باريس تؤكد نيتها الرد «بشكل فوري» و«حازم» و«متناسب» على قرار الجزائر طرد المزيد من الموظفين الفرنسيين    المنتخب الوطني يتأهل لنصف النهائي ويحجز بطاقة العبور للمونديال بفوزه على نظيره السيراليوني (1-0) في كأس إفريقيا لكرة القدم لأقل من 20 سنة    شبان المغرب يتأهلون إلى المونديال بعد بلوغهم نصف نهائي كأس إفريقيا    مؤسسة وسيط المملكة تحتضن اجتماعات المجلس الإداري للمعهد الدولي للأمبودسمان    المغرب يتوقع ارتفاع صادراته لمصر إلى 5 مليارات درهم بحلول 2027    الحكومة تقر بغلاء أسعار العقار بالمغرب وتؤكد أن برنامج دعم السكن حقق أهدافه    رسميا: أنشليوتي يقود منتخب البرازيل    بلجيكا تدين مغربيا متورطا في عمليات كبرى لتهريب الكوكايين ب 12 سنة سجنا    مندوبية السجون: الزفزافي استفاد من ثلاث رخص استثنائية لزيارة أقاربه المرضى    الخزينة العامة للمملكة تكشف المداخيل الجمركية    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    بوروندي تجدد دعمها الراسخ لمغربية الصحراء وسيادة المملكة على كامل أراضيها    أكادير.. الانطلاق الرسمي للدورة ال21 من تمرين "الأسد الإفريقي"    "حماس" تسلم الرهينة الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر للصليب الأحمر في غزة    15 فيلما مطولا تتنافس في الدورة 25 لمهرجان خريبكة الدولي للسينما الإفريقية    سلطات دار أقوباع تمنع تجار الفخار من احتلال الملك العمومي    حكيمي أفضل لاعب إفريقي في فرنسا    بابا ليو الرابع عشر يطالب بإنهاء العنف في غزة وإيجاد تسوية سلمية في أوكرانيا    حزب الاستقلال يعقد الدورة العادية للمجلس الاقليمي بالعرائش    طائرة طبية تنقل مولوداً مصاباً بكتلة في العنق.. وفرق طبية تتدخل بسرعة    مصرع شاب في حادثة سير مميتة بإقليم الدريوش    الحكومة تعتزم إحداث "وكالة وطنية للأطفال المحتاجين إلى الحماية"    الفنان سعيد الشرادي يحيي حفلا فنيا بمدينة مراكش    الطائر والمحار والسمكة.. عرض مسرحي صامت أبهر الصغار والكبار بالرباط برسائله العميقة وحِكَمه الصينية    أحزاب المعارضة بالبرلمان تقترب من إسقاط حكومة أخنوش وهذا مضمون الملتمس    الداخلية ترخص ل"الجمعية" بعقد مؤتمرها الوطني في بوزنيقة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مبيعات الإسمنت تجاوزت 4.52 مليون طن عند نهاية أبريل الماضي    القضاء يمنع مصطفى لخصم من مغادرة التراب الوطني بعد متابعته بتهمة تبديد المال العام    انعقاد عاجل للمجلس الوزاري يُغيّب أخنوش عن جلسة المساءلة في البرلمان    نداء العيون-الساقية الحمراء: الدعوة لتأسيس نهضة فكرية وتنموية في إفريقيا    أمريكا والصين تتفقان على خفض الرسوم الجمركية وتهدئة التوتر التجاري    حريق مهول يلتهم قيسارية عريقة في بني ملال وخسائر مادية جسيمة دون إصابات    نور الدين الحراق ل"رسالة 24″: القرار الجبائي الجديد في الهرهورة يهدد القطاع بالإفلاس    ترامب يشيد بالحصول على طائرة رئاسية فاخرة من قطر    أشرف حكيمي يتوج بجائزة "فيفيان فوي" كأفضل لاعب أفريقي في "الليغ 1"    الرجاء يحتفي بأطفال مدينة الداخلة    حزب العمال الكردستاني يعلن حل نفسه وإنهاء الصراع المسلح مع تركيا    شركة الدار البيضاء للخدمات تنفي توقف المجازر في عيد الأضحى    ماذا نعرف عن أسباب وأعراض متلازمة مخرج الصدر؟    النفط يرتفع أكثر من 3% متأثرا بالتفاهم التجاري بين أمريكا والصين    هذه هي حقيقة توقف مجازر الدار البيضاء في عيد الأضحى    الجيش الملكي يتأهل لعصبة الأبطال الإفريقية    ندوة علمية بالحسيمة تسلط الضوء على التراث الثقافي بإبقوين ورهانات التنمية السياحية    "ريمالد" تنشر لعثماني عن الحكومة    الآلاف يتظاهرون في باريس للتنديد بتصاعد الإسلاموفوبيا في البلاد    بطولة فرنسا.. ديمبيليه يفوز بجائزة أفضل لاعب في الدوري    المغرب والصين: تعاون استراتيجي يثمر في التصنيع والطاقة الخضراء    اختتام فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم بالحسيمة(فيديو)    الصحراء المغربية تلهم مصممي "أسبوع القفطان 2025" في نسخته الفضية    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهادات حية في حق رجل عاش أميرا ومات فقيرا: ندوة في السمارة تعيد مجد المقاومة وتأسس لمصالحة مع الذاكرة الوطنية في شخصية قائد تندوف لحبيب ولد البلال
نشر في العلم يوم 26 - 05 - 2014

عاشت مدينة السمارة، العاصمة العلمية للأقاليم الجنوبية، يومي 20-21 ماي الجاري، حدثا تاريخيا وصفه البعض بالسابقة في الأقاليم الجنوبية، كونه يأسس لمصالحة وطنية مع الذاكرة، اذ شكلت ندوة الاحتفاء بالمقاوم الصحراوي وقائد اركيبات الشرق ، لحبيب ولد البلال، شكلا من أشكال بناء الوعي الثقافي بتاريخ المنطقة من ساحل الجنوب الغربي للمغرب الى تخوم أرض لحمادة وتندوف، وإنصاف الذاكرة الوطنية في شخصيات صحراوية بصمت فترة الجهاد وبعدها فترة المقاومة في الصحراء.
حمل شعار الندوة " رجالات المقاومة ودورهم في الحفاظ على الوحدة الوطنية: الحبيب ولد البلال نمودجا " مجموعة من الدلالات الرمزية سنحاول التطرق لبعضها من خلال نقل مجريات اللقاء، والتأم اللقاء بحضور السيد عامل صاحب جلالة لمدينة اسمارة، رئيسي المجلس العلمي لكل من السمارة والعيون، السيد نائب الجنرال لابريكاد قائد الحامية العسكرية، السيد وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالسمارة،السيد مصطفى الكثيري المندوب السامي للمقاومة واعضاء جيش التحرير، المجموعة وازنة من الشيوخ والاعيان والمنتخبون وممثلي المجتمع المدني و رؤساء المصالح.
أما التنظيم فاٌقل ما يمكن القول عنه أنه كان ناجح على كل المقاييس: اللوجيستكية ،الأمنية والدبلوماسية المرنة التي مكنت من احتواء بعض الشطحات التي كانت تلمح من خلال بعض المداخلات للعصبية القبلية والحسابات الشخصية، هي شهادة عايناها واستقيناها من أفواه جل الحاضرين.
شهادات حية تخلد لذكرى رجل عاش أميرا ومات فقيرا
شكلت هذه الندوة الوطنية التي نظمها افراد من عائلة الفقيد المجاهد في شخص جمعية اولاد داود للتنمية والتكافل، مدخلا يجسد الانتماء العشائري، الوطني والمجالي بالمنطقة ، خصوصا وأنه يتعلق برجال من هذا الوطن صنعوا تاريخه بمواقفهم الثابتة تحث ظل نصرة الدين والإخلاص لروابط البيعة للسلاطين الذين تعاقبوا على حكم المغرب، حيث نحثوا من خلالها مجدا وعزة، جعلت المغرب صامدا أمام أي فتنة او تشردم، وسيظل هذا التاريخ بشكل او بآخر منارة الاجيال القادمة تنير سيرة أجدادهم وخطاهم كأمانة على عاتقهم تستحق الصون والدفاع.
وصف طه عبدة، في كلمة قالها باسم عائلة المقاوم، الجمع بالمبارك و أنه مختلف عن ما سبقه من اللقاءات نظرا لأهميته ولمكانة السيد البلال التاريخية، طالبا من كافة القبائل ان تكون مثل هذه اللقاءات مناسبة حقيقية من اجل كتابة تاريخ الصحراء بطريقة ترد الاعتبار للابطال الذين صنعوا مجد هذا الوطن وساهموا في بناء الشخصية الوطنية في الدولة المغربية، وقال "لا بد من كتابة تاريخ هؤلاء الاهرام الذين وضعوا اللبنات الاولى لبناء تاريخ المقاومة الصحراوية لحماية الوحدة الوطنية، و هو أمر لا يقل أهمية عن مشاريع التنموية بالأقاليم الجنوبية. طالما سيكون حتى يكون مرجعا للأجيال القادمة تحميهم من اي زيف للحقائق، قد يهدد انتمائهم ويشككهم في وطنيتهم، فتجعلهم بجهلهم للتاريخ لقمة سهلى بيد المغررين اعداء الوحدة الترابية، موضحا أن توفير المعرفة للشباب المغربي بخوص تاريخ اعلامه ، صانعي مجده، على غرار لحبيب ولد البلال، احمد ولد الخليل، ميارة، حمدي ولد السالك، وغيرهم، لحق من حقوق الانسان الذي لا يجب ان يغيب وفقا للمواثيق الدولية.
بدوره أضاف نائب رئيس المجلس الاقليمي للسمارة ان الرجل كان رمز الشهامة والكرم والتعفف، وساهم الى جاب رجلات اخرى في بطش يد المسعمر في هذه البقعة الطاهرة من تراب الوطن الحبيب وبالتالي فاعادة التاخريخ لهذا الهرم المقاوم ودراسة مواقفه وايديولوجية فكره الوطني سنساهم حتما في زرع روح المواطنة الحقة بين شبابنا الصاعد حتى يكونو مواطنين فخورين بماضيهم معتزين بوطنيتهم.
كشف السرد العفوي لخصال القائد لحبيب ولد البلال خلال هذين اليومين، عن مواقف عدة ميزت شخصية الفقيد المجاهد عن باقي المجاهدين بالصحراء، لقد تصدى الرجل بجمود الصخر لكل الاغراءات التي قدمها له المستعمر الفرنسي، والتي وصلت حد تنصيبه حاكما فعليا على الصحراء الشرقية، وتمتيعه و انصاره بالحماية والتوقير، لكنه اختار الانخراط في المقاومة ومحاربة الاستعمار الفرنسي، جنبا الى جنب اخوانه المغارب اثناء نفي السلطان محمد الخامس، حين انفجرت انتفاضة واسعة انخرط فيها المجاهدون الصحراويون، امام اتساع رقعة المقاومة في ربوع المغرب من أقصاه الى أقصاه، أعادت فرنسا صاغرة سلطان البلاد وملكها طيب الله تراه، ليعلن المغرب استقلاله في سنة 1956م.
حملت كلمة المندوم السامي للمقاومة وأعضاء جيش التحرير، الدكتور مصطفى الكثيري، رسالة الملك الراحل محمد الخامس تغمده الله برحمته الى قبيلة الركيبات يحته على التصدي للمستعمر والحفاظ على تماسك القبائل الصحراوية والصمود امام كل محاولات التغرير أو الفتنة، مشيرا الى ان المجاهد البلال عمد الى مفاوضة فرنسا سنة 1934 م لانتزاع ما يمكن انتزاعه لفائدة ابناء الصحراء فنجح في اخد العهد منهم على عدم المساس بتقاليد وعادات واعراف الصحراويين. واجبر العدو على اعطاء القبائل الصحراوية حرية التنقل دون قيد او شرط واستطاع الحفاظ على مغبية تندوف الى حدود 1950م.
وقال السيد الكثيري: "انه رغم المحاولات المتعددة ومناورات فقد حرس ولد البلال والمجاهدين على الوفاء لروابط البيعة التي تربط القبائل الصحراوية وإخوانهم من ابناء الصحراء بالعرش".
نضال الصحراء يروى بلسان أبنائها
الجميل في الأمر والذي نال استحسان الحاضرين، بعيدا عن أي قبلية أو اثنية أن الدكاترة المشاركين في هذه الندوة كانوا من ابناء الصحراء، لنسمع تاريخ المغرب من أفواه أبنائه وأبناء مقاوميه، وقد أبدعوا في إعطاء معالجة تاريخية ناضجة والتي تتماشى مع ما قاله الدكتور الودود ولد الشيخ في أحد كتاباته،" أن المعالجة التاريخية الناضجة.. لا تبدأ الا بعد أن نتقبل احتمال وجود النقص والشوائب ونتقبل المسافة التي تفصلنا عن الأجيال الغابرة، ومن أحسن المقدمات الضرورية التي تعيننا على ممارسة مثل هذه المفارقة المنهجية، الاطلاع على رؤية الآخرين لنا مهما أوغلت في القسوة.".
أكد الدكتور الباحث أحمد ماجد، وهو فقري أحد أبناء الركيبات الشرق، أن قبيلة الركيبات تعد أحد أكبر قبائل الصحراء التي تمتد من موريتانيا إلى الجزائر والمغرب، حيث حظيت القبيلة باهتمام الباحثين والدارسين الأجانب، مقارنة بالكتابات الوطنية التي لم تسلم من ثغرات وأخطاء ناجمة عن التصدعات بين أبناء المجتمع الواحد نتيجة طغيان الرواية على المصادر والمراجع المعتمدة،(انتهى كلام الباحث)، علما وكما يعرفه أهل الصحراء أن ريشة المستعمر خاصة الفرنسي قام بفبركة الحدود الجزائرية المغربية فقسم حسب التراب مجال الركيبات الشرق الى من هم ينتمون هوية وقانونا للمغرب والى من هم يحملون الجنسية الجزائرية.
اشتهرت قبيلة الركيبات بالمقاومة والجهاد ضد الاستعمارين الفرنسي ولإسباني، وانخرطت في الجهاد والمقاومة ضد الدخلاء النصارى بخوض حروب شرسة في عدة معارك، أورد الدكتور على أمجد، في مداخلته منها الكثير، نختزلها في اهمها وهي:(معركة الكويشيش سنة 1912، ومعركة اتدويدرارت سنة 1912، ومعركة أزيوزل سنة 1914، ومعركة لبيار البيض سنة 1914، ومعركة لكليب سنة 1916 ومعركة أم أغواب سنة 1922، ومعركة أمطلان سنة 1923، ومعركة تمبوكتو سنة 1923، ومعركة المعالك سنة 1924، ومعركة الطريقية سنة 1925، ومعركة ميجك سنة 1926).
اعتبر هذا الباحث الصحراوي، أن جهاد الركيبات ضد النصارى استمرارية للفكر الجهادي الديني الذي ينهل من الرؤية للتصوف الديني لجدهم الذي ينحدرون منه مولاي عبد السلام بن مشيش، وغيره من صالحي وأولياء المغرب المتشبعين بالثقافة الصوفية القائمة على الدعوة إلى الله وجهاد النصارى، والدفاع عن المقدسات والثوابت الوطنية.
تطرق المتدخل إلى مساهمة قبيلة الركيبات في جيش التحرير، حيث أكد أن الركيبات برهنوا عن وطنيتهم الصادقة واستماتتهم في الدفاع عن مقدسات البلاد، وبرز من قبيلة الركيبات قادة شاركوا في جيش التحرير من بينهم أبا الشيخ ولد السالك ولد أبا اعلي، وحبوها ولد عبيد، والبلال ولد هدى، دحان ولد فراجي، بوزيد ولد بي، سلمى ولد سيدي مولود، مولاي ولد الداه، الحافظ ولد علي، خليلي ولد محمد البشير، محمد سالم ولد الدخيل وغيره من المقاومين الأجلاء الصحراويين.
في دلالات الانتقال من الجهاد إلى المقاومة، قال الدكتور أمجد: أن هذه الاخيرة تشكل مدخل أساسيا ومرتكزا إيديولوجيا في تبرير مشروعية الدولة وصياغة خطابها الوطني القومي، من منطلق اعتبار التاريخ معين لإنتاج هذا الخطاب، وبلورة مقومات الدولة الوطنية التي شكلت قطيعة في تاريخ المجال بالتحول من سيادة القبيلة بتنظيماتها المختلفة نحو قيام الدولة.
مشيرا الى أن رمزية الاحداث التي بصمت تاريخ هؤلاء الشخصيات التاريخية، تفسر الاهمية التي أولتها الدولة عبر مؤسساتها الرسمية لتدوين تاريخ المقاومة خاصة في الصحراء في سياق صراع دولي، جعل من كتابة تاريخ المقاومة أداة للترافع السياسي ولتبرير المشروعية التاريخية وفرض على هذا التاريخ المكتوب أن ينضبط لقواعد ولحدود معينة تصنع الخطاب الرسمي حول الصحراء.
كانت مداخلة الدكتور الباحث محمد بوزنكاد، أستاذ التاريخ في جامعة ابن زهر باكادير، كما أنه أحد أبناء أيتوسى المشهود لها بالكفاح والنضال الغائر القدم في تاريخ الوحدة الوطنية، أقرب إلى المعالجة الموضوعية للحظة التاريخية الراهنة، بما تحويه من تغرات وسبل تصحيحها،و قال أن الكتابة أملت على الباحثين "إعمال منهج وصفي سردي سطحي يغيب فيه التحليل والعمق في تدوين تاريخ المقاومة بالصحراء، وخلق وعي جماعي أملى على المستجوبين ممارسة انتقائية شديدة في الحديث عن هذه اللحظة السياسية"
ربط الباحث شخصية الحبيب ولد البلال بالمجال، لأن هذا الاخير اشتهر بورعه وارتفاع المنسوب الديني لديه وحرصه على تربية أبنائه تربية دينية بالموازاة مع مشروعيته الحربية، وبالتالي فقد كان نموذجا للزاوي المحارب الذي يمزج بين حمل السلاح وطلب العلم والعبادة، وهي المقومات التي استعصى على غيره اكتسابها داخل الصحراء ، وتطرق الى جانب من شخصية الراحل اذ اتميز بالزهد الذي يمثل بحق نموذجا للنخب الصحراوية التي لم يكن للقوى السياسية سواء فرنسا أو المخزن إلا استيعابها وتزكيتها في موقعها على رأس قبائلها والاستفادة من امتداداتها ونفاذيتها وتأثيرها الممتد.
و قال متحدثا عن المقاومة بالصحراء أنها أحدثت قطائع عميقة في النسق السياسي للمجتمع الأهلي بالصحراء بما انتجته من عصبية دينية ووطنية مفارقة ومناهضة للعصبية القبلية التي اطرت تاريخ المجال ووجهة فعله السياسي والعسكري سابقا وبما أفرزته من حركية سياسية كبيرة كان لرجالات الصحراء دورهم فيها كما هو الشأن بالنسبة للقائد لحبيب ولد البلال الذي قد تشكل سيرته مدخلا لدراسة فترة دقيقة من تاريخ المجال الذي تحول الى مجال للتدافع بين مجموعة من القوى الدولية وشكلت المقاومة التي اتخذت في البداية صفة الجهاد لتستند الى مرجعية دينية كأداة لحصر هذا المد الإمبريالي.
واصل قوله ان المقاومة كانت مرتكزا من المرتكزات التي استندت إليها الدولة في انتقاء مخاطبيها ونخبتها بالصحراء وظلت حبيسة هذه اللحظة التاريخية التي أنتجت معنى سياسيا مخالفا لما نراه، مما يفرض على الباحث في تاريخ المقاومة بالصحراء دراسة هذا التاريخ على ضوء هذه الاعتبارات والسياق السوسيوثقافي الذي وجه السلوك السياسي لأعيان الصحراء وعامتهم، الأمر الذي يخدم العمق التحليلي والفهم الحقيقي للمجتمع الأهلي المحلي في سياقه التاريخي.
منهجية إعادة كتابة تاريخ المقاومة بالصحراء
يرى الباحث بوزنكاد، أن حقبة المقاومة التي نتحدث عنها خاصة المرتبطة بتجربة جيش التحرير في الصحراء، تنتمي لحقبة تتميز بمجموعة من الخصائص، كونها مرحلة تأثيرها لا يزال يمتد في الحاضر بتفاعلاته وارتداداته ومعايشة عدد كبير من الرجالات خاصة في الصحراء لهذه التجربة.
ولفت إلى تأثير هذه الفترة ومخرجاتها في ترتيب العائد السياسي والمادي، وبالتالي دور هذه المرحلة في إنتاج النخب المخزنية في الصحراء، هذا بالإضافة إلى الحساسيات التي تطرحها دراسة هذه المرحلة في سياق قبلي وعشائري يولي مكانة خاصة للبعد الاعتباري والرأسمال المعنوي الذي على أساسه يتحدد التفاضل والتمايز.
وبالنظر لهذه الاعتبارات، يرى الباحث أن هذه المرحلة تندرج في إطار التاريخ الراهن الذي يدرس هذه الفترة الحاضرة الراهنة المتميزة بخصائص مختلفة تلقي مسؤولية أكبر على الباحث بالنظر للمحاذير التي تطرحها دراسة هذه الفترة.
خلص الدكتور بوزنكاد إلى أن دراسة سيرة لحبيب ولد البلال تصلح كمنطلق ومدخل لدراسة جانب مهم من التاريخ السياسي للصحراء في مرحلة انتقالية مهمة، تفضي بنا إلى الخروج بخلاصات منهجية تستشرف أفاق مستقبلية لإعادة البحث في تاريخ المقاومة بالمغرب عامة وبالصحراء بشكل خاص.
تفاعل ساخن بين الحاضرين والمحاضرين أغنى اللقاء
كشف النقذ البناء خلال فعاليات اللقاء، الذي سجل حضورا وازنا من أشراف وأعيان قبائل الركيبات باختلاف فخداتها بالساحل أو الشرق، وممثلين عن القبائل الصحراوية الأخرى، وبعض فعاليات المجتمع المدني الناشطة بولايتي العيون وكلميم، وعائلة الفقيد المجاهد وأبناء أصدقائه و رفقاء دربه في المقاومة، عن مجموعة من النقط الهامة التي يجب استدراكها حتى يعاد كتابة التاريخ المغربي في شقه المتعلق بالمقاومة بالصحراء في صياغته الحقة، صياغة ترد عن كل زيف أو قرصنة، و تصحح مغالطات الكتابات الاسبانية والفرنسية ذات الطابع الاستعماري الاستعلائي، وما يبصم مضامينه من احكام مسبقة ناهيك عن طابعة الوصفي الغالب والمغيب للحقيقة التاريخية، خصوصا بعد أن اجمع الحضور على ان هذه الحقيقة التي تشكل الحيز الغني من التاريخ الراهن للمغرب، لا تزال سجينة ذاكرة الصحراويين ممن عاصروا حقبة المقاومة وساهموا فيها.
حول اللقاء بثقل المكانة الاعتبارية للمشاركين و الحاضرين، واختلاف الأجناس من شيوخ ،نساء ،شباب وأطفال أيضا، قاعة دار الثقافة الى مدرج جامعي تتناثر فيه كلمات الحق في مسار الرجل من أفواه شهود عيان وبعض رجال المقاومة بالصحراء كحبات غيث خجولة، حتما ستملأ السيل غدا جارفا كل المغالطات المغرضة، و انصهر النقاش بوصف الندوة نوع من المصالحة مع جنبات من تاريخ المغرب لم تأخذ للأسف حقها في التنقيب والتدوين وظلت جلها شفهية بل حبيسة ذاكرة تأبى النسيان.
ولد البلال داخل اطاره التاريخي
هو لحبيب ولد البلال ولد احمد الكيحل، ولد بهاها، ولد سيدي علال، ينحدر من قبيلة الركيبات أبناء القطب الزاهد عبد السلام بن مشيش، حفيد إدريس الأول، ازداد سنة 1904م بالساقية الحمراء، ونشأ في نواحيها ما بين أكيدي وتندوف لحمادة إلى واد درعة شمالا، ورث قيادة القبيلة عن والده البلال وجده أحمد الكيحل.
واستقر ولد البلال في الناحية الشرقية من الصحراء المغربية، وهو ابن خيمة الشرف والكرم والرأي السديد في أوساط أهل الصحراء آنذاك حتى سنة 1934م، من القرن الماضي، سنة "ملك لحكامة". ، حيث أن الاستعمار الفرنسي والاسباني قسم المنطقة إلى ثلاثة مناطق؛ فرنسا الجنوب موريتانيا، فرنسا الشرق لنجيري تندوف وبشار والجهة الغربية لإسبانيا، كما بسط القائد لحبيب نفوذه في الجهة الشرقية ككل، مما اضطر فرنسا إلى كسب وده، وتوقيع معاهدة معه، تضمنت: إبقاء عادات أهل الصحراء على حالها، حرية التنقل في الرعي، عدم تدخل فرنسا في ملك العبيد، وهذه عمت الشروط المنطقة كلها.
وفي سنة 1945م، قامت فرنسا بحفل كبير على شرف القائد لحبيب ولد البلال وأطلق عليه اسمه بمدينة أم كرين، وشاركت فيه جميع القبائل ونصبت فيه الخيام ومسابقات الإبل والخيل، وأعطيت فيه الجوائز وذلك بحضور الحكام الفرنسيين وتم تكريم القائد لحبيب بوسام رفيع وسلهام وعديد من السلاح، ودام هذا الحفل أسبوعا كاملا يطلق عليه أهل الصحراء "روانتة لحبيب البلال".
بعد هذا الاتفاق من طرف فرنسا وإسبانيا من جهة وقبائل الصحراء من جهة أخرى، ولأن فرنسا كانت تواجه حربا طاحنة في الجنوب من طرف قبائل الصحراء وخاصة الركيبات التي كانت تقود هذه المعارك، وبعد هذه السياسة الناجحة للاستعمار الفرنسي والإسباني استتب الأمن في أرجاء المنطقة وخاصة المنطقة الشرقية التي كانت تحت نفوذ القائد لحبيب ولد البلال، حيث كانت فرنسا آنذاك لا تطلب بطاقة تعريف من أي أحد تابع لنفوذ القائد لحبيب، ويكفي أنه من جهته وعلى حساب موالاته.
وبقيت هذه الحالة شائعة في أوساط المجتمع الصحراوي حيث عم المنطقة نوع من الرخاء والأمن ومساعدة السكان ماديا ومعنويا من طرف المستعمر، وأيضا نزول الأمطار خلال هذه السنوات من 1934 م إلى 1953، وحينها نفي الملك محمد الخامس من طرف المستعمر الفرنسي، ولأن السلطان شخص مقدس عند أهل الصحراء عامة وعند الركيبات خاصة، بدأت في هذه الأثناء الحركة الوطنية يتسع نفوذها من داخل المدن المغربية إلى جنوب الصحراء، وذلك عن طريق المساعدات التي قدمها أعيان القبائل الذين يتوفرون على إمكانيات مادية ومعنوية.
وفي خضم هذه الظروف الصعبة عاد الملك محمد الخامس من المنفى وعمت الفرحة في أوساط السكان وبدأت الزغاريد و الأناشيد في جميع أنحاء البلاد، وبدأ شيوخ وأعيان القبائل تواصل تجمعاتها عند خيام أهل أبا علي بناحية لحمادة قصد تقديم البيعة والولاء للملك محمد الخامس، وانضم إلى الوفد عدد كبير من أعيان القبائل حين وصلوا مدينة كلميم ثم انتقلوا إلى الدار البيضاء، واجتمعوا عند منزل الشريف المجاهد الركيبي مولاي إبراهيم والذي كان يستقبل الوفود بحسن الضيافة والكرم ومهد لهم الطريق للذهاب إلى القصر الملكي بالرباط.
وقاد لحبيب هذا الوفد الكبير من أعيان القبائل من اجل تقديم البيعة و الولاء لجلالة الملك محمد الخامس و تهنئته بعودته سالما الى ارض الوطن.
انتقام فرنسا بعدها الجزائر والبوليساريو من عائلة القائد الهمام
علمت فرنسا بذهاب القائد لحبيب و الوفد المرافق له إلى المغرب حاولت استمالته وتليين موقفه الصارم وذلك بتعيينه حاكما على الصحراء، وإعطائه جميع الضمانات و الامتيازات فرفض رفضا باتا فقال لهم أنا ذاهب إلى بلاد الإسلام و إلى سلطان المغرب.
فبدأت تضيق عليه الخناق وعلى عائلته فصادرت أمواله وإبله و ممتلكاته وخدمه التي كانت تتواجد بنواحي تندوف كما صادرت كذلك عدد كثير من الإبل للقائد عبد الله ولد سعيد ولد رابح الذي كان ضمن الوفد و هو من أعيان قبيلة الرقيبات الفقرة.
وفي أثناء لقاء الوفد مع جلالة الملك محمد الخامس طلبوا منه مساعدته على تحرير البلاد التي ترزح تحت نير الاستعمار وان يمدهم بالسلاح و العتاد كما انخرطت جميع الوفود المشاركة في تقديم البيعة و الولاء في الطلائع الأولى لجيش التحرير ومن ذلك ظل القائد لحبيب يواصل عمله الوطني و الدفاع عن حوزة الوطن وبقي صامدا في موقفه حتى حظي بلقاء جلالة الملك محمد الخامس ومعه القائد الشجاع مولاي ولد محمد البشير وسلمهم رخصة شاحنة لكل واحد منهم انطلاقا من الدار البيضاء وذلك سنة 1960م، واستفاد بعد ذلك من رخصة سيارة انطلاقا من كلميم سنة 1967م، وبعد ذلك التحقت به أفراد عائلته إلى كلميم التي كانت بنواحي تندوف.
وبقي مقيما في كلميم حتى وافته المنية سنة 1973م، وبقيت عائلته تستفيد من كراء الرخص حتى ظهرت حركة البوليساريو فبدأت الأمور تتغير شيأ فيشأ وبعض الخونة الذين الخير للمغرب يفرقون بين هذا وذاك للحصول على مأرب شخصية ومادية" زمن الرصاص" .
في هذه الظروف تمت الاختطافات والسجن في أوساط العائلات المعرفة بوطنيتها مثل عائلة القائد لحبيب ولد البلال. الذي تم اعتقال زوجته سلم بوها منت أعبيد والتي كانت متحجبة لا تنظر إلى الأجانب طول حياتها، وزج بها في السجن مدة عامين وفر أبناءه إلى الجزائر خوفا من الاعتقال أما بناته الأربع فبقين في الدار المتواجدة بكلميم، وإما ابنه الأكبر البلال ولد لحبيب كان قائدا بتندوف بعد ذهاب والده الى المغرب، وقد التحق بوالده بعد دخول الجزائر إلى تندوف وعين خليفة قائد الزاك وبدأ يزاول عمله إلى أن زج به في السجن في قلعة مكونة بدون سبب هو و العديد من الشخصيات الأخرى وذلك للتخلص من هؤلاء الشرفاء المخلصين للوطن و الملك.
وفي هذه الظروف السيئة تم سحب الرخص من طرف الإدارة آنذاك حتى ألان، مع العلم آن العائلة طالبت عدة مرات باسترجاع الرخص عن طريق الإدارة ولم يجدوا أي اهتمام أو إذن ساغية و النسخ من الرخص المسحوبة مرفوقة مع الملف هي و العديد من الأوسمة و النيشان و الشهادات التقديرية للقائد المجاهد لحبيب ولد البلال. من بينها وثيقة سامية من الجلالة الشريفة تحث سلطات اكادير على تقديره واحترامه وشذ ازره سنة 1960م. شهادة ووسام من محمد امين باشا باي المملكة التونسية سنة 1950م. شهادة تقدير من الحاكم الفرنسي في الجزائر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.