تحلّ الذكرى السابعة والستون لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في الحادي عشر من شهر يناير عام 1944، في الوقت الذي يواصل فيه المغرب ترسيخ البناء الديمقراطي على قاعدة الملكية الدستورية، وتعزيز الوحدة الترابية للمملكة والتصدّي بقوّة للمتآمرين عليها، وإرساء قواعد دولة الحق والقانون والمؤسسات، وصناعة المستقبل الآمن المستقر المزدهر الذي يعيش فيه المغاربة مواطنينَ أحراراً في وطن حرّ، يقود مسيرته المظفرة جلالة الملك محمد السادس نحو آفاق أوسع من التقدم والازدهار والأمن والاستقرار والتنمية الشاملة المتكاملة المتوازنة المستدامة. ففي مثل هذا اليوم قبل سبعة وستين عاماً، قدم حزب الاستقلال الذي تأسس من الحزب الوطني ومن شخصيات وطنية، وثيقة المطالبة بالاستقلال إلى جلالة الملك محمد الخامس، وإلى الإقامة العامة الفرنسية ممثلة لسلطات الحماية، وإلى ممثلي دول الحلفاء في الرباط، في حركة شجاعة باغتت الوجودَ الاستعماريَّ في بلادنا، فأصابته بالارتباك، وأفسدت عليه حساباته، وجعلته يتصرف باندفاع أهوج، تمثل في القمع الوحشي للمظاهرات التي انطلقت في التاسع والعشرين من الشهر نفسه، على إثر اعتقال القيادات الاستقلالية في الرباط، مما ترتب عليه اعتقال العشرات من الوطنيين المناضلين في كل من سلاوالرباط وفاس والدار البيضاء ومراكش، في مواجهة سافرة ضد الإرادة الوطنية التي عبرت عنها وثيقة الحادي عشر من يناير، ثم مذكرة الثامن عشر منه، بلغة قانونية صريحة لا لبس فيها، وبأسلوب سياسي متحضّر، عكس مستوى النضج ودرجة الوعي الوطني اللذين بلغتهما الحركة الوطنية الاستقلالية بعد مرور اثنين وثلاثين عاماً على فرض الحماية على المغرب، بإبرام معاهدة 30 مارس عام 1912 تحت الضغط والإكراه والتضليل والتدليس. لقد عكست المطالب الوطنية الاستقلالية الستة التي تضمنتها وثيقة الحادي عشر من يناير، التطورَ الكبيرَ الذي عرفته الحركة الوطنية المغربية التي انطلقت في أواخر العشرينيات من القرن العشرين، وتبلورت في مطلع الثلاثينيات، واستقرت في صيغة كتلة العمل الوطني في عام 1934، ثم في صيغة الحزب الوطني من أجل تحقيق المطالب المستعجلة في عام 1937، إلى أن ظهرت بالوضوح الكامل واستوت صيغة ً جامعة ً للعمل السياسي الوطني، في تأسيس حزب الاستقلال على هذه القواعد الراسخة في مطلع عام 1944. إن هذه المطالب الوطنية الستة تعبر عن إرادة الملك والشعب؛ لأنها صيغت بالتوافق بين جلالة الملك محمد الخامس، وبين قيادة الحزب الوطني الذي كان قد صدر القرار الاستعماري بحظره في خريف عام 1937. وتشمل هذه المطالب، الاستقلالَ، ووحدة الأراضي المغربية، وسعي الملك لاعتراف الدول بالاستقلال، وانضمام المغرب للدول الموقعة على ميثاق الأطلسي، ومشاركة المغرب في مؤتمر الصلح، وإحداث نظام سياسي ديمقراطي. وتلك هي المبادئ الوطنية السامية التي التزم بها المغرب بعد الاستقلال، وقامت على أساسها الدولة المغربية المستقلة. إن مطلبين من هذه المطالب الستة يكتسيان اليوم طابع الاستمرار، وهما تعزيز وحدة الأراضي المغربية، وبناء نظام سياسي ديمقراطي. وإذا كان المغرب قد نال استقلاله منذ خمسة وخمسين عاماً، وقطع أشواطاً واسعة في ترسيخ قواعد الدولة العصرية المستقلة ذات السيادة الكاملة، فإن خصوم الوحدة التربية للمملكة، لا يزالون يضعون العراقيل أمام استكمال تحرير التراب الوطني بصورة نهائية. وإذا كان المغرب قد أرسى أسس الديمقراطية على قاعدة الملكية الدستورية، وحقق مكاسب مهمة في هذا المجال الحيوي يباهي ويفتخر بها على الصعيدين الإقليمي والدولي، فإن الصعوبات التي تعترض سبيله والعراقيل التي تواجهه، تفرض عليه أن يواصل العمل الوطني الدروب، بقيادة جلالة الملك، لتعزيز البناء الديمقراطي واستكمال إعلاء صرحه، ليغطي المجالات كافة، وليحقق للمغرب نقلة نوعية في العمل بالديمقراطية والحكم الرشيد واحترام إرادة الشعب. إن الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي قادها جلالة الملك محمد السادس خلال العقد الأخير، تنعكس إيجابياً على قضية تعزيز وحدتنا الترابية. وبذلك يرتبط الماضي بالحاضر، ضمن منظومة متكاملة من العمل السياسي الوطني، تنخرط فيها الحكومة بقيادة جلالة الملك لبناء النظام السياسي الديمقراطي الذي يتفق في مبادئه وآثاره، مع ما يعرفه العصر من أنظمة ديمقراطية ناجحة تحقق التقدم والرخاء والازدهار للشعوب. إن الدروس المستفادة من إحياء ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، تتمثل في تعبئة الجهود والقدرات الوطنية للعمل بقيادة جلالة الملك، من أجل الحفاظ على استقلال الوطن، والسعي المتواصل لاستكمال الوحدة الترابية، والمضيّ قدماً على طريق بناء النظام الديمقراطي الراسخ القواعد، في إطار الملكية الدستورية الاجتماعية.