إعادة إنتخاب ادريس شحتان رئيسا للجمعية الوطنية للإعلام والناشرين لولاية ثانية    خارجية روسيا تتباحث مع دي ميستورا    "الأحرار" يحيي نصف قرن من المسيرة    جمعيات تتبرأ من "منتدى الصويرة"    وهبي يكشف قائمة "مونديال U20"    أندية مغربية تدخل المنافسة القارية    احتجاجات أكادير تحرك المياه الراكدة بقطاع الصحة.. غضب شعبي وزيارات للوزير تكشف الأعطاب المزمنة    تأجيل محاكمة الغلوسي إلى 31 أكتوبر تزامنا مع وقفة تضامنية تستنكر التضييق على محاربي الفساد    حاجيات تمويل الخزينة تقفز إلى 75.6 مليار درهم    إقصاء العداءة المغربية آسية الرزيقي في دور النصف من مسابقة 800 متر ببطولة العالم لألعاب القوى    "حركة ضمير": أخنوش استغل التلفزيون لتغليط المغاربة في مختلف القضايا    برادة: تعميم تدريس الإنجليزية في الإعدادي والأمازيغية في أكثر من نصف الابتدائيات    منتخب الفوتسال يشارك في دوري دولي بالأرجنتين ضمن أجندة «فيفا»    إنفانتينو يدشّن أول اجتماعاته بمقر "الفيفا" الجديد في الرباط    أخبار الساحة    ترسيخا لمكانتها كقطب اقتصادي ومالي رائد على المستوى القاري والدولي .. جلالة الملك يدشن مشاريع كبرى لتطوير المركب المينائي للدار البيضاء    مشروع قانون يسمح بطلب الدعم المالي العمومي لإنقاذ الأبناك من الإفلاس    الصين تشيد بالرؤية السديدة للملك محمد السادس الهادفة إلى نهضة أفريقيا    بعد طنجة.. حملة أمنية واسعة تستهدف مقاهي الشيشة بالحسيمة    حجز أزيد من 100 ألف قرص مهلوس بميناء سبتة المحتلة    مساء اليوم فى برنامج "مدارات" : صورة حاضرة فاس في الذاكرة الشعرية    ثقة المغاربة في المؤسسات تنهار: 87% غير راضين عن الحكومة و89% عن البرلمان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    ثماني تنظيمات نسائية حزبية تتحد لإصلاح النظام الانتخابي وتعزيز مشاركة النساء    ظهور جزيرة جديدة بفعل ذوبان نهر جليدي في ألاسكا    المغرب والصين يطلقان شراكة استراتيجية لإنشاء أكبر مجمع صناعي للألمنيوم الأخضر في إفريقيا    شركة عالمية أخرى تعتزم إلغاء 680 منصب شغل بجنوب إفريقيا    غرفة جرائم الأموال بفاس تفصل في ملف "البرنامج الاستعجالي" الذي كلّف الدولة 44 مليار درهم    شكاية أمام القضاء للتحقيق في عبور عتاد عسكري إلى إسرائيل عبر موانئ مغربية    تقنية جديدة تحول خلايا الدم إلى علاج للسكتات الدماغية        السجن المؤبد لزوج قتل زوجته بالزيت المغلي بطنجة    فرنسا تجمد التعاون مع مالي في مجال مكافحة الإرهاب وتطرد دبلوماسيين        إشهار الفيتو الأمريكي للمرة السادسة خلال عامين ضد مشروع قرار لوقف إطلاق النار في غزة يزيد عزلة واشنطن وإسرائيل دوليًا    "لا موسيقى للإبادة".. 400 فنان عالمي يقاطعون إسرائيل ثقافيا    زلزال بقوة 7.8 درجات يضرب شبه جزيرة كامتشاتكا شرقي روسيا    أسعار النفط دون تغير يذكر وسط مخاوف بشأن الطلب    الدّوخة في قمة الدّوحة !    سطاد المغربي يعين الصحافي الرياضي جلول التويجر ناطقا رسميا    الجزائر تهتز بهروب "ناصر الجن" وحلقة جديدة في صراع الأجنحة داخل الجيش و المخابرات.    الحضري يتوقع نهائي المغرب ومصر    المغرب في المهرجانات العالمية    شيرين وحسام حبيب يقضيان عطلة في "ماربيا"    الفنان مولود موملال: جمالية الغناء الأمازيغي وفاعليته التوعوية    إسرائيل تجمد تمويل مكافآتها السينمائية الرئيسية بسبب فيلم «مؤيد للفلسطينيين»    فيلم «مورا يشكاد» لخالد الزايري يفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان وزان    تسجيل 480 حالة إصابة محلية بحمى "شيكونغونيا" في فرنسا    الكشف عن لوحة جديدة لبيكاسو في باريس    350 شخصية من عالم الدبلوماسية والفكر والثقافة والإعلام يشاركون في موسم أصيلة الثقافي الدولي    الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني عنوان ندوة علمية لإحدى مدارس التعليم العتيق بدكالة    ألمانيا تقلق من فيروس "شيكونغونيا" في إيطاليا    خبير: قيادة المقاتلات تمثل أخطر مهنة في العالم    مدرسة الزنانبة للقرآن والتعليم العتيق بإقليم الجديدة تحتفي بالمولد النبوي بندوة علمية حول الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني    "المجلس العلمي" يثمن التوجيه الملكي    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية    الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



درس ثمين لثورة الفل والياسمين
نشر في العلم يوم 08 - 02 - 2011

استخلصت الشعوب والأنظمة السياسية العربية دروسا بالغة الأهمية من ثورتي الشعبين التونسي والمصري، بشكل رتب معه التاريخ نتائجه البديهية القوية، القاضية بحتمية انهيار الأنظمة الجائرة ونجاح إرادة الشعوب في فرض كلمتها وتغيير موازين القوى لصالحها، حتى وإن كانت محكومة بالحديد والنار.
إن حاكميْ تونس ومصر خانا شعبيهما حينما استجمعا مختلف القوى الدستورية والسياسية والاقتصادية بين يديهما، بتزوير الانتخابات وصنع البرلمانات وفبركة الحكومات واستقطاب الباترونات والجمعيات، من خلال تكتيل رجال المال والأعيان والنفوذ والبلطجية في حزب وطني للدولة حاكم ومهيمن، وتبويئه مركز الصدارة في المشهد السياسي زورا وبهتانا على الناخبين وظلما وعدوانا للمواطنين.
ونظرا لخيوط العنكبوت الواهنة الجامعة بين الحاكميْن وحزبيْهما الوطنييْن المُصطنعَيْن من طرفهما، استنتج مباشرة بعد اشتعال فتيل ثورة الفل والياسمين اختفاء مناضل الحزبيْن عن الأنظار وفرار كبار قيادييهما تاركين رئيسيْ الدولتين منفرديْن في المعركة، مواجهيْن للثوار والمتظاهرين بمفردهما، بحيث تلاشت في رمشة عين مختلف هياكل وأجهزة هذين الحزبيْن الإدارييْن الحاكميْن المنتشرة في أرجاء البلدين، وهو ما اتعظ منه باقي حكام الدول العربية والإسلامية، بالتفكير في التوقف عن صنع الأحزاب الإدارية في الدهاليس، بعد اكتشاف هشاشتها وانتهازيتها وعجزها عن التغلغل في أعماق المجتمع كمُعَبر حقيقي عن آلامه وآماله، وهي حكمة سبق أن خرج منها النظام المغربي خائبا حينما اصطنع لنفسه حزب «الفديك» سنة 1963، ليواجه حزبي الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، لكن سرعان ما تلاشى بعد إعلان حالة الاستثناء سنة 1965، وأعادت الدولة الكَرَّة بصنع أحزاب إدارية أخرى لنفس الغاية، فشلت في مواجهة الحزبين وفي استقطاب الناخبين في أجهزتها وهياكلها، وهي مخطئة اليوم بصنعها حزب الوافد الجديد، الذي بعد ثلاث سنوات لم يقو على التغلغل مجتمعيا ولم يهيكل ذاته تنظيميا وسارع في التربص بصانعيه، دفاعا عن انتهازيته وانتهازية الأعيان والسماسرة المختبئين في صفوفه.
ومن بين أهم أحداث ثورتي تونس ومصر موقف المؤسستين الأمنية والعسكرية في مواجهتهما للانتفاضتين الشعبيتين، حيث استخلص الرأي العام أن الحاكميْن بعدما عمَّرا في الحكم طويلا بشكل غير ديموقراطي صنعا مؤسسات أمنية فاسدة، نجحت في ترهيب المجتمع وخنق أنفاسه وقمع المعارضة والزج بالنشطاء السياسيين والراديكاليين في أعماق المعتقلات والمنافي وتقتيل الأبرياء وترميل النساء وتيتيم الأطفال، نفاقا وتزلفا للحاكمين تحت أجندة خارجية أحيانا وبتعليمات الحاكم الجائر أحيانا أخرى.
وإن تورط المؤسسة الأمنية بجانب الحاكميْن الجائريْن بلجوئها إلى استعمال مختلف وسائل القمع ضد الإرادة الشعبية جعلها تفقد سمعتها وهيبتها أمام الرأي العام المصري والتونسي بل حتى أمام الشعوب العربية والإسلامية والدولية، مما بات ضروريا معه على المنتظم الدولي حث الأنظمة السياسية على احترام مواثيق حقوق الإنسان الدولية القاضية، باحترام الحق في التظاهر السلمي وحرية التعبير وحرية الإضراب وحرية الإعلام وحرية الانتماء السياسي والنقابي والجمعوي.
لقد فضحت تجربة تونس ومصر واقع المؤسسة الأمنية العربية والإسلامية، وجعلت الرأي العام العربي والإسلامي يتخوف من هذا الأسلوب الانقلابي الخطير للمؤسسة الأمنية على إرادة الشعوب، مما يتعين معه تقييدها دستوريا وقانونيا بشكل قوي، حتى لا تكون أداة طيعة في يد رؤساء جائرين وتحرق الأخضر واليابس تزلفا لهم.
ويحظى المغرب بتجربة هامة بهذا الشأن حينما خرج التقرير النهائي لهيئة الإنصاف والمصالحة بخلاصة أساسية، مفادها أن بعد اكتشاف تورط الأجهزة الأمنية والعسكرية في بلادنا في الانتهاكات الحقوقية الجسيمة، أضحى الطي النهائي لهذا الملف يستلزم إصلاح مختلف المؤسسات الأمنية وإصلاح ومراجعة السياسة الأمنية ببلادنا، دون إغفال تقوية رقابة المؤسسة البرلمانية للإدارة المنية ، بما يتطلبه ذلك من تزويد لجان تقصي الحقائق البرلمانية الأمنية بالخبرة الأمنية والقانونية وتقوية آلية الأسئلة والاستماع المباشر من طرف البرلمان فيما يخص المسئولية عن حفظ الأمن والنظام العام، وهو ما يتطلب في الأخير الربط بين هاجس الأمن والتنمية الاقتصادية وحقوق الإنسان، ووضع قوانين رادعة في مساءلة مغتصبي الانتهاكات الحقوقية والحد من الإفلات من العقاب في حق كبار رجال الأمن.
وفي مقابل سلبية الأجهزة الأمنية بكل من تونس ومصر وعدمية حركية حزب الدولة بهما سجل الرأي العام المحلي والدولي إيجابية تعامل المؤسسة العسكرية مع المتظاهرين، بعد تمكنها من الوقوف ضد السلطة الحاكمة موقف الحياد الإيجابي حينا بتونس والحياد السلبي أو المرن حينا آخر بمصر، حيث رغم التعليمات الرئاسية بقمع الثورتين انتفض رؤساء أركان الجيش ضد ذلك، بالاستماتة بفيالقهم في الميدان حماية لأرواح المتظاهرين وللمرافق الحيوية الكبرى، بل حماية للمواطنين الأبرياء العزّل حتى من عنف الأمن والبوليس السري والعلني ومن البلطجية المأجورة والمدججة بالسلاح، مما دفع بالمتظاهرين إلى المناداة بسحب السلطة من الرئيسيْن الجائريْن ووضعها في يد الجيش، وهي سابقة في تاريخ البلدان العربية التي طالما ناضل شعوبها ضد الرؤساء الوافدين من الجيش كما هو الشأن بتونس ومصر.
إن الدرس التونسي والمصري جعل وظيفة المؤسسة العسكرية مرتبطة ارتباطا وثيقا بحماية الحدود وبالذود عن سيادة البلاد وبخدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي لم يعد هناك من داع في تلطيخ سمعة الجيش بالسياسة والسياسيين،حيث أبانت المؤسسة العسكرية عن فشلها في تدبير الشأن السياسي بالعديد من الدول كما هو الشأن في ليبيا والجزائر وتونس ومصر واليمن وموريطانيا والسودان والعراق وغيرها، بل لا تزال الذاكرة المغربية محتفظة بالسجل الأسود للجنرال أوفقير وتلامذته في تدبيرهم للشؤون السياسية بالحديد والنار في سنوات الجمر والرصاص، إلى حد التخطيط للانقلاب على النظام ذاته، وهي دروس وقانا الله شرها بالمغرب بفضل حكمة جلالة الملك قائد القوات المسلحة الملكية وتبصر وحنكة كبار جنرالات الجيش المغربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.