتصار مغربي سريع في حال وقوع حرب مع الجزائر    أول تعليق من حكيمي بعد السقوط أمام بوروسيا دورتموند    في أول امتحان بعد واقعة الأقمصة.. نهضة بركان يواجه الجيش الملكي    تركيا تعلق المعاملات التجارية مع إسرائيل    أوروبا تصدم المغرب مرة أخرى بسبب خضر غير صالحة للاستهلاك    أنور الخليل: "الناظور تستحق مركبا ثقافيا كبيرا.. وهذه مشاريعي المستقبلية    أمطار طوفانية تغرق الإمارات وتتسبب في إغلاق مدارس ومقار عمل    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة    المخزون المائي بسدود الشمال يناهز مليار و100 مليون متر مكعب    أزمة طلبة الطب وصلت ل4 شهور من الاحتقان..لجنة الطلبة فتهديد جديد للحكومة بسنة بيضاء: مضطرين نديرو مقاطعة شاملة    مجلس النواب يعقد الأربعاء المقبل جلسة عمومية لمناقشة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    ندوة بطنجة تناقش مكافحة غسل الأموال    ارتفاع حصيلة القتلى في غزة.. واعتقالات في الضفة الغربية    فوضى «الفراشة» بالفنيدق تتحول إلى محاولة قتل    مصرع سائق دراجة نارية في حادثة سير مروعة بطنجة    "الأمم المتحدة" تقدر كلفة إعادة إعمار غزة بما بين 30 إلى 40 مليار دولار    ها التعيينات الجديدة فمناصب عليا لي دازت اليوم فمجلس الحكومة    بايتاس رد على لشكر والبي جي دي: الاتفاق مع النقابات ماشي مقايضة وحنا أسسنا لمنطق جديد فالحوار الاجتماعي    باحثون يكتشفون آليات تحسّن فهم تشكّل الجنين البشري في أولى مراحله    المدرب الإسباني يعلن استقالته عن تدريب اتحاد العاصمة الجزائري    حمد الله يحرج بنزيما    بذور مقاومة للجفاف تزرع الأمل في المغرب رغم انتشارها المحدود    المكتب الوطني للمطارات كيوجد لتصميم بناء مقر اجتماعي.. وها شنو لونصات لقلالش    جامعة في نيويورك تهدد بفصل طلاب تظاهروا تأييداً للفلسطينيين    النفط يتراجع لليوم الرابع عالمياً        طاهرة تودع مسلسل "المختفي" بكلمات مؤثرة    البرلمان يستعرض تدبير غنى الحضارة المغربية بالمنتدى العالمي لحوار الثقافات    مؤسسة المبادرة الخاصة تحتفي بمهرجانها الثقافي السادس عشر    إلقاء القبض على إعلامية مشهورة وإيداعها السجن    بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    آبل تعتزم إجراء تكامل بين تطبيقي التقويم و التذكيرات    تسرب الوقود من سفينة بميناء سبتة كاد يتسبب في كارثة بيئية    حادثة سير خطيرة بمركز جماعة الرواضي باقليم الحسيمة    الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    الرئيس الكولومبي يعلن قطع العلاقات مع إسرائيل    مسؤولة في يونيسكو تشيد بزليج المغرب    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" يعلن عن أسماء الفائزات والفائزين بجائزة "الشاعر محمد الجيدي" الإقليمية في الشعر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين أكادير والرباط    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بحثا عن سر الكلمة
نشر في طنجة الأدبية يوم 27 - 11 - 2010


يقول مظفر النواب:
( يا قارئ كلماتي بالعرض
وقارئ كلماتي بالطول
لا تبحث عن شيء عندي يدعى المعقول
إنني معترف بجنون كلامي
بالجملة والتفصيل)
وهكذا هم معشر الكتاب دائما، واحد فيهم مجنون جدا، وآخر عاقل أكثر مما يلزم، وواحد ثالث بينهما، لا هو عاقل تماما، ولا هو مجنون بشكل كامل، وهذا عندي هو أسوأ كل الكتاب، لأنه لا يشقى بالفكر الشاق، ولا ينعم بنعمة الجنون الخلاق
أما أنا، بين كل قبائل الكتاب وعشائرهم، من أكون؟
ذلك هو السؤال المسألة.
فهل أنا صاحب فهم ومعرفة، أم صاحب قلب ووجدان؟
هل أنا كاتب عمومي يكتب رسائل الناس؟ أم أنني رسول يحمل للناس رسالة الحياة، ويأتيهم برسالة الوجود ؟
أعترف، بأنني وكما سبق وقلت دائما لا أدعي في العلم فلسفة، ولا أزعم في فقه القلب والوجدان علما كبيرا وخطيرا، ولذلك فقد قلت في كتاب ( غابة الإشارات ) الكلمة التالية:
(المعرفة لا أعرفها، والحكمة ما حكمها؟ والعلم لا علم لي به، والفهم يصعب علي فهمه، وإنني مثل كثير من الناس طالب علم وفهم، وذلك في مدرسة الأيام الابتدائية، وقد أكون مازلت في روضها وكتابها وأنا لا أدري ) 1
في مدرسة هذه الحياة إذن، لا وجود لمعلم أكبر من الحياة، ولا لحكيم أكثر حكمة من الأيام، ولا لصانع أكثر مهارة من هذه الطبيعة، ولا لمؤلف أكثر غرابة من القدر، ولا لكتابة أمضى من هذا المكتوب الذي يكتب لنا، أو يكتب علينا، والذي لا يكتب على الأوراق، ولكنه يكتب على الجبين، ولذلك قال الناس ( ما كتب على الجبين لابد أن تراه العين)
ولقد أدركت، في هذه المدرسة الوجودية، أن هناك مسافات خفية تفصلنا عن كل شي، وقد تفصلنا عن أنفسنا ونحن لا ندري، وهي تبعدنا عن روح الكلمات والعبارات، وعن روح الناس والأشياء أيضا، ووجدت أنني مطالب بأن أطوي كل المسافات، وأن أدرك كل الأبعاد، حتى أقبض على سر الكلمة وعلى كلمة السر، وعرفت أنه ( بين الأمس واليوم مسافة، وبين القارئ والكاتب مسافة، وبين الإرادة والقدرة مسافة، قد تطول هذه المسافة مع الأنفاس الطويلة، وقد تقصر وتنقطع مع الأنفاس القصيرة المتقطعة)
ولست أدري، إن كان من حسن حظي أو كان من سوئه أن نفسي طويل، وأن صبري أطول، وأنني مختص في سباق المسافات الطويلة جدا.
نحن الذين نكتب هذه الكتابة، أو نحن الذين تنكتب بنا هذه الكتابة، لنا قصص كثيرة وطويلة مع صناعة الكتابة، وبحكم تورطي في عوالمها الغريبة والعجيبة والمدهشة، فإنني أملك واحدة من هذه القصص، وقد لا تكون قصتي وحدي، ولذلك فإنني أرويها بلساني الشخصي أولا، وأرويها بلسان كل الكتاب في نفس الوقت، وأبدأ من البداية..
كنا في زمن من الأزمان نكتب بالقلم، وكان ذلك القلم من القصب، أي من نفس ذلك القصب البري والوحشي، والذي كان الراعي يصنع منه نايه ومزماره، وكان الصانع يصنع منه سلاله، وكان الفلاح يسيج به بيته وحقله .
بسيطا في شكله كان ذلك القلم، ولكن وظيفته كانت خطيرة وساحرة ومدهشة، كان يشفي المريض، ويحضر الغائب، ويقرب البعيد، ويطرد الجن من الأجساد المسكونة، ويعتقل الصور الشاردة، ويستعيد الحالات الغائبة، وينقل حر الأشواق بين العشاق، ويقبض على الذكريات المنفلتة والهاربة، ويخطط الرسومات ويهندسها، ويلونها، وذلك بألوان نباتية برية، وأخرى مستخلصة من أحمر البيض؛ هكذا رأيت القلم لأول مرة؛ رأيته في يد الفقيه في الكتاب، وفي يد الكاتب العمومي في السوق، وفي يد من يشتغلون مع ( المخزن) الحكومة في ( بيرو عراب) الإدارة الفرنسية فاحترمته وعشقته، وقدسته، ولحقني منه شيء من الخوف مرة، وشيء من الرهبة مرة أخرى، ومع الليالي والأيام، وجدت نفسي أردد مع ابن شهيد الأندلسي الكلمة التالية ( ما أعجب شأن القلم، يشرب ظلمة، ويلفظ نورا) واقتنعت أيضا، بأن الذين يسودون هذه الأوراق البيضاء، هم الذين بيضوا وجه التاريخ، وهم الذين أضاءوا زواياه المعتمة.
وعرفت، لماذا أقسم الله بالقلم، ولماذا أمر نبيه الكريم أن يقرأ، ولماذا ربط العلم بالقلم، وربط القلم بالعلم.
وفي البدء، كان اللوح وحده؛ كان كتابي ومكتبتي وشاشتي التي أنظر إليها، وأتأملها، صباح مساء، و التي لم تكن إلكترونية، كما هي اليوم.
صقيلا كان ذلك اللوح، وصافيا وطاهرا، كالسماء في عز الصيف، و كان ذلك القلم القصبي حاضرا، يملك وحده القدرة على تأثيث كل الفضاءات، وملء كل الفراغات، وتسويد كل البياضات، وكنا نغمسه في الحبر المغربي وفي الدواة، وكنا نغرسه و كأنه السيف أو الرمح أو الخنجر نغرسه عميقا في جراحاتنا النازفة، وكنا نتعجب، في براءة أو في خبث، كيف تكون كتابتنا على اللوح أو على الأوراق البيضاء أو على الجدران العذراء، تكون باللون الأسود، ولا تكون باللون الأحمر، وكيف لا تتخضب أصابعنا الكاتبة بالدم؟
اليوم تغير كل شيء، وأصبح العصر عصر الصورة، ودخلنا عتبة الكتابة بغير الأقلام وبغير المداد وبغير الدواة وبغير اللوح الذي كنا نكتب عليه صباحا، ونمحوه عشية، ونجعل ما في السطور ينتقل إلى الصدور..
ذلك المحو إذن، لم يكن محوا (كاملا)، وذلك لأنه كان مسكونا بالحفظ، وكانت ذاكرتنا العذراء والبيضاء دفترنا وكراستنا ومذكرتنا وكتابنا المفتوح على الحياة، في تعددها وتجددها، وفي تلونها، وفي أضوائها وظلالها، وفي تداخل أشكالها وألوانها، ولهذا، فقد كان من الضروري أن يفرض التساؤل التالي نفسه علينا:
إلى أي حد يمكن لهذه الذاكرة أن تستوعب كل شيء، وأن تقبض على عقارب الساعة المجنونة و الحمقاء؟
وهل بإمكانها أن تستوعب الكلمات والعبارات والصور المتلاحقة والحالات المركبة والمشاهدات المتداخلة، والإشاعات المصنعة، والحكايات والمعتقدات والخرافات والاجتهادات والخيالات والشطحات الصبيانية الغريبة والعجيبة؟
يومئذ، كان لابد من الورق، وذلك من أجل تدوين الأفكار الطائرة واعتقالها، ومن أجل مطاردتها ومصادرتها، والرجوع إليها، وذلك للتواصل بها ومن خلالها مع المعرفة أولا، ومع الذات ثانيا ، ومع الآخرين ثالثا، ومع الماضي الذي يمضي رابعا، ومع المستقبل الآتي خامسا، ومع كل العالم والكون بعد ذلك، يقول شاعر، هو ذو الرمة لراويته ( أكتب شعري، فالكتاب أحب إلي من الحفظ لأن الأعرابي ينسى الكلمة، وقد سهر في طلبها ليلته فيضع كلمة في وزنها ثم ينشدها الناس والكتاب لا ينسى ولا يبدل كلاما بكلام ) 2


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.