أصدرت المحكمة الابتدائية بمدينة بن جرير، مساء الأربعاء، أحكاما متفاوتة في قضية الشاب ياسين شبلي، الذي فارق الحياة داخل مخفر للشرطة بإقليم الرحامنة، إثر تعرضه إلى التعذيب المفضي إلى الموت. وتوزعت الأحكام القضائية في هذا الملف الذي يحظى بمتابعة حقوقية واسعة، بين البراءة لرجل شرطة متابع في حالة سراح، وسنتين ونصف حبسا نافذا للمتهم الثاني، بينما قضت في حق المتهم الثالث بثلاث سنوات ونصف حبسا نافذا.
وتأتي هذه الأحكام بعد إدانة ضابط شرطة قضائية في وقت سابق استئنافيا بخمس سنوات سجنا في نفس القضية مع تعويض مدني لذوي الحقوق، وإخراج الدولة المغربية والمديرية العامة للأمن الوطني والوكيل القضائي من الدعوى، بعد متابعته من طرف النيابة العامة بجنحتي "استعمال العنف من طرف موظف عمومي أثناء قيامه بوظيفته ضد أحد الأشخاص، والقتل الخطأ بسبب الإهمال وعدم التبصر"، المنصوص عليهما وعلى عقوبتهما في الفصلين 231 و432 من مجموعة القانون الجنائي.
واعتبرت هيئة دفاع عائلة المجني عليه ياسين شبلي الأحكام الصادرة عن ابتدائية مراكش "مخففة وغير منصفة بتاتا" معلنة عزمها القيام بكل الإجراءات القانونية اللازمة للطعن في الحكم الابتدائي.
في هذا الصدد، قال المحامي عبد الإله تاشفين، عضو هيئة دفاع الطرف المدني، ضمن تضريح ل"الأيام 24″، إن "الحكم جانب الصواب، بل جائر وأضر بالشهيد وذوي حقوقه، خارقا حقوق الدفاع"، مضيفا: "لقد تم تعذيب ياسين شبلي حتى الموت داخل مخفر الشرطة، وهو ما شاهدناه بمعية هيئة الحكم من خلال أشرطة فيديو كنا قد طالبنا بعرضها واستجابت المحكمة".
وأوضح المحامي تاشفين أن الأقراص المدمجة التي جرى عرضها خلال المحاكمة "توثق الفظائع التي مارسها الأمنيون بزيهم الرسمي على الضحية بدم بارد، وهي لوحدها دليل مادي كان يفترض أن تأخذ به الهيئة لتصدر عقوبات تتلاءم مع فداحة الجريمة المقترفة"، معربا عن استيائه من الأحكام الصادرة بالقول: "كل الإدانة لهذه الأحكام التي تزكي التعذيب حتى الموت بمخافر الشرطة".
من جهتها، اعتبرت عائلة الفقيد أن الأحكام "غير منصفة ولا تحقق العدالة" وأكدت عزمها مواصلة الاحتجاج إلى حين محاسبة كافة المتورطين في خسارة ابنها ياسين شبلي في عز شبابه.
وروى محامي المطالبين بالحق المدني رشيد آيت بلعربي، في وقت سابق، تفاصيل فيديوهات سجلتها كاميرات سواء المثبتة على صدر رجال الشرطة الذين ألقوا على الضحية القبض أو تلك الموجودة بمخفر الشرطة، مشددا: "لقد تبين لنا أن المرحوم ياسين الشبلي رزئ في حياته، نتيجة سلوكات عدوانية حاقدة من أشخاص نزعوا إنسانيتهم وارتدوا ثوب السادية".
يحكي المحامي آيت بلعربي: "تأسفنا كثيرا ونحن نعاين شابا في مقتبل العمر يتم التنكيل به دون مبرر مقبول وهو مصفد اليدين للوراء لمدة فاقت ثمان ساعات. عايننا شابا مغلوبا على أمره يتم ربط يديه مع القضبان الحديدية وهو واقف على أصابع رجليه على شكل T ويتلقى ضربات جبانة وغادرة من الخلف على مستوى الرأس وبين الفخذين".
"عايننا شابا دخل إلى المخفر كبطل في فنون الحرب معروف في مدينة بنكرير فخرج منه جثة هامدة"، يتابع المحامي عينه، مستدركا بالقول: "إن ما شاهدناه اليوم للأسف لم يلحق الضرر بعائلة المرحوم ياسين الشبلي فقط، بل ألحق الضرر الأكبر بسمعة الأمن الوطني المغربي".
وحرص عضو الدفاع على التأكيد على أن ما وقع كان في مخفر شرطة ومن طرف رجال الأمن بزيهم النظامي، في مواجهة محروس نظريا، وهو أمر، يقول عنه "لا يمكننا أن نتصوره في أي مخفر آخر من مخافر الأمن"، مُعربا عن أمله في عدم تكرار ما جرى.
ومنذ تفجرها قبل أزيد من سنتين، أثارت هذه القضية جدلا واسعا، خاصة عندما أصدر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش، بلاغا، جاء فيه أن وفاة ياسين شبلي "لم تكن ناتجة عن ظروف توقيفه واقتياده إلى مركز الشرطة أو نتيجة الصفعات التي تعرض لها من قبل عناصر الشرطة، وإنما نتيجة الرضوض التي تعرض لها إثر إيذائه نفسه وسقوطه المتكرر على الأرضية الصلبة للغرفة الأمنية نتيجة الحالة الهستيرية التي كان عليها".