عادت غرفة جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء، الخميس، إلى فتح ملفي "شقق السعيدية" و"الشاحنات والسيارات الصينية"، اللذين يُعدّا أحد فصول قضية "إسكوبار الصحراء" المتهم فيها كل من القياديين السابقين في حزب الأصالة والمعاصرة، سعيد الناصيري وعبد النبي بعيوي، إلى جانب رجل الأعمال المعروف بلقب "المالي" الحاج ابن إبراهيم. وخلال جلسة اليوم، أدلى الشاهد توفيق.ز، المستخدم السابق بشركة الصيانة التابعة للمجلس الأعلى للتعليم، بشهادة مطولة أمام هيئة المحكمة التي يرأسها القاضي علي الطرشي، كاشفًا خيوطًا معقدة لعلاقات مالية، وصفقات استيراد، وسهرات خاصة داخل فيلا فخمة بالعاصمة الرباط.
واستهل الشاهد إفادته بتأكيد عدم وجود أي عداوة بينه وبين المتهمين، مشددًا على أنه يمثل أمام المحكمة بضمير حي وقسم صريح لقول الحقيقة.
وذكر الشاهد أنه بدأ العمل مع الحاج بن إبراهيم سنة 2013، وشغل منصب مدير تنفيذي بشركة مختصة في استيراد السيارات والشاحنات، وتعرف على عبد النبي بعيوي في السعيدية، وسعيد الناصيري، التقى به لاحقًا في الدارالبيضاء في إطار البحث عن فضاء لتنظيم معرض للسيارات.
ومع مرور الوقت، أصبح محل ثقة "المالي"، وهو ما مكنه من الإشراف على عمليات تنظيم وتوظيف تسعة أفراد، ثم الإشراف على استيراد 61 سيارة من الصين، وهي العملية التي تمت بطريقة وصفها ب"القانونية".
وكشف الشاهد أنه تسلم مبلغا ماليا كبيرا موضوعا داخل علبة "كرتونية"، وذلك بطلب من الحاج بن إبراهيم، الذي كلّفه بنقل "كرتونة ثقيلة" على متن سيارة من نوع "جاغوار" إلى شقة تقع بمجمع "بلاص بلازا" في الدارالبيضاء، وبعد أن وضعها على طاولة الطعام داخل الشقة، فاجأه "المالي" بقوله: "هزيتي مليار سنتيم!"، مشيرا إلى أن الأموال كانت ملفوفة بأغلفة بلاستيكية تحمل شعار بنك المغرب.
وأضاف أنه في اليوم نفسه، سلّمه "المالي" مبلغ 100 مليون سنتيم، وطلب منه إيداعه في حساب بنكي باسمه، مشيرا أن شكوكا راودته خلال الطريق، متسائلًا في نفسه ما إذا كانت تلك الأموال حقيقية أم مزورة.
وفي تفاصيل أكثر دقة، تحدث الشاهد عن المسار الذي قطعته السيارات المستوردة من الصين، إذ تم استقبالها بميناء الدارالبيضاء، وسُلمت بعد دفع رسوم جمركية فاقت 178 مليون سنتيم، ووفق قوله، كان الحاج ابن إبراهيم مرفوقا بعضو البرلمان عبد النبي بعيوي لحظة دخول الميناء، ولما سأله عن الطريقة أجاب: "أنا مع برلماني وما ندخلش للميناء؟".
وبحسب تصريحاته أمام المحكمة، تم الاحتفاظ بالسيارات مؤقتا داخل مستودع بمنطقة عين السبع، قبل الشروع في البحث عن معرض مناسب بمدينة الرباط، حيث وقع الاختيار على موقع قريب من محطة القامرة، بلغ ثمن كرائه 30 مليون سنتيم شهريًا، أي ما يعادل 360 مليون سنتيم سنويًا،
وقد تم ايداعها دفعة واحدة بالحساب البنكي الخاص بشركة "رشيد"، إثر ذلك، تم نقل مقر الشركة من "بارك بلازا" إلى الرباط، وسُجلت رسميًا في السجل التجاري باسم الشاهد، الذي تولى مهمة التسيير.
وأكد الشاهد أنه في مرحلة لاحقة، أقدمت الشركة على استيراد 11 شاحنة من نوع "سايز أفيكو"، بعد إتمام جميع الإجراءات القانونية، ودفع 350 مليون سنتيم كتعشير جمركي، غير أن تسويق هذه الشاحنات داخل المغرب تطلب الحصول على شهادة مطابقة وترقيم "WW"، وهو ما واجه صعوبات، استدعت تدخل سعيد الناصيري.
وأكد الشاهد أن بعيوي زارهم ثلاث مرات في معرض الرباط، وفي إحدى المناسبات، علم بأن خمس شاحنات تم بيعها له دون توفرها على شهادة المطابقة، إذ أرسل بعيوي خمسة سائقين لقيادتها من الرباط نحو جهة الشرق.
وأوضح الشاهد أن بعض السيارات نُقلت إلى مدن مختلفة، منها 14 سيارة إلى الداخلة، 23 سيارة بقيت في تمارة داخل مستودع، 7 سيارات أُرسلت إلى "بلقاسم.ب" بوجدة، سيارات أخرى تم إرسالها إلى فاس، تطوان، والسعيدية، بينما استفاد الحاج ابن إبراهيم من واحدة، بحسب زنطاط.
وفي خضم الشهادة، برز اسم "فيلا كاليفورنيا" مرة أخرى والتي كانت تُستعمل، حسب وصف الشاهد، لتنظيم سهرات خمرية، وليست ماجنة كما رُوّج، كان يحضرها سعيد الناصيري، عبد النبي بعيوي، ومقربين، مؤكدا أن الوسيط في جلب الفتيات إلى هذه السهرات كان شخصا يُدعى وسام ندير، والذي وصفه الشاهد بأنه "اليد اليمنى" للحاج ابن إبراهيم.
وقال الشاهد إن الفيلا التي أشرف على إصلاحها بمبلغ 95 مليون سنتيم، لم تكن مجهزة بكاميرات مراقبة، لأن "المالي" كان يرفض تثبيتها، مفضلا الاستعانة بحراس أمن خاص من مالي مستدركا أنه كان يستقبل فيها زوجته الفرنسية وأولاده وصهره التونسي.
واختتم الشاهد إفادته بكشف مثير، حين قال إن الحاج ابن إبراهيم اتصل به سنة 2017 من داخل سجن في موريتانيا عبر هاتف ذكي، وأجرى معه مكالمة فيديو في تحدٍّ غريب للقيود المفروضة على السجناء، ما وصفه الشاهد ب"الأمر المثير جدًا".
وقررت المحكمة تأجيل النظر في القضية إلى يوم الخميس المقبل، وذلك لاستكمال الاستماع إلى باقي الشهود ومواجهتهم بالمتهمين، في إطار كشف الحقائق وضمان شروط المحاكمة العادلة.