يبدو أن الأزمة الدبلوماسية بين فرنساوالجزائر، تسببت في إخراج الخلاف بين الرئيس إيمانويل ماكرون ووزير داخليته برونو روتايو إلى العلن، حيث رفض الأول استقبال الثاني الذي كان يتأهب لإمداده بحزمة اقتراحات تستهدف معاقبة الجزائر، في موقف قرأه متتبعون بأنه اختلاف بين الرجلين في كيفية إدارة التوتر مع النظام العسكري بالجزائر. وحسب ما نقلته مصادر إعلامية فرنسية، فقد تقرر في اللحظات الأخيرة تأجيل اللقاء الذي كان مرتقباً بين الرجلين مساء أمس الخميس ، حيث قرّر ماكرون تكليف الوزير الأول فرنسوا بايرو باستقبال روتايو. وجاء هذا التطور، في أعقاب مقابلة مثيرة مع مجلة "فالور أكتويل"، نُشرت قبل يومين فقط من الموعد المؤجل، تحدث فيها روتايو بأن الماكرونية "ستنتهي برحيل إيمانويل ماكرون"، قائلا إن هذا التوجه "ليس حركة سياسية ولا أيديولوجيا، بل مشروع شخصي لرجل واحد". وأضاف أن "الماكرونية بنهجها الوسطي تغذي العجز السياسي"، معلنا أن مشاركته في الحكومة لا تعني انخراطه في هذا المشروع، بل جاءت من منطلق "تحمّل مسؤولية وطنية في مواجهة خطر اليسار الشعبوي".
وأثارت هذه التصريحات سخط قصر الإليزيه، الذي اتخذ قرارا بتأجيل اللقاء دون تحديد موعد جديد، فيما أرجعت مصادر سياسية مطلعة في تصريحات لجريدة لوفيغارو، سبب التأجيل إلى رغبة ماكرون في تفادي مواجهة محتملة كان يخطط لها روتايو حول ملف الجزائر، الذي يشهد تعقيدات مستمرة، خصوصاً ما يتعلق بإعادة المهاجرين المرحّلين وتجميد التعاون القنصلي.
وكان روتايو يعتزم وفق مقربين منه، تقديم جملة من الاقتراحات خلال اللقاء مع ماكرون، تشمل: تجميد الأصول الجزائرية في فرنسا، إعادة النظر في سياسة منح التأشيرات للمواطنين الجزائريين، واتخاذ تدابير انتقامية ضد شركات الطيران الجزائرية، مع المطالبة بالعودة إلى الموقف الذي تبناه فرانسوا بايرو في فبراير الماضي، بعيد الهجوم بالسكين الذي نفذه مهاجر جزائري خاضع لأمر ترحيل.
وفي غمرة ذلك، أكد مقرّبون من ماكرون أن الوزير روتايو كان يستعد لاستخدام لقائه مع الرئيس لفرض وجهة نظره حول طريقة إدارة الملف الجزائري، خاصة في ظل التصعيد الأخير واتهامات متبادلة بين باريسوالجزائر، ما دفع ماكرون إلى قطع الطريق على ما اعتبره محاولة ل"تصفية حسابات سياسية داخل الحكومة".
وبينما لم يُحدَّد بعد موعد جديد للقاء الرئيس بالوزير، توجه روتايو مساء الخميس إلى قصر ماتينيون لعقد اجتماع بديل مع فرانسوا بايرو، أحد أبرز الوجوه السياسية في الأغلبية، في خطوة فسّرها البعض بأنها محاولة للحد من تصاعد التوتر وتجنب مزيد من الانقسام داخل الجهاز التنفيذي.
وفي رد فعله، اختار روتايو التقليل من أهمية إلغاء الاجتماع، موضحا خلال زيارته إلى أحد مراكز الشرطة في الدائرة العشرين بباريس أن "اللقاء سيتأجل فقط، لأن هناك عدة ملفات سنناقشها لاحقا"، مشددا على أنه لا يرى "أي سبب لمغادرة الحكومة ما دامت قراراتها تصب في المصلحة الوطنية وتتماشى مع قناعاته".
وكانت هذه الخلافات، قد فاقمت السجال داخل الأغلبية الرئاسية، إذ خرجت وزيرة التربية إليزابيث بورن، الرئيسة السابقة للحكومة، لتهاجم روتايو عبر منصة "إكس"، مؤكدة أن تصريحاته "تقوّض الأسس المشتركة للأغلبية" وتضعف الجبهة الموحدة في مواجهة "التطرف السياسي". وأضافت أن "العمل المشترك يتطلب احتراماً متبادلاً"، مشددة على أن "الماكرونية هي أيديولوجيا وحزب سياسي في آن واحد".
ويُظهر هذا التطور، حسب متتبعين، أن الخلاف بين الرجلين تجاوز حدود التصريحات الإعلامية، ليأخذ طابعا مؤسساتيا، في ظل تمسك روتايو بخطابه المتشدد ورفضه الكامل لأي مهادنة مع السلطات الجزائرية، مقابل حرص ماكرون على إبقاء قنوات الاتصال مع الجزائر مفتوحة رغم توتر العلاقات.