تشهد منطقة شمال إفريقيا تصعيدًا ملحوظًا في سباق التسلح الجوي الجزائر والمغرب. ففي ظل التوترات الجيوسياسية والتنافس الإقليمي طويل الأمد بين البلدين، اتجهت كل من الرباطوالجزائر إلى تعزيز تفوقهما الجوي من خلال صفقات عسكرية استراتيجية تشمل مقاتلات من الجيلين الرابع والخامس.
من الجانب الجزائري، يشكل إدخال مقاتلات سوخوي "Su-35S" الروسية تطورًا كبيرًا في قدرات البلاد الدفاعية. هذه الطائرات، التي تصنف ضمن مقاتلات الجيل 4++، تتميز بتكنولوجيا مناورة متقدمة، ورادارات قوية من طراز Irbis-E، ونطاق قتالي كبير يتجاوز 1500 كيلومتر، ما يتيح للجزائر تغطية مجالها الجوي بشكل أوسع وتحقيق ردع فعال ضد أي تهديدات محتملة.
رغم عدم وجود إعلان رسمي عن الصفقة، تشير مصادر متعددة إلى أن الجزائر وقعت بالفعل عقدًا مع موسكو لاقتناء 24 طائرة Su-35S، وتقوم حاليًا بتشغيلها انطلاقًا من قاعدة أم البواقي الجوية. ويعزز هذا الخيار استمرار الجزائر في الاعتماد على المنظومة العسكرية الروسية، ليس فقط من حيث التسليح، بل أيضًا في التدريب والتكامل العملياتي.
ما يزيد من أهمية هذا التوجه هو أن الجزائر قد تضع نصب أعينها مستقبلًا مقاتلة سوخوي Su-57 الشبحية، وهو ما سيشكل تحولًا نوعيًا في ميزان القوى إذا تحقق، بالنظر إلى أن هذه الطائرة تنتمي إلى الجيل الخامس وتمتلك تقنيات التخفي والتفوق الجوي بعيد المدى.
يتحرك المغرب نحو نقلة نوعية تكنولوجية من خلال سعيه للحصول على مقاتلات "F-35 Lightning II" الأمريكية، التي تُعد من أبرز منصات الجيل الخامس عالميًا. ووفقًا لمصادر عسكرية، فإن المملكة المغربية على وشك إبرام صفقة تشمل 32 طائرة F-35، وهي خطوة، ستجعل المغرب أول دولة عربية وإفريقية تمتلك هذه التكنولوجيا المتقدمة.
هذه الصفقة، التي تُقدر قيمتها ب 17 مليار دولار على مدى 45 سنة، تتضمن – إلى جانب شراء الطائرات – منظومة متكاملة من الصيانة والدعم اللوجستي والتدريب. غير أن الموافقة على هذه الصفقة تظل مرهونة بعوامل سياسية حساسة، وعلى رأسها الموافقة الإسرائيلية، نظرًا لتأثير تل أبيب على تصدير مثل هذه التكنولوجيا المتطورة إلى دول عربية.
وتوفر المقاتلة F-35 قدرات عالية من حيث التخفي، والمرونة العملياتية، والتكامل الإلكتروني، والقدرة على شن ضربات دقيقة من مسافات آمنة، ما يمنح المغرب إمكانية فرض "تفوق نوعي" على مستوى المراقبة والردع والضربات الاستباقية.
مواجهة بين جيلين واستراتيجيتين
رغم أن كلا البلدين يسعى إلى تعزيز قوته الجوية، فإن الفارق في طبيعة المقاتلات يشير إلى تفاوت في الاستراتيجيات الدفاعية:
الجزائر تركز على طائرات ذات قدرات مناورة وتقنيات رادارية متقدمة، تعزز هيمنتها الجوية ضمن مفهوم "التفوق الإقليمي التقليدي".
المغرب يتجه إلى تبني مفهوم الحرب الجوية الشبكية الحديثة، عبر مقاتلات شبحية متعددة المهام، ما يهدف إلى تعويض الفارق العددي أو النوعي مع خصومه من خلال التكنولوجيا الغربية المتقدمة.
انعكاسات استراتيجية على المنطقة
التطورات الأخيرة تنذر بتحولات مهمة في ميزان القوى في شمال إفريقيا. فمن جهة، تسعى الجزائر إلى تثبيت دورها كقوة جوية تقليدية متقدمة، ومن جهة أخرى، يحاول المغرب كسر المعادلة من خلال اقتحام نادي مستخدمي المقاتلات الشبحية.
هذا التصعيد يعكس في العمق حالة عدم الثقة الاستراتيجي بين الطرفين، كما يسلط الضوء على التحولات الجيوسياسية الأوسع، حيث تلعب قوى خارجية مثل روسيا، الولاياتالمتحدة، وإسرائيل دورًا غير مباشر في رسم خارطة التسلح الإقليمي.