يشهد البرلمان التونسي في الفترة الأخيرة جدلا واسعا، خاصة بعد أن وجه عدد من النواب انتقادات شديدة ومباشرة للرئيس قيس سعيد، في سابقة اعتبرها البعض بوادر تمرد داخل ما يُعرف ب"برلمان الرئيس"، مع مطالب متزايدة ب"حله"، على غرار ما حدث مع البرلمان السابق، الذي قام سعيد بتعليق أعماله ثم حله عام 2022، عقب مصادقته على تعليق تدابير سعيد الاستثنائية.
وخلال جلسة مخصصة لمناقشة ميزانية رئاسة الجمهورية، قال النائب أحمد السعيداني: "نحن نشهد أن رئاسة الجمهورية في حالة شلل تام ومطبق ومطلق"، مؤكدا أن "مجلس نواب الشعب هو مجلس التونسيين وليس مجلس قيس سعيد".
واستدرك بقوله: "لولا قيس سعيد ولولا 25 يوليوز ما كنت أنا وأمثالي لنصل إلى البرلمان. لكن السلطة حولتنا إلى مجموعة من النواب التابعين".
وأضاف السعيداني: "حلمنا مع قيس سعيد فخذلنا. آمنا به وصدقناه فخيب آمالنا. اعتقدنا أنه المنقذ لكننا وجدنا أنه اليوم يسطّر المرحلة الثانية من العشرية السوداء (في إشارة إلى حكم الترويكا)".
من جهتها، قالت البرلمانية ماجدة الورغي: "انتخبت قيس سعيد عام 2024، واليوم يغلق بابه في وجه نواب الشعب وهم صوت المواطن التونسي".
ودعت سعيد إلى مغادرة قصر قرطاج ومراجعة الملفات في مكتب العلاقة مع المواطن في رئاسة الجمهورية، التي قالت إنها لا تصل إليه.
وتزامن ذلك مع استقالة سبعة نواب من مكتب البرلمان احتجاجا على تكرار خرق النظام الداخلي للبرلمان من قبل رئيس المحلس، إبراهيم بودربالة.
كما وقع عدد من النواب على عريضة لسحب الثقة من بودربالة، بسبب "خرقه" للنظام الداخلي للبرلمان، وقيامه ب"توتير" العلاقة بين البرلمان ورئاسة الجمهورية.
وفي تفاعله مع هذه التصريحات، دون الباحث والناشط السياسي سامي براهم "ما السرّ يا ترى وراء الشجاعة المفاجئة الأشبه بالهبّة الجماعية لعدد من نواب البرلمان التي وصلت حدّ استهداف رئيس الدّولة في شخصه بما يمكن أن يصنف ضمن ارتكاب أمر موحش في حقه وهم يعلمون أنّ سيف سحب الوكالة مسلط على رقابهم فضلا عن المرسوم 54؟".
وأضاف: "هل هي محاولة للتمرّد على موقع الوظيفة والتحرّر من الجلباب الذي ألبسهم إياه دستور 22 واستعادة موقع السلطة الذي تعبر عنه فلسفة العمل البرلماني في كلّ الديمقراطيات العريقة؟ أم لا يتجاوز الأمر مجرد الشّو الخطابي و"فرّغ قلبك" لإضفاء صورة حيوية على برلمان التزكية والمصادقة على القروض باعتراف النوّاب أنفسهم؟ أم هناك أشياء أخرى لا يعلمها الرّأي العام؟ أفيدونا يرحمكم الله!".
وكتب الباحث والمحلل السياسي خالد شوكات: "هل هناك حاجة حقيقية للبرلمان أصلا في ظلّ تحويل "السلطات" التي يحاسب بعضها بعضا ويراقب بعضها بعضاً، إلى مجرّد "وظائف"؟ وفي ظلّ تناقض جوهري في الدستور الحالي، يجعل من الرئيس صاحب السلطات جميعا، ومن رئيس الحكومة مجرّد "منسّق" لأعمال الحكومة".
وأضاف: "هل يعقل أن يكون رئيس الحكومة هو المسؤول رغم طابعه الشكلي وصلاحياته المحدودة، عن الحضور إلى البرلمان ومواجهة النواب، بينما صاحب السلطات جميعا غير ملزم بذلك؟ ألا يخالف هذا أعراف الأنظمة الرئاسية ناهيك عن الرئاسوية؟".