جفاف قياسي يضرب أوروبا وحوض المتوسط مطلع غشت الجاري (مرصد)    وزارة الدفاع الإسبانية تفتح تحقيقا إثر فيديو ليوتوبر مغربي يتجول بالجزر الجعفرية    الأميرة لالة مريم تعطي تعليماتها بالتكفل بالطفل ضحية هتك العرض بالجديدة    سحب بفرنسا..استمرار بيع دواء مسرطن في الصيدليات المغربية يثير القلق    ترامب: الأمريكيون "يرغبون في ديكتاتور".. وسمكة عنيفة تأتي من الصين    أجواء جيدة تطبع استعدادات "المحلي"    الوداد يعزز صفوفه بوليد عتيق    أمطار خفيفة وحرارة مرتفعة ورياح نشطة.. هذا ما ينتظر المغاربة غدا    بالياريا و DFDS تستحوذان على خطوط شركة النقل البحري"أرماس"    المستوردون يرفعون أسعار الكتب المدرسية الخصوصية قبيل انطلاق الموسم الدراسي ومطالب بتوضيح الأسباب    إدانات دولية واسعة لقصف مستشفى في غزة.. وترامب لا علم له بالحريمة ولا يريد أن يراها    ولي العهد يستقبل 50 طفلا فلسطينيا شاركوا في مخيم "بيت مال القدس"    بفضل السياحة الداخلية.. مراكش تسجل ارتفاعاً ب6% في ليالي المبيت السياحية        المندوبية العامة للسجون توضح بشأن تنفيذ قانون العقوبات البديلة    أحلام حجي تستعد لخوض تجربة درامية جديدة بالمغرب    الدكتور المغربي يوسف العزوزي يبتكر جهازاً ثورياً لتصفية الدم يفتح آفاقاً جديدة لزراعة الأعضاء    موريتانيا تتخذ إجراءات وقائية بعد تسجيل حالة إصابة بمرض جدري القردة بالسنغال    حضور وفد اتحادي وازن يترأسه الكاتب الأول في مؤتمر التحالف الدمقراطي الاجتماعي في العالم العربي بالتعاون مع التحالف التقدمي    منهج الشغف عند الطفل    في انتظار الذي يأتي ولا يأتي    انطلاق بيع تذاكر مبارة المغرب والنيجر    "الماط" يعلن رسميا رفع المنع الدولي    الأداء الإيجابي ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين .. "عازمون على الفوز على منتخب السنغال لبلوغ النهائي" (السكتيوي)    «مهرجان نجوم كناوة».. رواد الفن الكناوي يلهبون حماس جمهور الدار البيضاء    توقيف مواطن تركي مطلوب دوليا بمطار محمد الخامس بتهمة الاتجار بالكوكايين    وفاة الإعلامي علي حسن أحد الوجوه البارزة في التلفزيون والسينما المغربية    استئناف حركة السير على الطريق الوطنية رقم 27 على مستوى المقطع الرابط بين سيدي قاسم و باب تيسرا يوم 28 غشت الجاري    زنا محارم عبر ثلاثة أجيال.. تفاصيل مأساة أسرية وحفيدة تكشف المستور    الملك محمد السادس يرسم معالم دبلوماسية ناجعة تعزز مكانة المغرب في العالم    المغرب في عهد محمد السادس.. قافلة تسير بينما لوموند تعوي    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية الأوروغواي الشرقية بمناسبة العيد الوطني لبلاده    "أكديطال" تدشن ثلاثة مستشفيات جديدة في وجدة والناظور    رأي : الحسيمة الثقافة والهوية        بعد العودة من العطلة.. انعقاد مجلس الحكومة الخميس المقبل    كأول دولة في العالم اعترفت باستقلال الولايات المتحدة.. واشنطن تحتفي بريادة المغرب وتؤكد على الصداقة التاريخية الاستثنائية    الإعلامي محمد الوالي (علي حسن) في ذمة الله.. مسار حافل في خدمة التلفزيون والسينما    مدرب رينجرز: إيغامان رفض المشاركة كبديل بداعي الإصابة    زلزال بقوة 6.3 يضرب قبالة جزر الكوريل الروسية    الإعلامي محمد الوالي الملقب بعلي حسن نجم برنامج "سينما الخميس" في ذمة الله    فيديو يقود لتوقيف مختل بالدار البيضاء    اتهامات السفير الأميركي لماكرون تشعل توتراً دبلوماسياً بين باريس وواشنطن    أمر فرنسي بترحيل ثلاثيني مغربي لقيامه بفعل خطير    دراسة: النظام الغذائي النباتي يقلل خطر الإصابة بالسرطان                مبابي يسجل هدفين ويهدي ريال مدريد فوزه الثاني في الدوري الإسباني    أموريم يكشف أسباب تعثر مانشستر يونايتد بالتعادل أمام فولهام بالدوري الإنجليزي    "رحلتي إلى كوريا الشمالية: زيارة محاطة بالحرس ومليئة بالقواعد"    سابقة علمية.. الدكتور المغربي يوسف العزوزي يخترع أول جهاز لتوجيه الخلايا داخل الدم    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد صلاح أو "الملك المصري": كيف تحول صبي صغير إلى "رمز وطني"؟
نشر في الأيام 24 يوم 14 - 08 - 2025


EPAمحمد صلاح في قميص منتخب مصر
كلما دخلت هنا، لا يسعني إلا أن أتذكر كيف كان يتحرك وكيف كان يتحكم بالكرة. كان شيئاً مختلفاً تماماً.
هكذا يتذكر أحد أول المدربين الذين اكتشفوا موهبة اللاعب المصري محمد صلاح، ما حدث هنا في مركز شباب قرية نجريج، حيث يقف ليفتح بواباته الخضراء الداكنة الجديدة تماماً.
في نجريج، تلك القرية التي تبعد حوالي ثلاث ساعات شمال القاهرة، بدأت قصة أحد أكثر المهاجمين تسجيلاً للأهداف في العالم، إنه اللاعب الذي قاد ليفربول إلى لقب الدوري الإنجليزي الممتاز في مايو/آيار 2025.
في شوارع نجريج، كان محمد صلاح يلعب كرة القدم مع أصدقائه، منذ أن كان في السابعة من عمره، متظاهراً بأنه المهاجم البرازيلي الظاهرة رونالدو، أو صانع الألعاب الفرنسي الأسطوري، زين الدين زيدان، أو حتى المايسترو الإيطالي، فرانشيسكو توتي.
* محمد صلاح يتساءل عن ظروف مقتل "بيليه الفلسطيني" والجيش الإسرائيلي يرد
يقول مدرب صلاح الأول غمري عبد الحميد السعدني، وهو يشير إلى الملعب المكسو بالعشب الصناعي ويحمل اسم صلاح تكريماً له: "كان محمد صغيراً جسدياً مقارنة بزملائه في الفريق، لكنه كان يفعل أشياء لم يستطع حتى الأولاد الأكبر سناً القيام بها". كانت تسديداته قوية بشكل مذهل، وكان واضح عليه علامات العزيمة والإصرار.
صلاح، البالغ من العمر 33 عاماً، على وشك بدء موسمه التاسع مع ليفربول في مركز الجناح، ولديه رصيد كبير من الأهداف بلغت 245 هدفأً في 402 مباراة بالدوري والكأس، منذ انضمامه للفريق عام 2017.
Getty Imagesمشجعو منتخب مصر يرفعون صور "الملك المصري" محمد صلاح في بطولة كأس الأمم الأفريقية 2019
حقق أول نجم مصري في سماء كرة القدم العالمية جميع الألقاب المحلية مع ليفربول، بالإضافة إلى الفوز بدوري أبطال أوروبا، لكنه لم يحقق أي لقب مع منتخب مصر بعد.
مع اقتراب كأس الأمم الأفريقية في ديسمبر/كانون الأول 2025، وكذلك كأس العالم في 2026، زارت بي بي سي سبورت مصر لاكتشاف ما يعنيه صلاح للشعب المصري المهووس بكرة القدم، البالغ 115 مليون نسمة، وكيف أصبح صبي صغير من بدايات متواضعة رمزاً وطنياً.
* ترشيح صلاح وحكيمي للكرة الذهبية يثير تفاعل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي
تقول لميس الصادق، في مقهى "دينتست كافيه" شرقي القاهرة: "استرجع فرحة والدي، عندما أشاهد صلاح. بعد انضمام صلاح إلى ليفربول، اعتدنا (انا ووالدي) مشاهدة جميع المباريات على التلفزيون معاً".
سُمي المقهى تيمناً بالمهنة الأصلية لصاحبه السابق، طبيب أسنان، وهو الآن المكان الذي يجتمع فيه مشجعو ليفربول لمشاهدة المباريات على الشاشة الكبيرة.
ترتدي لميس قميص ليفربول مطبوعاً عليه اسم والدها، "لقد توفي للأسف قبل عامين".
وتضيف: "كنا نعيش أسعد ساعتين في منزلنا أسبوعياً أثناء مباراة ليفربول، وحتى لو اضطررت لتفويت بعض المباريات بسبب الدراسة أو العمل، كان والدي يُرسل لي رسائل بالأخبار لحظة بلحظة".
وتوضح لميس أن صلاح لم ينشأ في طبقة اجتماعية مرموقة. "لكنه اجتهد وقدم الكثير من التضحيات ليصل إلى ما هو عليه الآن. الكثير منا يرى نفسه فيه".
"كل الاطفال يريدون أن يصبحوا صلاح"
BBC Sportأطفال نجريج، مسقط رأس صلاح في مصر، يحلمون بالسير على خطاه
نجريج هي قرية زراعية صغيرة تقع في دلتا النيل شمالي مصر، بها مساحات خضراء واسعة لزراعة أشجار الياسمين والبطيخ. وفي طرقها الترابية يتشارك الناس السير إلى جانب السيارات والدراجات النارية وعربات تجرها الخيول وكذلك الحيوانات من الجاموس والأبقار والحمير.
هنا عاش أحد أكثر مهاجمي العالم تسجيلاً للأهداف، والمعروف باسم "الملك المصري"، سنواته الأولى.
ويضيف السعدني، الذي يُطلق على نفسه لقب أول مدرب لصلاح، نظرا لأنه أول من اهتم به وهو في الثامنة من عمره: "عائلة صلاح هي أساس وسر نجاحه. إنها تعيش هنا بتواضع وتقدير واحترام. وهذا أحد أسباب حب الناس لها".
حظي مركز شباب نجريج مؤخراً بعملية تجديد رائعة تكريماً لابن القرية الأشهر، ولا تختلف أرضية الملعب الخضراء عن أي أرضية ملعب تدريب احترافية.
يقول السعدني، الذي يقف بجانب صورة ضخمة لصلاح مع كأس دوري أبطال أوروبا معلقة خلف المرمى: "قدمت (عائلة صلاح) تضحيات كثيرة من أجله في صغره. كانت تدعمه بقوة منذ البداية، خاصة والده وعمه، الذي يشغل منصب رئيس هذا المركز".
* صلاح: يمكنني اللعب حتى سن الأربعين
في كل مكان في نجريج تجد بصمة لصلاح، في الشارع يركض الأطفال مرتدين قمصان ليفربول ومنتخب مصر، التي تحمل اسمه ورقمه.
كما توجد جدارية لصورة صلاح خارج مدرسته القديمة، كما يمر توك توك مسرعاً ويطلق صوت البوق، وعلى الزجاج الأمامي ملصق كبير لصلاح مبتسماً.
وهناك أيضاً محل الحلاقة حيث كان صلاح يقص شعره في سن المراهقة وبعد التدريبات، ومازال موجوداً في قلب القرية.
يقول صاحب المحل أحمد المصري: "أنا من منحته تسريحة الشعر المجعدة واللحية".
ويضيف أن بعض الأصدقاء "نصحوه بألا يقص شعره هنا" لأننا في قرية وليست مدينة، لكنه "كان يأتي إليّ دائماً، وفي اليوم التالي، كان أصدقاؤه يُتفاجأون (بمظهره الجميل)، ويسألونه: "من حلاقك؟"
BBC Sportأحمد المصري، الحلاق الذي كان يقص شعر صلاح، في نفس المحل الموجود في نجريج
يتذكر الحلاق مهارات صلاح أثناء لعب الكرة في مركز الشباب وشوارع القرية. ويضيف: "أكثر ما أتذكره عندما كنا نلعب بلاي ستيشن، كان صلاح يختار ليفربول دائماً. كان الآخرون يختارون مانشستر يونايتد أو برشلونة، لكنه كان دائماً ليفربول. جميع الأطفال الصغار الآن في القرية يتمنون أن يكونوا مثله".
تضمن تدريب صلاح الكروي ست سنوات في نادي "المقاولون العرب"، المعروف أيضاً باسم "المقاولين"، ومقره القاهرة.
انضم للمقاولين في سن 14 عاماً، وأصبحت قصة صلاح مع المدرسة والنادي أسطورة في مصر وخارجها، إذ كانت المدرسة تسمح له بالخروج مبكراً للسفر يومياً ذهاباً وإياباً لساعات طويلة، من أجل التدريب واللعب مع المقاولين.
رحلة شاقة سر قوته
BBC Sportسائق توك توك في نجريج يضع صورة محمد صلاح على الزجاج الأمامي
في حافلة فان صغيرة من نوع سوزوكي، ذات سبعة مقاعد تقف يطلق عليها المصريون (تُونَايّة)، تقف على أطراف نجريج، يشعر بعض الركاب بالتوتر.
يتساءلون، "هل سيتحركون أم لا؟"
هذه ليست خدمة حافلات تعمل حسب جدول زمني محدد. في الواقع، لا يغادر السائق إلا عند امتلاء الحافلة.
في مراهقته، كانت هذه المحطة هي نقطة انطلاق رحلة صلاح الطويلة يومياً للتدريب في المقاولين. يقول السعدني: "كانت رحلة شاقة ومكلفة جداً".
ويضيف، مدرب صلاح الأول: "كان يعتمد على نفسه ويسافر بمفرده في الغالب. تخيل طفلاً يغادر في ال 10 صباحاً ويعود في منتصف الليل. هذه الرحلة تحتاج شخصاً قوياً، فقط من لديه هدف واضح يستطيع تحمل هذه المشقة".
خضنا تجربة ركوب هذه الحافلة الصغيرة، وحُشرنا في الخلف وأمامنا سيدة وطفليها، متجهين إلى مدينة بسيون، المحطة الأولى في رحلة صلاح المعتادة إلى القاهرة.
* الأفضل في البريميرليغ: ما هي إنجازات صلاح التاريخية في الملاعب الأوروبية؟
كان يستقل حافلة أخرى إلى مدينة طنطا، قبل أن يغير مساره ويتجه إلى محطة رمسيس في العاصمة المصري القاهرة، حيث يضطر لتغيير مساره مرة أخرى للوصول إلى وجهته الأخيرة (في النادي).
بعد حصص التدريب المسائية المبكرة، تبدأ رحلة العودة الطويلة إلى نجريج، مع نفس المسارات السابقة ولكن في الاتجاه المعاكس.
أول ما يلفت الانتباه في القاهرة الحافلات الصغيرة البيضاء، المعروفة باسم (الميكروباص)، التي تجوب الشوارع على مدار الساعة، وهي دائماً مكتظة بالمسافرين وهم في حالة صعود ونزول دائم.
يوضح الصحفي المصري وائل السيد: "تنقل هذه المركبات حوالي 80 في المئة من الركاب في مدينة يزيد عدد سكانها عن 10 ملايين نسمة".
ويضيف: "تعمل الآلاف من هذه الحافلات على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع".
BBC Sportحافلة صغيرة (تُونَايّة) في نجريج تشبه تلك التي كان يستقلها محمد صلاح، للذهاب إلى القاهرة والعودة خمسة أيام في الأسبوع
كانت رحلتنا القصيرة إلى بسيون شاقة في ظل حرارة مرتفعة وظروف غير مريحة في مؤخرة الحافلة، لذا يمكنك تخيل مدى صعوبة الرحلة الأطول بكثير، والتي كان صلاح يقوم بها عدة مرات أسبوعياً، وهو في سن المراهقة.
يعتقد هاني رمزي، لاعب منتخب مصر والمحترف السابق في ألمانيا والمدرب الذي منح صلاح أول مباراة دولية له، أن هذه التجارب ساعدت اللاعب على اكتساب أعلى مستوى من العقلية اللازمة للنجاح.
يقول رمزي: "أن تبدأ مسيرتك كلاعب كرة قدم هنا في مصر فالأمر صعب للغاية".
كان رمزي جزءاً من المنتخب المصري الذي واجه إنجلترا في كأس العالم 1990، وقضى 11 عاماً يلعب في الدوري الألماني. وعندما كان المدير الفني المؤقت للمنتخب الوطني، اختار صلاح ليلعب أول مباراة له مع المنتخب الأول في أكتوبر/تشرين الأول 2011.
كما كان مسؤولاً عن منتخب مصر تحت 23 سنة، الذي شارك صلاح معه في أولمبياد لندن 2012.
ويضيف رمزي: "كنت أضطر أيضاً إلى ركوب الحافلات والسير لمسافة خمسة أو ستة كيلومترات للوصول إلى أول ناد لعبت فيه، النادي الأهلي، ولم يكن والدي قادراً على شراء حذاء كرة قدم لي".
وتابع: "وصول صلاح لأعلى مستوى والحفاظ على على هذا المستوى لسنوات عديدة، جاء بنسبة 100 في المئة بسبب هذه الظروف، لأن هذا النوع من الحياة يبني لاعبين أقوياء".
Getty Imagesانضم محمد صلاح إلى ليفربول قادماً من روما مقابل 34 مليون جنيه إسترليني في يونيو/حزيران 2017
"لا تدافع!"
كان مدرب الفريق الذي بزغ معه نجم صلاح لأول مرة على الساحة العالمية، في كأس العالم للشباب تحت 20 سنة 2011 في كولومبيا.
يقول الرجل الذي يُطلق عليه الجميع اسم الكابتن ضياء: "لم تكن البلاد مستقرة، وكانت هناك ثورة، لذا كان التحضير للبطولة صعباً علينا".
ويصف حالة صلاح: "انضم إلينا صلاح، وأول ما لفت انتباهنا هو سرعته وتركيزه الدائم. لقد حقق إنجازات كبيرة لأنه مستمع جيد، لا يُجادل أحداً، يسمع ويعمل دائماً، يسمع ويعمل. إنه يستحق ما وصل إليه".
يتذكر الكابتن ضياء أنه نصح صلاح الشاب (أثناء تدريبه) بالابتعاد عن منطقة جزائه (الدفاع) والتركيز على الهجوم فقط.
ويتذكر ضاحكاً، في لقاء الأرجنتين، عاد صلاح للدفاع في منطقة الجزاء وتسبب في ركلة جزاء ضدنا.
قلت له: "لا تدافع، لماذا أنت في منطقتنا؟ لا يمكنك الدفاع!".
ويضيف: "بعد فوز ليفربول بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز الموسم الماضي، سمعته يقول إن مدربه آرن سلوت يأمره بعدم الدفاع. لكنني كنت أول مدرب يأمره بذلك".
BBC Sportجدارية لمحمد صلاح خارج مقهى في القاهرة
أعظم سفير لمصر
شارك صلاح مع منتخب مصر الأول طوال 14 عاماً، وكان من اللاعبين المهمين جداً في مصر حتى أن مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى اهتموا وتدخلوا عند تعرضه للإصابة.
يتذكر الدكتور محمد أبو العلا عبود، طبيب المنتخب الوطني، لحظة إصابة صلاح الخطيرة في الكتف في نهائي دوري أبطال أوروبا أمام ريال مدريد عام 2018، مما أثار تكهنات بأنه قد يغيب عن كأس العالم في روسيا بعد بضعة أسابيع، ويقول: "تلقيت اتصالات من وزير الصحة المصري، أخبرته ألا يقلق، فكل شيء يسير على ما يرام".
ويضيف الدكتور عبود، متحدثاً من عيادته الطبية في منطقة المعادي بالقاهرة: "كنت أصغر سناً، وكان الضغط داخل البلاد شديداً".
ويصف الاهتمام وقتها: "تلقيت اتصالات من العديد من الأشخاص الذين يحاولون المساعدة. أخبرني أحد أعضاء مجلس إدارتنا أنني الآن من أهم الشخصيات في العالم أجمع، غيّرني هذا الموقف كشخص".
تعافى صلاح فعلاً وشارك في مباراتين من أصل ثلاث مباريات خاضها منتخب مصر في دور المجموعات، لكنه لم يتمكن من منع خروج مصر سريعاً من التصفيات، بعد ثلاث هزائم أمام أوروغواي وروسيا والسعودية.
تحدث إلينا محمود فايز، مساعد مدرب مصر السابق، من منزله في ضواحي القاهرة، وقال: "أود أن أخبركم أن صلاح كان له دور في كل هدف في مسيرتنا في تصفيات كأس العالم 2018".
الصعود لنهائيات كأس العالم جاء بأقدام صلاح، عندما سجل ركلة جزاء مثيرة في الدقيقة 95 ضد الكونغو في الإسكندرية، ليضمن الفوز 2-1 ويحجز مكان مصر في كأس العالم، لأول مرة منذ 28 عاماً.
في تلك المباراة المثيرة، افتتح صلاح التسجيل لمصر بهدف، قبل أن تتعادل الكونغو، قبل ثلاث دقائق من النهاية.
ويصف فايز المشهد: "هل تعرف متى يمكنك سماع الصمت؟ لقد سمعت صمت 75 ألف مشجع، عندما سجلت الكونغو هدف التعادل، ساد صمت في كل مكان".
ثم جاءت ركلة الجزاء التي حوّلت صلاح إلى بطل وطني.
يضيف فايز: "تخيلوا، أمة عددها قرابة 120 مليون إنسان، تنتظر هذه اللحظة الحاسمة للتأهل، اعب واحد واجه أصعب وأقسى لحظة، ركلة جزاء في الدقيقة 95، كان على محمد أن يسجلها، وسجلها وجعلنا جميعاً فخورين".
في غرفة الملابس، "بدأ يرقص ويعانق الجميع"، ويهتف: "لقد فعلناها، لقد فعلناها، بعد 28 عاماً، فعلناها".
في القاهرة، توجد أكاديمية كرة قدم تُدعى "ذا ميكر"، أسسها ويديرها مهاجم توتنهام ومنتخب مصر السابق أحمد حسام (ميدو)، الذي يأمل في تخريج لاعبين يسيرون على خطى صلاح.
يقول ميدو: "لعبت للمنتخب الوطني أمام 110 آلاف مشجع عندما كنت في ال 17 من عمري فقط، أصغر لاعب يمثل مصر. أحب شعور أن الناس يعتمدون عليّ، وصلاح كذلك".
في وقت زيارتنا، كان هناك درس في الفصل الدراسي للاعبين الشباب حول العقلية المطلوبة ليصبحوا محترفين من الطراز الرفيع.
كان اسم صلاح على سبورة بيضاء، كتب أحد المدربين تحت الاسم: "الانضباط والإخلاص والحافز".
ويضيف ميدو: "السبب وراء وصول صلاح إلى ما هو عليه الآن هو أنه يعمل على تطوير قوته العقلية يومياً. إنه أعظم سفير لمصر واللاعبين الأفارقة أيضاً، لقد جعل الأندية الأوروبية تحترم اللاعبين العرب، "هذا ما فعله صلاح".
وختم ميدو حديثه قائلا:ً "أعتقد أن الكثير من الأندية الأوروبية الآن، عندما ترى لاعباً شاباً من مصر، تفكر في صلاح. لقد أحيا الحلم في لاعبينا الصغار".
رد الجميل لمكان البداية
Getty Imagesمحمد صلاح يلتقط سيلفي أمام جماهير ليفربول بعد فوز النادي بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز 2024-25
بالعودة إلى نجريج، التقينا برشيدة، سيدة سبعينية تبيع الخضراوات في الشارع. تكشف لنا كيف غير صلاح حياتها وحياة مئات الأشخاص في القرية التي وُلد ونشأ فيها.
تقول رشيدة: "محمد رجل طيب. محترم وكريم، إنه بمثابة أخ لنا".
إنها واحدة من بين العديد من سكان القرية الذين استفادوا مما تقدمه جمعية صلاح الخيرية، لسكان المنطقة التي انطلق منها نحو النجومية الكروية.
يقول حسن بكر، من مؤسسة محمد صلاح الخيرية: "الهدف هو مساعدة الأيتام والمطلقات والأرامل والفقراء والمرضى".
ويضيف: "تُقدم المؤسسة دعماً شهرياً ووجبات وكراتين طعام في الأعياد والمناسبات الخاصة. على سبيل المثال، (تحصل رشيدة) على مبلغ إضافي على معاش الأرملة".
وعن تعامل صلاح مع أهل القرية، يقول: "عندما يكون محمد هنا، يظل متواضعاً، يتجول بملابس عادية، لا يتعمد إظهار أنه مميز. يحبه الناس لتواضعه وكرمه".
بالإضافة إلى الأعمال الخيرية التي تساعد أشخاصاً مثل رشيدة، تبرع صلاح لإنشاء مكتب بريد جديد لخدمة المنطقة، ووحدة إسعاف، ومعهد ديني، وتبرع بأرض لمحطة صرف صحي، من بين مشاريع أخرى.
عندما فاز ليفربول بلقب الدوري الإنجليزي للمرة ال 20 في الموسم الماضي، معادلاً الرقم القياسي، توافد المشجعون على مقهى محلي في نجريج لمشاهدة المباراة على التلفزيون والاحتفال بابن القرية المشهور.
لكن هل ستشهد القرية احتفالات أخرى في موسم 2025-2026؟
على الرغم من مساعدة ليفربول في الفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز، في موسمي 2019-2020 و2024-2025، إلا أن اللاعب لم يرفع كأساً لبلاده بعد.
فاز الجيل الذي سبق صلاح بثلاثة ألقاب لكأس الأمم الأفريقية على التوالي بين عامي 2006 و2010. ووصل منتخب مصر مع صلاح للنهائي مرتين، خسر النهائي الأول أمام الكاميرون في عام 2017 والنهائي الثاني أمام السنغال في بطولة 2021، التي أقيمت في أوائل 2022.
و مع انطلاق كأس الأمم الأفريقية المقبلة 2025، في 21 ديسمبر/كانون الأول، قبل ستة أشهر فقط من انطلاق نهائيات كأس العالم في 2026، هل يشعر المصريون أن صلاح، 33 عاماً، يحتاج الآن إلى إثبات جدارته على الساحة الدولية؟
يقول ميدو: "لقد ترك صلاح إرثاً بالفعل. إنه أعظم لاعب كرة قدم مصري في تاريخنا".
ويشدد على أنه "ليس عليه أن يثبت شيئاً لأحد، فهو أسطورة ليفربول وأسطورة مصر".
* لامين يامال ومحمد صلاح.. من أبرز المرشحين للكرة الذهبية؟
* محمد صلاح يقترب من تجديد تعاقده مع ليفربول
* كيف صار الفرعون المصري محمد صلاح "تعويذة" لليفربول؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.