وفد نيابي برئاسة الطالبي العلمي في زيارة عمل لجمهورية فنلندا    توقيف مشتبه في ترويجهم لمخدرات وحجز سلاح ودراجات نارية    حموني يراسل وزارة التجهيز بخصوص الخسائر الفادحة في البساتين الفلاحية ببولمان    بعد جدل طلاقها .. سكينة بنجلون تطلق نداء عاجلا لحسن الفذ    النائبة البرلمانية النزهة أباكريم من الفريق الاشتراكي توّجه سؤالا كتابيا للوزير حول الموضوع .. تردي الوضع الصحي بتيزنيت يصل إلى قبة البرلمان والساكنة تنظم وقفة احتجاجية صاخبة    فرنسا تتأهب لاحتجاجات ضد التقشف    علماء الفلك يرصدون ظاهرة قوية وغامضة في الكون    العصبة تصادق على ميثاق الحكامة وتدخل قانون جامعي الكرات حيز التنفيذ    تعيينات في المصالح الاجتماعية للأمن‬    تداولات الافتتاح ببورصة الدار البيضاء    مجموعة بريد المغرب ومؤسسة البريد السعودي توقعان اتفاقيتين استراتيجيتين لتطوير التبادل ودعم نمو التجارة الإلكترونية    رغم استهداف سفينة جديدة .. "أسطول الصمود" يقرر الانطلاق نحو غزة    188 مليون طفل ومراهق يعانون السمنة .. والأمم المتحدة تحذر    احتجاجات متصاعدة في فرنسا تحت شعار "لنغلق كل شيء"        المنتخب المغربي لألعاب القوى يراهن على البقالي للتألق في مونديال طوكيو    إيكمان يشكر الجماهير المغربية والعيناوي سعيد بظهوره الثاني        "صفقات على المقاس".. الفرقة الوطنية تفتح تحقيقا في اختلالات بصفقات عمومية        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    صيف استثنائي بفضل الجالية.. 4,6 ملايين سائح بالمغرب خلال يوليوز وغشت    فيدرالية اليسار الديمقراطي تدين العدوان الإسرائيلي على قطر وتطالب بوقف التطبيع    النجم كيليان مبابي يتخطى هنري ويلامس عرش الهداف التاريخي لفرنسا    الحزم السعودي يعلن رسميا تعاقده مع عبد المنعم بوطويل    "فيفا" يخطر جامعة الكرة بموعد إرسال اللائحة النهائية للمنتخب المغربي المشاركة في كأس العرب    فرنسا.. اعتقال 200 متظاهر في احتجاجات واسعة ضد ماكرون    آفاق ‬التعاون ‬المغربي ‬الموريتاني ‬تتسع ‬أكثر    اليمين ‬الإسباني ‬يعلن ‬حربا ‬جديدة ‬على ‬المغرب ‬    ملف ‬الصحراء ‬المغربية ‬في ‬الأمتار ‬الأخيرة ‬من ‬الإغلاق ‬بقرار ‬أممي    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح العمل الاجتماعي للأمن الوطني    عبد النباوي: لا إذن بالتعدد إلا بعد التحقق من الوضعية المادية لطالبي الزواج    8 ‬ملايين ‬و271 ‬ألف ‬تلميذ ‬يلتحقون ‬بالمؤسسات ‬التعليمية    المنتخب الإماراتي لكرة القدم يتأهل إلى نهائيات كأس آسيا لأقل من 23 سنة    منتخب الرأس الأخضر يقترب من أول تأهل إلى كأس العالم في تاريخه بعد انتصاره على نظيره الكاميروني    قطر تتحرك دبلوماسيا وقانونيا لمواجهة الهجوم الإسرائيلي على الدوحة    توتر دبلوماسي يدفع ترامب لعدم حضور قمة العشرين    الرباط تحتضن ندوة رفيعة المستوى حول مستقبل العلاقات الأورو-متوسطية    اليونسيف: السمنة تهدد 188 مليون طفل ومراهق حول العالم    استعراض مؤهلات جهة الشمال على وفد فرنسي من تولوز    مع حضور في الطقوس والأمثال .. الخبز في حياة المغاربة: من قوت يومي إلى مقام وجودي ورمز أسطوري وسلم اجتماعي    مطارات الإمارات تتجاوز حاجز المليار مسافر خلال 10 سنوات    23 قتيلا و 2835 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع الماضي    هشام العلوي يدعو المغرب إلى قطع علاقاته مع حكومة نتنياهو مع الحفاظ على الروابط مع المجتمع والشعب الإسرائيلي    دراسة: أسماك الناظور ملوثة وتهدد صحة الأطفال    دراسة: أسماك الناظور ملوثة بعناصر سامة تهدد صحة الأطفال    باقبو الفنان الذي ولج الموسيقى العالمية على صهوة السنتير.. وداعا        تلميذ يرد الجميل بعد 22 سنة: رحلة عمرة هدية لمعلمه    1500 ممثل ومخرج سينمائي يقاطعون مؤسسات إسرائيلية دعما لغزة    أجواء روحانية عبر إفريقيا..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تحيي المولد النبوي        نسرين الراضي تخطف جائزة أفضل ممثلة إفريقية        أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    مبادرة ملكية لتبسيط فقه الزكاة وإطلاق بوابة رقمية للإجابة على تساؤلات المواطنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكولونيل المتقاعد كنوش محوش: كواليس وخبايا تعويضات طلبة "أهرمومو"
نشر في الأيام 24 يوم 08 - 10 - 2019

خلف الحوار الذي أجريتها الشهر الماضي مع أسبوعية "الأيام"، في ما يتعلق بالتعويضات التي صرفت لتلاميذ "أهرمومو" عدة ردود أغلبها في الاتجاه الايجابي، حيث قررت أن يكون هذا الحوار في إطار إغناء النقاش، و الرأي و الرأي الأخر، وكقناعة مني أن هؤلاء التلاميذ لم يتم إنصافهم، و أن عملية تعويضهم شابتها الكثير من الاجتهادات، بعضها لم تكن موفقة.
في هذا المقال سأتطرق للمسار الصعب الذي قطعه كل من زج بهم في الانقلاب الفاشل سنة 1971 بالصخيرات، ضباطا، ضباط الصف و تلاميذ. لما وجدوا أنفسهم في الصخيرات في معمعة ما كانت تخطر على بالهم يوما ما و هو الانقلاب الغاشم الذي لم يكتب له النجاح و خطط له من أراد السوء لمغربنا العزيز البلد الأمين.
إبان الانقلاب، كان المرحوم الحسن الثاني يراقب عن كثب كل ما كان يدور من حوله، فتبين له أن هذا الكم الهائل من الجنود ضباط صف و تلاميذ، كانوا تائهين دون أية خطة محكمة. لأن من دبروا هذا الانقلاب كان غرضهم الخوض في ماء عكر حتى يتمكن لهم القبض على المرحوم عاهل البلاد و يعلنوا بذلك نهاية حكم السلاطين العلويين، لكن الله أراد الخير لهذا البلد .
لما فشل انقلاب تلك الشرذمة من الضباط و بعض أتباعهم، بدأت عملية التطهير ابتداء من القصر و خارجه و في الرباط بالإذاعة و التلفزة المغربية، و القيادة العليا للجيش الملكي و محيط وزارة الداخلية و بعض الوزارات الأخرى المجاورة.
هنا بدأت القوات المخلصة لعاهلها المفدى تعتقل المئات من المتورطين والذهاب بهم إلى الثكنات من أجل الاستنطاق و معرفة الحقيقة. أما الدرك و الأمن فقد تمكنوا بدورهم من إلقاء القبض على كل من ظن أنه سيفلت منهم، و كان منهم من ألقي القبض عليه و هو محمل بذخائر و أسلحة و حتى المسروقات التي أخذوها من قصر الصخيرات قبل أن يتبعوا مدبر الانقلاب محمد عبابو الذي أعطى وجهة الرباط و خصوصا الاذاعة و التلفزيون و الداخلية و المقر العام للقوات المسلحة الملكية حتى يضلل الرأي العام المغربي و يوهمه أنهم ألقوا القبض على المغفور له الحسن الثاني و بأن عهدا جديدا سيبدأ.
في تلك الأثناء كانت إذاعة طنجة تبث على الأثير عكس ما قالته إذاعة الرباط مخبرة الشعب المغربي بجميع أطيافه بأن ملك البلاد حي يرزق و يمسك بزمام الحكم في المغرب.
أنا كنت من تلك الفئة التي بقيت إلى جوار المرحوم الحسن الثاني رفقة بعض التلاميذ الذين ساهموا في أمن و سلامة جلالته. وهنا أفتح قوسا لكي أقول بأن كل من عانق و رفع و قبل كتف أو رأس المغفور له الحسن الثاني قد كتبوا رفقتي صفحة جديدة في تاريخ المغرب المعاصر، و يمكنهم أن يفتخروا بذلك ما داموا على قيد الحياة. مما جعل عاهل البلاد آنذاك يأمر لهم بمأذونية النقل من فئة سيارة أجرة كبيرة و النظر في قضيتهم و ترقيتهم إلى درجة ضابط، لكن تعليمات جلالته لم تنفذ قط. و أعود هنا إلى الآخرين من ضباط و ضباط الصف و تلاميذ و جنود الذين ألقي عليهم القبض في جميع أنحاء المغرب، وجدوا انفسهم في دوامة لا تطاق، فكثرة التنقلات من ثكنة إلى أخرى جعلهم يعيشون على فوهة بركان كأنهم يحسبون ما تبقى لهم من العمر. وبعد التحريات الأولية أعدم بعض الجنرالات و ضباط سامون، و تبين للمحققين أنه مازال هناك بعض الضباط الذين قد يكونوا ساهموا من قريب أو بعيد في الانقلاب الفاشل.
كانت مناسبة آنذاك لي حين استقبلني المغفور له الحسن الثاني في إقامته لأكثر من خمس ساعات، حيث أراد من خلال ذلك أن يعرف كل صغيرة و كبيرة في هذه القضية. حينها اتخذ المغفور الملك العظيم الحسن الثاني قرارا تاريخيا، و كنت أول من سمع به و أنا أمامه رحمه الله قبل أن يعطي أوامره المطاعة لخدامه الأوفياء بأنه قد عفا على كل التلاميذ الذين زج بهم اعبابو و شرذمته في هذا الانقلاب الذي قدر له الفشل و نالوا جزاءهم. أما عن المتورطين الباقين من ضباط و غيرهم فقد قال الحسن الثاني أنه سيترك الحق لقوة القانون حتى يصدر فيهم العقوبات التي يستحقونها، أو البراءة إن كانوا عن الفعل غافلون.
فسنة 1971 كانت في مجملها و لا سيما الدول العربية قد عرفت غليانا شعبيا بدافع الحرية والقومية العربية. وكان في المغرب من يكن للقصر عداء ويظهر ذلك من عدد محاولات تصفية المرحوم الحسن الثاني الذي قالها لي حينما كنت أجالسه في إقامته. و قد تجلى ذلك حتى في الوسط العسكري في قصر الصخيرات لما كان اعبابو يقتل الجنرالات وبعض الكولونيلات بدافع أنهم غدروا به و مواقفهم وقناعاتهم.
و من بينهم كبيرهم الجنرال اوفقير الذي كان دائما يعمل بمنطق الانتقام و القتل مهما أعطاه المغفور له الحسن الثاني من صلاحيات مدنية و عسكرية. لكن الحمد لله في مساء الانقلاب جرده الملك من الصلاحيات المدنية، و يبقى أوفقير في فترة 71 – 72 الرجل القوي الذي كان ينتظر الوقت المناسب لكي ينقض على المرحوم الحسن الثاني، لكن هذا لم يتم له لأن بركة المغفور له كانت أقوى. فكنت أنا أول من كان سينال من بطشه داخل مكتبه بالقيادة العليا لولا الألطاف الإلاهية. و هذه القصة سأحيكها بالتفاصيل في مناسبة لاحقة، و سأحكي كذلك ما جرى لي مع الجنرال لوباريس و مع الوزير القوي ادريس البصري الذي في نظري كان يحب نفسه أكثر مما كان ينافق المرحوم الحسن الثاني بأنه من الخدام الأوفياء، و كانت تعليمات الملك حتى إن طبقها يطبقها على مزاجه.
ففي سنة 1972 تقدم مسؤولون في الجيش لجلالته الذين استفسرهم عن مصير التلاميذ الذين عفا عنهم و برأتهم المحكمة العسكرية بالقنيطرة و طلبوا من جلالته أن يخلي سبيلهم و هنا قال لهم المغفور له قولته الشهيرة :"عندي شباب عاطلين و تريدون أن أزيد عاطلين على عاطلين"، و أمرهم بأن يدمجوا هؤلاء التلاميذ في سلك الوظيفة العمومية (الصحة ، التعاون الوطني، التجهيز، الفلاحة... ).
و تبين بعد ذلك بأن بعض التلاميذ لم يحظوا بهاته الرعاية، وحسب علمي أعطيت لهم استمارات لملئها حتى يختاروا إن أرادوا أن يزاولوا هذه المهنة أو تلك و لكن هناك عدة روايات في الموضوع بعضها متناقضة.
بعد انتحار اوفقير، بحسب الرواية الرسمية، عرفت مسيرة تلامذة اهرمومو تيهان وشقاء أتلفتهم وجهتهم للوصول إلى بر الأمان. و هنا أمام هذا الواقع الأليم انقض عليهم من يحترف السياسة و يسترزق على مآسي الناس، و استغلوهم أبشع استغلال، حيث احتضنوهم واستفادوا على حسابهم سياسيا. فكان التلاميذ ضحية وجود بين قساوة ظروفهم المعيشية و جشع هؤلاء الوصوليين الذين وعدوهم بجنة عدن. فهؤلاء التلاميذ الأبرياء الذين اختاروا أن يكونوا ضباط صف في المستقبل للدفاع عن دينهم و وطنهم و ملكهم، وجدوا أنفسهم بين أحضان من يحترفون السياسة و استعلوهم لغرض في نفس يعقوب، حتى أصبحوا اختصاصيين في الوقفات الاحتجاجية.
مرت السنين التي تساقطت كأوراق الشجر، و لم يظهر أي بريق حتى يطمئنوا على مستقبلهم .فحتى من استفاد من الوظيفة العمومية انخرط مع التلاميذ الذين قست عليهم الظروف و الأيام. فأخذ الشيب يظهر على رؤوس من كانوا في السابق تلاميذ و أبناؤهم و نساؤهم كانوا ينعتون بالخونة. فهذا العذاب النفسي أقبح ممن كان محبوسا بين أربعة جدران في تازمامارت. و من ضمن هؤلاء التلاميذ من لاقى ربه و منهم من ينتظر، لكن الانتظار طال و بدأت تظهر علامات استفهام كان يجب لمن أخذوا بأيديهم أن يعطوا تفسيرات مقنعة. فكان عليهم عوض أن يوقدوا شمعة بدل أن يلعنوا الظلام.
و هنا بدأت عملية (باك صاحبي) و ملفات وضعت خارج الأجل، و ملفات عدم الاختصاص. و بقيت دار لقمان على حالها إلى أن أمر الملك محمد السادس أيده الله و نصره بصرف تعويضات لكل من كان مقهورا أو مظلوما أو مستغلا أو عايش سنوات الرصاص، دون الأخذ بعين الاعتبار فيما يخص تلاميذ اهرمومو من استفاد من الوظيفة العمومية و من لم يستفد. فإلى حد الآن من لم يستفيدوا من هذه التعويضات التي أمر بها صاحب الجلالة محمد السادس و التي تشرف عليها السيدة الفاضلة أمينة بوعياش رئيس المجلس الوطني لحقوق الانسان، مازالوا ينتظرون مستحقاتهم حتى يطوى هذا الملف نهائيا و حتى يستفيدوا مثل زملائهم.
فهؤلاء التلاميذ الذين لم يستيفدوا من الوظيفة العمومية و لا من التعويض الذي أمر به صاحب الجلالة، كان من اللازم على رئيس مجلس حقوق الانسان أن يعوضهم بجبر الضرر عن الوظيفة العمومية كسائر أصدقائهم.
في الأخير أريد أن ألفت نظر القارئ العزيز بأن هناك من يعملون في الخفاء وهم يعرفون أنفسهم، يروجون لدعاية كاذبة يبحثون من خلالها أن يدفنوا تعليمات صاحب الجلالة محمد السادس وطي ملف "أهرمومو" نهائيا.
و هنا لا أطعن في صلاحيات المجلس الوطني لحقوق الانسان، الذي أبان عن إرادة قوية لطي هذا الملف، تماشيا مع التعليمات المولوية الشريفة في هذا الموضوع.
غير أنني سأعيد ما قلته سابقا على صفحات أسبوعية "الأيام" و أؤكد أن التعويض شمل جميع تلاميذ "أهرمومو"، بمن فيهم من استفادوا من الوظيفة العمومية ومن لم يستفيدوا على حد سواء، لأن هناك تعليمات سامية واردة في ما يخص التلاميذ من صاحب الجلالة محمد السادس، القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، و هي تعليمات ما علينا سوى أن نحترمها، لأننا نحن جنود صاحب الجلالة و لا نناقش تعليماته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.