أكد محمد بنطلحة الدكالي أستاذ علم السياسة والسياسات العامة بجامعة القاضي عياض ومدير المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول الصحراء، أن الجزائر باتت تتعرض للعديد من الضغوطات من أجل إنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وكذلك صنيعتها جبهة البوليساريو. ويرى بنطلحة الدكالي، في حوار مع "الأيام 24″، أنه من المنتظر أن يستحضر مجلس الأمن الدولي في قرار يحسم هذا النزاع المفتعل، أن "النظام العسكري الجزائري يمارس انتهاكا ممنهجا لمواثيق القانون الدولي، مما يحتم على المجتمع الدولي ضرورة فرض عقوبات زجرية على هذا النظام الشمولي".
وأشاد بنطلحة الدكالي، بالدبلوماسية المغربية التي وصفها بأنها "تنهج سياسة متوازنة مبنية على أسس الدفاع عن المصالح والقضايا الوطنية، عبر الاستناد إلى منهجي التعاون والتضامن في علاقاتها الدولية".
وفي ما يلي مصل الحوار كاملا:
1- في ظل تزايد وتيرة الاعتراف بمغربية الصحراء، أخرها الموقف البريطاني المتقدم، في رأيكم، هل يمكن القول بأن هناك حل نهائي قريب لهذا النزاع المفتعل؟
شكل إعلان المملكة المتحدة حين أكدت تأييدها لمخطط الحكم الذاتي حدثا بالغ الأهمية على المستوى الإقليمي والدولي، حيث اعتبرته بمثابة الأساس الأكثر مصداقية وواقعية واستدامة وبراغماتية لتسوية دائمة للنزاع، كما أعلنت أنها ستواصل العمل على المستوى الثنائي، خاصة في المجال الاقتصادي، وكذلك على المستويين الإقليمي والدولي لدعم تسوية هذا النزاع المستمر منذ عقود.
لقد جاء هذا الاعتراف ليؤكد بوضوح أن العالم بدأ يصحح مواقفه، علما أن بريطانيا، العضو الدائم في مجلس الأمن والقوة الاقتصادية والسياسية العالمية، لم تتخذ هذا القرار صدفة، بل جاء بناءً على تقييم إستراتيجي لمصالحها، واستنادا إلى قناعة راسخة بعدالة الموقف المغربي ومصداقية الحكم الذاتي، باعتبارهما حلًّا عمليا وواقعيا لهذا النزاع المفتعل.
2- ما المطلوب من المغرب على المستوى الرسمي والشعبي، القيام به على المستوى الدولي، لحسم هذا الملف نهائيا على مستوى مجلس الأمن؟
الدبلوماسية المغربية تنهج سياسة متوازنة مبنية على أسس الدفاع عن المصالح والقضايا الوطنية، عبر الاستناد إلى منهجي التعاون والتضامن في علاقاتها الدولية.
إنه من المعلوم أن الدبلوماسية المغربية ترتكز على ثلاثة مبادئ أساسية في عملها، تتراوح بين سيادة القرار المغربي مع مختلف المتغيرات والتطورات الدولية، والسعي الدائم إلى عدم الارتهان للتوجه الأحادي عبر تنويع شركاء المملكة على المستوى الدولي، بالإضافة إلى صياغة السلوك الخارجي بواقعية وبراغماتية سعيا إلى الحصول على مكانة إقليمية ودولية.
هذا التوجه الدبلوماسي أصبح أكثر مبادرة ودينامية في مواجهة مختلف التحديات وفق الإستراتيجية السديدة التي رسمها الملك محمد السادس، وهذه الدينامية الدبلوماسية المغربية أدت إلى انتصار الموقف المغربي بالنسبة للقضية الوطنية المقدسة، وهو موقف مبني على حل سياسي واقعي متوافق عليه في إطار الحكم الذاتي، حيث كسب المغرب مرارا التأكيد من مجلس الأمن الدولي، أن ملف الصحراء المغربية ينبغي أن يظل تحت مظلة الأممالمتحدة.
إن عملية صناعة السياسة الخارجية المغربية، تتسم بوعي الفاعلين فيها، بالأهداف الرامية إلى تحقيقها، سواء بالحفاظ على سيادة الدولة المغربية، وأمنها الوطني، أو بحماية مصالحها الاقتصادية، بالاستناد إلى كل المحددات الجوهرية التي تتطلبها سياسة خارجية فعالة، وحازمة إزاء القضايا الوطنية وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية.
ويجب أن نؤكد أن تعدد الفاعلين في الحقل الخارجي المغربي خلال العقود الأخيرة، مكّن من الوصول إلى دبلوماسية نشيطة، تمكنت عبر الإمكانيات المتاحة لها من إقناع الآخرين بعدالة قضاياها، وصواب توجهاتها، سيما بعد الاعتماد على مجموعة من المحددات والموارد والمهارات المُؤطرة لعقيدة هاته السياسة، حيث مثلت الدبلوماسية المغربية الرسمية والموازية وسيلة هامة لجأت إليها المملكة المغربية لخدمة القضايا الوطنية، كما حرصت على الاستفادة من مكامن قوتها الاقتصادية، للتأثير على الفاعلين الدوليين وتوجيه سلوكها السياسي في سبيل التعاون وخدمة المصالح الوطنية.
إن الدبلوماسية تعتبر أداة سياسية تتصل بعملية صنع السياسة الخارجية وتنفيذها، مما يتطلب اعتماد إستراتيجية ذات بعد استشرافي، تعتمد على دراسات وتحليلات للوقائع وعلى رؤية في التنفيذ وعلى حس استباقي لا تخطئ ساعته مواعيدها، مع العلم أن الإستراتيجية هي علم وفن استخدام الوسائل والقدرات المتاحة في إطار عملية متكاملة يتم إعدادها والتخطيط لها.
3- وما المطلوب القيام به في العلاقة مع معرقلي التوصل لحل نهائي لهذا النزاع المفتعل، خاصة النظام الجزائري؟
إن مستقبل الشعوب متعدد وغير محدد، وهو مفتوح على تنوع كبير من المستقبلات الممكنة، وبالتالي لا يمكننا الركون إلى حتمية "اللاعودة" في التخطيط لمستقبل الشعوب، بخلاف سلوكيات حكام الجزائر التي تغرف من يقينيات وهمية. ومع ذلك، ستبقى يد المغرب ممدودة للسلام وهو في كامل استعداده وجاهزيته لكل الاحتمالات.
وبالتالي أعتقد أن المواقف السياسية للدول تعتمد على حس استشرافي ينبني على معطيات ودراسات تمتح من الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي يراعي الظروف الجيوسياسية سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي وينتهج سياسة التعاون وحسن الجوار واحترام سيادة الدول، انطلاقا من مبدأ "الفعل" الإستباقي. أما سياسة "رد الفعل"، فهي تكون دوما متسرعة لأنها تأتي دوما دون تفكير أو تخطيط، لذلك يُنصح القادة السياسيون بالابتعاد عن سياسة "رد الفعل" لأنها تكون نوعا من الدفاع في لحظة ضعف، لذا تخضع للمزاجية.
وعليه، فإن عملية صنع القرار السياسي الخارجي تخضع لسلسلة من الإجراءات والتفاعلات بين الأنساق السياسية، وهي تتضمن تحديد الأهداف والمصالح القومية، واتخاذ القرارات اللازمة لوضعها موضع التطبيق من خلال أدوات تنفيذ السياسة الخارجية. ومن أشهر التعريفات في هذا المجال، تعريف ريتشارد سنايدر (Richard Snyder)، حيث يعرف هذه العملية بكونها اختيار بديل من البدائل يخضع لتوجيه فريق العمل والمستشارين الذين يوضحون مآل كل بديل، وما يترتب عنه.
وقد تختلف عملية صناعة القرار من دولة لأخرى حسب تركيبة النظام السياسي، إلا أنه رغم هذا الإختلاف فإن هناك مبادئ مشتركة في صنع السياسة الخارجية، كما أنها لا تكون أحادية الجانب وتوقيفية النظر، أو تغرف من جيوسياسة ميتافيزيقية أدت بكثير من الأنظمة السياسية إلى الهلاك.
وقد اختلفت آراء الباحثين في تقسيم قرارات السياسة الخارجية، حيث نجد مثلا أن ويليام كوبلن (William Caplin) قد قسمها إلى ثلاثة أقسام، القرارات العامة وهي بعيدة المدى، والقرارات الإدارية وهي محدودة الأجل، وقرارات الأزمة وهي تنجم عادة نتيجة لعمليات التفاعل بين الدول.
ونجد أن عملية صنع القرار، تستشرف المستقبل، حيث تهدف إلى التمكن من السيطرة عليه، كما أنها تهدف إلى مساعدة صانعي القرار على اتخاذ قرارات وسياسات رشيدة من أجل استباق الأزمات ومنع حدوثها. نتحدث هنا عن الاستشراف الإستراتيجي والذي يمثل استباقا يستعد للفعل «Preactive» ويستحدث الفعل «Proactive» وينير العمل الحاضر بناء على ضوء المستقبلات الممكنة والمأمولة، وفق الخيارات الإستراتيجية.
4- هل يمكن أن نشهد ضغطا دوليا على الجزائر للجلوس إلى طاولة المفاوضات لحل هذا الملف بشكل نهائي؟ لقد باتت الجزائر تتعرض للعديد من الضغوطات من أجل إنهاء هذا الملف المفتعل، وكذلك صنيعتهم جبهة البوليساريو.
الدليل على ذلك، هناك مشروع قانون أمريكي حديث يدعو إلى فرض عقوبات على جبهة البوليساريو طبقا لمقتضيات قانون ماغينتسكي (Magnitsky Act) للمساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان، وتصنيفها منظمة إرهابية أجنبية بموجب قانون الهجرة والجنسية.
وتنص المادة الثالثة من مشروع القانون ذاته على أنه "في غضون 180 يوما من تاريخ صدور هذا القانون، يجب على وزير الخارجية تقديم تقرير إلى اللجان المختصة في الكونغرس يتضمن وصفا لقيادة جبهة البوليساريو وعملياتها العسكرية ورعاتها الأجانب".
وفي المادة الرابعة يتطرق مشروع القانون إلى فرض العقوبات على جبهة البوليساريو: "في غضون 90 يوما من تاريخ صدور هذا القانون، يجب على وزير الخارجية تقديم تقرير إلى اللجان المختصة في الكونغرس يتضمن مبررات تفصيلية بشأن ما إذا كانت جبهة البوليساريو تستوفي شروط التصنيف كمنظمة إرهابية أجنبية بموجب المادة219 من قانون الهجرة والجنسية، وفرض العقوبات بموجب المادة 1263من قانون ماغينتسكي العالمي للمساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان.
وتضم المادة الخامسة استثناء يؤكد أنه "يمكن للرئيس الأمريكي التنازل عن التصنيفات والعقوبات المذكورة في المادة(4) من هذا القانون، إذا تبين أن جبهة البوليساريو منخرطة بصدق في مفاوضات تهدف إلى تنفيذ مخطط الحكم الذاتي للصحراء، الذي قدمته المملكة المغربية إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام2007، ضمن إطار السيادة المغربية".
5- في حالة إعلان مجلس الأمن في قرار صريح له بأن مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هي أساس حل هذا النزاع المفتعل، ماذا يعني هذا الأمر بالنسبة للمغرب؟ إن هذا في حد ذاته انتصار للموقف المغربي، وللدبلوماسية المغربية، وانتصار للواقعية السياسية التي تحث على حل سياسي واقعي متوافق عليه في إطار الحكم الذاتي، وبالتالي إقبار مجلس الأمن الدولي لهلوسات النظام الجزائري وأوهام المرتزقة.
ومن المنتظر أن يستحضر مجلس الأمن الدولي أن النظام العسكري الجزائري يمارس انتهاكا ممنهجا لمواثيق القانون الدولي، مما يحتم على المجتمع الدولي ضرورة فرض عقوبات زجرية على هذا النظام الشمولي.