ختام عصر فعالية سياسة العقوبات الاقتصادية الغربية... تشهد الساحة السياسية الدولية تصعيدا في التوتر يفوق المألوف خاصة بسبب الإنذارات التي تصدر من سياسيين يتربعون على قمة قيادات في دول تصنف ككبرى، وهو ما يزيد من المخاوف من أن يقود ذلك إلى تراكم في المواجهات والصراعات العسكرية والاقتصادية التي تعرفها العديد من مناطق العالم والتي اعتبرها البعض بداية فعلية وعملية للحرب العالمية الثالثة. الغرب بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية يري على مستوى حكامه الحاليين الذين يصنفون بشكل عام ضمن من يدعون بالمحافظين الجدد، أنه يقود صراعا وجوديا ضد جهود قوى منافسة أو معادية تعمل على تعديل النظام العالمي القائم على أحادية القطب والذي يسمح لمجموعة صغيرة من سكان ودول العالم من الاثراء الفاحش والازدهار على حساب غالبية سكان المعمور. في الشرق الأوسط بإمتداده العربي من الخليج العربي حتى شواطئ شمال أفريقيا من المغرب حتى موريتانيا، يقاتل الغرب أقطار المنطقة بأساليب وطرق مختلفة منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1918 بالتمزيق والتقسيم والاحتلال والوصاية من أجل مواصلة نهب خيراتها ومنعها من التوحد وبناء قوة عالمية مؤثرة، وصنع إسرائيل كقاعدة أساسية وأولية لتحقيق هذا المبتغى. في جنوب أسيا من الفيتنام وكمبوديا واللاوس وتايلاند والفلبين وماليزيا وأندونيسيا وغيرها تناوبت القوى الاستعمارية -الإمبراطوريات- فرنسا وبريطانيا هولنداوالولاياتالمتحدة أساسا واليابان مرحليا على استعمار المنطقة واستغلال ثرواتها، ولما طردت وأنهت شعوب المنطقة بعد كفاح مرير ودام هذا الاستعمار الترابي عادت تواجه مؤامرات التمزيق والتحريض تحت غطاء شعارات مختلفة. في أفريقيا ما جنوب الصحراء ورغم النهاية الظاهرية في الكثير من المناطق للاستعمار الترابي استمر نهب الثروات وإشعال الحروب والصراعات الداخلية والتآمر على كل سلطة وطنية ترفض الإنصياع لمطالب المستعمرين الجدد وهكذا يستمر تدفق الثروات على الغرب ويتصاعد فقر وتخلف أصحاب الأرض. في نهاية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين يواجه الغرب تهديدا ضخما غير مسبوق لنفوذه وهيمنته، بعد أن كان قد تصور بعد انهيار الاتحاد السوفييتي خلال العقد الأخير من القرن العشرين وأفول نجم حركة عدم الانحياز أنه ضمن ربما لقرون قادمة عدم مواجهة تحد خطير وبدء عهد الإمبراطورية أو القرن الأمريكي. التحدي الذي يواجهه الغرب يأتى من صعود قوى إقتصادية وعسكرية منافسة في الصينوروسيا مدعومة بقوى إقليمية ترفض النظام الدولي الأحادي من البرازيل في أمريكا اللاتينية مرورا بكوريا الشمالية في شرق آسيا وإيران والهند وأندونيسيا في جنوب غرب آسيا وما تم تشكيله من مجموعة بريكس. قرب نهاية سنة 2024 صرح "جيمي ديمون" رئيس بنك "جيه بي مورغان"، إن التوقعات الاقتصادية أصبحت محدودة التأثير مقارنة بالوضع الجيوسياسي الذي يواجهه العالم اليوم، معتبرا أن الحرب العالمية الثالثة بدأت بالفعل. وخلال جلسة ضمن الاجتماع السنوي لمعهد التمويل الدولي في واشنطن العاصمة، الخميس 24 أكتوبر 2024، أعرب "ديمون" عن أسفه للحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، والتعاون المتزايد بين "خصوم الولاياتالمتحدة" بما في ذلك روسياوالصين وكوريا الشمالية وإيران. وأضاف: "من الواضح أنهم يتحدثون عن تفكيك النظام الذي وضعته الولاياتالمتحدة وحلفاؤها بعد الحرب العالمية الثانية".