وسط اشتباكات وأعمال عنف بين متظاهرين وقوات الشرطة، أقرت النيبال، أمس الأحد، أول دستور ديمقراطي في تاريخها، وذلك في خطوة تاريخية لبلد طالما عانى من أحداث سياسية عنيفة وكوارث طبيعية مدمرة منذ عقود طويلة. وأقر الرئيس النيبالي، رام باران ياداف، رسميا الدستور الجديد الذي يهدف إلى توحيد البلاد ودعم تماسكها وتعزيز مؤسساتها بهدف إنشاء دولة حديثة، لكن يبدو أن ذلك سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع وإذكاء الانقسامات والتفرقة بين فئات الشعب، لاسيما في المناطق الجنوبية للبلاد.
وأعلنت الجمعية التأسيسية في النيبال أن مسودة الدستور الجديد للبلاد حصلت على أغلبية ساحقة بتأييد 507 من الأعضاء واعتراض 25 فقط.
وأعربت الحكومة النيبالية، في تصريحات صحفية، عن سعادتها بالتوصل إلى هذا الإنجاز، مبرزة أن "الدستور الذي تم الإعلان عنه هو نتاج سنوات طويلة من نضال الشعب النيبالي"، ومؤكدة أنه "يلبي طموحات ومطالب كل فئات المجتمع النيبالي بأسلوب ديمقراطي وشامل".
وأوضحت الحكومة أن "وجود دستور يعتريه بعض النقص أفضل من عدم وجود دستور على الإطلاق"، مضيفة أنه "يمكن تعديل بنود الدستور لكي يستجيب لطموحات الجماعات والأطراف المناهضة له". وتفيد التقارير الصحفية بأن الاشتباكات وأعمال الشغب، التي شهدتها مناطق متفرقة من النيبال، خلفت أمس مقتل شخص واحد على الأقل وإصابة عشرات آخرين على يد قوات الشرطة التي أطلقت نيران أسلحتها على متظاهرين تحدوا قرار حظر التجول الذي فرضته السلطات، خاصة في جنوب البلاد. ودعت أحزاب المعارضة في النيبال إلى شن إضراب عام، وذلك تعبيرا منها عن الاحتجاج على إقرار الدستور الجديد، والاستياء من الطريقة التي تم به ذلك الأمر، بعيدا عن التوافق الوطني.
ومن جهتها، اعتبرت جماعات عرقية ودينية أن واضعي الدستور الجديد تجاهلوا مخاوفهم المتعلقة بكيفية رسم حدود الولاياتالجديدة التي تم إحداثها، وعدد المقاعد المخصصة لكل ولاية أو طرف سياسي في البرلمان ونسبة تمثيلية الأقليات داخل الهيئات المحلية والمركزية.
واعترضت جماعات أخرى على الدستور الجديد لأنه لا يلبي مطالبها من حيث إعادة تأسيس النيبال كدولة هندوسية خالصة، فيما اعتبرت بعض الجماعات أن الميثاق السياسي الجديد لا يستجيب لطموحات بعض الفئات، لاسيما في مناطق السهول الواقعة جنوب البلاد وبمحاذاة الهند. وكنتيجة لهذه الأحداث، لقي حوالي 40 شخصا حتفهم خلال مختلف الاحتجاجات التي شهدتها النيبال مؤخرا، تعبيرا عن رفض مسودة الدستور الجديد المقترحة من قبل الأحزاب السياسية الكبرى في البلاد. وينص الجزء الأساسي من الدستور، الذي تم إقراره بعد انقسامات واحتجاجات عنيفة دامت نحو عشر سنوات، على أن النيبال دولة فدرالية علمانية تتألف من سبع ولايات، لكل واحدة منها هيئة تشريعية خاصة بها وحكومة ورئيس وزراء. وكانت عملية التصويت على الدستور الجديد في النيبال قد انطلقت يوم الأحد الماضي، واستغرقت نحو يومين داخل الجمعية التأسيسية التي انتخبت في سنة 2013، وذلك عقب فشل الجمعية السابقة (التي انتخبت في 2008) في إرساء ميثاق جديد للبلاد. تجدر الإشارة إلى أن النيبال كانت تعتمد منذ سنوات دستورا مؤقتا، وذلك في أفق إقرار دستور جديد يلائم تغير المعطيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد. يذكر أن المشهد السياسي في النيبال عرف انفراجا كبيرا خلال العقد الأخير، بعد أن ألقت الأحزاب الماوية سلاحها في سنة 2006، معلنة انضمامها للحياة السياسية الديمقراطية من خلال اتفاق سلام توسطت فيه الهند ومهد الطريق أمام مشروع إقرار الدستور الجديد.