بووانو يرفض تصنيف البوليساريو "منظمة إرهابية"    رحلات جوية مباشرة تعزز التقارب الصيني السعودي: بوابة جديدة بين هايكو وجدة تفتح آفاق التعاون الثقافي والاقتصادي    المغرب يتصدر قائمة الدول الإفريقية المستوردة من تركيا    أمين الكرمة: بعد 104 سنوات من الوجود.. كان الوقت قد حان للفوز بهذا اللقب العريق    حي جوهرة بمدينة الجديدة : اعمى بريقه شاحنات الديباناج وسيارات الخردة.    حسين الجسمي: علاقتي بالمغرب علاقة عمر ومشاعر صادقة    الانخفاض يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    التامني تحذر من تكرار فضيحة "كوب 28"    الجمعية الدولية لعلم الاجتماع تعلّق عضوية نظيرتها الإسرائيلية وتلغي حضورها مؤتمر الرباط    إشبيلية: أخنوش يمثل جلالة الملك محمد السادس في مؤتمر الأمم المتحدة حول تمويل التنمية    بايرن ميونيخ يتجاوز فلامنغو ويضرب موعداً مع سان جيرمان في ربع نهائي المونديال    نهائي كأس العرش لكرة القدم: أولمبيك آسفي يتوج باللقب إثر فوزه على نهضة بركان    الكاف يكشف عن المجسم الجديد لكأس أمم إفريقيا للسيدات الأربعاء المقبل    كيف أصبحت صناعة التضليل في زمن أباطرة الإعلام المُسيّس منْجما ذهبيا للاغتناء الفاحش    استئنافية الرباط تؤيد الحكم الابتدائي الصادر في حق اليوتيوبر المهدوي في مواجهة الوزير وهبي    المغرب: الادخار الوطني بلغ 26,8 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي خلال الفصل الأول من سنة 2025 (مندوبية)    سلوك ‬جبان ‬وغادر ‬يؤكد ‬مجددا ‬الهوية ‬الإرهابية ‬للبوليساريو    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    تراجع أسعار الذهب إلى أدنى مستوى في شهر    الأمير مولاي رشيد يترأس بفاس المباراة النهائية لنيل كأس العرش لكرة القدم '2023-2024' بين فريقي نهضة بركان وأولمبيك آسفي    ميسي يقرر الاستمرار مع إنتر ميامي رغم اهتمام فرق الدوري السعودي    فاس.. الأمير مولاي رشيد يترأس نهائي كأس العرش بين نهضة بركان وأولمبيك آسفي    ماذا يجري في وزارة النقل؟.. محامٍ يُبتّ في ملفات النقل خارج الوزارة والسماسرة يُرهقون المهنيين    الجزائر.. الحكم على صحافي فرنسي بالسجن 7 سنوات بتهمة تمجيد الإرهاب    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين بالمغرب    قيوح ‬يجري ‬العديد ‬من ‬اللقاءات ‬والأنشطة ‬الوزارية ‬الهامة ‬في ‬إطار ‬منتدى ‬الربط ‬العالمي ‬للنقل ‬بإسطنبول    مقتل شخصين في إطلاق نار بشمال ولاية أيداهو الأمريكية    تصنيف ‬البوليساريو ‬منظمةً ‬إرهابيةً ‬سيكون ‬سقوطاً ‬لجمهورية ‬الوهم ‬و ‬إدانةً ‬للجزائر    شيرين تشعل جدلا في موازين 2025.. "بلاي باك" يغضب الجمهور ونجوم الفن يتضامنون    حكيمي يقود ال"PSG" لربع نهائي مونديال الأندية على حساب فريق ميسي    منظمة ببروكسل تدين الهجوم الإرهابي بالسمارة وتدعو إلى تصنيف "البوليساريو" تنظيما إرهابيا    أمن طنجة يتدخل بساحة أمراح لردع الوقوف العشوائي وتحرير مخالفات في حق المخالفين    عبد اللطيف حموشي يطلع على الترتيبات الأمنية لمباراة نهائي كأس العرش بفاس    حريق مهول بمنطقة خضراء بحي الشرف شمال طنجة تسبب في اختناق سيدتين    بدر صبري يشعل منصة سلا في ختام موازين وسط حضور جماهيري    اشتداد موجة الحر في جنوب أوروبا والحل حمامات باردة وملاجىء مكيفة    تنصت أمريكي على اتصالات إيرانية بعد ضربات واشنطن يكشف أن البرنامج النووي لم يدمر بالكامل    "ميتا" تضيف خاصية ملخصات الذكاء الاصطناعي إلى "واتساب"    14 قتيلا في غزة بغارات إسرائيلية    محكمة إسرائيلية تؤجل جلسة نتنياهو    حفل شيرين يربك ختام "موازين"    القفز بالرأس في الماء قد يسبب ضرراً للحبل الشوكي    طبيب يحذر من المضاعفات الخطيرة لموجة الحرعلى صحة الإنسان    الموفد الأمريكي إلى سوريا: اتفاقات سلام مع إسرائيل أصبحت ضرورية لسوريا ولبنان" ووقف إطلاق النار في غزة" سيبصر النور "قريبا"    كتابة الدولة المكلفة بالصيد البحري "تفند" مزاعم "تدمير الثروة السمكية" بميناء العيون    روسيا تشن هجوما هو الأعنف على أوكرانيا منذ اندلاع الحرب    خريبكة.. الفيلم الصومالي "قرية قرب الجنة" يحصد الجائزة الكبرى    "فرحتي كانت عارمة".. بودشار يحتفي بحفل جماهيري تاريخي في موازين    ماجدة الرومي تتألق في الرباط وتلتقي جمهورها المغربي ضمن فعاليات مهرجان موازين    موازين 2025 .. مسرح محمد الخامس يهتز طرباً على نغمات صابر الرباعي    تراجع تلقيح الأطفال في العالم يهدد حياة ملايين الأشخاص وفقا لدراسة حديثة    تراجع التلقيحات يعيد شبح الأوبئة .. والمختصون يطالبون بتعبئة مغربية    ضوء خافت يشع من العقل أثناء التفكير.. والعلماء يبحثون التفسير    ضجة الاستدلال على الاستبدال    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذكرى السابعة والثمانون لمعركة أنوال
محمد بن عبد الكريم الخطابي القائد الثائر المصلح
نشر في العلم يوم 18 - 07 - 2008

«في 10 ماي 1921 اجتمع 50 مندوبا عن فخذات بني ورياغلي الخمس وعن بقبوة وصعدوا في وفد إلى جبل القامة حيث قرروا تجنيد مائة رجل عن كل فخدة من القبائل وتعاهدوا على أن يظلوا متحدين وعينوا عبد الكريم قائدا لجيش مقاتلي لريف ففرض عليهم عبد الكريم أداء ما سيعرف ب(قسم القامة) الذي اخذوا فيه على أنفسهم إلغاء العرف القبلي في تسوية النزاعات ومسائل الفدية والثأر والعمل بأحكام الشريعة الإسلامية تحت مسؤولية قضاة معينين»
ذ. محمد السوسي
هذا النص أعلاه أوردته زكية داود في كتابها عن محمد بن عبد الكريم الخطابي وهو نص جدير بالقراءة المتأنية والتفكير العميق في مضامينه وخلفياته التاريخية ودلالاته التي تشي من خلال هذه القراءة المتأنية على عوامل كثيرة يتداخل بعضها في بعض لصنع مأساة المجتمع المغربي في انكساراته وانهزاماته التاريخية، كما يفصح عن عوامل الانتصارات التي عرفها هذا المجتمع في تاريخه القديم والحديث فإذا قرأنا النص قراءة تحليل لتشخيص الواقع الذي كان فإننا نلاحظ ما يلي:
1 - انعدام قوة عسكرية مؤمنة وقادرة على التصدي للغزاة وحماية الحدود والدفاع عن الأرض والعرض.
2 - انعدام الوحدة بين افراد الأمة حيث ان الخلل الأكبر جاء من تصدع هذه الوحدة ومحاولة كل قبيلة التصدي للعدو الدخيل بمفردها وعندما تنهزم لا تتورع في ان تكون عونا للمحتل على القبيلة المجاورة وهكذا دواليك وهذا أمر كان له اثر سلبي على القدرة الدفاعية للوطن في مواجهة الأعداء ومؤامراتهم ليس على المستوى العسكري فقط ولكن على المستوى السياسي كذلك فالمجتمع الذي يفقد الوحدة يفقد المقومات لأساسية لحماية نفسه من الأعداء والمتربصين.
3 - انعدام قيادة رشيدة ومنتخبة وتحظى بثقة الناس وتكون محط إجماع الناس الذين يعنيهم الأمر.
4 - عدم وجود وحدة قانونية وتشريعية يلتزم بها الجميع ويخضع لما تفرضه من أوامر وتوجيهات.
5 - ويترتب عن هذا الانفلات من أحكام الشريعة وأخلاقها وانعدام العدل والإنصاف والتكافل بين الأمة على اختلاف طبقاتها وحيثياتها الاجتماعية.
هذه هي السلبيات البارزة التي يمكن استخلاصها من هذا النص والتي جاء الشكل الايجابي لمعالجتها فإلى أي حد استطاع محمد بن عبد الكريم التصدى لهذه السلبيات في المجتمع الريفي حينذاك؟
ان المتتبع لما كتب عن ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي ولمواقف الرجل من هذه السلبيات يدرك ان هذا الرجل استطاع ان يؤسس جيشا من المتطوعين الأشداء الذين يتوفرون على عقيدة قتالية وإرادة في الجهاد والشهادة تعتبر مضرب المثل في هذا العصر، فهؤلاء الجنود المتطوعون علموا الناس ان الإيمان بالعقيدة وبعدالة القضية يجعل كل الصعاب تهون وهذه الروح الجهادية هي التي أهلتهم للصمود أمام القوة الغاشمة للاستعمار وليس الصمود فقط ولكن الانتصار وتحقيق المعجزات في سياق هذا الانتصار، وان هذه الروح وما تمتاز به من الانضباط والامتثال والوحدة أضفى على الأمة بكاملها روح الوحدة فصرنا نلاحظ ونرى كيف اندفع المواطنون في مختلف أنحاء الوطن يعتزون بهذه الثورة ويلتفون حولها، ويسعون إلى تقديم العون لها بكل الوسائل الممكنة لديهم وهذا ما نلمسه من خلال ما سجله التاريخ الأدبي والسياسي للمرحلة، فقد كان التعاطف مع الثورة والتقدير لزعيمها وقائدها أمرا ملحوظا لدى جميع فئات المجتمع المغربي وهو ما جعل الاستعمار الصليبي الفرنسي والاسباني على السواء يسعيان بكل الوسائل لتوجيه الضربات لهذه الوحدة والالتفاف حول الثورة وخلف جيش من العملاء
الذين يستطيعون في جميع الظروف أن يكونوا في ركاب الأجنبي مهما كان.
وليس المغرب وحده الذي تتبع هذه الثورة والتف حولها ولكن لعالم الإسلامي بكامله وكل الأحرار في العالم اد رأي فيها الجميع ثورة للفقراء والضعفاء والمقهورين على الاستعمار وجبروته وطغيانه انها الثورة التي رأى فيها الأمير شكيب ارسلان عاملا أساسا في عودة الثقة بالنفس إلى المسلمين لقد كانت هذه الثورة نقطة ضوء في ظلمة الانكسار الذي أصاب الثورة العربية في الشرق، كما كانت بارفة أمل بالنسبة للمواطنين لمغاربة الذين كانوا يستعدون لانطلاق عملهم الوطني وهكذا نرى أن هؤلاء الذين اجتمعوا في قمة هذا الجبل وأدوا القسم واستحضروا الأمراض التي أوصلت الأمة إلى ما وصلت إليه استطاعوا كذلك بهذا القسم الذي أداه هؤلاء المجاهدون على الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية أن يجدوا مخرجا لهم للتغلب على الإحن والأحقاد والانتقامات والانتقامات المضادة، لقد كانت هذه القبائل كغيرها من القبائل تتحاكم إلى أعراف وقوانين وضعتها لنفسها بعيدا عن أحكام الشريعة والحدود التي جاءت بها وهو ما كان يفسح المجال أمام (انفلاس) القبائل وأهل العرف فيها للتحكم في الرقاب وفي الناس وكان فرار هذا من قبيلته إلى القبيلة الأخرى لحمايته من تطبيق القصاص
وغيره مما يشعل فتيل الحرب بين تلك القبائل حيث يتصدى بعضها لبعض مما يزيد في تفتيت الوحدة، وخلق الفوضى والاضطراب وهذا ما يستهدف «قسم القامة» ان يضع الحد له بالتزام الجميع بأحكام الشريعة الإسلامية، وفي هذا تبرز شخصية محمد بن عبد الكريم الطالب السابق بجامعة القرويين والقاضي والصحفي والكاتب الذي خبر أمور الحكم بين الناس والاطلاع على المفاسد التي تتسبب فيها هذه الأعراف التي لا تستند إلى غير الأهواء والتي تكون عرضة للتنكر كلما كان احد الأطراف قادرا على ذلك ويتوفر على القوة التي تؤهله للتنكر والتنصل منها.
ولاشك كذلك ان لجوء محمد بن عبد الكريم إلى فرض هذا القسم في شأن التحاكم إلى الشريعة يتيح له كذلك ان يكون لجهاد هؤلاء الناس معنى آخر وليس المعنى الوطني فقط فإن هؤلاء المقاتلين سيضفي عليهم منذ اليوم ليس مقاتلين ضد أجنبي يحاول اغتصاب الأرض وخيرات الوطن فقط، ولكنهم كذلك يعتبرون حماة الشريعة والمدافعين عن الكتاب ولسنة وهو أمر له دلالته بالنسبة ليس لهؤلاء المجاهدين فقط ولكن كذلك الأمر بالنسبة للمسلمين جميعا.
وهذا ما يلاحظ فعلا من خلال التعاطف الإسلامي مع ثورة محمد بن عبد الكريم.
محمد بن عبد الكريم والإصلاح والشريعة
ان القائد محمد بن عبد الكريم وضع بهذا القسم المعركة في اتجاهها الصحيح فليست المعركة التي يخوضها بمعزل عن المعارك التي خاضها المسلمون من قبل ضد الصليبية ولكنها جزء متمم لها، ولاشك ان هذا القائد وهو يواظب على متابعة ما يصل إليه من مواقف دعاة النهضة والإصلاح في الشرق والغرب الإسلاميين وينكب على مطالعة كتب محمد عبده وغيره من دعاة السلفية ويقرأ في الصحف الاسبانية والشرق العربي ما يجري في الشرق والضجة التي أحدثها انتصار كمال أتاتورك في مواجهة الاستعمار والإشادة بهذا الانتصار من طرف الصحف العربية كل ذلك وغيره من ملاحظاته الشخصية وما راكمه من تجربة أثناء توليه المسؤولية في الإدارة الاسبانية أو في القضاء أو في الصحافة جعل الثائر يدرك أهمية التمسك بأهداب الشريعة وأحكامها وهو أمر كما كان مفيدا له محليا ووطنيا وعربيا وإسلاميا كان كذلك مما ألب عليه الاستعمار أكثر، لأن الاستعمار لم يأت للمغرب ليتيح لرجل ثائر مثله أن يعيد للشريعة مكانتها داخل المجتمع، وان يربط أواصر الوحدة بين القبائل الريفية والقبائل المغربية وبالتالي بين المغرب وبين بقية الأقطار الإسلامية، إنها أمور لا يمكن ان يقبل بها الاستعمار
ولا أن يرضى بها من رجل ثائر ولا من غيره، إذ لو قبل بها لكان قد أتى على الأهداف الاستعمارية من جذورها وأسسها.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن محمد بن عبد الكريم الخطابي قد مهد لهذا كما أسلفت بدراسة متانية وعميقة لأوضاع المجتمع المغربي والمجتمعات الإسلامية وقبل ان يخوض معركة السلاح خاض معركة قلمية ضد الاستعمار والعملاء من خلال ما كتبه من مقالات.
وسيكون هذا الحديث ناقصا إذا لم نطلع القارئ بنص من مقال لمحمد بن عبد الكريم كتبه في العقد الأول من القرن العشرين وهو يواجه فيه ما يروجه بعض العملاء الذين سخرهم الاستعمار لخدمة أهدافه في بلادنا يقول القائد الثائر في المستقبل والصحفي أثناء كتابة المقال:
»يا صاحب السعادة إذا كان قد غرك جهلنا نحن المغاربة وانفسح لك الميدان في هاته الايالة فرشقت نحونا سهام التدليس والغش والسخرية والتهكم فهؤلاء علماء الشرق وكتاب جرايد مصر والشام والقسطنطينية العظمى الذين نهضوا ليسصرخوا ويحملوا على السياسة الفرنصوية بالمغرب. هذه جريدة «المويد» قد كررت لهجتها وأسفها الشديد على صفا الجو لفرنسا في المغرب وهاتان جريدتا «العمل» و»اللوا» ينتقدان على دولتك وأنت نفسك قد أدرجت من مقالهما في جريدتك على سبيل الرد وفي معرض لانتقاد وحرت في أمرك حتى نسبت مقالتي الرصيفتين إلى كتاب صغار حملهم على ذلك التعصب الديني كما رميت وبهذا الكلام أيضا لمدير جريدة الاتحاد العثماني. هاته أربع جرائد إسلامية تعد في مصاف الصحف لكبرى قد رمت بسهم واحد ورأي متفق على أن دولة فرنسا خاينة للمغرب فاغرة فاها لابتلاعه وجعله من أملاكها الخاصة ولعل هاته الصحف قد أخطأت الصواب. ولم تدر من السياسة الفرنصوية شيئا أو حملها على ذلك التعصب الديني.« (أصول حرب الريف حرمان عياش الترجمة العربية ص:181)
فهذا القائد الثائر إذن كان يعرف ما يريد كما كان يعرف ما يريد الاستعمار فهدفه مناقض ومغاير لهدف الاستعمار ولم يقتصر الأمر على ذلك بل هو مطلع اطلاعا دقيقا على دور العملاء ولأي شيء يسخرهم الاستعمار كما يتضح من النص أعلاه أن هذا الإدراك لمرامي الاستعمار ودعاته لديه يقابله إدراكه لما يقوم به دعاة التحرر والإصلاح في العالم الإسلامي وفي المغرب فهو كان له موقف واضح في الصراع على السلطة في المغرب وعبر عن موقفه بصراح العبارة فيما كتب في الصحيفة التي كان محررا فيها. ومع ذلك فإن الاستعمار الاسباني يسعى للتأكد أكثر من حقيقة نوايا لرجل وهو ما عبرت عنه خلاصة التقرير الذي هيأه أحد عملاء الاستخبارات الاسبانية والذي جاء فيه:
1 - إنه يبغض الفرنسيين، ويسعى بالتالي إلى محاربتهم بجميع الوسائل التي هي في متناول يده.
2 - إنه يحلم بعظمة الأمة الإسلامية ويتمنى من أعماق قلبه استقلال الأقاليم الريفية التي ما تزال غير محتلة.
3 - إنه يمكن بالتأكيد مع نهاية الصراع لأوروبي الحالي إدخال تعديلات على المنطقة وشكليات الحماية الاسبانية: فالمنطقة ستصبح محدودة وستقتصر الحماية على الأقاليم المحتلة لخد الآن.
4 - إن حزب «تركيا الفتاة» يبذل جهده لإثارة كل العالم الإسلامي ضد الحلفاء.
5 - الانتفاضة تعني إعلان الحرب المقدسة ضد جميع أولئك الذين يحاولون اضطهاد الإسلام.
6 - إن والده، الفقيه السي عبد الكريم، وهو نفسه، انضما إلى الفكرة تحمسا لها وجعلا من نفسيهما بطلين لها، ولاشيء يمكن حملها على التخلي عن عزمهما.
7 - إن المهمة الأولى التي يجب إنجازها تتمثل في تعيين حكومة في المنطقة غير المحتلة يكون بإمكانها التفاوض مع اسبانيا بمجرد تشكيلها.
8 - إن النتيجة الأولى للعمل الذي سيقوم به مع والده هي فرض مساهمة حربية على بني ورياغل وسائر القبائل.
9 - ثم سيتم إنشاء جيش قصد توجيهه ضد فرنسا دون ان ينطوي هذا على أي تهديد لاسبانيا. من الحق أن قوة كبيرة من الحرس ستتمركز في كرت. إلا أنها لن تقوم بأية مبادرة مناوئة ما دامت قواتنا تمسك عن الزحف. إنها لن تقف إلا ضد هذا الزحف على أمل أن تعترف إحدى المعاهدات الموقعة بعد استثبات السلم في أوربا باستقلال الريف غير المحتل.
10 - إن والده لن تطأ له قدم مطلقا شبه جزيرة الحسيمة (النكور)، كما أنه لن يقدم أبدا إلى مليلية لزيارة سيادتكم.
11 - إنه يعتبر هو نفسه أن الاحتلال سيكون بمثابة ضربة قاتلة بالنسبة لبني ورياغل. وسينتصب ضده.
يتضح من خلاصة هذا التقرير الذي أنجز أثناء الحرب العالمية الأولى وقبل الثورة ان الاسبانيين يدركون أن الثورة قادمة لا محالة وهذا ما تحقق بالفعل وما أفضى إلى انهزام اسبانيا في المعركة الفاصلة في 22 يوليوز 1921 بأنوال وأدى إلى تأسيس الحكومة الوطنية بقيادة عبد الكريم الخطابي، ووضع أفكاره موضع التنفيذ وأسس حكومة محلية ووضع لها دستورا مكتوبا ومصادقا عليه في مؤتمر شعبي عقد لهذا الغرض انظر الحركات الاستقلالية ص139 وما بعدها.
ولذلك يعتبر إحياء ذكرى هذه المعركة في شهر يوليوز من كل سنة لتي دأب حزب الاستقلال على إحيائها منذ الاستقلال دليلا قاطعا عل اعتزاز حزب الاستقلال وزعيمه علال الفاسي وقيادته بانجاز محمد بن عبد الكريم الخطابي وبدوره الوطني والتحريري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.