قبل عشرين عامًا، لم يكن أحد يتصور أن المغرب سيتحوّل من بلد يعتمد بشكل رئيسي على الزراعة إلى قوة صناعية صاعدة تنافس كبار المصنعين في محيطه الإقليمي، بل وتتجاوزهم في مؤشرات متعددة. اليوم، يقف المغرب في مقدمة دول إفريقيا في مجال التصنيع والتصدير، بفضل رؤية ملكية شاملة تبناها الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش، رؤية جعلت من التصنيع رافعة أساسية للتنمية الاقتصادية والتحديث الشامل. فقد حرصت السياسة الاقتصادية المغربية على وضع أسس قوية لتطوير بنية تحتية متقدمة، وتحسين مناخ الأعمال، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية. وتُعدّ الصناعات الميكانيكية والكهربائية، وصناعة السيارات والطائرات، وصناعات النسيج، والأدوية، والطاقات المتجددة، من أبرز مجالات التفوق المغربي خلال العشرين سنة الماضية. التحوّل لم يكن عشوائيًا، بل نتاجًا لبرامج صناعية طموحة انطلقت منذ "ميثاق الإقلاع الصناعي" سنة 2005، وصولًا إلى "مخطط التسريع الصناعي" الذي أُطلق سنة 2014، والذي سمح بتطوير منظومات صناعية متكاملة "Ecosystèmes industriels"، تجمع بين المصنعين المحليين والموردين العالميين، مما رفع نسبة الإدماج المحلي وخلق فرص شغل بعشرات الآلاف. وتعكس الأرقام هذا التحول بوضوح: ففي قطاع السيارات، انتقل المغرب إلى المرتبة الأولى إفريقيًا من حيث إنتاج السيارات، بطاقة تفوق 700 ألف وحدة سنويًا، يتم تصدير أغلبها إلى أوروبا. كما أصبح المغرب أحد الموردين الرئيسيين لأجزاء الطائرات لشركات عالمية مثل "بوينغ" و"إيرباص"، عبر مدينة صناعية متخصصة في النواصر قرب الدارالبيضاء. الاستراتيجية الصناعية رافقها تطوير لوجيستي ضخم، أبرز معالمه ميناء طنجة المتوسط، الذي يحتل اليوم مراكز متقدمة في تصنيفات الموانئ العالمية من حيث الربط والقدرة الاستيعابية، وهو ما جعل منه منصة عبور إستراتيجية للتجارة الدولية وجذبًا أكبر للمستثمرين العالميين. كما لم تغفل هذه الدينامية الصناعية البعد الاجتماعي، إذ ساهمت في خلق فرص شغل قارّة لفئة الشباب، وتحقيق توازن أكبر في التوزيع الجغرافي للاستثمارات، خاصة بعد تشجيع التصنيع في جهات خارج محور الدارالبيضاء-الرباط، مثل جهة فاسمكناس، وسوس ماسة، والعيون الساقية الحمراء. والأهم من ذلك، أن هذا التحول جاء في سياق تحولات عالمية متسارعة، حيث أصبحت السيادة الصناعية أولوية للدول، والمغرب نجح في تموقع نفسه كشريك صناعي موثوق ومصدر للأمن الصناعي في محيطه الأوروبي والإفريقي. إنّ ما حققه المغرب في ظرف وجيز يُعدّ نموذجًا يُحتذى، ليس فقط في القارة الإفريقية، بل على الصعيد العالمي، حيث استطاع الجمع بين الاستقرار السياسي، والتخطيط الاستراتيجي، والانفتاح الاقتصادي، في إطار مشروع تنموي يقوده الملك محمد السادس، ويجعل من المغرب فاعلًا محوريًا في خريطة الاقتصاد الجديد.