عادل الحامدي يحط الرئيس التونسي الأسبق الدكتور المنصف المرزوقي هذه الأيام رحاله في المغرب الأقصى، بلد الأصالة والكرم، بدعوة من حزب جبهة القوى الديمقراطية المغربي، وفي استقبال يليق برئيس وصديق للمغرب. ليس مجرد ترحاب سياسي روتيني، بل عناية إنسانية وتقدير تاريخي يحيطه به عدد من السياسيين المغاربة، وكأنهم يقولون للعالم: هنا ضيفنا ليس مجرد رجل دولة، بل صديق للأمة، حامل لرسالة الكرامة والعدالة والسلام. المرزوقي، الذي أنسن منصب الرئاسة في تونس، وأعطاه بعده الإنساني والسياسي الذي يليق برئيس بحق. لقد فتح قصر قرطاج أمام عامة الناس، ليصبح منصة للتواصل بين السلطة والمواطن، ومقصداً للعلماء والمفكرين والحقوقيين. كما كانت له مبادرات استثنائية على الصعيد الإقليمي والدولي، إذ فتح القصر لقادة المقاومة الفلسطينية، ورعى مؤتمراً دولياً عن المسارات القانونية للقضية الفلسطينية، مؤكداً أن تونس، في عهده، لم تكن مجرد دولة، بل كانت منصة للحقوق والعدالة والسلام. إضافة إلى ذلك، لطالما كان الدكتور المرزوقي مناصرًا لوحدة المغرب العربي. فقد عمل أثناء رئاسته لتونس على إقناع قادة الدول المغاربية بضرورة التجاوب مع حرية التنقل والسفر والعمل والتملك، والسماح بمشاركة المواطنين في الانتخابات البلدية عبر الحدود، معتبرًا أن هذه الخطوات العملية أساس لبناء مغرب كبير متحد. موقفه هذا لم يكن مجرد شعارات سياسية، بل تجسيدًا لرؤية استراتيجية لمستقبل الإقليم، حيث التعاون والتكامل يشكلان رافعة للاستقرار والتنمية. كما كان المرزوقي من المؤيدين لقرار مجلس الأمن رقم 2797، واعتبر دعم خيار الحكم الذاتي خطوة إيجابية لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة. موقفه هذا يعكس رؤية إنسانية وسياسية متقدمة، تجمع بين الالتزام بالقانون الدولي واحترام إرادة الشعوب، وبين العمل الدبلوماسي البنّاء الذي يعزز الوحدة والكرامة. أما بالنسبة لي، فقد كانت لي تجربة شخصية مع هذا الرجل الاستثنائي. التقيت بالمرزوقي لأول مرة عندما كان معارضًا للرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي، في باريسولندن، حيث كان شغفه بالحرية والديمقراطية واضحًا في كل حديث وكل موقف. ثم قابلته مرة أخرى كرئيس لتونس في قصر قرطاج، حيث تأكدت من عمق إنسانيته وإيمانه بأن السياسة يجب أن تكون خدمة للشعب قبل أي شيء. وأخيرًا، التقيته مرة ثالثة في لندن، بعد أن أصبح لاجئًا سياسيًا من جديد، وما زال محافظًا على توازنه الإنساني والسياسي، وكرمه وهدوئه المتميز رغم كل ما مر به من صعوبات. والتاريخ الذي جمع المغرب بتونس ليس مجرد جغرافيا، بل إنساني بالأساس، فقد احتضن المغرب الأقصى والد الدكتور المرزوقي حيّاً وميّتاً، واستمر في رعاية أبنائه بعده. وهذه الخصوصية التاريخية، وهذه العلاقة الممتدة بين البلدين، كانت حاضرة في الترحاب والضيافة والاحترام الذي أحاط المغاربة به الدكتور المرزوقي، بما يليق به وبالمغرب الأقصى، ذلك البلد الذي احتضن عبر العصور فاطمة الفهرية وزينب النفزاوية، ومنح العلوم والكرم مكانة لا تزول. إن في هذا اللقاء بين الرجل والبلد درسًا سياسياً وإنسانياً لتونس، ولأي أمة تسعى لأن تكون عادلة ومتقدمة. الزعماء والقادة ليسوا مجرد رموز بروتوكولية، بل حاملون لإرث إنساني وثقافي وسياسي، يستحق أن يُكافأ ويُحترم، ويُحتفى به بما يليق بمسيرته وعطائه. وفي هذا، المغرب الأقصى يقدم نموذجًا حضاريًا راقيًا، يكرم الرجال قبل الوظائف، ويجلّ التاريخ قبل السياسة. على أهل تونس وعقلائها وحكمائها أن يتعلموا من هذه الخصال، ليكافئوا قادتهم وزعماءهم بما يليق بهم، ويحولوا المناصب الرسمية إلى منصات للإنسانية والعدالة، لا مجرد امتيازات سلطوية. المرزوقي في المغرب هو مثال حي عن كيف يمكن للسياسة أن تكون إنسانية، وكيف يمكن للزعيم أن يُقدَّر كما ينبغي، وطنياً ودولياً، سياسيًا وإنسانيًا. في زمن تتلاطم فيه الأمواج السياسية، وتصبح الوظائف مجرد مواقع قوة، تظل رحلة المرزوقي في المغرب تذكيراً بأن الكرامة والإنسانية ليست شعارات، بل ممارسات تُخلد في التاريخ وتزرع الاحترام بين الشعوب، وأن الوحدة المغاربية والتعاون الإقليمي ممكنان إذا ما جسدنا المبادئ على أرض الواقع.