درك الجديدة يوقف مروجا للمخدرات مطلوبا بموجب 14 برقية بحث وطنية    نحو مدونة سلوك أخلاقية للانتخابات: استعادة الرمزية السياسية في مواجهة تسليع الاقتراع    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بارتفاع    "جامعة موظفي التعليم" تدعو برادة للتسريع في الحسم بملفات التقاعد النسبي لأسباب صحية    رسائل للغرب .. الصين تعرض لأول مرة "الثالوث النووي" بحضور بوتين وكيم    تصفيات مونديال 2026.. المنتخب المغربي يواصل تحضيراته بواقع حصتين في اليوم استعدادا لملاقاة النيجر    القضاء الإداري يعزل رئيسة جماعة    "معطلون" بالناظور يعتصمون أمام مقر العمالة احتجاجا على غياب فرص الشغل    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    الدار البيضاء تحتضن الدورة ال23 لمهرجان "البولفار" بمشاركة 37 فرقة موسيقية من المغرب والخارج    بريطانيا تحظر بيع مشروبات الطاقة للأطفال دون 16 عاما    اسرائيل تطلق قمرا تجسسيا جديدا قالت إنه "رسالة إلى أعدائها"    اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال تشيد بالمبادرة الملكية لإغاثة غزة وتؤكد تشبثها بحل الدولتين    خبر سار للمغاربة: تخفيض أسعار أدوية أساسية لعلاج أمراض مزمنة    الألماني غوندوغان يلتحق بغلطة سراي    "البولفار" يعود في دورته 23 ببرمجة غنية تجمع 37 فرقة موسيقية    إنفاق أندية الدوري الإنجليزي يتخطى 3 مليارات جنيه إسترليني.. وليفربول ملك ميركاتو 2025    ماكرون يحذر إسرائيل بخصوص حركة الاعتراف بفلسطين    خربوشي ومحاح في تجمع إعدادي بكيغالي استعدادا لبطولة العالم للدراجات على الطريق    اخشيشن يتباحث بالرباط مع رئيسة لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس الشيوخ الفرنسي    في سابقة من نوعها بالمغرب والعالم العربي... الاستقلال يعلن عن تأسيس معهد وطني للتطوع    اتحاد طنجة يحقق انتصارًا كاسحًا على السعيدية في البطولة الوطنية لكرة القدم الشاطئية    الرئيس الصيني: لا سلام عالمي دون اقتلاع جذور الحروب وبناء علاقات متوازنة    بوتين يلتقي كيم جونغ أون في بكين    جماعة إيحدادن بالناظور تودع السيدة ثريثماس سقالي فداش إلى مثواها الأخير    شابة تضرم النار في جسدها بطنجة في محاولة لوضع حد لحياتها في مشهد مأساوي    كشك بساحة إيبيريا.. كان الأجدر أن يستفيد منه شاب يبحث عن فرصة شغل لا علامة تجارية تملك القدرة على الكراء    الدرك الملكي يتصيد الدراجات النارية المخالفة للقانون بالقصر الصغير وقصر المجاز وملوسة وأنجرة    تفاصيل الهزة الأرضية بتلات نيعقوب    كيوسك الأربعاء | إطلاق 694 مشروعا جديدا لتعزيز خدمات الصرف الصحى    الصين تسجل "الصيف الأكثر حراً" منذ بدء رصد البيانات    جبل جليدي عملاق عمره 39 عاما يذوب بعيدا عن القطب الجنوبي    دراسة تكشف أهمية لقاح فيروس الجهاز التنفسي المخلوي لكبار السن    شرب كمية كافية من السوائل يساعد على تخفيف التوتر        الولايات المتحدة تعلن تحييد "قارب مخدرات" قادم من فنزويلا            "الإصلاح" تتضامن مع ضحايا الكوارث    أمينوكس سعيد بالحفاوة الجماهيرية في مهرجان السويسي بالرباط    غموض مستقبل حمدالله بعد رغبته في الرحيل عن الشباب السعودي    رئيس النادي القنيطري يرد على "الاتهامات الكاذبة" ويؤكد عزمه الاستقالة بعد الصعود -فيديو-    تكهنات بانفصال لامين يامال عن نيكي نيكول بعد حذف الصور المشتركة    وجبات خفيفة بعد الرياضة تعزز تعافي العضلات.. الخيارات البسيطة أكثر فعالية    أثافي الشعرية الأمازيغية من خلال كتاب «الشعرية الأمازيغية الحديثة» للناقد الأمازيغي مبارك أباعزي    الدورة الثانية لمهرجان «سينما الشاطئ» تحط الرحال بالصويرة    "الحر" يطلق جديده الفني "صرا لي صرا"    تصريحات عنصرية في حق اهل الريف تثير استنكاراً واسعاً ومطالب بفتح تحقيق    80 فنانًا من دول مختلفة يشاركون في المعرض الجماعي للفن التشكيلي بتطوان    سماعة طبية معززة بالذكاء الاصطناعي تكتشف أمراض القلب في 15 ثانية        الإخوان المسلمون والحلم بالخلافة    الأوقاف تعلن موعد أداء مصاريف الحج للائحة الانتظار من 15 إلى 19 شتنبر    ليالي العام الهجري    جديد العلم في رحلة البحث عن الحق    الزاوية الكركرية تنظم الأسبوع الدولي السابع للتصوف بمناسبة المولد النبوي الشريف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرجل الأفقي
نشر في العلم يوم 14 - 07 - 2011


مقلوب يومي
مبيانك منحناه كلما علا يتناوبه الانكسار، ومرمى نظرك إلى الأفق، إنك تفترض دوما أن هناك تلتقي كل المتوازيات. يطغى على روعك أن هذا الخط هو للقاء والتلاشي في آن. المستوى غير محدود أبدا في دروب فضائك، وأنت تمر صباحا مستقيما بين نقطتين وحيدتين، في الغدو كما في الرواح. نقطتاك لا تعينان سوى مستقيم واحد بين المستقيمات بأسرها هو أنت. تتلمس أطرافك، وتتحسس أدواتك، وترنو لأفقك الطافي بالأشكال والأجسام، دون أن تأبه للكلام المشحون من حولك. تهفو، وتهفو فقط إلى أين تنشد مسلماتك. ولو أنها مرستك كثيرا؛ لا زلت تحاورها: أحلم هي أم حقيقة؟ منطق أم رياضة يومية؟.
ها أنت الآن في المفترق عند نقط الانحراف. قلبك معلق، والحق لا يؤخذ، والواجب لا يتوقف. في المفترق تراوح بين الخطوط كلها، إلا أنك تكتفي بقطعتك محددة الطرفين. وشغلك الشاغل أن تبحث عن نقطة ارتكازها لتعميد توازنك كل يوم. أنت من لا ينشد غير هذا التوازن، به قطعا تستطيع أن تفكك العمل اليومي إلى عوامله الأولية، فتوحد مقاماتك، وتغير ترتيب حدودك، وتسجل مقلوبك اليومي بسطه على مقامه. هذا السالب، وهذا الموجب. من وضع هذه الثنائية أصلا؟!. لماذا شغلوا الناس منذ البدء بهذه الثنائيات؟. تسأل، وتواصل. تواصل لعبة الإشارات.... ثنائيات ثنائيات. فكيف تقبل أن أي سالبين في هذا الكون يولدان الموجب؟ !.
إحساسك بالوهن إذ ينتابك؛ تبحث له عن أساس قوة تتعبأ بها. مزيدا من الطاقة إذن، وتشرع تنشر علاماتك نشرا أمام الأعين الناهبة. تتولاها بالتعميل والتجميع إلى أن تحصل على متساويتك المقبولة، فتحس ببعض الأمان. وإذا هم أضافوا شيئا إلى طرفيها، ها أنت في معترك آخر. وهكذا دواليك. حيرة إثر أخرى، وقفزة تلو القفزة قد تنتهي بك طبعا إلى معادلة. كل يوم معادلة جديدة، فأين الحل؟. تنفس الصعداء. إنه عملك اليومي في مستودع الأسرار عن المجهول كما تقول. مجهول الماضي، ومجهول الآن، ومجهول الآتي الغامض.
برهان رجعي
لما تريد البحث عن القاسم المشترك كبيرا كان أم صغيرا مع مجموعاتك المعتادة الأصلية منها والفرعية؛ جدير بك للغاية أن تبسط أمامها مسلماتك تماما، ثم تسأل عن رموز الانتماء والتضمين. وفي نهاية المطاف تتمكن ببداهتك أن تمسك على الأقل بكائن واحد مشترك وحقيقي. تجادل في تفكيكه إلى أن تؤطره في قيمة نسبية معينة؛ تعيش في حالة اطمئنان إليها لفترة ما، غالبا ما تكون قصيرة. بعدها تختلي تتقصى حوامل القضايا إلى خط الأفق، فتقيم البرهان مركبا الواحد تلو الآخر: بما أن.... نعلم أن .... ولدينا .... وبالتالي ... إذن.... وبما أن أخرى .... فإنه خط أفقي عند انتهاء النظر؛ تتقاطع عنده حتما جميع الخطوط المتوازية على نقاط هي المسماة نقاط التلاشي. تقف مشدوها: مذهل. مذهل!. عقبه تصدر تلك الآااااه. آه فرحانة وأليمة معا. هكذا تسمع، وهي تصدر من أعماقك.
بحثك ممتد لا يتوقف. صدقك تزعم أنه لا يتزعزع، كأي باحث لا يتردد في التقدم اطرادا بحكم حذر عقلاني حاد؛ اكتسبه من التدليل الذي لا يأتيه الباطل من يساره، ولا من يمينه. لكنك تتقطر حزنا لما تتذكر ما تعلمه جيدا. قناعتك أن السير في هذا الاتجاه لا متمم له، إذ هو بمحاذاة متاهات؛ سبلها شبه منحرفة، غير متوازية، ولا متساوية أيضا. فعند التوازي، أو التساوي يسهل التقدم، وتتيسر البرهنة. ومن أجل تلافي الضياع على تخوم ومنعطفات هذا التيه؛ غدوت تتفنن في المراوغة، وتحسن التخلص، حتى لا يبقى ميزانك خاسرا طول الوقت، رغم أن الربح والخسارة في هذا المضمار سيان حسب بعض الظرفاء من زملائك النافضين لأيديهم. من حرصك الشديد دحضت يقينك إلى أن أصبح نسبيا جدا جدا. لذلك عدت ترفض أن تقامر برهاناتك المتبقية.
نقطة التلاشي
لتفادي حيص بيص كما يقولون، تأتي عليك لحظات، تجلس للتأكد من سلامة طويتك، فتخلو لنفسك تحاسبها حدا بحد، أو على الأصح فأنت تحاججها في لماذا وكيف. يأخذك البرهان الرجعي مطولا. وعند الإشراف على إنهائه يتجلى لك أمر صاحبك في غاية الوضوح. فلو خلا لنفسه هو أيضا، لزحزح بالتدريج محور خيلائه حيث يدور مذ كان، ويتماثل كما أنه مجموعة النقط الوحيدة في هذا العالم ذات المركز الدائم، والشعاع الأطول، والقطر الذي تتطابق على ضفتيه كل أشكال الوجود. فعلا لو قوض مبيانه القطبي، لعاد معولا عليه في سرائها وضرائها، وأنقذ الوشائج التي أصبحت على شفا الحافة. فالفرصة متاحة أمام هذا القطب- وأمام أي قطب شبيه كما تسميه- ليستنبط شكلا لهمته، أو يتقوم في انبنائه على الأقل، كأن يصوغ المسافة الطبيعية بدون إفراط أو تفريط بالنسبة للآخرين، ويقايس خطه مضبوطا ليتقاطع وخطوطهم. فليجهد جهده في الأمر إن شاء.
هذا هو القاسم المشترك الأكبر. أتيت على هذا الاستنتاج، ثم أخذت تضع في مستوى جديد نقطا متباعدة ومتقاربة. هي منطلقات نتجت عنها زوايا متفاوتة للكائنات. كائنات ملآنة كما يكون الامتلاء عند البعض، وقائمة بالنسبة للقيمين الدائمين، ومستقيمة للمتفانين، ومتساوية للعادلين، ومحدبة للمعقدين، ومنفرجة للطيبين الطيبين، ومتكاملة للمتعاونين، ومتحاذية للمتشاركين، ومنعدمة للفارغين، وغير مسماة للمغلوبين. بعد ذلك انبريت رفقتهم تستدل عن الأبعاد، فداهم الجميع مشكل واحد. هو مشكل القياس وطرق تحصيله. فلكل كوسه، وهناك من يحسب الملآن منعدما، والمنفرج محدبا، فهل هذا تضليل؟. قلت: لا، إنها دوامة معايير في حلقات. فالأزمة العظمى في هذا العالم الخاسر هي أزمة معايير حقيقة. أجل أزمة معايير، وهي في أسها أزمة صدق. كثيرون من يتفقون حول هذا، حتى من هم على طرفي نقيض. صرت إذن في منطقة الريبة مشوشا، فما عليك إلا أن تختار. وقد اخترت فعلا ما يناسبك، ما يناسب جوهرك فقط، حقلك الخصيب من فرضياتك في جل الأمور. إنه ما تشير إليه وأنت تشيد مركز ثقلك. منه طففت تصوب متجهاتك. أما هو فقد تركته يضع نعيم أشكاله فوق خط الأفق، أو عنده، أو تحته. وكعادتك حذرته من أن الفوق ليس سماء (بعض أصحاب الفوق بعد أن استراحوا كثيرا، هاهم يطالبون بصحوة الضمير)، والتحت ليس قبوا (بعض أصحاب التحت لا يطالبون إلا بحقوقهم)، والعند أو البين بين ليست برزخا. بل هي وضعيات رأيته ما من مرة يقيم لها احتمالات، وينجزها بدوال متوالية؛ خطوطها متوازية لا تتعامد البتة، وبذلك تتجه حتما بلا شك إلى نقطة واحدة، هي نقطة التلاشي.
برهان مضاد
لم تصدق يوما ذاك الذي قال أن الماشي عكس التيار يصل. هذا ما أضحى من الأوليات لديك. إنه يصل إلى النقطة الوحيدة التي أخذت منك عمرا طويلا في البرهنة. وقليل من يدرك أنها مثل خلية تنمو بنمو الكائنات، لتعلن عن تلاشيها في وقت مناسب. ومن افترض عكس القضية، فليأخذ وقته في تحرير البرهان بالخلف. حسمت الأمر، إذن فليأتوا ببرهانهم إن كانوا صادقين.
ببداهتك تكتشف يوما بعد آخر أنه إلى الأحسن دوما مهمة المضي باتجاه الأفق. هذا مفروغ منه، ولو أنك سعيا لتحصيل المعلوم؛ ترتاد الكثير من المجهول، كما فعلت حين فرطت في كائنات لا يداخلك ريب في كونها من صلبك، واشتعل حنينك للعبتك المفضلة، فرحت بحبور تهندس الفراغ بإنشاءات لا متناهية في المستوى. وعند كل إنشاء تمني النفس بادخار المزيد من القوة اللازمة للقفز بحاملك إلى الأمام، كما كنت تلعب صغيرا بعود الريح. لقد كانت رمال المدى غير المنظور تهزم قوى الدفع، فتتعطل، وينكسر العود. أما الآن فمن باب تحصيل الحاصل، فإنك تنسق الوجوه، وتنشر أحرفها الجانبية بأعراضها وأطوالها، ثم تقابلها، وتناظرها، وهي تتناهى في الدقة إلى أن تعشي عينيك، ويغيب الأفق أمامهما. أشياؤك كلها غدت لتدوير أسطواني مزمن، وأقراصك انطبقت وهي تدور، وقد بدا لونها منفرا. إنه لون جيري مقيت- هكذا هجست.
لما هدك التعب، وضجرت، باهيت الذات بما كسبت. وللتطمين كررت أن المشاء لا يتراجع، وغالبا ما تحمله الأضلع إلى ارتفاعات مطلوبة ينشئ عليها مركز تعامده، فيقع على مبتغاه. سكت. تنفست عميقا عميقا. وفجأة انتصبت واقفا، محاطا بأشعة حيوية نورتك، وبدأت كما لو لأول مرة؛ تصمم أشكالا جذابة في الفضاء المرئي، وقد انفتحت أساريرك، وأنت تحاججهم في إنجاز برهان المساء الأخير... فلا هم لك إطلاقا- بعدما سلف- خلا متعة واحدة؛ هي التوغل داخل الذات والوفاء دون تناقض لمنطق المسلمات والنتائج. هذه متعة وجودك، وما سواها ، فهو محض هباء.
برهان المساء الأخير
برهن مستدلا بالشواهد ومستعملا الموضوعات المناسبة :
أن العلاقات البينية هي "مأرب لا حفاوة"، وأن "الأفقي هو نسيج وحده".
( حاشية : ورد في كتاب " تهذيب إصلاح المنطق " للخطيب التبريزي في باب ما يضم ويفتح من حروف مختلفة : "رجل أفقي : منسوب إلى الآفاق".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.