تبدو لمسة رئيس الحكومة عزيز أخنوش واضحة جدا في التعيينات الجديدة التي أقرها الملك محمد السادس أمس الأربعاء على الجهاز التنفيذي، بعد خضوعه لعملية إعادة هيكلة، لأول مرة منذ أكتوبر 2021، تاريخ تنصيب الحكومة المؤلفة من أحزاب التجمع الوطني للأحرار والأصالة المعاصرة والاستقلال.
التعديل الذي جاء بعد مخاض عسير، همَّ 6 وزارات هي: التربية الوطنية، الصحة والحماية الاجتماعية، الفلاحة والصيد البحري، التعليم العالي، النقل واللوجيستيك، التضامن والأسرة، الاستثمار، الانتقال الرقمي، بالإضافة الى وزيرين منتدبين، كما جرى تعيين 6 كتاب دولة جدد، وتميز بدخول 14 وزيرا جديدا وخروج 8 وزراء مع حفاظ 16 وزيرا على مناصبهم، بينهم وزراء التكنوقراط ال6. بخصوص التمثيلية النسائية، فقد ضمت تشكيلة الحكومة الجديدة 6 وزيرات، 3 حافظن على منصبهن، و3 آخريات التحقن، مما يعني أن نسبة "تاء التأنيث" داخلها لا تتجاوز 20 بالمئة من إجمالي التركيبة التي انتقلت من 24 وزيرا إلى 30.
وعلى غرار التعيينات الأخيرة التي صادق عليها المجلس الوزاري قبل أيام قليلة في مؤسسات استراتيجية من قبيل؛ صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية ووكالة تنمية الأطلس الكبير، ثم الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، والتي نجح أخنوش في وضع أسماء مقربة منه على رأسها، يتضح أن نفس المعيار اعتمده رئيس الحكومة وهو ينتقي البروفيلات المؤهلة لحمل الحقائب الوزارية، بدء من وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة محمد سعد برادة، القادم من مجال المال والأعمال والعضو بشركة "أفريقيا غاز" التابعة لهولدينغ أخنوش، مرورا بوزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين الطهراوي، الذي يكاد يكون علبة أسرار رئيس الحكومة منذ أن كان الأخير يتقلد منصب وزير الفلاحة حيث كان الطهراوي مستشارا له ثم مديرا مركزيا، قبل أن يلتحق برئاسة الحكومة ككاتب عام، فضلا عن تقلده العديد من المسؤوليات في مجموعتي "أكوا" و"أكسال" التابعتين لهولدينغ أخنوش وزوجته سلمى الإدريسي.
نفس المنطق ينسحب على تعيين كل من أحمد البواي وزيرا للفلاحة وهو المدير السابق للري وإعداد المجال الفلاحي في الوزارة التي سبق لأخنوش أن مسك بتلابيبها على امتداد 15 سنة، وزكية الدريوش الكاتبة العامة لقطاع الصيد البحري التي نالت حظها من الاستوزار من بوابة كتابة الدولة المكلفة بالصيد البحري، ثم لحسن السعدي الشاب التجمعي الذي لا يخفي ولاءه الصريح لرئيسه في حزب "الحمامة"، والذي حصل على كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
تفتح هذه المعطيات الدالة هنا الباب للتساؤل: هل معيار الكفاءة والاستحقاق هو الذي حكم هذه التعيينات، أم الولاء الحزبي وتبادل المصالح؟
في جوابه عن هذا السؤال، أقر المحلل السياسي محمد شقير بأن أخنوش كانت لديه اليد الطولى في اقتراح الوزراء وكتاب الدولة ضمن النصيب المسموح به لحزبه التجمع الوطني للأحرار خلال هذا التعديل الحكومي، مبرزا أن رئيس السلطة التنفيذية حرص على تثبيت الأشخاص الذين اشتغلوا إلى جانبه أو الذين يحظون بثقته في حكومته.
مفسرا هذا المنطق، ينطلق شقير من خلفية أخنوش كتاجر ورجل أعمال، ليوضح أن هذه الصفة تحكم جل تحركات رئيس الحكومة وقراراته، لافتا إلى أن الرجل "يشترط أن يكون هنالك تعامل شخصي مباشر مع من سينالون ثقته ليكونوا جزء من فريقه الحكومي، سواء ممن اشتغلوا تحت إمرته في الشركات التي يملكها أو الذين سبق أن احتك بهم في وزارة الفلاحة".
لكن ذلك "لا يتعارض مع الصلاحيات الدستورية التي يحوزها أخنوش كرئيس للحكومة والتي مارسها في هذا الباب بشكل واسع"، يقول شقير ل"الأيام 24″، مشيرا إلى أن "الترضيات الحزبية" كانت أيضا حاضرة في هذه النسخة المعدلة من الحكومة، فبالنسبة للأصالة والمعاصرة يلاحظ أن الخيط الناظم بين الأسماء المستوزرة باسم "البام" هو درجة قربها من فاطمة الزهراء المنصوري، المنسقة الوطنية للحزب والماسكة بزمامه.
أما حزب الاستقلال، يتابع شقير، فقد كان أمينه العام نزار بركة مقيدا بضبط التوازنات الحزبية والتنظيمية، عن طريق إرضاء قيادات الصف الأول للحزب، ومنحها مناصب وزارية، مبرزا أن مواجهة التحديات في كل قطاع وزاري على حدة هي التي ستحكم على قدرات ومستوى أداء هؤلاء الوزراء في مواقع مسؤولياتهم الجديدة.