الإلكترونية - بقلم: فؤاد يعقوبي – باحث في علم النفس الاجتماعي في السياق المغربي في الوقت الذي تتجه فيه أنظارنا إلى ما يجري في دول العالم، تشهد بلادنا مشاهد يومية لا تقل فظاعة، لكنها تمر بصمت أو بلامبالاة. تُنهب الميزانيات، يُهدر المال العام، وتُدفن أحلام الشباب تحت أنقاض الإهمال، بينما نستهلك غضبنا في قضايا لا نملك فيها لا تأثيرًا ولا قرارًا.
فهل فقدنا البوصلة؟ وهل أصبحنا نهرب من أوجاعنا الداخلية إلى نقاشات كبرى لا تُطعم خبزًا ولا تحفظ كرامة؟
في مغرب اليوم، تتكرر مشاهد الفساد بشكل صارخ: مشاريع مغشوشة، أراضٍ عمومية تُباع في الخفاء، وميزانيات محلية تُنهب أمام مرأى الجميع. في المقابل، يُمنع الشباب من استكمال مسارهم الأكاديمي، ويُمنح الحق في التكوين أو التوظيف أحيانًا مقابل المال أو المحسوبية أو الابتزاز الجنسي.
ورغم كل ذلك، يختار كثير من المغاربة تصريف غضبهم في قضايا خارجية: يتابعون الانتخابات الأمريكية وكأنهم من ناخبي بنسلفانيا، ويحللون الوضع في سوريا واليمن كما لو كانوا من مستشاري مجلس الأمن، ويخوضون معارك افتراضية على منصات التواصل حول السودان وأوكرانيا.
لكن، ماذا عن "هنا"؟ عن المغرب الذي نعيشه؟
وأنت تكتب منشورًا غاضبًا عن مجلس الأمن، هناك امرأة تلد في العراء لأن المستوصف مغلق.
وأنت تحلل خطاب بايدن، هناك تلميذ يتابع دراسته في قسم بلا نوافذ، بلا كرامة، بلا أمل.
وأنت ترفع شعار المقاطعة، هناك جار لك يُهان في إدارة عمومية لأنه طالب بحقه.
فأين نحن من هذا الواقع؟ وأي وطنية ندّعيها إن كنا نتجاهل وجعنا القريب؟
لا أحد ينكر هول المآسي في مناطق النزاع، لكن التضامن لا يجب أن يكون ستارًا للهروب من معاركنا اليومية. الوطنية ليست شعارًا موسميًا ولا دمعة على شاشة، بل هي غضب يومي على القهر المحلي.
أن تكون وطنيًا يعني أن تطالب بحقك هنا، أن تفضح الفساد هنا، أن تُحاسب المنتخب الذي نسيك هنا.
أن تدرك أن المجلس الجماعي أخطر من الكونغرس، وأن صندوق الاقتراع أقوى من "الترند".
نحن بحاجة إلى إعادة ترتيب الأولويات:
نحتاج إلى مجتمع يُربي أبناءه على أن المجلس الجماعي أخطر من الكونغرس الأمريكي.
إلى شباب يدرك أن الكرامة لا تُمنح، بل تُنتزع بالفعل اليومي؛
إلى وعي جماعي يفهم أن الثورة ضد المفسدين لا تبدأ في "الترند"، بل في صناديق الاقتراع، وفي الفعل اليومي، وفي رفض الصمت والتطبيع مع الظلم.
نعم، الوطن يُنهب في وضح النهار، والناس صامتون. صامتون لأنهم يئسوا، أو خافوا، أو أُلهوا بمعارك ليست معاركهم.
لكن الصمت لا يصنع مستقبلًا، ولا تُبنى به كرامة.
إذا كنا نحب هذا الوطن حقًا، فلنبدأ من هنا: من الحي، من المدرسة، من المستشفى، من الإدارة، من صوتنا الانتخابي، ومن قول "لا" عندما يُنتظر منا السكوت.
فالوطن لا يحتاج إلى خطابات رنانة، بل إلى إرادة تقف في وجه خونة الداخل، قبل التنظير ضد قرارات الخارج.