من قلب الجزائر.. كبير مستشاري ترامب للشؤون الأفريقية يكرّس الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ويدعو لمفاوضات على أساس الحكم الذاتي    المندوبية السامية للتخطيط: جهة الشمال تسجل أدنى معدل في البطالة بالمغرب    القروض الاستهلاكية.. جاري القروض يرتفع ب7,9 في المائة خلال سنة 2024    حادث مميت بين تازكان والسطيحة يخلف قتيلين وثلاثة جرحى    الانتخابات التشريعية في خطاب العرش: رؤية ملكية لاستكمال البناء الديمقراطي وترسيخ الثقة    منصة تيك توك تزيل أكثر من مليون فيديو لمغاربة خلال 2025    العرائش… تدشين فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير    شخصيات فلسطينية تشيد بالمبادرة الإنسانية التي أطلقها الملك محمد السادس    الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في ليبيا تشيد بالتزام المغرب وتعرب عن تقديرها العميق للمملكة لتيسير الحوار الليبي-الليبي    النقص الحاد في المياه يفاقم مآسي الجوع والنزوح في قطاع غزة    غينيا تهزم النيجر بهدف في "الشان"    أولمبيك آسفي يتعاقد رسميا مع الإيفواري "أبو بكر سيلا"    قضية حكيمي تثير جدلًا حقوقيا وقانونيا.. ونشطاء فرنسيون يطالبون بإنصافه    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    رابطة الكتبيين بالمغرب تحذر من أساليب تجارية «مضلّلة» وتدعو لحوار وطني حول مستقبل الكتاب المدرسي    قارب "فانتوم" ينفذ ثالث عملية تهريب مهاجرين بين شمال المغرب وإسبانيا خلال أسابيع    توقيف مروجين للمخدرات والقرقوبي بأكادير    اختتام الدورة الثالثة لمهرجان "ولاد المدينة" بالعرائش    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    موجة حرّ قياسية تصل إلى 47 درجة وأمطار رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة هذا الأسبوع    "فدرالية ناشري الصحف" تدعو الحكومة لمراجعة موقفها من قانون مجلس الصحافة    رد واضح لا غبار عليه من مستشار ترامب مسعد بولوس خاصة أنه موجّه لوسيلة إعلام جزائرية: الصحراء مغربية والحل أساسه الوحيد مبادرة المغرب للحكم الذاتي    بنكيران يدخل على خط مهاجمة الريسوني للتوفيق ويعتبر أنه من غير "اللائق أن ينعت وزارة الأوقاف بتشويه الإسلام"        كوندوري تلتقي بوفد من المستشارين    الدار البيضاء تستضيف الدورة الأولى من مهرجان "عيطة دْ بلادي"    باحث يناقش رسالة ماستر حول الحكامة المائية في ضوء التجارب الدولية بكلية الحقوق بالدار البيضاء    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    غامبيا تبحث تعزيز التعاون القضائي مع المغرب    حملة "التعمير والإسكان" تخدم الجالية    ضربات إسرائيلية تخلف قتلى في غزة    فنادق أوروبا تلاحق "بوكينغ" قضائياً    إسبانيا تنفي إنزال علمها من جزيرتي الحسيمة    انخفاض أسعار النفط بعد اتفاق "أوبك+" على زيادة الإنتاج    "الجايمة"..أشهر مطعم مغربي في ألميريا يُغلق أبوابه نهائيًا    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    دعوات لاحتجاجات أمام ميناء الدار البيضاء رفضا لاستقبال "سفن الإبادة"    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    لا أنُوء بغزّة ومِنْهَا النُّشُوء    مقاومة الأداء الإلكتروني بالمغرب تعرقل جهود الدولة نحو الشمول المالي    كأس أمم إفريقيا للاعبين للمحليين 2024.. المغرب مرشح قوي تترقبه أعين كل المنافسين على اللقب    إنتر ميامي يعلن غياب ميسي لأجل غير مسمى    ريال مدريد يحصن نجمه المغربي إبراهيم دياز بعقد جديد    الدخول المكثف للجالية يدفع الدرهم المغربي للارتفاع أمام الأورو    ارتفاع في أعداد المهاجرين غير النظاميين الوافدين إلى سبتة ومليلية المحتلتين خلال 2025    ترتيب شباك التذاكر في سينما أميركا الشمالية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين        بطولة انجلترا: تشلسي يتعاقد مع الظهير الأيسر الهولندي هاتو    فرنسا ترحل طالبة فلسطينية إلى قطر بعد اتهامها بكتابة منشورات "معادية للسامية"    وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معا يدا في يد في سبيل مجتمع صاح نظيف وخال من الخمر وآفاتها..؟
نشر في العلم يوم 05 - 11 - 2010

دخلت مدونة السير الجديدة في حيز التطبيق منذ شهر تقريبا، وإذا كانت المدونة قد اتخذت من الإجراءات والضوابط ما من شأنه أن يعيد إلى الناس وعيهم وهم يقودون المركبات على اختلاف أحجامها وأنواعها، فإن هناك واجبا آخر يتعين على المجتمع أن يقوم به، وعلى المسؤولين أن يساهموا فيه بأكبر نصيب هذا الواجب هو السعي بكل الوسائل التشريعية والتوجيهية للحد من تداول الخمور وكل ما يذهب العقل ويجعل المتناول وغيره في خطر.
ومساهمة من حديث الجمعة في التوعية والتذكير فقد خصصنا حديث اليوم للحديث عن الخمر والحكم الشرعي في شأنها وآراء علماء الاجتماع والأطباء وغيرهم في شأنها.
واهجر الخمرة إن كنت فتي
كيف يسعى في جنون من عقل
بنتام تحريم الخمر من محاسن شريعة محمد:
قبل أن أتناول القلم لكتابة هذه السطور عن الخمر، كان أمامي كتاب بعنوان «القديم والحديث» من تأليف محمد كرد علي وهو مطبوع منذ ما يزيد عن مائة سنة وتصفحت الكتاب فإذا بي أجد ضمن محتويات مقالا بعنوان «نحن والمكسرات» افتتحه بالفقرة التالية:
«صرنا إلى زمان لو قلنا للمسؤولين أن الطريقة الفلانية في الحكم أو منهج كذا في القضاء والإدارة لا توافق بلادنا، ولا تنطبق مع عاداتنا وشرعنا، هزت رأسها وأعرضت عنا إعراضا. وصرنا إلى زمان لو قلت لأكثر أهل الطبقة العليا والوسطى من قومنا قال الله وقال الرسول ص رأيتهم ينأون عنك ويصدون صدودا، فلعل الحاكم والمحكوم عليه إذا أتيتهما بكلام جديد قاله غيرنا يلقيان إليك بالإسماع، وتلين لمقالك القلوب والطباع: قال بنتام «المشرع الانكليزي (1748 _ 1832) في كتابه أصول الشرائع الخمر في الأقاليم الشمالية يجعل المرء كالأبله، وفي الأقاليم الجنوبية يصبح كالمجنون، وفي الثانية يجب منعه بطرق اشد لأنه أشبه بالشرر، ولقد حرمت ديانة محمد «صلى الله عليه وسلم» جميع المشروبات الروحية وهذا التحريم من محاسنها».
هذه الفقرة التي افتتح بها محمد كرد على مقاله في سنة 1907 أي منذ ما يزيد على مائة سنة لا تزال في مجملها صالحة، لأن يفتتح بها لا مقال عن الخمر ومضارها فحسب، ولكن عن كثير من قضايا الحكم ومشاكله في ديار الإسلام، فالاستلاب لا يزال متحكما في النفوس، و لربما أكثر من ذي قبل، والشعور بالدونية والسير في ركاب الأجنبي وتقاليده من الأمور التي تسير على كثير ممن يصنفون أنفسهم في ركاب التقدم والتحرر، فهم لا يحكمون على الأشياء من منظور الصلاحية الذاتية والاجتماعية لها، وبالأحرى فان المقياس هو رأي الأجانب ومنظورهم، لما تحمله الأشياء في ذاتها من منفعة أو ضرر، ومعنى ذلك أن الاحتلال الأجنبي يسيطر على نفوس الكثير الناس، كما يوجه أعمال كثير من الحكومات المأخوذة ببريق الغرب المزيف.
رسالة شاقة
إن التصنيف الذي يضعه الغرب هو الذي يسري في كل المرافق والميادين، وهذا ما يجعل رسالة أصحاب الوعي الوطني الصحيح شاقة وصعبة، ومسؤوليتهم في تحرير العقول والنفوس جسيمة وعظيمة. وقضية الخمر وتناوله وتداوله من الأشياء التي لا تزال حكوماتنا ترفض أن تسير فيها مع حكم الله ومصلحة المجتمع. وهذا من منظور التوجيه الإسلامي، أو من منظور المصلحة الاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية، إن صح الفصل بين هذه الأمور، ومنذ كانت الخمر كانت الكتابة عنها. عن منافعها ومضارها، والقرآن قد عالجها ابتداء من قوله تعالى: (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) إلى اعتبار إثمها اكبر من نفعه إلى نزول التحريم الذي أعلن معه المسلمون على لسان عمر رضي الله انتهينا يا الله.
بين علماء الاجتماع والخمر
وإذا كان كثير من الناس قد لا يرعون استجابة لأمر السماء، فإن علماء الاجتماع والأطباء قد بينوا أضرارها الصحية والاجتماعية، ففي الإحصائيات التي تنشرها الدول يظهر مدى إسهام السكر في الدفع إلى ارتكاب الجرائم، ويظهر ذلك في نهاية الأسبوع عندما يسرف الناس في تعاطي الخمر، إذ تبين ان من بين كل أربع جرائم قتل تكون واحدة بسبب تناول الخمر، وان واحدا من خمسة ضحايا تناولوا الخمر قبل وقوع الجريمة، وان تسع جرائم اغتصاب من أصل ست عشرة جريمة من هذا النوع تتم والمجرم تحت تأثير الخمر، ومن دراسة نزلاء السجون يتبين ان نسبة إدمان الخمر تتراوح بينهم من ثلاثة وأربعين في المائة إلى خمسة وخمسين وترتفع النسبة بين المتهمين بجرائم السرقة والاعتداء ثم السطو على الأماكن ثم الاعتداء على النساء (ص 98 من كتاب الإدمان مظاهره وعلاجه) وما قيل عن الجريمة يقال كذلك عن الصحة فالإحصائيات تثبت العلاقة الوثيقة بين كثير من الأمراض العضوية المميتة وتناول الخمر، بل الأمراض النفسية والعصبية فقد أثبتت الإحصائيات ان واحدا وستين في المائة من الذين يتعاطون مائة وخمسين جراما من الكحول لمدة خمس سنوات يصابون بتشمع الكبد، بالإضافة إلى غير ذلك من الأمراض. كالسل الرئوي، والتهابات المعدة. والأمراض المترتبة عن الخمر تكلف الدول أموالا كثيرة لعلاجها، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الخمر تضر باقتصاديات الدولة باعتبار ما يترتب عنها من الأمراض وباعتبار ما تكلفه من خسائر إضافة إلى نقص الإنتاجية لدى المخدرين، ويكفي للإشارة إلى أن تعاطي الخمر يسبب في خمسين في المائة من حوادث المركبات. ولعل مقالا لا يكفي لتلخيص ما تحدثه الخمر في مجالات متعددة من مصائب وأضرار، وفي الكتب والدراسات المختصة مجال واسع لمن أراد التوسع والإحاطة.
هذا ما تحدثت به الدراسات والأبحاث منذ حين وإذا كانت هذه الأبحاث والدراسات التي تعتبر قديمة شيئا فإن الدراسات الحالية تؤكد هذه النتائج وأكثر من ذلك.
المغرب بدون إحصائيات
وإذا كنا في المغرب لا نتوفر على إحصائيات دقيقة في علاقة الخمر بحوادث السير مثلا وكذا في غيرها نظرا للنقص الحاصل في الموضوع أو نظرا للتعتيم الذي تقوم به المصالح المختصة فإن المؤكد هو أن تناول الخمر يأتي في الدرجة الثانية بعد السرعة المفرطة في حوادث السير التي يترتب عنها وفاة أربعة آلاف نسمة من المواطنين بالإضافة إلى ما يترتب عن ذلك من الجرحى التي قد تصيب بعض أصحابها بالعاهات المستديمة، مع الخسائر المالية والاقتصادية التي تنتج عن ذلك وهذا ما عالجه الفريق الاستقلالي في البرلمان عندما تقدم بمقترح قانون لمنع الخمر إلا أنه مع الأسف الشديد لم يحظ بما ينبغي أن يحظى به من العناية من لدن الحكومة في حينها.
ولذلك فإن المؤمل هو أن تكون المدونة الجديدة لحوادث السير حافزا لمنع الخمر في حالة السياقة مع ما يمكن ان ينتج عن ذلك من تحقيق أمرين اثنين أساسيين وهما حماية الأرواح وصحة المواطنين والحفاظ كذلك على الثروة الوطنية والأموال التي تذهب في معالجة المصابين والتعويضات وغير ذلك.
الصحف وبعض الأرقام
إذا اتبعنا ما تنشره بعض الصحف هذه الأيام وبالأخص بعد المصادقة على مدونة السير ودخولها حيز التنفيذ وجدنا ان ما يستهلك من الخمر في بلادنا كثير وان المغرب يدفع العملة الصعبة استيراد الخمور ولا يمكن ان يبرر ذلك بالسياحة وتشجيعها فالمؤكد ان هذا تعليل ليس إلا، وان الاستهلاك يتم من طرف غير السياح الذين قصدوا المغرب فالسياح لا يأتون للمغرب لتناول الخمر لأنه موجود في أوطانهم يمكنهم تناوله دون ان يتكلفوا السفر ومشاقه للإتيان للمغرب لتناول الخمر والعربدة في فنادقه وحاناته، وحتى الفنادق التي تقدم الخمر لروادها فعندما تقودك ظروف ما ارتياد الفندق فإن الذي تلاحظه يتناول الخمر هو الإنسان المغربي أكثر من غيره.
وحسب الإحصائيات كذلك التي نشرتها بعض الصحف مؤخرا فإن عدد الوافدين على السجون المغربية بسبب الخمر يقرب من سعة آلاف مواطن مع ما يترتب عن ذلك من مآسي اجتماعية وما تتعرض له الأسر من تفكك ومشاكل بسبب الخمر.
الخمر أشد تأثيرا من المخدرات؟
بل ان الصحف نشرت في الأيام الأخيرة خبرا واردا من بريطانيا يقول ان ضرر الخمر على متناولها أشد من ضرر المخدرات، وتقدر منظمة الصحة العالمية ان المخاطر المرتبطة بالكحول تسبب في وفاة مليونين ونصف شخص سنويا نتيجة أمراض القلب والكبد وحوادث الطرق والانتحار والسرطان لنصل إلى 3.8 في المائة من إجمالي الوفيات وهو ثالث عامل من عوامل الخطر المؤدية إلى الوفاة المبكرة والإعاقة في جميع إنحاء العالم.
هذا ما يقول الخبراء وتقوله الإحصائيات الصادرة وطنيا ودوليا لذلك حرم الإسلام الخمر وإذا رجعنا إلى الحديث النبوي حول الخمر وأضرارها بالنسبة للإنسان دينيا وخلقيا فإننا نتأكد ان التحريم الذي نال الخمر من الإسلام و في الواقع يهدف إلى صيانة الإنسان في جميع مناحي حياته الدينية والخلقية والأسروية والمالية ومع ذلك فإن أمر التجاوب مع التوجيه الإسلامي في هذا الصدد لا يجد الصدى المطلوب لدى المسؤولين في كثير من الدول الإسلامية وقدحا.
اثر الخمر من خلال الحديث النبوي
غير أنه من الواجب الأكيد الإشارة إلى خلاصة الآثار السيئة للخمر كما وردت في الأحاديث الواردة عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فهي:
تنزع من الشارب أنوار الإيمان حين شربه، ويكون اقرب إلى عابد وثن، وتعرضه للعنة الله والطرد من رحمته، بالإضافة إلى ان تناول الخمر يدعو إلى جلب الهموم وتضييق الأرزاق والإحساس بالأزمات النفسية. والاندفاع إلى المعاصي واقتراف الآثام والذنوب، والإخلال بواجب الإيمان بالله واليوم الآخر، وهذا ما يعرضه للازدراء والإهانة والتحقير، في الدنيا ولنقمته وغضبه سبحانه في الآخرة، وفي النهاية فان شرب الخمر إحدى الخصال المدمرة التالفة المذهبة للثروة، والمضيعة للعقل، والجالبة للنقم وبالمقارنة بين هذه الخلاصة المركزة لآفات الخمر كما تحدث عنها الرسول ص وبين الدراسات والأبحاث نجد التضافر والتطابق اللذين يحتمان العمل على إنهاء الخمر وآثارها.
الخمر تضر المجتمع والأسر
وهذه الأضرار تنال المجتمع كما تنال الأفراد والأسر، وبالنسبة للأسرة فان المرأة تتحمل اكبر قسط من الضرر والمسؤولية، فزوجة المدمن تمر بعدة مراحل من ردود الفعل تجاه إدمان الزوج على الخمر، تنكر في البداية بان زوجها مدمن، ثم تحاول التستر عليه، وتتزايد عزلة الزوجين اجتماعيا، وتقوم الزوجة بعد ذلك تأخذ مكان الزوج المدمن في توجيه الأسرة، وإدارة شؤونها، وتستقل مع أولادها عن الزوج، ثم ينتهي الأمر بعد ذلك إلى الاعتراف بوجود مشكلة إدمان والبحث عن علاج بواسطة الزوجة أو الطلاق، وعندما تتحمل لا تخلو من التبرم من الأرق، ورائحة الخمر، وسوء التصرف والمعاملة لها، وللأبناء والأقارب» هذه الخلاصة لمشاكل المدمن الأسرية كما أوردها الدكتور عادل الدمرداش توضح مسؤولية المرأة في العمل على محاربة الخمر، ومقاومة الإدمان.
دور المرء في وقاية المجتمع
فهل فكرت نساؤنا وبصفة خاصة الداعيات والنشطات في الدفاع عن حقوق المرأة بدراسة آثار الخمر في تفكيك الأسرة المغربية وتدميرها، وإذا كن قد فعلن فما هو العمل الايجابي الذي فمن به من اجل تقويم الأخلاق المعوجة، ومقاومة الخمر باعتبارها عاملا مدمرا للأسرة السيئ إن المرأة في الغرب وهي مناط القدوة لدى الكثيرات من نسائنا يقمن بدور فعال في مجال مقاومة الخمر والمخدرات والأمراض الاجتماعية الأخرى فخلطن بذلك بين عمل صالح وآخر سيء ، ولكن المرأة كالرجل في عالم العروبة والإسلام لا يستهوي الجميع ويروقه إلا الجانب السيء والمدمر. ان الكثيرات من نسائنا اللواتي ينصبن أنفسهن للدفاع عن حرية المرأة يعجبهن الاستشهاد بدراسة عن الحيوانات والعوامل البيولوجية المؤثرة في سلوك الحيوان، فلهؤلاء يقول العلم والطب أن الوظائف تختلف والأجهزة كذلك والدراسات عن الإدمان أثبتت أن الحيوان يقاوم الإدمان غريزيا ويرفضه رغم كل الوسائل والمغريات. والإنسان الذي يملك حرية الاختيار هو الذي يقدم على الإدمان، فيجب إذن أن نتحرك بدافع ما نملكه من قوة لكي يستعمل الإنسان القدرة على الفعل. في المجال الأنفع والخير للإنسان والمجتمع، وعلى المرأة ان تكون في المقدمة لتسهم في تحقيق معنى الحرية الحق والسليم.
الدعاة والنجاح في علاج الإدمان
وفي الإسلام الذي هو دين الفطرة ما يقوي العزائم ويشحذ الهمم، لتحقيق التوافق والانسجام بين خير الفرد وخير المجموع.
وفي مجال مقاومة السكر وعلاج الإدمان فان الدراسات والأبحاث في هذا الصدد أكدت أهمية العامل الإسلامي والتوجيه الديني، وإذا كان القرءان علاجا وشفاء مما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين فيجب على المصلحين والباحثين الاحتماء به والاستفادة مما يقدمه. وقد وضع الدكتور مالك بدري احد الباحثين السودانيين دراسة حول مدمن الكحول ودور الإسلام في إنقاذه تأكد لديه من خلالها « أن الأثر الروحي والنفسي للإسلام على المرضى العاديين بما في ذلك المعتمدين على المخدرات والكحول يفوق كثيرا ما يعتقده المعالجون النفسيون الغربيون ومقلدو الغرب.. وسواء كان المريض المسلم يشعر بأنه مذنب أم بأنه ضحية فان وجود الله سبحانه وتعالى وتأثيره على عباده سواء عن وعي منهم أو بدون وعي يعد ظاهرة ساحقة» وبعد ان تناول إلى القول: « وباستخدام نظامنا الخاص يمنح ثلاثة نقاط للبنود التي تعطي أقصى الأهمية ونقطتين للبنود التالية لها في الأهمية ونقطة واحدة للبند الذي يحوز على الرتبة الثالثة فان الحافز الإسلامي للامتناع عن المكسرات قد حاز على مجموعة نقاط بلغت 65 نقطة، ومن تم « كان معظم التوصيات التي اقتبسنا ها ذات طبيعة إسلامية» يجب أن يعودوا إلى الإسلام...» يجب أن لا يحتقروا أنفسهم وان لا يستسلموا لليأس.. ان الله يغفر الذنوب جميعا « والخلاصة « إنني على ثقة انه تم شن حملة طويلة المدى نتجه وجهة إسلامية.. فان مشكلة إدمان الخمر .. لن تكون بعد ذلك ذات أهمية خطيرة «مجلة المسلم المعاصر / عدد32/82».
الوعي وتنظيم العمل
ومن طبيعة هذه الحملة ان تعتمد على الكلمة الصادقة، وعلى التشريع والتنظيم المحكم حتى تعطي الثمرات الموجودة. فإذا قام العلماء بواجبهم في التوجيه والإرشاد، فإن الحكومة ملزمة بسن القوانين الإجرائية الكفيلة بتنفيذ حكم الله وشرعه، وأول ما يجب في هذا الصدد ان تتحرك الحكومة في اتجاه استكمال التشريع الموجود وتعزيز العمل لمنع المسكرات وتطهير مجتمعنا منها وإلا فإن الانفصام بين القول والفعل سيستمر وسينتج نتائج جد خطيرة، فكيف سيكون موقف المصلي الذي يخرج من المسجد يوم الجمعة، وكلمات الخطيب وتوجيهاته لا تزال أصداؤها ترن في أذنيه، ومع ذلك يجد بجانب المسجد او قريبا منه وفي الطريق العام الذي يمر منه الجميع شبابا في مقتبل العمر وبين أيديهم قنينات الخمر يعبون منها، ويتبادلون الكؤوس فيما بينهم، ويطهر المصلون إلى الإشاحة بوجوههم عن المنظر البشع المؤلم الذي يصدمهم في مشاعرهم وفي شبابهم وهو يضعون المنادل على مناخرهم اتقاء للرائحة الكريهة التي تزكم الأنواع؟ ام يندفع المصلون أو بعضهم لتغيير المنكر استجابة لأمر الله، وانسجاما لما يسمعه من التوجيهات والإرشادات من الأئمة والعلماء والوعاظ. وإذا فعلوا فهل سيقعون تحت طائلة المواخذة والعقاب؟ وهل سيصنفون ضمن التطرف والمتطرفين. في اعتقادي ان المسؤولية بالدرجة الأولى تقع على المسؤولين لتطهير المجتمع وحمايته من هذه الآفة وما ينتج عنها من الأضرار.
المجتمع المدني والتوعية
وكما يجب على المسؤولين أن يقوموا بواجبهم ودورهم الايجابي في صيانة المجتمع وحمايته فإن الهيئات ودورها الايجابي في صيانة المجتمع وحمايته فان الهيئات الاجتماعية والمهنية عليها كذلك واجبات في هذا الصدد. فهيئات الأطباء عليها واجب القيام بحملة توعية بواسطة المحاضرات والندوات والملصقات والأشرطة لبيان المخاطر الصحية والنفسية لتناول الخمر. كما يجب على الأخصائيين والاجتماعيين والنفسانيين والاقتصاديين ان يقوموا بدورهم في مجال مقاومة المسكرات بنشر الأبحاث والإحصائيات التي تبصر المجتمع بما يهدده من جراء بقاء الأمور كما هي.
التضامن من أجل المصلحة
ولعل تضافر الجهود سينتج عنه ما يجعل الجميع يطمئن على المستقبل وينظر بتفاؤل إلى الأجيال المقبلة وهي تنشا على العمل الجماعي لتطهير المجتمع، وتحريره من الأمراض الاجتماعية الفتاكة. ان الإحساس بالمرض ومحاولة تشخيصه مقدمة أساسية في الوصول إلى العلاج، وقد شعر الجميع بما ينتج عن تداول الخمر بين أفراد المجتمع. وما يترتب عن الإدمان من المخاطر. وقد أصبح الجميع وهو يردد الدعاء الذي كان عمر رضي الله عنه يردده اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، وبعد البيان فإننا ندعو حكومتنا والمسؤولين إلى اتخاذ الموقف الحاسم الشافي من الخمر. الا يفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
وحينئذ يكون الجميع قد أدى دوره وساهم في تحرير المجتمع تحريرا حقيقيا لأن المجتمع الذي يكون خاضعا للشهوات هو مجتمع يعبد هواه ومن اتبع هواه كان الأثر السلبي هو المصير الذي ينتظر.
إننا إذا تضافرت الجهود وساهم الجميع في العمل المبني على التوعية والتوجيه ستتحقق النتائج المرجوة في هذا الصدد، ولنا في تجربة الحركة الوطنية في هذا الباب خير دليل، إذ تمكنت رغم ضعف الوسائل وقلة الإمكانيات إلى علاج هذه الآفة بشكل لافت للنظر ليس في المغرب فقط ولكن في أكثر البلاد الإسلامية.
فلنعمل جميعا وشعار الجميع وبالأخص من أصيبوا بهذه الآفة قول الشاعر:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.