يوم بيوم الأمريكان واسترجاع وادي الذهب نور الدين مفتاح نشر في 7 سبتمبر 2023 الساعة 13 و 56 دقيقة سنقرأ في محاضر الولاياتالمتحدة نوعا من الانبهار بتدبير المملكة لقضية وحدتها الترابية، رغم أن الإمكانيات التي كانت متاحة للحسن الثاني كانت محدودة، وكبار أصدقائنا ومنهم واشنطن كانوا يتحركون بحذر، ويفرضون شروطا تكاد تكون تعجيزية لتزويدنا بالسلاح، وظلوا حتى وهم يعتبرون المغرب حليفا لا يجب فقدانه يفكرون في توازن علاقاتهم مع الجزائر. وكانت الخلاصة من محاضرهم السرية أنه إذا لم يقم المغرب بنفسه بما يتعين عليه، فلن يقوم بذلك أحد محله. وأن الأمريكان سيظلون مع نتائج التطورات كما هي على الأرض. لهذا، ورغم الدروس التي يمكن أن نستنتجها من سياسة إدارة الرئيس جيمي كارتر آنذاك، ومنها أن الجزائر طرف رئيسي في نزاع الصحراء، فإن مصدر الفخر في القصة أننا حررنا ترابنا بمجهوداتنا وبأقل الإمكانيات، ولكن بأكبر استفادة من الفرص وبقوات مسلحة ملكية متفانية تحت قيادة ثاقبة الذكاء. نور الدين مفتاح [email protected]
نعود مرة أخرى في هذا الشهر الاستثنائي إلى قضيّة بصمت تاريخ المغرب الحديث، وهي استرجاع إقليم وادي الذهب وعاصمته الداخلة. هي ذكرى احتفلنا بها بداية هذا الأسبوع ضمن ذكريات وطنية أخرى متقاربة، وهي عيد الشباب وثورة الملك والشعب. ولكن الذي يميز ذكرى استرجاع إقليم وادي الذهب أنها كانت واحدة من أعقد حلقات استكمال الوحدة الترابية للمملكة. وبالطبع، نحن لن نحيي هذه الملحمة بالكلام المكرور، بل بملف غير مسبوق أرّخت له وثائق للولايات المتحدةالأمريكية رفعت عنها السرية مؤخرا، وهي موضوع غلافنا لهذا العدد الاستثنائي.
لابد أن نشير إلى أن المملكة المغربية عندما حصلت على استقلالها، كان استقلالا منقوصا، واستكمل بعودة طرفاية سنة 1957 ثم سيدي إيفني في 1969 قبل أن يكون هناك الاتفاق الثلاثي المغربي الموريتاني الإسباني، والمسيرة الخضراء، ويكون المغرب ابتداء من 1975 وخلال أربع سنوات قد استعاد إقليم الساقية الحمراء وعاصمته العيون، دون وادي الذهب الذي أصبح تحت السيادة الموريتانية.
وقد حدث في هذا الخضم تحول دراماتيكي سيرهن المنطقة إلى يومنا هذا، عندما آوت الجزائر انفصاليي البوليساريو فشنوا حربا بلا هوادة على المغرب ونواكشوط في معارك شرسة صمد فيها المغرب ولم تصمد موريتانيا. وهنا سيكون للرباط موعد مع التاريخ لاستكمال طريق وحدة التراب الوطني حين ستقرر نواكشوط الانسحاب من وادي الذهب وسيدخله المغرب أمام ذهول الخصوم.
هنا، يطرح السؤال الذي لم يرد المغرب نفسه أن يفصل فيه، لأن التفاصيل لا تعني شيئا أمام وزن المنجز. ولكن من وجهة نظر القوة العالمية الأولى، سنرى أن ما يبدو استرجاعا طبيعيا كان في الحقيقة ملحمة بحدس سياسي نادر للملك الراحل الحسن الثاني الذي تقول وثائق البيت الأبيض التي ننشرها ضمن هذا العدد، أنه كان على علم بنية موريتانيا التخلي عن وادي الذهب قبل سنة من حدوث ذلك. وبالتالي، نفهم أنه لولا هذه المعرفة المسبقة والاستعداد، لما استطاعت المملكة أن تُفشل مناورات صعبة في مواجهة ثلاثة أطراف هي موريتانيا التي انقلب فيها المصطفى ولد محمد السالك على صديق المغرب ولد داداه، والبوليساريو التي وصلت ميليشياتها إلى قلب نواكشوط، والجزائر وهي عراب الحرب والانفصال.
لقد كانت الخطة هي مفاجأة الرباط باتفاق بين موريتانياوالجزائر، ووضع أسس الدولة السادسة في المغرب العربي بإقليم وادي الذهب، ولو حصل هذا السيناريو سنة 1979، لكانت للتاريخ كلمة أخرى غير هاته التي كتبت بمداد الصمود والوحدة الترابية.
سنقرأ في محاضر الولاياتالمتحدة نوعا من الانبهار بتدبير المملكة لقضية وحدتها الترابية، رغم أن الإمكانيات التي كانت متاحة للحسن الثاني كانت محدودة، وكبار أصدقائنا ومنهم واشنطن كانوا يتحركون بحذر، ويفرضون شروطا تكاد تكون تعجيزية لتزويدنا بالسلاح، وظلوا حتى وهم يعتبرون المغرب حليفا لا يجب فقدانه يفكرون في توازن علاقاتهم مع الجزائر. وكانت الخلاصة من محاضرهم السرية أنه إذا لم يقم المغرب بنفسه بما يتعين عليه، فلن يقوم بذلك أحد محله. وأن الأمريكان سيظلون مع نتائج التطورات كما هي على الأرض. لهذا، ورغم الدروس التي يمكن أن نستنتجها من سياسة إدارة الرئيس جيمي كارتر آنذاك، ومنها أن الجزائر طرف رئيسي في نزاع الصحراء، فإن مصدر الفخر في القصة أننا حررنا ترابنا بمجهوداتنا وبأقل الإمكانيات، ولكن بأكبر استفادة من الفرص وبقوات مسلحة ملكية متفانية تحت قيادة ثاقبة الذكاء.
مرت اليوم 44 سنة على هذا الحدث الذي ستكشف السنوات القادمة أسرارا أخرى عنه، لن تذهب إلا في نفس اتجاه الفخر والإنصاف. ولكن نتمنى دائما ألا نقف عند هذا الارتياح الذاتي المستحق، وأن نعود إلى العلاقات المغربية الموريتانية، وهي بهذه المناسبة تستحق أن تذكر وتقلّب في أفق تحريرها من أغلال تاريخ صعب.
الموريتانيون يعتبرون المغرب بلدهم الثاني، ولكنهم يشعرون إزاءنا بنوع من الإحساس بأننا متعالين، وهم معاتبون. وربما تعتبر موريتانيا الأقرب إلينا إنسانيا مهما باعدت بيننا السياسة. وإذا كنا اليوم نعيش واحدة من أدفأ الفترات في علاقاتنا مع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، فإننا نعيد التأكيد على بعض القضايا التي يمكن حلها ببساطة، وربما تبدو إجرائية أو تقنية بسيطة ولكنها جوهرية بالنسبة لأشقائنا في موريتانيا.
إن الموريتانيين مازالوا بحاجة إلى تأشيرة للدخول إلى المغرب، وهذا مؤلم بالنسبة لبلد جمعتنا به قرون من التاريخ المشترك. هذا في الوقت الذي لا يحتاج فيه الجزائريون إلى تأشيرة دخول لبلادنا، مع أن العلاقات مع الجزائر مقطوعة، بينما هي موصولة مع نواكشوط. هذه واحدة، وأما الثانية فهي أنه ليست هناك خطوط طيران مباشرة بين الداخلة أو إقليم وادي الذهب ونواكشوط أو نواديبو. بمعنى أن على الموريتاني الذي يريد زيارة أهله في الداخلة على بعد ساعة طيران واحدة، أن يقطع جوا سبع ساعات ما بين نواكشوط والدار البيضاء، ثم من البيضاء إلى الداخلة، وهذا لعمري شيء عجيب.
لقد قلنا هذا الكلام في هذه الزاوية السنة الفارطة، بمناسبة انعقاد ندوة دولية في الإقليم حضرها مسؤولون موريتانيون، من تنظيم الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، وكنا حينها قد طرحنا الأمر مع والي الجهة السيد لمين بنعمر ومع رئيس الجهة السيد الخطاط ينجا، ولكن يبدو أن القرار ليس جهويا. ولما كان الأمر يتعلق بمسائل سيادية، فالمأمول ألا يعتبر هذا الموضوع ثانويا، وألا يُنسى في غمرة الملفات الكبرى. فالاحتفاء بعودة وادي الذهب لابد أن يكون كذلك مناسبة للاحتفاء بالعلاقات المغربية الموريتانية التي تدخرها الأقدار لتكون في أحسن حال. وإذا حضرت الإرادة، فلابد أن يستجيب القدر.