إذا كان عنصر الزمن مجمرة، فإن الإنسان المعاصر لم يعد يُطبخ فوق أثافيها المسْتعرة على مهل، إنما تصطليه أفرانه المقدودة من سُرعة وحديد، فلا يعرف هذا الإنسان المطبوخ إلى ما سيؤول في آخر العمر أو القبر؛ هل إلى نقانق أوبورغر؟؛ الجلي حسب ما سطَّر الباحث الفيزيائي الفرنسي «إيتيان كلين» أنَّا غدونا متواجدين في كل مكان، بفضل الانفجار الامتدادي، لشبكة الإتصالات ، لتبقى المسافة الوحيدة التي تنئينا عن كل الأمكنة في العالم، هي مدة الانتقال المادي للرسائل، والتي ما فتئت بدورها تتقلص وئيدا؛ فأي النتائج يمكن استخلاص جوهرها من مثل هذا الانفصال المكاني/ الزمني، الذي يغير علاقاتنا مع الآخرين والعالم؟؛ المحتوم أنه ما من شيء سوى الأنترنيت؛ لقد غدا الجميع يطمح بفضل انعتاق عبقرية هذه التقنية، إلى أن تتجدد الديمقراطية، وانتشار الثقافة، وتمتين مشاعر الإنتماء إلى العالم، وتقارب الشعوب، ومعرفة الآخر؛ ولكن يمكننا من وجهة مغايرة، أن ننظر الى كل هذه الماكنات المقصلية للسرعة، على أنها مجرد وهم كبير، سلف وأن خطرت في حدوس الفيلسوف النمساوي «لودفيغ فيتغينشتاين» عام 1940، حيث قال: «لقد كان الناس يعتقدون أن ملكا يمكن أن يجعلها تمطر. نقول إن هذا يتناقض مع كل تجربة. وانجلى اليوم أن الطائرة والراديو، وما إلى ذلك، هي وسائل لتقارب الشعوب ونشر الثقافة.»؛ لنقل إن سم عقارب الساعات ما يجري اليوم في أوردتنا بدل الدماء، وإذ نكتشف أن برامجنا قد امتلأت حد الإشباع، لايسعنا إلا أن نجحظ بالتعجب لاهثين؛ «الوقت يمضي سريعا!؛ كما لو أن الوقت ليس لديه أي شيء آخر يفعله سوى أن يتزوج بالإيقاع وحركاتنا؛ ولا يجد وهَناً في تطبيق مفهوم السرعة؛ إذاً، فاستدعاء مثل هذه السرعة من خلال السيل الزمني، سوف يعدم المعنى، مادامت (سرعة ما)، ليست سوى اشتقاق بالمقارنة مع الوقت!؛ إن هذا الإصرار في أن نواشج الوقت بالسرعة بوجه غير معقول، يبدو أطول أو مستبقاً لعلاقتنا بالحداثة!؛ فإذا ثابرنا على مطابقة الوقت أو الزمن مع مادية التحول، وغزارة المستقبل، وإيقاع تبادلاتنا، أليس لأنّا نعتقد أن ثمة الإبتكار والواقع الذي لا يني يكبر، والزمنية في الفعل؟؛ إنه ذات الوهم هنا أيضا، لسنا في الواقع، ضحايا للتسريع الزمني المفترض، إنما لتراكم الحاضر المتعدد؛ إننا في ذات وقت عملنا، ننظر إلى شاشات هواتفنا المحمولة، نصيخ السمع للراديو، ونفكر في أشياء أخرى أيضا؛ لنجزم أننا لمّا نزل نعرف كيف نفعل ذلك قويا في أعماق ذواتنا؛ بحيث يتبدى أن القلق ليس أقصر سبيل باتجاه الإبداع؛ وذا الكلم ما يفضي بنا تواً للرواية، وتكمن وظيفتها منذ اليوم في تعليمنا البطء، وأن تجعلنا متزامنين مع إيقاعنا الخاص، متناغمين مع خطية الزمن؛ لنقل إن القراءة، القراءة حقيقة، هي النقيض الصحيح لعادة النَّقْر التي ليست سوى رعاش للعصر الجديد؛ أليس مثلما ترقص بالأصابع، تتلف الأدمغة...!