نادية فتاح: حجم الدعم المخصص للمواد الأساسية تجاوز 100 مليار درهم خلال الفترة ما بين 2022 و2025    سباق متهور بين سيارتين ينتهي بحادثة مأساوية على الطريق السيار    فرنسا: توقيف متهمين آخرين في اختطاف المعارض الجزائري "أمير ديزاد"    أشادت بالرؤية الملكية من أجل إفريقيا .. بوروندي تجدد تأكيد دعمها للوحدة الترابية للمغرب ولسيادة المملكة على صحرائها    الشعب المغربي يحتفل بالذكرى ال69 لتأسيس القوات المسلحة الملكية    واشنطن والرياض تُعلنان عن أكبر صفقة أسلحة في التاريخ    ترامب يعلن رفع العقوبات عن سوريا    الركراكي: حكيمي قائد حقيقي ومرشح للكرة الذهبية    بورصة البيضاء تنهي التداول بالأخضر    الطالبي يجري مباحثات مع عضو الأمانة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ووزير دائرة الإعلام في لجنة الحزب    ‮«‬الأسد ‬الإفريقي ‬2025‮»‬: ‬أكبر ‬مناورة ‬عسكرية ‬في ‬القارة ‬تنطلق ‬من ‬المغرب ‬بمشاركة ‬أمريكية ‬ودولية ‬واسعة    جلالة الملك يستقبل ثلاثة أعضاء جدد بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية    هشام بلاوي الوكيل العام الجديد للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة    محمد وهبي يؤكد أن شبان المغرب قادرون على تحقيق أشياء عظيمة    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية مصحوبة محليا بتساقط للبرد بعدد من مناطق المملكة    قطرات مطرية متفرقة مرتقبة بطنجة وجهة الشمال يوم الأربعاء    حريق بشقة سكنية في حي بن كيران بطنجة يخلّف خسائر مادية    الاستقلال يدعو لفتيت إلى تسريع مراجعة القوانين الانتخابية استعدادًا للاستحقاقات المقبلة    عملية بحرية محكمة تُفشل مخطط تهريب دولي للمخدرات بالسواحل المغربية    الصين تراهن على المغرب كمركز صناعي استراتيجي نحو أوروبا وإفريقيا    وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية: الأوضاع الأمنية في العاصمة الليبية "تحت السيطرة"    فشل الجزائر الذريع في جرّ مصر إلى فخ بوليساريو؟    احباط تهريب 58 كيلوغرام من الحشيش بحيلة غريبة    حكم جديد.. 3 ملايين ونصف تعويضاً لسيدة عضها كلب    أزمة دواء اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في المغرب.. يفاقم معاناة الأسر في صمت    جبايات الجماعات.. البرلمان يصادق على إسناد تحصيل رسم السكن والخدمات لإدارة الضرائب وتعديل ضريبة الأراضي غير المبنية    الصين تعزز شراكتها مع أمريكا اللاتينية بخمس مبادرات تنموية وإنسانية جديدة    صافرة رومانية تضبط نهائي دوري أبطال أوروبا    دراسة من هارفارد: شرب الماء الكافي يعزز التركيز الذهني ويقلل التعب والإرهاق    في برنامج "مدارات" : لقاء مع الباحث الأستاذ أحمد متفكر ، وحديث حول سيرة محمد ابن الموقت المراكشي    اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية.. انتخاب سفيان البقالي رئيسا للجنة الرياضيين    أسعار ‬الأسماك ‬في ‬ارتفاع ‬متواصل ‬وسمك ‬الفقراء ‬بات ‬نادرا ‬في ‬الأسواق    مراكش ومدن مغربية أخرى تحتفي بموسيقى موزارت لتوحيد المواهب المتوسطية    غزة تحاصر كان.. 380 فنانًا يتهمون إسرائيل بالإبادة    الرباط تحتضن أول مهرجان لفن الراب "212'FlowFest"    رسوم بذيئة تعبث بموقع "تشان تشان" التاريخي في البيرو    لتضيء نضالات الأمس دروب الغد    مشكلة الوعي الزائف وشروط امكان الوعي الحقيقي    المجنونة المتحرِّشة بالنساء الحوامل    الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم استثمار 150 مليون يورو في الصحراء    شرطة ألمانيا تفكك "شبكة متطرفة"    المغرب الفاسي يثق في منتوج النادي    الأغذية فائقة المعالجة تهدد بأعراض "باركنسون" المبكرة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    النفط يهبط بفعل مخاوف من زيادة المعروض وحذر حيال اتفاق أمريكا والصين    الهيئة المغربية لسوق الرساميل تؤشر على المنشور المتعلق ببيع أسهم "رونو"    برشلونة على أعتاب لقب "الليغا" وريال مدريد يودّع أنشيلوتي    بكين وواشنطن تتفقان على آلية حوار اقتصادي لتفادي التصعيد    حكيمي يعزز استثماراته الرياضية بشراء نادي إسباني    بطولة اسبانيا: ريال مدريد يفتقد لجهود فينيسيوس وفاسكيس للاصابة    تركيا.. أزيد من 64 مليون مسافر عبروا مطارات البلاد خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2025    مندوبية السجون توضح بخصوص زيارة الزفزافي لوالده    ماذا نعرف عن أسباب وأعراض متلازمة مخرج الصدر؟    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مِمَّا يُشِين الثقافة والمُثقَّفِين
نشر في الدار يوم 16 - 02 - 2020

أنَّ أخطر ما يمكن أن يَشُلَّ الفكر والخيال، ويجعلهما غير مُفِيدَيْن في شيء، هو حين يميلان إلى الشتيمة والاستهزاء، وإلى تحويل اللغة إلى أداة ذبح وقتل. خصوصاً حين يكون من يقوم بهذا العمل، شخص يدعي الانتساب إلى الشِّعْر والكتابة، أو أنَّه، حين يريد أن يرى خياله أطول من قامته، يدَّعي أنه مثقف.
هذه من الأزمات التي مَسَّت الثقافة العربية في عمقها، وجعلت منها ثقافة شتائم وتعريض بالأنفس والأشخاص، بدل أن تكون ثقافة نقد وتحليل وتفكيك، كما جعلت منها ثقافة هزيمة وانبطاح، حين تحوَّل هذا «المثقف» إلى صدًى لأصواتٍ تُسَخِّرُه ليتكلم نيابة عنها، لأنها، هي الأخرى، عاجزة عن مواجهة خصومها بنقد ما يقولونه ويكتبونه، وعاجزة عن أن ترى في الظل انعكاساً لضوء الشمس على الشجر.
ما هذا الذي تعيشه الثقافة اليوم من انحطاط وتَدَنٍّ، وما هذا التشويش الذي مَسَّ عقولنا في النظر إلى الأمور بما تقتضيه من مساءلة ومُكاشفة وإعادة نظر، هل اكتفينا أن نكون صَدًى لما صار يجري في الشارع، وصار الشارع هو ما يؤثر في هذا «المثقف» المزعوم، الذي يُفْتَرَض فيه أنه يقرأ ويكتب، وكان عليه أن يكون عارفاً بدور المثقف في توجيه الرأي العام، وفي طرح الأفكار واقتراح الأسئلة، أو ما يمكن اعتباره نظريات ومفاهيم ومناهج، تُعِيد النظر في ما يجري في الواقع!؟
يقلقني هذا الانحدار والانحطاط الذي مسَّ الثقافة، ومسَّ الإبداع، وما دخل على الثقافة، عندنا، من ظواهر، لم تكن فيها، أو أنها كانت بغير هذا القدر التي هي به اليوم. هل معنى هذا أن مفهوم المثقف والشاعر والكاتب ابْتُذِل، وأصبح، بلا مضمون، وبلا معنى، وأصبحت الشتيمة التي تجري في الشوارع والساحات العامة، هي ما نقرأه في الصحف والمواقع، أي أن هذه الصحف والمواقع، خضعت الابتزاز الشوارع والفضاءات العامة، أو أنها، بالأحرى، صارت مرآة لما يجري في الشارع!؟
لا أملك الجواب، ما أملكه، هو ما أقرأه، وما أراه، وما أُعايِنُه من ارتباك واختلاط وتشوُّش في كل شيء. وحتَّى لا أُعَمِّم هذا على المثقفين والشُّعراء والكُتَّاب الحقيقيين، ممن لهم وجود بالفعل، لا بالقوة، أرى:
أنَّ ما يجري من إفساد للثقافة، ناتج عن فساد العقل والخيال، وناتج عن ظهور نوع من الأخلاق التي تسربت إلى الثقافي من السياسي.
أنَّ المسافة بين الاختلاف والخلاف، لم تعد قائمة، لأنَّ الذين يقرؤون الاختلاف يفهمونه بمعنى الخلاف، أي يعتبرن هذا من ذاك، أو هو من مرادفاته، وهذا ما جعل الخلاف والاختلاف، مثل حَدَّيْ السيف، أو السكين، عند هذه العقول والأخيلة المُشَوَّشَة.
أنَّ المثقف، في ما أتصوَّرُه، دائماً، هو ضمير الأمة، وضمير الجماعة، ولحظة الضوء التي نحتاج إليها، متى انتشر الظلام وعمَّ التشوش والفوضى، فلا داعي للمثقف، بهذا المعنى، حين يصير التشوُّش من دواعي وجوده، ويكون ذَيْلاً وتكملة لغيره، ممن يَرْمُونَ به في وجه العاصفة.
أنَّ المثقف، ليس نعامة، فهو عُرْضَة لكل أشكال العواصف، يُجابهها، ويعرف أن الثمن كبير في ما قد يؤديه من ضرائب، هي جزء من مصيره، وما اختاره من طريق.
وأنَّ الثقافة، في معناها العام، هي مرآة، لا نكتفي فيها أن نرى وجوهنا وحدها، بل ما ينعكس عليها من حركات وسكنات، لأن المرآة ليست صامتة، فهي لها ماض، هو ماضي الوجوه، بكل ما تختزنه من شر ومكر وخديعة، فلماذا، إذن، ننظر في المرآة، ما لم نكن نرغب في إخفاء قبحنا ومكرنا، وما يسكن في نفوسنا من شر وشَرَرٍ.
غياب مؤسسات ثقافية ديمقراطية مستقلة، المثقف من يديرها، ويُشْرِف عليها، ويكون صاحب رؤية وبرنامج، وصاحب فكر وخيال، أدَّى إلى حدوث احتلال لهذه المؤسسات، بل حدوث اختلالات فيها، فصارت هذه المؤسسات يحكمها أشخاص، لا يخجلون من أن يكونوا فيها لوحدهم، في مقابل غيرهم، ممن هم أعضاء في هذه المؤسسات، يتحولون مع المدة إلى أكسسوارات وديكورات، تصلح فقط لتبرير الانتخابات المزورة والمخدومة.
وهذا، في نظري، بين أكبر الأعطاب التي جعلت المثقف يصبح في نظر العامة، لا قيمة له، لأنه تنازل عن مباديء الحوار والحرية والديمقراطية، ونسي أن الحق في الرأي، بل والاختلاف فيه، من شروط الثقافة والمثقفين، وأنَّ المثقف حين لا يسمع إلا نفسه، فهو يتحوَّل إلى ديكتاتور صغير تافه، أو إلى قزم، يرى في ظله الذي استطال بانعكاس الشمس عليه، قامتَه التي بها ينظر إلى الآخرين، ويُصادِر حقهم في الرأي والنظر، كونهم فقط، لا يقبلون بالهيمنة والتبعية والسُّخْرَة، أو حجب الحقائق بالأباطيل.
وهنا أريد أن أعود إلى حادثة الشاعر الفرنسي لافونتين، الذي عمل أعداؤه لمدة عشر سنوات على منعه من دخول الأكاديمية الفرنسية، وكانوا أقل أهمية منه، خوفاً من أن يكشف أنهم أقزام اختبأوا خلف أشعة الشمس، ليظهروا بغير ما عليه حقيقة عقولهم وخيالاتهم. ذهب كل هؤلاء، وبقي لافونتين، وهذا ما لا نريد أن نفهمه، ونعمل لأجل أن تكون الثقافة والإبداع، وسيلة تغيير وتحرير، وأن نضع العقل الخيال في سياقهما الإبداعي الخلاق، لا أن نجعل منهما مُدًى بها نفتك بالمُخالفين، لنبقى وحدنا في المرآة، لا وجه فيها غير وجوهنا. وهذا شيء مُشين للثقافة والمثقفين، ومُشين للمعنى النبيل لمفهوم الإنسان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.